ثورة بلا قائد قلبت كل القواعد

لقد اجمع ساسة العالم علي أن نجاح ثورتنا المصرية الأخيرة كان بفعل وحدة شبابها دون السير وراء قائد يملي عليهم ما يقولوه،وخرجت جميع وسائل الإعلام الأجنبية لتشيد بها وبأسلوبها الفريد في إقصاء الأسد العجوز وشبليه وزوجته وباقي إفراد الفريق الرئاسي من أول حارس مرماه احمد عز إلى رأس حربته الاساسى احمد فتحي سرور،لكن هل كان وجود قائد أو زعيم للثورة هام لرسم ملامح ما بعدها؟

فسعد زغلول وعبد الناصر والسادات جميعهم ظهر دورهم بعد نجاح الثورات التي قاموا بها،أما من يدعى أن وائل غنيم كان قائداً للثورة،فأقول له انه شاب مصري

_ أيا كان انتماءه_ ساهم في نجاح ثورة شعب،لم يكن ولن يكن قائداً بدليل عدم استجابة شباب التحرير له بالعدول عن موقفهم و ترك ميدان التحرير،وكذلك اختفاءه اى دور فعال له بعد النجاح المبدئي للثورة بتنحي مبارك.
فمن الرجال من يعيش لنفسه وحدها،لا يُشغل إلا بها,فإذا انقضى عمره وخرج من الدنيا لم يشعر به فيها احد،وعلى العكس من هذا تماماً من الرجال من يعيش لأمته

واهباً لها حياته،باذلاً في سبيل كرامتها كل ما يستطيع،من هذا النوع الكريم نحسب الإمام حسن البنا،فلقد كان صاحب رسالة تحكمها عقيدة التوحيد،أخذت عليها زمام نفسه،وملكت عليه منافذ حسه،فعاش من أجلها ومات في سبيلها،لقد كان يؤمن إيماناً عميقاً بان الدين الإسلامي هو زورق نجاة العالم كله،وهو وحده الكفيل بإيجادِ الفرد المسلم الصادق،الأسرة المسلمة الواعية،المجتمع المسلم الرائد،والدولة الإسلامية التي تسوس وتقود العالم إلى بر الأمان والأمن والسلام،ألا تلاحظ إنها نفس أحلامنا الآن؟!!.

فقد استطاع حسن البنا في سنوات قليلة أن يؤسس أكبر جماعة دينية في القرن العشرين بلغ أتباعها الملايين،وهو بذلك يمثل مزيجاً متميزاً من الفكر السلفي والروحانية الصوفية،فقد كان_رحمه الله_تجسيداً فريداً للروحاني الصوفي والعالم المسلم والقائد الحركي الذي امتلك كاريزما خاصة وقدرة نادرة على تحريك الجماهير من خلال ترجمة المبادئ العقدية والفكر السلفي إلى عمل اجتماعي بناء

ولهذا فلقد استمر تأثيره وإشعاعه بعد موته وحتى الآن،أقوى مما كان،وخرجت من عباءة أفكاره حركات كثيرة،لذا يعد واحداً من الذين غيروا بحق القرن العشرين

قرن القنبلة الذرية،كما أنى على يقين بان حسن البنا لا يقل قيمة عن زعماء وطنيين كثيرون،يمجدهم التاريخ ويحتفل بهم المصريون جميعاً على اختلاف انتماءاتهم،ولا أبالغ إذا قولت انه يتفوق عليهم،قارن بينه وبين مصطفى كامل،محمد فريد،سعد زغلول،أو مصطفى النحاس وغيرهم،وأنت تعرف الفرق

جيداً،يكفى أن تقرا رثاه المجاهد المغربي عبد الكريم الخطابي له:"يا ويح مصر والمصريين،مما سيأتيهم من قتل البنا، قتلوا وليًّا من أولياء الله، وإن لم يكن البنا وليًّا فليس لله ولي"!!

ولكــــن حسن البنا ليس حكراً على فصيل معين،ولا كل أحاديثه منزهه،لم يوكل أحدا أن يتحدث بلسانه،ولا حتى ابنه احمد سيف الإسلام،ولن يستنسخ مرة أخرى، هذا ما لابد أن يفهمه كل المصريين سواء مسلمين أو مسيحيين،فهم من كانوا حطبا للثورة ووقودا استراتيجيا لها،فالثورة لم تفرز ولن تفرز قائدا ملهما لان من قاموا بها يريدون التخلص من الصنم و ليس صناعة صنم جديد أكثر تطوراً!!

ولا يعرف الحق بالرجال،إنما يعرف الحق فيعرف الرجال،فالحق لابد ألا يستأثر به فصيل معين،أيا كان هذا الفصيل،فهل مقولة الشيخ الشعراوي رحمه الله"الإخوان يكرهون أن يخرج الإسلام إلا من حناجرهم"‏مازال مفعولها ساري حتى الآن؟!!

إن الفكر الشبابي العربي الحالي لا يعنيه ماهية القائد ملكاً كان أم سلطاناً أو رئيساً أو أميراً،بل ما يهمه هو تغيير السياسات و القوانين واحترام الحريات بكل أنواعها،ولابد أن يفهم الساسة الآن أننا دخلنا عصر الشعب القائد، وفيه الشعب على قلب رجل واحد و ضد نظام واحد في بلد واحد وله مطالب واحدة،

ولابد أن يعملوا على تغير السياسات حتى لا يسقطون كما سقط من سبقكم - رغم احترامي بالطبع للجميع على الساحة المصرية الآن_ ولكن هذه الثورة الميمونة ستظل بلا قادة فلا تحاولوا أن تصنعوا قادة بهدف توحد الشعب حولهم،غيروا فقط القوانين و الأنظمة و السياسات ثم ضعوا من الأسماء من تريدون فهذا هو المطلوب حتى تتوقف الجماهير عن التذمر،مع عدم ترك ميدان الفرح المليء بأنوار الحرية و الاحتفال بنجاح لم يفعله إلا جيل 25 يناير و الذهاب إلي ميادين فرعية ضيقة و حارات مظلمة تكاد أن تبعث بظلامها ليحجب عنا ما حققناه وليمنعنا من إكمال نجاح هذه الثورة التي لم يكتمل نجاحها بعد,فنجاحها الكامل يكون بان تصحوا كل القوى المتصارعة على الساحة وتضع أمامها فقط المصلحة العامة،خاصة وإنها ليست نائمة بالفعل ولكنها فقط عاملة نفسها نايمه!!

وائل مصباح عبد المحسن