العلاقات النحوية بين البيان والعي
روينا عن محمود محمد شاكر أستاذنا الكاتب الأديب الفذ -رحمه الله!- أن البيان مجتمع الاستبانة والإبانة معا، والعِيّ ضد البيان؛ فهو من ثم مجتمع العجز عن الاستبانة والعجز عن الإبانة معا.
ولقد شغلتنا هذه الأيام مهارات اللغة العربية الأربع (الاستماع والقراءة وهما استبانة، والتحدث والكتابة وهما إبانة)، وكأنها أوتاد الأرض، وغفلنا عن مصطلح البيان الجامع الذي لا يسد مسده غيره، حتى أحاط بنا العِيّ من حيث ندري ولا ندري!
فترى كيف تبدو العلاقات النحوية عند البيان، وكيف تبدو عند العي؟ وكيف تبدو عند اصطناع العِيّ، وكيف تبدو عند اصطناع البيان؟
فلقد أذكر أيام المخلوع أن الدكتور حسن طلب الشاعر الفيلسوف، وضع فيه قصيدة لا ينتبه إليها إلا الراسخون في فن السخرية، تحرى فيها العي، وذكر أنها تعمده لأنه أجدر بالمخلوع! وكذلك أذكر أن نزار قباني الشاعر (الشعبي)، كان على مذهب في العي، يتعمده ويحرص عليه، لأنه أجدر بالفطرة الشعبية!
18 العلاقات النحوية بين التحدث والكتابة
ذكر الأستاذ محمد عبد القدوس الصحفي الثائر المجاهد، مرة عن أبيه الأستاذ إحسان عبد القدوس الروائي المعروف -رحمه الله!- أنه كان يكره إعادة الكتابة، يخشى إذا أعاد فيها النظر أن يهذبها فيفسدها!
سبحان الله!
ما زال بالناس حتى أدبائهم، يقين بأن المنطوق هو صوت الفطرة؛ فإذا ما سجلوه حرصوا على ألا يهذبوه فيزيفوه!
واختلاف المنطوق والمكتوب بَيِّنٌ من قديم إلى حديث، متردد في البحث على وجوه مختلفة، ربما عثرنا فيه على تنبيهات لطيفة عند الجاحظ ومن قبله -ألم يوص ذو الرمة راويته أن يكتب شعره خوفا عليه من تغيير الرواة- حتى إذا أقبلنا في التاريخ وجدنا مسألة اختلاف اللغتين المنطوقة والمكتوبة من مسائل تحليل الخطاب في علم اللغة النفسي، ولا سيما على منهج التداوليين.
ولكنني أدعي أنه لم يستطع أحد بعدُ أن يكفينا ما بين العلاقات النحوية في الحالين من جوامع وفوارق.
19 العلاقات النحوية بين التحدر والتعثر
قد سبق كلام في صفة العلاقات النحوية بين البلاغة والانقطاع، وبين البيان والعي- وربما التبستْ بالمسألتين المسألةُ على بعض الملاحظين!
ولقد يطيب لي أن أنبه على التباس مسائل وصف العلاقات النحوية وتحليلها كلها، لا هذه المسائل وحدها، حتى ليجوز أن ندعي أنها مسألة واحدة كبيرة متكونة من مسائل صغيرة مُتَذَاوِبَة، يجتهد المتأني المتأمل أن يميز لضرورة البحث العلمي بعضها من بعض.
وفي التحدر انطلاق بالعلاقات النحوية، وفي التعثر احتباس؛ فترى أتجري في التحدر على نمط واحد يُغْني المُعَبِّر المنطلق عن التَّلَبُّث، على حيث يتعلق المعبر المحتبس بأنماط مختلفة؟ أَوَيُمْكِن أن يَنْتَدِبَ لهذا الأمر باحِثٌ نِحْرِيرٌ نِقَابٌ!
20 العلاقات النحوية بين التطور والجمود
تتطور اللغة الحية فأما اللغة الجامدة فلغة ميتة؛ ومن ثم يستطيع المتأمل أن يميز في العلاقات النحوية من الكلام العربي المبين أطوارا متعاقبة؛ فيقف على معالمها التي كانت بقانون التواضع الواجب، ثم معالمها التي صارت بقانون التطور الغالب.
21 خصائص بناء الأرجوزة الطويلة
خطر لي أن قصر المسافة التي يعمل فيها الرجز إذا جعل أرجوزته من المشطور أو المنهوك، حافز كبير؛ فإما أن يقدر عليه ويحتفز به إلى قراع التراكيب، وإما أن يضعف عنه ويضطر إلى تكرار التراكيب. والكلام هنا متنازع بين العروض والنحو (الصرف والنحو وما يخصهما من الأصوات). ولقد خطر لي ذلك بدالية ابن الرومي، فأحببت أن أوازن بينها وبين غيرها لبشار أو من قبله أو من بعدهما، ولا سيما أنني أتوقع الوقوف من ذلك على معالم تطور مهمة.
22 حروف النسخ والتوكيد بين التثقيل والتخفيف في القرآن الكريم
خطر لي أن "إِنَّ، وأَنَّ، وكَأَنَّ، ولَكِنَّ"، المترددة في قراءات القرآن بين التثقيل والتخفيف، وثيقة التعلق بمقتضى الدلالة، ثم هي محور تمييز جهات الاختيار القرائية القرآنية اللطيفة، التي حار فيها العلماء من قديم إلى حديث.
23 علاقة تعريف الخبر بإضمار المبتدأ في فواصل الآيات
خطر لي أن تبادل "والله كذا"، و"هو كذا"، في فواصل آيات القرآن الكريم، مستمر، جدير بالتأمل تمييزا بين دقائق التركيبَيْنِ؛ فأردت أن أستقصيه من رؤوس الآي، ثم أنظر فيه في ضوء علمي النحو والبلاغة وغيرهما.
24 العلاقات النحوية بين الذكوريّة والأنوثيّة
على رغم تَهَاويل المساواة، لم يعد لدى كثير من اللغويين المعاصرين ريب في اختلاف أساليب التفكير والتعبير بين الذكور والإناث، حتى لقد وضع أستاذنا الدكتور أحمد مختار عمر أحد كثبه في "اللغة واختلاف الجنسين".
بل قد عثرت من كلام علمائنا القدماء على ما يدل على فهم هذا الاختلاف. ولكنني لم أعثر بعد على من انقطع لتأمل العلاقات النحوية في كلام الذكور والإناث، حتى وقف على ما بينهما من جوامع وفوارق، وليس بكتاب أستاذنا الدكتور أحمد مختار عمر، غير نتائج بعض التجارب الأجنبية التي لم تبلغ المراد.
ولقد كنت اقترحت على بعض تلامذتي في تحقيق هذه المسألة، معالجة أسلوب الرثاء بين مُتَمِّم بن نويرة (الذي بذل شعره في رثاء أخيه مالك)، والخَنْساء بنت عمرو (التي بذلت شعرها في رثاء أخيها صخر)، وقَدَّرْتُ أن يختص كل منهما ببعض أفانين الرثاء، ولكن لم يبلغ البحثُ المرادَ.
25 العلاقات النحوية بين المَنْطِقيّة (الاتِّزان) والانْفِعَال (الاضْطِراب)
من طرائف الإعلان المعاصر عن بعض السلع الغذائية الضارّة، إعلان الحلوى الذي استفاد من أن الغضب يخرج الإنسان عن طبيعته؛ فادعى أنه لا يعيده إليها إلا قَضْمَة من هذه الحلوى! أما أن الغضب يفعل ما اتُّهِم به فنَعَمْ، بل ربما أخرجه عن طبائع البشر جميعا. وأما أن القَضْمة تفعل ما ادُّعِيَ لها فلا أقضي حتى أذوق!
ومثلُ الغَضَب في ذلك الدَّهَشُ؛ يَتَفَلَّتُ مِنَ الدَّهِش والغَضِب كليهما ما لا يُحْكِمَانِه لا اختيارا ولا إبدالا، ولا تقديما ولا تأخيرا، ولا ذكرا ولا حذفا- ويتلقَّفُه الناس، ويَضْرِبون به الطَّبْل، كما فعلوا بخبر المُضِلِّ المنقطع الذي أيقن بالهلاك، ثم غَفَا تعبا وأفاق فإذا ضالته عنده، فقال حمدا وشكرا: اللهم أنت عبدي وأنا ربك- وبخبر المرأة التي دخلت لحاجةٍ على سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين -رضي الله عنه!- فلما رأته حاسرا، وكان أصلع مهيبا، قالت: أبا غفر، حفص الله لك! قال: ما تقولين يا امرأة! قالت: صلعت من فرقتك- وبخبر المحصِّل والفلاحة التاجرة التي أبت أن تدفع له عن بِضَاعَتِها في أحد القطارات المصرية، فتنازعا واشتجر بينهما الكلام، حتى قال لها وكأنما يتنزل عليه الوحي: العدل في الظلم مساواة!
علم ذلك القدماء والمحدثون جميعا، ونبهوا عليه، ولكن لم ينقطع أحد بعد لوصف ما في العلاقات النحوية بين كلام المنطق الطبيعي المتَّزن وكلام الغَضَب والدَّهَش المُضْطَرِب، من جوامع وفوارق.
26 إيقاع مفردات المجال المعنوي
خطر لي أن أتأمل ما اجتمع في كل فصل مما صنفه الثعالي بفقه اللغة وسر العربية؛ فقد وجدت بين مفردات كل فصل منها إيقاعا واحدا تجتمع عليه أوزانها المختلفة. وفي أثناء هذا العمل يحسن الاستفادة مما جرى عليه التطبيق من كتابي ظاهرة التوافق العروضي الصرفي.
27 منهج الطبري في تحقيق الأبنية الصرفية
خطر لي أن أفتش ما للطبري في "تهذيب الآثار"، من بيان عن الغريب؛ فقد اشتمل على تعليقات صرفية دقيقة، جمعت المشتبهات، وفرقت بينها، ربما دلت على منهج جدير به.
28 شعر ألف ليلة وليلة: دراسة نصية عروضية
ما أكثر ما اشتمل عليه كتاب ألف ليلة وليلة من شعر، وما أكثر ما أصاب هذا الشعر من تَصَرُّف، وما أقل ما حظي به هذا التصرف من عناية النصيين العروضيِّين والصرفيين والنحويين، وما أحوج الأبيات اليتامى والنتف والقطع، الواردة في أثناء الليالي أو قصصها، إلى التحقيق مُنْتَسَبًا، ومَقاديرَ، وأوزانًا، وقوافيَ، وألفاظًا، ومعاني...!
29 مآخذ المرتضى على الآمدي
وهل أَحْظَى من أمالي الإمام الشيعي المرتضى عند أهل السنة! لقد جعلوه في دواوين الأدب الكبار، وحُقَّ له؛ فما أسلم طبعه فيه، وما ألطف بصره، وما أنفذ نقده! وإن من ذلك ما أخذه فيه على الآمدي من مآخذ جديرة وحدها بالاستيفاء والتأمل والاستيعاب. كم ارتحت إلى ما في مآخذه هذه من انتصاف لأبي تمام من الآمدي في "الموازنة بين الطائيين"!