حوار مع البحاثة محمد قجة
اكتشاف موقع بيت المتنبي
أعدت الحوار وأجرته سها شريِّف – سوريا
مع تحيات فيصل الملوحي
إلى الصديق البحّاثة
محمد قجّة
عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم.. ماذا يفيدك في إقدامك القســم
وظنهم أنك المصبــــــاح في حلب.. إذا قصدت سواها ,عادها الظلم
القائم الملك الهادي الذي شهدت.. قيامه وهداه العرب والعجـــــــــم
تلك كانت الأبيات من مطلع القصيدة الميمية في آخر عهد المتنبي بسيف الدولة وبلاطه .
حيث قضى المتنبي أجمل سنوات شعره في حلب و أخصبها. وبقي سيف الدولة و حلب في خاطر المتنبي وفي قصائده خلال السنوات الثماني التي قضاها بعد خروجه من حلب، وحتى مصرعه عام ٣۵٤ هـ.
ففي رثائه خولة يقول سنة ٣۵۲هـ :
أرى العراق طويل الليل مذ نعيت... فكيف ليل فتى الفتيان في حلب
من هذا الماضي عبوراً إلى الحاضر و مضياً للمستقبل فقد توصل الباحث محمد قجة إلى تحديد بيت المتنبي و سيقام الآن متحفٌ مكانه ليكون قلعة معنوية جديدة تقف إلى جانب القلعة التاريخية في حلب . وكان لنا شرف اللقاء بالباحث محمد قجة ليحدثنا عن هذا المعلم الثقافي .
۱ - حُدّد بيت المتنبي في حلب . فما الأدلة التاريخية على تحديد الموقع ؟
اعتمدت الأدلة التاريخية على ماورد في كتاب ابن العديم : " بغية الطلب في تاريخ حلب ". وكتابه الآخر "زبدة الحلب من تاريخ حلب " . ففي الكتاب الأول يترجم المؤلف للشاعر المتنبي (أحمد بن الحسين ) في تراجم حرف الهمزة للشخصيات التي عاشت في حلب . ويروي ابن العديم أن المتنبي نزل في حلب ٣٣٧ هجري بعد لقائه " سيف الدولة " في أنطاكية .وأن نزوله كان في (آدُر بني كسرى )أي ديار بني كسرى وهم عشيرة عربية من أقارب آل العديم حيث كانوا يسكنون في حلب .
وكان ذلك رأس الخيط الذي جعلني أبحث عن مساكن آل العديم وآل كسرى بن عبد الكريم بن كسرى في القرن الرابع للهجرة . وقادتني الدراسة التاريخية إلى تحديد الموقع من خلال كتابات ابن العديم نفسه الذي أوضح أن (دار المتنبي )تحولت إلى خانقاه بعد هدم(نقفور فوكاس البيزنطي ) حلب، وقد أصبح الموقع يعرف باسم ( خانقاه سعد الدين كمشتكين ) في الفترتين الزنكية والأيوبية . وسعد الدين هذا كان من كبار مساعدي نور الدين الزنكي وابنه الصالح إسماعيل في حلب .
۲- هل الاكتشاف كان للبيت أم الموقع فقط ؟
إن الاكتشاف هو لموقع البيت .
٣- ألم يغير تدمير حلب لأكثر من مرة في شكل البناء ؟ وما التطورات الكثيرة التي طرأت على هذا الموقع خلال الأحد عشر قرنا الماضية ؟
أوضحت التطورات التي مرت على المنطقة . بأن حلب تعرضت للهدم بالحروب و الزلازل على النحو التالي :
(٣ ۵۱هجري – ۹٦۲ م ) تدمير نقفوس فوكاس البيزنطي
(٦۵٨هجري – ۱۲٦۰ م ) تدمير هولاكو
(٨۰٣هجري – ۱٤۰۰ م ) تدمير تيمورلنك
إضافة إلى الزلازل . وأبرزها الزلزال الكبير عام ۱٨۲۲ م
والمراحل التي مر بها الموقع حسب روايات ابن العديم وابن شداد وابن الشحنة وسبط بن العجمي هي :
أ- دار المتنبي وسط دور آل العديم وآل كسرى .
ب- خانقاه سعد الدين كمشتكين التي هُدمت في تدمير هولاكو
ج- المدرسة الصلاحية الكبرى التي بناها صلاح الدين الدواتدار في بداية العصر المملوكي . وحينما نُقل إلى طرابلس بحكم وظيفته أوقف الدار لدراسات العلوم الشرعية .
د- تعرضت حلب لتدمير تيمورلنك فتغيرت معالم المنطقة . وأعاد نائب السلطنة ( خاير بك ) البناء .فبُني الخان الذي يحمل اسمه جنوب المدرسة الصلاحية مع اقتطاع جزء منها وإدخاله في الخان . ولايزال باقياً حتى اليوم .وأصبح اسمها (المدرسة الصلاحية الصغرى ) وبقيت تابعة للأوقاف ويقيم فيها طلبة الدراسات الدينية. وقد اقتُطع جزء آخر من الجانب الشرقي للمدرسة وتحول إلى ملكية خاصة .
ز- بعد زلزال حلب المدمر عام ۱٨۲۲ م . قام أحد أبناء المدينة ويدعى : بهاء الدين القدسي بن تقي الدين بترميم المدرسة وإعادة بنائها . ومنذ ذلك اليوم حملت اسم ( المدرسة البهائية ) نسبة إليه .وبقيت تابعة للأوقاف .
وبذلك فإن المدرسة البهائية الحالية التي يشغلها مركز اللقاء الأسري .وقد نُقل إلى مكان آخر . هي آخر مراحل التطور لموقع دار المتنبي خلال أحد عشر قرناً .
٤- وهل مساحة الدار هي مساحة المدرسة البهائية الحالية نفسها ؟وما أوصاف المبنى ؟
الدار الموصوفة هي أكبر بكثير من المدرسة البهائية الحالية. وقد أوضحنا أنّه اقتُطع جزء جنوبي لمصلحة خان خاير بك وجزء شرقي آخر .
وتشير الدراسات إلى أن دار المتنبي كان لها غرفة عليا .وكان لها إصطبل للخيول .وتحدد الدراسات كيف كان يجتاز الطريق يومياً إلى قصر الحلبة خارج باب أنطاكية حيث إقامة سيف الدولة .
۵- ما التحولات التي طرأت على نظم العمارة ؟
إن التحولات التي طرأت على نظم العمارة في المنطقة المدروسة ليست كثيرة . فالمدينة القديمة بقيت على قدمها والأسواق هي نفسها مع تغيير طفيف في الترميم و التوظيف. وطبيعة المدينة القديمة لاتسمح بإقامة مبان ذات طبيعة عصرية مغايرة للطراز العربي الإسلامي .وبالتالي فإن بقايا الدار التي هي اليوم المدرسة البهائية نموذج للدار العربية في بنائها ووظائفها الاجتماعية .
٦- عاش المتنبي في حلب تسع سنوات كانت الأخصب في شعره . .فما الميزات التي يمتاز بها هذا المبنى في إيجاد الجو النفسي و المكاني للشاعر لإطلاق العنان لقريحته ؟
إن فترة حياة المتنبي تُعدّ الأبهى والأجمل خلال مراحل عمره .وكانت داره قرب قلعة حلب .وقرب السوق المحوري الواصل بين القلعة وباب انطاكية .وكان معه في داره رجل يدعى ( أبو سعد ) يعمل مدير أعمال ( بالعُرف المعاصر ) .وكان المتنبي كثير السهر على القراءة والكتابة .ويُذكر أبو سعد أنه لم يعرف عن المتنبي كذباً ولا مجوناً ولاهزلاً. ولدينا كثير من الروايات المتصلة بهذا الجانب وأثرها في شعره .
٧- هل سيُحوّل بيت المتنبي إلى متحف فيضيف لحلب قلعة معنوية عريقة جديدة ؟
اتخذت وزارة الثقافة في سورية قراراً بتحويل المكان إلى متحف يحمل اسم(متحف المتنبي).
٨- لتوثيق الفترة الحمدانية فإن المتحف سيضم أقساماً متعددة ؟ فما هذه الأقسام ؟ و هل ستضاف ملاحق أخرى للمبنى ؟
سوف يضم المتحف قاعدة بيانات( الكترونية )عن المتنبي ,ومكتبة متخصصة .وجناحاً لمعروضات تمثل المرحلة الحمدانية . وسوف نعمل على إضافة قسم آخر للمبنى قريباً .
۹- هذا معلم تاريخي هام لمدينة حلب . فما أهميته التاريخية و المكانية و الأثرية ؟
إن أهمية متحف المتنبي تكمن في أن هذا العبقري الخالد يمثل الذاكرة القومية والثقافية للعرب , ويُعدّ رمز هذه الثقافة .كما أن لكل شعب رمزه الثقافي والحضاري .ومن هنا فإن المتحف سوف يسهم في إغناء ذاكرة الأجيال بثقافتهم وتراثهم ولغتهم وقيمهم الحضارية والفنية والإبداعية
۱۰- ما الانطباع الذي شعرتم به بعد اكتشافكم للموقع ؟
لقد مثل لي المتنبي منذ الصبا المبكر حالة عشق ثقافية ووجدانية جعلتني ألتصق بشعره وأتابع كل ماكتب عنه , وأحفظ ديوانه كاملاً. وحينما اهتديت إلى مكان إقامته في حلب , شعرت بزهو عارم لأن دوراً صغيراً صار لي في الكتابة عن هذا الرجل العظيم .
ُشر الحوار في مجلة البيان عدد آذار ۲۰۱۰م
نقلا عن موقع:المجمع العربي لاصدقاء اللغة العربية