هل سيعلن النظام حالة الطوارئ في البلاد؟!
ولو أعلنها، ماذا بعد؟!

لو أن النظام أعلن حالة الطوارئ في البلاد في هذه الظروف، فإنه سيشتري بأغلى الأثمان، ما سوَّقَه للعالم بأبخسِها، وهو مظهره الديمقراطي المخادع، القائم على واقعة أن الأجهزة الأمنية الأردنية تتعامل مع الحراك الشعبي منذ عام ونصف بحضارية، لم يقع بسببها أيّ قتيل من المتظاهرين، وبالتالي فإن إعلان "حالة الطوارئ" هي خطوة خاسرة، إذا لم تؤسَّس على قواعد راسخة ومتينة..

لذلك فهو إن لجأ إلى خيار "إعلان حالة الطوارئ"، كخيار يعتبره خيارا لا مفر منه، فسوف يعتقل كلَّ رؤوس الحراك، وكلَّ الناشطين، وكل القيادات الشعبية والسياسية الجديدة، وكلّ من يعتبرهم محرضين ومشاغبين.. إلخ، بهدف إيقاف الحراك، وتلجيم المعارضة، وحصار إرهاصات التغيير، وذلك كي يكتسبَ "إعلان الطوارئ" قيمةً تعويضيةً عن الخسارة المتوقعة، وإلا فإن الخسارة ستكون مطلقة ومحققة..

ولكن لو أن النظام اعتقل جميع هؤلاء بعد إعلان "حالة الطوارئ"، فسوف تخلو الساحة خلوا تاما من أيِّ وجوه سياسية وقيادية جديدة محتملة لإدارة الدولة في المرحلة القادمة..

وعندما تخلو الساحة من هؤلاء، فإن النظام سيجد نفسه أمام مأزق سياسي خطير، قد يوقعه من جديد في الدوامة التي أرهقته عاما ونصف العام، وهو مأزق اضطراره لتسليم إدارة الدولة للوجوه القديمة القميئة المرفوضة نفسها..

وهو الأمر الذي لن يفيد النظام في شيء بعد أن تنتهي حالة الطوارئ، ويعود مئات المعتقلين من قيادات ونشطاء الحراك الشعبي والمعارضة إلى الشارع من جديد..

فمثل هذا التتابع في مشاهد سيناريو الأحداث، سيكون تتابعا خاليا من أيِّ مكسب سياسي للنظام، الذي سيجد نفسَه في مواجهة أشد من الحالية، مع جيلٍ جديدٍ من القادة السياسيين الذي خبروا الميدان والزنزانة والتحدي بكل أشكاله، بعد أن ألقى بهم إلى الشارع من جديد، ولم يشركهم ولم يشرك بعضا من برامجهم في إدارة الدولة..

فسيرورة أحداث تبدأ بـ "إعلان حالة طوارئ"، تتبعها "خلق كل الظروف الموضوعية التي تبرر الاعتقال لأتفه الأسباب"، تليها "حملة اعتقالات واسعة النطاق" في أوساط نشطاء الحراك والسياسيين والقادة الجدد، لتنتهي بـ "الإفراج عن تلك الكوادر والكفاءات والقيادات الجديدة"، بعد انتهاء حالة الطوارئ، دون ضمان حالة احتواء سياسية لهؤلاء المفرج عنهم أو لمعظمهم أو لنخبهم على الأقل، هي سيرورة ضارة للنظام، إذا لم يتم إنجاز صيغة حلٍّ مقبول لمرحلة ما بعد "حالة الطوارئ" خلال مرحلة "حالة الطوارئ" ذاتها، تشرك هذا الجيل الجديد وفق صيِغٍ توافقية في إدارة الدولة في المرحلة المقبلة..

فما الذي يمكن أن يفعلَه النظام، كي يعملَ على إنجاز مرحلة ما بعد "حالة الطوارئ"، بشكلٍ يؤجِّل أيَّ احتكاك بينه وبين الشعب وقواه الحية المتجددة، لمدة تعتبرُ كافية لاعتبار أن الأزمة قد تمَّ ترحيلها ترحيلا متوازنا؟!!

لن يكون هدف النظام من حملة الاعتقالات التي ستتبع إعلان حالة الطوارئ إن تمَّ إعلانها، مجرد الضغط الأمني والجسدي والنفسي والحياتي على المعتقلين وعلى ذويهم، فهذا ما يدرك النظام عدم جدواه على صعيد الإنجازات المرجوَّة..

وإذن فهو سوف يعتبر أن فترة "حالة الطوارئ" المؤقتة، ووجود قادة وسياسيي ونشطاء الساحة الشعبية والسياسية الأردنية داخل المعتقلات، هي فرصة حقيقية لعقد الصفقات، تحت مُكَوِّنات الضغط الذي تشكِّلُه محنة الاعتقال، بهدف فرز قيادات جديدة للأردن من هؤلاء القادة الشعبيين الجدد، يلتقون مع النظام في منتصف الطريق..

وفي ظل محنة الاعتقال، فإنه من السهل أن تُشْرَخَ الوحدة الراهنة في المواقف المطلبية، ومن السهل أن يبدأ الكثيرون من هؤلاء القادة الجدد بتبرير مسوِّغات تلك الصفقات التي سيبدأون بالتنظير لها ولمشروعيتها الشعبية التكتيكية والمرحلية.. إلخ..

وسوف يجد معظم جيل القادة والسياسيين والنشطاء الجدد تحت ضغط الصفقات التي ستفرض تحت وقع محنة الاعتقال التي ستطرح نفسها على كل معتقل باعتبارها فرصة للتواجد في موقع منتقدم في إدارة الدولة المقبلة، أن الحل الأنسب هو القبول بصيغ توافقية مع النظام، بدل خسارة كل الفرص..

وفي ظروف كهذه، ستنتهي حالة الطوارئ، وسوف يتم الإفراج عن كافة معتقلي تلك الحالة، وقد تمت تهيئة الساحة السياسية لتمرير ما تم عقده من صفقات، لن يخسر فيها النظام معظم ثوابته، ولن يكسب فيها الشعب معظم مطالبه..

مع العلم بأن النظام لن يلجأ إلى هذا السيناريو، إلا أذا اقتنع بأن الحراك هو "حالة فارضة لديمومة المواجهة"، وليست "حالة قابلة للتآكل ذاتيا"، دونما حاجة إلى خطوات سياسية وقانونية مكلفة للنظام مثل إعلان "حالة الطوارئ"..

وهو ما نعتقد – أي أن الحراك هو "حالة قابلة للتآكل ذاتيا" – أن النظام بدأ يشعر به ويتعامل مع الحراك على أساسه..

وبالتالي فالحراك الشعبي والفعل السياسي الجديدين، يمران بمنعطف تاريخي خطير، عليهما أن يحسنا التعامل معه، كي يحققا هدفين رئيسين هما..

الأول.. إجبار النظام على التعامل مع الحركة الشعبية والسياسية باعتبارها "حالة فارضة لديمومة المواجهة"، لا "حالة قابلة للتآكل ذاتيا"..

الثاني.. التوافق الداخلي - داخل فعاليات الحراك الشعبي والفعل السياسي - على برنامج وطني يقلص المساحة التي قد يمتلكها النظام للمناورة وعقد الصفقات في ذروات المحنة والمواجهة، ما يجعل الالتقاء معه حتى لو حصل، لا يحصل إلى في دائرة ضيقة من دوائر ثوابته، لصالح ولحساب دائرة واسعة من دوائر ثوابت الحراك الشعبي والفعل السياسي..