السلام عليكم
المصدر بلدنا
11 / 03 / 2007
وجبات الطعام هي وقت مسرحة العائلة
ليس لدى بعض العائلات أوقات محددة لتناول الوجبات الرئيسية، كما يمكن للبعض أن يأكل مباشرة من الثلاجة دون حاجة لطقس الجلوس والاجتماع مع باقي الأفراد، قسم آخر يفضّل مشاهدة التلفاز وقت الأكل، وجزء يمهر بالنقاشات السياسية حول المائدة. وبكل الأحوال ثمينةٌ هي لحظات النقاش هذه التي تمكّن نهاية اللقاء، فالوجبات تُغذي الروابط العائلية، وتٌلفت النظر أيضاً إلى مدى قوة هذه الروابط، حيث يمكن لهذا الطقس الاعتيادي البوح عن أحوال الأسرة.....
قلب الحياة العائلية
في داخل الأسرة، نتكلم كثيراً بطريقة جماعية، أي نوجه الحديث للمجموعة، بحيث يصلح الكلام أن يكون موجهاً لأحد الزوجين وللأولاد بالوقت نفسه.. في آخر النهار نجتمع سويَّة عند الغداء أو العشاء فهو الزمن الذي يهندس شجرة العائلة حول المائدة، وليس علينا أن نستغرب إذا صعُب على الأم أن تشتري الأغراض للتسوق، ذلك لأن مهمة اختيار الأغذية من خضار وخلافه، تُخفي خلفها مسألة أكثر تعقيداً مما قد تبدو عليه من الخارج، حيث يتوجب على الأم أن تغوص في ذوق ورغبة كل فرد من الأسرة، واضعة في عين الاعتبار "صحة" كل منهم في الأولوية. تقوم الأم "ربة المنزل" بتخيّل مسبق لجميع المشاهد التي ستحدث عندما تجتمع العائلة، فتحاول بناء كل ما يمكن أن يجري في تلك اللحظات التي تمثّل "قلب الحياة العائلية".
لكلٍّ طبقه الخاص
في المجتمع الذي يكون فيه رضى الفرد وسعادته هما القيمة الفضلى، تميل الممارسات الغذائية نحو الفردية، فكل يفضّل اختيار الأطعمة التي يرغب هو بأكلها، والأوقات التي تناسبه، وحتى مكان تناول الطعام الذي يلائمه، وعندما تميل النساء لقضاء وقت أقل في المطبخ في تحضير الطعام، يعلنّ بشكل خفي عدم رغبتهن بلعب دور وحيد، ألا وهو دور "الأم التي تغذي".
تعتبر بعض الأُسر أن الأهم هو الاجتماع سوية، أكثر من نوع الطعام نفسه؛ أما غيرهم فيفضل استثمار طبق العائلة التقليدي الذي يحمل معه ذكريات للأسرة ويتفنن أحد الأفراد في صنعه. ويحوي "تركيب العائلة" طقوساً وأطباقا خاصة، وليس عدد الوجبات التي نأكلها سوية هو الأهم، بل كثافتها والجوّ العام لها، وإحساسنا بالتواصل مع بعض خلالها.
إنَّ وجبة طعام جماعية تعني الكثير، فنحن ضمن لحظات حميمية، تتقابل الوجوه، تلتقي العيون، لكن بنفس الوقت قد تكون مكان لأحاديث عنيفة خصوصاً بوجود اليافعين والمراهقين، الذين يشعرون على الأغلب برغبة في الهروب من حول مائدة العائلة، في محاولة لإثبات أنفسهم بالابتعاد. يسمح التلفاز، بطريقة أو بأخرى، بتجنب حالة التقابل الجماعية هذه، حيث يأخذ الانتباه فيحوّل النقاش إلى إنصات، يمكن لمتابعة فيلم ما أثناء تناول وجبة طعام أن يجعل منها طقساً أكثر هدوءاً، إلا أن المشكلة هي عندما يأخذ التلفاز مكان الطعام، فيعلو الصوت، وتتبدّل اتجاهات الكراسي، وعندما يرحل الأبناء عن البيت تملأ شاشة التلفاز الفراغ الذي يخلقه بعادهم، وفي حال تفشّت هذه العادة فسيصعب السيطرة عليها، والرجوع إلى الخلف.
الأطفال نجوم المائدة
قبل خمسين عاماً لم يكن يسمح للأطفال بالحديث حول المائدة، أما اليوم فنحن على النقيض الآخر، فمنذ أن ينطق الطفل حروفه الأولى بأشكالها البسيطة، يصبح البطل المطلق للجلسات العائلية، ومن هنا يقتنص الفرصة لاكتشاف شخصيته، فهناك المتعثّر، الذي يسخر الجميع منه والمضحك، والكاذب والثرثار. إن المائدة هي المسرح الصغير للعائلة، كل يلعب دوره، ويمكن لأكثر الموائد إمتاعاً أن تصبح الأكثر قسوة بالنسبة للشخصيات الخجولة التي يصعب عليها التفوه بكلمة.
على الطاولة، يأخذ النقاش دوراً أساسياً في حديث العائلة على أن لا يتحول إلى تحقيق يفرضه الآباء على الأبناء، فكثيراً ما نلحظ بعض الآباء الذين يستغلون وقت الطعام لأحاديث تثير الغضب، كالابتداء بالسؤال: كيف كان يومك في المدرسة؟ أو لماذا لم تنهِ الواجب المدرسيّ؟
ختاماً، لضمان لحظات السعادة المشتركة، يجب أن تبقى الوجبة العائلية، ساعة بسيطة نغذّي بها روح الحوار فيما بيننا.