الدكتور نائل حنون لـ الأسبوع الأدبي
أبعاد المأساة في الآثار العراقية أكبر من كل كلام؟.
* حوار سلام مراد
العراق موطن الإنسان القديم ومنبع الحضارة، نشأت على ضفاف نهريه دجلة والفرات أوائل الحضارات في العالم، فيها تطور الإنسان وانتقل من حياة الكهوف إلى مجتمع الزراعة ومن مجتمع القرية إلى مجتمع المدينة، فنشأت فيه أول المدن في العالم.
في العراق كانت بدايات الكتابة والأبجدية وتقدمت فيه الحضارات في علم الفلك والحساب، وفي القانون والتشريع (شريعة حمورابي) هذه الشريعة التي نظمت حياة البشر وعلاقاتهم ببعضهم، كما كتب في العراق، أجمل الملاحم الإنسانية(ملحمة جلجامش)، وفي بغداد تأسست مدارس وجامعات على فترات وعصور تمتد لمئات بل آلاف السنين.
تعاقبت على أرض الرافدين حضارات متنوعة، تركت أثاراً تبين للخلف ما كان عند السلف من تقنيات وعلوم وأبحاث، ومن كثرة الآثار والكنوز التاريخية يكاد يكون العراق بشكل عام متحفاً كبيراً يمتد عبر جغرافيته الشاسعة، فالممالك والإمارات امتدت على أراضيه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، كما انه تم التنبيه من قبل علماء الآثار في العالم على أهمية الأوابد والكنوز الأثرية العراقية وعدوها ميراثاً للبشرية جمعاء، لأنها تحكي تاريخ وقصص إنسانية عبر آلاف السنين ولأهميتها العلمية والتاريخية.
بيَّن الآثاريون في مختلف أنحاء العالم الأخطار التي تحيق بالآثار العراقية نتيجة الحروب والكوارث، فلقد وصف وزير الثقافة الفرنسي الدمار الذي تعرض له التراث العراقي ب(الكارثة الروحانية)، تعرضت الآثار في العراق للنهب والسرقة والتهريب، فهربت الكثير من الآثار العراقية إلى أنحاء مختلفة من العالم وبهذه الصورة المأساوية توزعت المأساة والجريمة التي حصلت في العراق إلى أصقاع المعمورة.
وللاضطلاع على حضارة وآثار العراق وخصوصية حضارته الإنسانية التي تمتد لآلاف السنين كان لنا الحوار التالي مع الباحث ألآثاري المتخصص في اللغات القديمة الدكتور نائل حنون.س 1: تابع المشاهدون على شاشات الفضائيات أخبار نهب متحف بغداد، ما هي أهمية متحف بغداد بالنسبة لآثار العراق، وما هي محتوياته أولاً.
ج 1: إن المتحف الذي كان مستهدفاً واستبيح يوم احتلال بغداد مع ما استبيح، هو المتحف العراقي ومقره في بغداد وهذا المتحف هو أكبر المتاحف العراقية والمتاحف الأخرى مجرد فروع صغيرة في المحافظات ومعظمها لا يحوي سوى قطع أثرية قليلة وبعض النسخ الجبسية عن القطع الأصلية وكان عدد كبير من تلك المتاحف فارغاً أصلاً ذلك أن الآثار العراقية كانت أما معروضة في المتحف العراقي أو،وهذه حالة الأعداد الهائلة من الآثار العراقية المكتشفة خلال سنين طويلة، مكدسة في مخازن الآثار الموجودة ضمن أبنية المتحف العراقي نفسه، لقد كان المتحف العراقي ودائرة الآثار العراقية بإشراف إدارة متخلفة وفاسدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة قبل الاحتلال وهذا ما نجم عنه تردي أسلوب حفظ الآثار وتوثيقها، وحين حدث الاحتلال واخترقت أبنية المتحف العراقي لم يكن هناك مسؤول يستطيع تحديد عدد القطع التي نهبت، كما لا يوجد اليوم من يستطيع أن يحدد نسبة ما أعيد من القطع الأثرية وإنما كل يقول ما يقال له... وأبعاد المأساة أكبر من كل كلام.
س 2 ـ إن آثار العراق تختلف عن الآثار الرومانية نتيجة الطبيعة والبيئة فهناك فرق شاسع بين التراب (الطين) والحجر من حيث مقاومة عوامل البيئة، كيف يمكن الحفاظ على الآثار الطينية وما هي ميزات كل من الطين والحجر.
ج 2 ـ لا يقتصر الاختلاف فيما بين مواقع العصور الهلنستية والعصور السابقة لها على مادة البناء فقط وإنما يشمل أيضاً التكوين الطبقي للموقع، فمواقع العصور الهلنستية قوامها أبنية ضخمة مشيدة بالحجر وتمثل مدنا تمتد على رقعة من الأرض بمعالم واضحة وجيدة التخطيط أما مواقع بلاد الرافدين، والشام أيضا، من العصور الطويلة التي سبقت العصور الهلنستية، وهي العصور التي شهدت نشوء الحضارة وتطورها فمادة البناء الأساسية فيها الطين واللبن (الآجر غير المشوي) وهذه المواقع تضم تتابعا طبقيا تراكم عبر عصور طويلة، وفي حالات كثيرة كونت بقايا بعض العصور الحضارية طبقات بنائية ضمن الطبقة الحضارية الواحدة. والطبقة هنا يختلف سمكها من موقع إلى آخر ومن عصر إلى آخر، فقد يكون سمكها بحدود سنتيمترات معدودة وقد يصل إلى بضعة أمتار، والطبقات الأثرية في تلك المواقع لا تمتد أفقياً فوق بعضها مثل الأطباق وإنما تتداخل في أحيان كثيرة مع ما فوقها وما تحتها من طبقات. لذلك يتوجب على المنقبين الآثاريين استعمال مهاراتهم في تتبع مكونات كل طبقها وفصلها عن الطبقات الأخرى وتحديد تأريخ كل منها بشكل دقيق، والى جانب المهارة الفائقة المطلوبة في التنقيب ألآثاري في مثل هذه المواقع يجب أن تكون هناك عملية توثيق دقيقة يسجل فيها كل ما يكتشف من بقايا معمارية ومواد أثرية بمنتهى الدقة، وبعد أن يكتمل استظهار الطبقة الأثرية وتوثيقها، بما في ذلك التصوير والرسم، تزال ليتم النزول إلى الطبقة الأدنى والأقدم من الطبقات الموجودة، هنا يتجلى الفارق الذي يقصده السؤال، فمواقع المدن والمعالم الآثارية الضخمة المشيدة بالحجر تستكشف لتبقى شاخصة ومصانة ومدروسة وممتعة للزائر، ولكن المواقع المهمة الأخرى، وهي الغالبية العظمى في بلاد الشام والرافدين، تستظهر طبقة بعد طبقة لتزال، فإذا لم تنقب بطرق علمية وبمهارات كفوءة وتوثق بكل دقة تتحول عملية الكشف هذه إلى أسوأ عملية تخريب ينجم عنها محو صفحات من التأريخ قبل أن تقرأ ويصبح تراب الأرض الذي حفظها عشرات القرون ارحم من الأيدي والضمائر التي استسهلت نبشها بلا علم ولا فهم، هنا يكون التساؤل عن الذي سيبقى للناس من تلك المدينة التي تم تنقيب موقعها وإزالته طبقة بعد طبقة، فلا شواخص تزار ولا بقايا تصان، الأمر هنا يعتمد على كفاءة الآثاريين ومقدراتهم العلمية والثقافية، ذلك أن المطلوب منهم عدم الاكتفاء بالتوثيق الذي أنجزوه وبالتقارير الوصفية للعمل الحقلي، وإنما الانتقال إلى بناء " شواخص" من نوع آخر بتطوير وثائقهم وتقاريرهم الى دراسات وبحوث واضحة وقابلة الفهم وعميقة المضمون، وفي هذه الدراسات والبحوث يعرض تأريخ المدينة والأسلاف الذين عمروا فيها وكدّوا وأبدعوا وأنتجوا ليطلع أهلنا والعالم كله على مكنونات تجربة من تجارب الإنسانية في مرحلة أساسية من مراحل تطور حضارتها وليقرؤوا صفحة كانت بيضاء في سفر تأريخ الإنسانية فامتلأت، وإذا ظهرت مثل هذه الدراسات والبحوث نكون قد استفدنا من ما تركه لنا الأسلاف، أما إذا اكتفى المختصون بالتوثيق والتقارير، وهو يحصل في معظم تنقيباتنا للأسف الشديد، فعلينا الانتظار لحين إكمال مشروع معطل في أدراج مغلقة أو دوريات ومنشورات راقدة على رفوف تنوء بما حملت وتنأى عن بصائر يقظة تتلهف لتطلع على ما يمكن فهمه ليتغذى العقل والروح به من غير الأرقام والقياسات والوصف العقيم، وأسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن يكون هناك تنقيب ولكن بدون توثيق، فهذا ما يمكن أن يسمى نبش وتخريب وتفريط ابدي بما كافحت أجيال من الأسلاف لتبدعه وتوصله إلينا علنا نستفيد منه لفهم ماضينا وأنفسنا ونستجلي حاضرنا ونستشرف مستقبلنا.
س 3 ـ إن حضارة وادي الرافدين معروفة عالمياً نريد أن نضيء للقارئ النقاط المعتمة، وذلك عن الممالك والدول التي قامت في بلاد الرافدين؟.
ج 3 ـ الدول والممالك تقوم وتسود وتفقد قواها أو تسقط على أي بقعة من الأرض، لكن أرض الرافدين شهدت "نشوء" الدول وتبلور فكرة الحكم وقيام المؤسسات الأولى من نوعها في تأريخ البشرية، وعلى مر الزمن قامت دول عديدة هنا واختلفت مراكز هذه الدول ومواقعها في العالم القديم، من هنا كانت التجربة غنية وعميقة وقبل كل شيء إنها موثقة بالتدوين، فدول بلاد الرافدين وممالكها قامت خلال عصر التدوين الأول في تاريخ البشرية، بعد اختراع الكتابة في مطلع الألف الثالث قبل الميلاد، وتواصل قيام الدول من حينها لثلاثة آلاف عام والنصوص المسمارية تحفظ على ألواح الطين والحجر والمعدن شؤون تلك الدول والممالك بشتى تفاصيلها، ومن بين تلك الدول ما كان إمبراطورية مترامية الأطراف ومنها ما كان قوة عظمى من بين القوى العظمى في العالم القديم، بل أن أرض الرافدين شهدت في وقت ما من النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد قيام الدولة العظمى المنفردة في العالم القديم، وهي الدولة الآشورية منذ عهد آشور ناصر بالالثاني(883 ـ 859 ق. م). إنها "تجارب الأمم" التي يجب أن تعيها قوى الهيمنة في يومنا الحاضر، فلكل قوة مداها، وبعض الدول التي بدت أقزاما لدول عظمى في التأريخ القديم أسقطت بعد حين تلك الدول بجبروتها وعظمتها، وأي تجربة هائلة في ممارسة الحكم وفي بناء القوة ومواجهة الأخطار هذه التي حكم فيها 420 ملك وحاكم ولم تضع هباءاً، فقد جائتنا مئات النصوص المسمارية التي تتحدث عن أولئك الملوك والحكام وأسرارهم وانتصاراتهم وهزائمهم وانجازاتهم وأخطاءهم، ولا توجد تجربة في نشوء الدول بمثل هذه الضخامة على أي بقعة من الأرض، ولكن يتبقى علينا أن نطلع على مضمون تلك النصوص والشواهد لنفهمها ونستخلص منها العبر.
س 4 ـ تميزت حضارة أوروك، وكلكامش حصراً بأسئلة فكرية وفلسفية في مسيرة البحث عن الخلود، فهل هناك ميزات أخرى للحضارة في العراق تختلف عن الحضارات العالمية الأخرى؟.
ج 4 ـ لقد شغلت الملحمة والأسطورة وأبواب الأدب الروائي الأخرى، مثل السير الأسطورية وغيرها، حيزاً كبيراً في آداب بلاد الرافدين القديمة، ومنها جاءت ملحمة جلجامش التي أثارت اهتماماً كبيراً في العصر الحديث حتى بلغ مجموع ما كتب عنها من بحوث ودراسات وكتب أكثر من ثلاث مئة بلغات عديدة، وهنا أقول لك، وبصوت خافت، إن ما صدر باللغة العربية من هذا العدد الكبير لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، والأسوأ أن الترجمة العربية المباشرة للنص المسماري للملحمة لم تصدر حتى الآن، لقد كانت الترجمة التي أعدها الأستاذ الراحل طه باقر عملاً رائعاً لو لم يصدر في حينه لكان اطلاعنا على نص هذه الملحمة، بشكلها الجذاب الذي قدمه طه باقر، قد تأخر طويلاً، ولكن حتى الأستاذ طه باقر (رحمه الله) نفسه كان يتوقع من أجيال الباحثين التي ستأتي بعده أن تملك الوقت والخبرة والوسيلة لتقديم الترجمة العربية للملحمة مباشرة من النص المسماري، لكن للأسف إن من جاء بعده من المختصين اتكئوا على ترجمته وتناقلوا نصوصها وهم على ظن بأنها ترجمة مباشرة للنص المسماري، ونقل هؤلاء الباحثون ظنهم الخاطئ إلى عموم القراء فلم ينتبه أحد حتى إلى ما أورده الأستاذ طه باقر في مقدمة كتابه عن ملحمة جلجامش من أنه قد اعتمد على الترجمة الألمانية التي أعدها (فون زودن) للملحمة، وعلى الترجمات الانجليزية الأخرى، لإعداد ترجمته العربية، لقد كان فضلاً كبيراً لطه باقر أن يقدم ترجمته العربية للملحمة، وإن كانت عن طريق لغة أخرى، فقد أعانه تخصصه في اللغة الأكدية على فهم روح النص وتقديمه بالشكل الذي قدمه فيه، فما قدمه كان أكبر ما يمكن أن يقدم في وقته ويمهد لخطوات أخرى وصولاً إلى الترجمة العربية المباشرة والكاملة لنص الملحمة فيما بعد، ولكن لا فضل لمن جاء بعد طه باقر من المختصين الذين لم يعجزوا عن انجاز الترجمة المنشودة فقط وإنما نادوا بعدم وجود حاجة للقيام بها بحجة أن ما كان مطلوباً قد أنجز قبلهم فحرموا القارئ العربي من ما لم يحرم منه القارئ الأجنبي الذي كان ينبغي أن يقرأ نص الملحمة بلغته نقلاً عن ترجمتها العربية بدلاً عن العكس من ذلك.
إن ملحمة جلجامش بذاتها ميزة مهمة من ميزات حضارة بلاد الرافدين القديمة، فهذه الملحمة تزخر بمواضيع ومسائل عديدة كان نشدان الخلود واليأس من أحدها، ويدهش المرء في عصرنا هذا حين يطلع على نص ملحمة جلجامش ويجد نفسه منجذباً لقراءته مرات ومرات، وفي كل قراءة يطل عليه موضوع جديد أو مسألة تشغل الفكر. فمن مواضيع نص ملحمة جلجامش : العمران، العمل، الطغيان، الخلق، الوحشية، الإغواء، الجنس، التمدن، المكر، الأعياد، المصارعة، الصداقة، الشجاعة، البسالة، الاستهانة بالموت، الأحلام وتفسيرها، السفر، الخوف، القسوة، النصر، التمرد، الموت، الروح، الحداد، فلسفة الحياة، العبثية، اليأس، الحكمة، والخلود، والميزة الأخرى في ملحمة جلجامش هي بطلها، أي جلجامش نفسه، فهذا الملك الذي عاش وحكم ومات في مدينة أوروك في القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد نال خلود الذكر الذي نشده، بعد يأسه من الخلود المادي، بشكل لم يتسن مثيل له لأي بشر آخر، فذكر جلجامش لم ينقطع في عصور ما قبل الميلاد ولا بعده والى يومنا هذا، وما حقق خلود ذكر جلجامش ليس أعماله فقط وإنما النتاج الأدبي القديم الذي اتخذ من جلجامش موضوعاً في العديد من نصوصه.
وما كانت ملحمة جلجامش عملاً يتيماً في حضارة عابرة وإنما واحدة من مؤلفات أدبية دونت على الألواح المسمارية باللغتين السومرية والأكدية في حضارة ازدهرت لآلاف السنين وقد قارب عدد ما اكتشف من نصوص هذه المؤلفات حتى الآن ثلاث مئة نص موزعة على تسعة أبواب رئيسه من أبواب الأدب، وهي الأعمال الروائية، الترانيم والتراتيل، المراثي، الرسائل الأدبية، المناظرات والحوارات، الأدب التعليمي والتأريخي، أدب السحر، أدب الحكمة، وأدب الهزل والهجاء، ومما لا ريب فيه أن نتاجاً أدبياً بهذا الحجم والمستوى يمثل ميزة عظيمة لحضارة أصيلة، وتأتي النصوص الأدبية إلى جانب ما تميزت به حضارة بلاد الرافدين القديمة من إبداعات في مجالات أخرى مثل الرياضيات، الفلك، القضاء والقوانين، الإدارة والتنظيمات الإدارية، العمارة، الفنون وغير ذلك من إبداعات وصلت إلينا شواهدها.
س 5 ـ ما هو موقع المرأة في الحضارات القديمة في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص ؟.
ج 5 ـ كان للمرأة في حضارات المشرق العربي القديمة مكانة تليق بها، وهذا ليس مجرد افتراض ولكنه يتجلى من خلال النصوص المسمارية والأبجدية التي تعطينا صورة واقعية وصادقة عن الدور الذي كانت المرأة تقوم به في تلك الحضارات، وهناك أمثلة كثيرة عن نساء أديبات وكاهنات وسيدات أعمال فضلاً على الملكات والأميرات، وهناك الكثير مما لم يصلنا من خلال النصوص مباشرة ولكن يمكن بناء تصور واضح عنه من خلال حالات معينة مثل مجتمع الآلهة القديمة الذي كان صورة للمجتمع البشري مع إضفاء مسحة خارقة عليه، إننا لو درسنا مجتمع الآلهة القديمة لوجدنا دوراً كبيراً للآلهات ووظائف مهمة أسندت إليهن، ونجد في هذا تعبير عن ثقة في ما يمكن للمرأة أن تقوم به أو أنها كانت تقوم به فعلاً في الحياة التي يعيشها المجتمع البشري، ومن الأمثلة على الوظائف التي أسندت إلى إلهات في مجمع الآلهة نذكر الإلهة الأم ننخرساك،إحدى الآلهة الأربع الرئيسة الخالقة، نيسابا: آلهة الكتابة، جولا: آلهة الطب وراعية الأطباء، ايرش ـ كيجال: ملكة عالم الأرواح، عشتار: إلهة الحب وراعية الجيوش، ونمّو: آلهة البحار، ونذكر من النساء الشهيرات سمو ـ رامات (سمير أميس) الملكة الآشورية التي حكمت بلاد آشور وصية على أبنها الملك ادد ـ نراري الخامس قبل بلوغه سن الرشد، التاني ملكة كرنا(تل الرماح غربي الموصل) التي اشتهرت بمراسلاتها مع مدينة ماري(تل الحريري على الفرات)، انخيدو ـ انّا ابنة سرجون الأكدي وأول أديبة معروفة في التاريخ وكانت تكتب قصائدها باللغتين الأكدية والسومرية، و أدد ـ جبي سيدة حرّان التي أوصلت ابنها بنونائيد إلى عرش بابل وسواهن كثيرات ممن وردت أسماؤهن في النصوص القديمة.
ومن ناحية القيم الاجتماعية والقوانين هناك صورة واضحة عن مكانة المرأة والمعاملة التي كانت تتلقاها من قبل المجتمع، وأوضح مثال على ذلك المواد القانونية العديدة في شريعة حمورابي التي تدور مواضيعها حول حقوق المرأة وضمان صيانتها.
س 6 ـ إن الفلسفة والفكر مرتبطان بالإنسان منذ القدم، ما هو تأثير الفكر على الحضارات القديمة في بلاد الرافدين، أي ما هو السؤال الفلسفي الأكثر إلحاحاً وحضوراً في حضارات المنطقة؟.
ج 6 ـ إن المسالة الفكرية التي كانت الأكثر حضوراً في النصوص القديمة وكانت موضوعاً رئيسياً أو ثانوياً في عدد من المؤلفات الأدبية القديمة هي مسألة الحياة والموت، فهناك تفكير عميق ومحاولات للإجابة على أسئلة عديدة تخص نشوء الحياة وضمان ديمومتها وبدايات الخلق والتكوين من جهة، ومن جهة أخرى التفكير بالموت ومواقف منه تتراوح ما بين رفض التسليم به وتقبله حقيقة محتوم مواجهتها على البشر جميعاً، وبعد الحياة والموت تكون المسألة الأخرى التي شغلت الفكر القديم وشكلت هاجساً دائم الحضور في النصوص القديمة هي العدالة وما يتعلق بها، والتفكير بالعدالة لا يقتصر على نشدان تحققها وإنما يشمل أسئلة كثيرة عن مسؤولية تحقيقها وتوزع ذلك فيما بين الآلهة والبشر وأسئلة عن معاناة الصالحين ونجاة الأشرار من العقاب واختلال الموازين في المجتمع وحدوث الظلم، ولك أن تتصور أدب دون قبل آلاف السنين وفيه عبارات مثل:
" نظرت حولي في المجتمع ففوجئت بالنقائض
الآلهة لا تقطع سبل الشر
الأب يسحب القارب على طول النهر
وأبنه البكر مضطجع في السرير
الابن البكر يتبختر في طريقه مثل أسد
وأخوه الأصغر يسوق البغال؟.
ما الفائدة من تعبدي
وأنا مرغم على إتباع من هو دوني؟."
المسألة الثالثة التي كان لها حضورها الكبير في الفكر القديم هي الحكمة وضرورتها للناس ونشر التعاليم والنصائح بغية الوصول إلى السلوك القويم، وهنا اكتفي بأسطر من أحد النصوص البابلية التي تقول:
" لا تنطق بالذم، قل ما هو بنّاء
لا تقل سوءاً، اذكر الطيب
إن من ينطق بالذم ويتكلم بالشر
سيترصد به الرجال
لا تهذر بكلامك، ارقب شفتيك
لا تطلق القسم الغليظ حتى حين تكون وحدك
فما تقوله الآن سيتبعك لاحقاً
وشنف سمعك بالقول المنسق
تعبد لإلهك في كل يوم
التقدمات والقول الحسن عين الحكمة
قدم صدقاتك من أجل إلهك
تقدم له يومياً بالصلاة والتضرع والسجود
وستنال ثوابك
فحينها تقترب من إلهك
بحكمتك تفحص اللوح المكتوب
فالخشوع يولد الخير".
س 7 ـ د. نائل، باعتباركم تعملون على مشروع كتاب الموت في الحضارات القديمة، ولكم عمل في البحث والدراسة عن المدافن في الحضارات القديمة ما هو التغير والتبدل الذي طرأ على المدافن عند الشعوب؟.
ج 7 ـ ينبغي هنا أن أتعامل مع الحضارات القديمة والحديثة أيضاً، إن الموت يعبر عن روح الحضارة ويعلن ما لم يكتب، فالإنسان لا يمكن أن لا يكون صادقاً في مواجهة الموت، في خوفه وقلقه وحزنه وممارساته، ولذلك وجدت في القبور وطرق الدفن والشعائر الجنائزية والحداد والحزن والمراثي منفذاً للتعمق في جوهر الحضارة القديمة وطريقاً للوصول إلى فهم لها يتعدى الظاهر منها، وحتى في العصر الحديث توجد ممارسات إزاء الموت لم تنص عليها الديانات ونصوصها وأحكامها ولكن تحركها بواعث عاطفية عفوية أو رواسب عميقة لم يطلها منطق العقيدة وأحكامها، واجتماعياً يمكن أن تتغير قيم ومفاهيم عديدة ولكن اقلها استجابة للتغيير هو ما يتعلق بالموت، أذكر لك مثلاً إن موضع الدفن في حضارة بلاد الرافدين والشام القديمة كان في أغلب الحالات، تحت الأرضيات في غرف البيوت وخصوصاً بالنسبة لرب الأسرة، هل تعرف أن هذه الطريقة موجودة في بعض البيوت في أحياء قديمة من دمشق والنجف الأشرف في العراق؟ وأذكر حين فقدنا قبل حوالي عقد من الزمان أحد كبار كتابنا من أساتذتنا في النقد الأدبي أن رغبته كانت أن يدفن تحت أرضية إحدى غرف منزله في بغداد، لكن أنظمة التخطيط الحضري جعلت الجهات البلدية ترفض منح الترخيص بذلك فكان أن شيع ذلك الأستاذ الجليل إلى مثواه في مقبرة جامع براثا، القريب من مسكنه في بغداد.
س 8 ـ اللغة، إننا نسمع الكثير من الآثاريين يقولون إن الحضارة الفلانية متقدمة من حيث استعمال اللغة والكتابة وذلك عبر الرقم والآثار الموجودة في الأماكن المنقبة، ما هو تسلسل اللغات الموجودة في بلاد الرافدين من حيث القدم؟.
ج 8 ـ لقد بدأت الكتابة في بلاد الرافدين، عند اختراعها، صورية، أي ترسم صورة الشيء وتكتب الأعداد التي تقترن به، هذه المرحلة دامت من حوالي 3200 إلى 2800 قبل الميلاد، أي لمدة أربعة قرون تقريباً وحين اتضحت معالم اللغة الأولى على ألواح الطين في حوالي 2800 قبل الميلاد كانت الكلمات سومرية في نصوص اغلبها وثائق تسليم وتسلم، وهي الغاية الأساسية التي اخترعت الكتابة من اجلها، وسرعان ما أخذت الكلمات الأكدية تدون وبدأ ظهور اللغة الأكدية مدونة على الرقم الطينية في حدود 2600 ، قبل الميلاد، واستمرت النصوص القديمة تتطور بلغتيها السومرية والأكدية وتتنوع مواضيعها حتى وصلت إلى ذروة تطورها في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد حين بدأت أغلبية التآليف الأدبية المعروفة بالظهور باللغتين السومرية والأكدية، ومع بداية الألف الثاني تفرعت اللغة الأكدية إلى لهجتين هما البابلية في الجنوب والآشورية في الشمال وذلك بتأثير الاختلافات المحلية التي رافقت التكلم بها.
كانت هناك لغات أخرى ولكن اللغة الأكدية كانت هي لغة التدوين، فالآمورية كانت موجودة في العراق وسورية في الألف الثاني قبل الميلاد وتلتها الآرامية فضلاً على لغات أخرى تخص أقوام دخلت إلى المنطقة مثل الكاشية والحورية والحثية، وفي أواخر الألف الأول كان تأثير الآرامية وانتشارها في تزايد مستمر ورافق ذلك ابتكار الأبجدية في سورية، فجرى التحول إلى الآرامية مع بدء عصور ما بعد الميلاد.
س9 ـ إن الدستور والتشريع مرحلة متقدمة في الحضارات، ما هي العوامل المساعدة والمحيطة التي ساعدت على سن شريعة حمو رابي؟.
ج 9 ـ كانت شريعة حمورابي أول أطول وأكمل نص قانوني في الحضارات القديمة، لكن كانت هناك لوائح إصلاحات وقوانين سابقة لها وقد قننت في مدن لجش، أور، وايسن في جنوب العراق خلال القرون الستة التي سبقت ظهور حمورابي ويمكن تحديد أربعة عوامل ساعدت على سن شريعة حمو رابي بتلك الدرجة من الكفاءة القانونية والتطبيقية.
أول تلك العوامل، أن حمورابي وصل إلى الحكم في بلاد كان لها تراث قانوني واسع من الممارسات القضائية وتقنين القوانين وتنظيم أجهزة الدولة.
والعامل الثاني هو شخصية حمورابي نفسه وفكره، إذ كان يتملكه هاجس العدالة التي جعل من تحقيقها غاية له.
أما العامل الثالث فيتمثل في المقدرة السياسية والإدارية والحنكة التي تمتع بها حمورابي، فقد بدأ هذا الملك ورقعة مملكته لا تزيد على 120 كم طولاً وحوالي 80 كم عرضاً، وقبل أن يوسعها بتوحيد القطر كله تحت حكمه وجه اهتمامه إلى بناء نظام إداري واقتصادي كفوء وامضي سنوات حكمه الأولى في صيانة شبكات الري وتطويرها لما تمثله من عنصر حيوي في حياة البلاد، وبعد ذلك عمل حمو رابي على توحيد القطر في دولة واحدة قوية حتى نجح في ذلك بعد حروب عديدة وجهود كبيرة، وبعد أكثر من ثلاثة عقود ونصف في الحكم، بدأ عمل حمورابي على سن شريعته المشهورة ونقشها على مسلات حجرية نصبها في عدد من المدن الرئيسة في البلاد.
وأخيراً يأتي العامل الرابع الذي يخص العصر الذي ظهر فيه حمورابي، وهو العصر البابلي القديم، الذي كان من أهم العصور لما شهده من تطور حضاري كبير وتوسع في شتى صنوف المعرفة ومنها القانون والتشريع.
وخلاصة القول أن حمورابي كان الملك الصحيح في المكان الصحيح في الزمان الصحيح، وكانت من ثمار هذه المعادلة شريعة حمورابي.
س 10 ـ بماذا تميز السومريون عن الآشوريين والكلدانيين من حيث التوسع والانتشار والبناء والعلم، وهل هناك فروقات ومميزات بين الشعب السومري والآكاديين والكلدانيين والآشوريين؟.
ج 10 ـ لعدة عقود من الزمن تحدث المختصون ، وغير المختصين، عن السومريين ودورهم في وضع أسس حضارة بلاد الرافدين القديمة واختراع الكتابة بعد أن جاؤا من مكان مجهول من وسط آسيا وعاشوا طوال الألف الثالث قبل الميلاد في جنوب العراق . والاعتقاد الشائع عن نهايتهم السياسية والثقافية أنها بدأت حين قامت الدولة الأكدية التي أسسها سرجون الأكدي في حوالي 1370 قبل الميلاد ،ولكنهم عادوا للظهور ثانية قبيل القرن الأخير من الألف الثالث قبل الميلاد وأسسوا سلالة أور الثالثة واختفوا نهائيا في نهاية الألف الثالث ليسود الأكديون مع بداية الألف الثاني قبل الميلاد حتى أواخر عصور حضارة بلاد الرافدين القديمة في أواخر الألف الأول قبل الميلاد . وحين نذكر الأكديين فإننا نعني الأقوام العروبية القديمة التي استعملت اللغة الأكدية التي تشترك مع الكنعانية والآرامية والعربية في الأصل وفي خصائص ومفردات متشابهة . ومع بداية الألف الثاني قبل الميلاد اتضحت معالم لهجتين من اللغة الأكدية إحداها في الجنوب تكلم بها سكان بلاد بابل فسميت بالبابلية ، والثانية تكلم بها الشماليون في بلاد آشور فسميت بالآشورية . وحينما وصل الأموريون ، وهي الاسم الذي أطلقه الأكديون على الكنعانيين ، إلى بلاد الرافدين في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد (ومنهم لبت – عشتار و حمورابي ) لم يستعملوا لغتهم في التدوين وإنما استعملوا الأكادية البابلية في الجنوب والآشورية في الشمال . وحدث أمر مشابه حينما أقام الآراميون سلالات حاكمة في بلاد الرافدين في الألف الأول قبل الميلاد (ومنهم بنو بولاصر وابنه نبوخذ نصر في بابل وبعض ملوك العصر الآشوري الحديث في الشمال)، إذ أنهم استمروا في استعمال اللغة الاكدية بلهجتيها البابلية والآشورية.
وفي نهاية الألف الأول قبل الميلاد حدث التحول النهائي الى اللغة الآرامية ثم العربية وكما هو معروف فإن الاكديين والاموريين والآراميين والعرب ينتمون إلى أصول مشتركة وكانوا ينتقلون بين بلاد الشام والرافدين وشبه الجزيرة العربية منذ أقدم عصورهم.
أما الأقوام التي قدمت من الشرق إلى بلاد الرافدين مثل الكاشيين، فقد كانت لهم لغاتهم ذات الأصول المختلفة عن اللغات العروبية القديمة ولكنهم حين كانوا يستقرون في بلاد الرافدين، مثلما فعل الكاشيون، كانوا يستعملون لغة البلاد في التدوين وليست لغتهم.
إن دور تلك الأقوام معروف في بناء حضارة بلاد الرافدين القديمة ولكن المشكلة تبرز حين نتعامل مع موضوع السومريين.
فمنذ عدة عقود أصبح واضحاً أنه لا يمكن أن تكون هناك حضارة سومرية وحضارة أكدية في بلاد الرافدين وإنما هي حضارة واحدة، وإن ما شاع من اعتقاد عن ملامح جسدية وطباع خاصة بالسومريين محدد على ضوء ملامحهم التي تحملها التماثيل هو اعتقاد خاطئ لأنه لا توجد تماثيل لأشخاص سومريين وأشخاص أكاديين وإنما هي مدارس فنية تتحكم أساليبها في تشكيل ملامح الماثيل.
كما أثبتت الدراسات الانتربولوجية عدم وجود اختلاف عرقي يميز السومريين عن الأكاديين وسواهم من أقوام بلاد الرافدين القديمة ويتفق العلماء المختصون على أن العصر السابق للكتابة، وهو عصر العبيد، هو عصر من العصور المتسلسلة في تأريخ بلاد الرافدين القديمة وتلاه، بحكم التطور الحضاري، عصر أوروك الذي اخترعت فيه الكتابة، ولا يوجد ضمن معطيات ذانيك العصرين ما يشير إلى تغير سكاني كبير نجم عن مجيء السومريين المفترض.
إن الدليل الوحيد الذي بقي لإثبات وجود السومريين هو اللغة السومرية وأسماء الأعلام المصاغة بتلك اللغة.
وهنا تواجهنا مشكلة تتمثل في أن أعضاء السلالات الملكية في الألف الثالث يحملون أسماء سومرية وأكادية حتى وان كانوا من نسل واحد مثل ملوك سلالة أور الثالثة.
وهناك حالات كثيرة يحمل فيها الابن اسماً سومرياً ولكن اسم الأب أكادي أو العكس.
ولنتذكر أن انخيدوـ انّا صاحبة الاسم السومري، هي ابنة الملك شرو ـ كين(سرجون) الأكدي الشهير، أي أننا لا نستطيع أن نجعل من أسماء الأعلام دليلاً على الانتماء القومي.
ولا ننسى أنه كانت هناك أسماء عروش وأحيانا تقود الصدفة إلى اكتشاف الاسم الحقيقي للملك، وهو ما حدث في حالة الملك آشور بانيبال، فالصدفة كشفت لنا، عن طريق أحد النصوص المسمارية، أن الاسم الحقيقي لهذا الملك، قبل اعتلائه العرش، كان كومايا، وهو اسم آرامي ولكنه حمل اسماً آشوريا حين نصب على العرش.
هنا يتبقى دليل وحيد على وجود السومريين، وهي اللغة السومرية، وحين قمنا بالتحقق من هذا الدليل ثبت لنا، بعد خمس سنوات من التقصي والبحث، أن السومرية لغة مبتكرة من قبل الاكاديين للبدء بالتدوين قبل توصلهم إلى اختراع المقطعية وتدوين الاكدية بها.
وتوصلنا إلى أدلة واضحة على ذلك تضمنها بحث أنجز مؤخراً وأعلن عنه في ندوة علمية في مجمع اللغة العربية في طرابلس، ليبيا، عقدت في شهر أيار الماضي، وأخذ البحث طريقه إلى النشر، وفضلاً على الأدلة التي تضمنها البحث قدمت فيه الأجوبة على أسئلة كثيرة كان يثيرها الاعتقاد بوجود السومريين وبقيامهم بمنجزات كانت من نتاج حضارة بلاد الرافدين التي لم تكن بحاجة لمجيء السومريين حتى تقوم بها.
ومن الأسئلة التي أجاب عنها ذلك البحث ما يتعلق بعدم ورود أي ذكر للسومريين في النصوص المسمارية المكتشفة كلها بخلاف الأكديين والآموريين والآراميين والعرب وقبائلهم الذين ذكروا في تلك النصوص، أو عدم ورود اسم "بلاد سومر" وحده في النصوص المسمارية إلا إذا كان جزءاً من مصطلح "بلاد سومر وأكاد" ، ثم لماذا أهمل الكلام عن خصائص اللغة السومرية التي تجعل منها لغة قابلة للتدوين ولكنها غير قابلة للتحدث بها ؟ وكيف يمكن تفسير عدم التمايز في النصوص المسمارية بين سومريين وأكديين من النواحي القومية، الفكرية، الدينية، أو السياسية؟، ولماذا تغفل حقيقة أن النصوص الأدبية السومرية لم تدون سوى من العصر البابلي القديم وما بعده، باستثناء نصوص جوديا التي ظهرت قبل ذلك بقليل، علماً بأن العصر البابلي القديم هو العصر الذي يتفق على أنه بدأ بعد الاختفاء المفترض للسومريين؟، وإذا كان الاعتقاد الشائع حول استيعاب السومريين في المجتمع البابلي صحيحاً , أي أنهم دخلوا في مرحلة التحول القومي منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد بالتخلي عن لغتهم ، فكيف نفسر ظهور المؤلفات الأدبية السومرية والمؤلفات ثنائية اللغة (سومرية، أكدية) بعد ذلك بخمسة قرون أو عشرة قرون؟، وما هو السر وراء إطلاق اسم باللغة السومرية على كل بناية معبد كانت تشيد في بلاد الرافدين القديمة في جميع عصور حضارتها واقتصار هذه الأسماء على اللغة السومرية فقط، على الرغم من مرور قرون عديدة على التخلي المفترض عن اللغة السومرية؟، وختاماً أذكر المختصين الذين يترددون عن البحث في هذا الموضوع أن المشاكل العلمية والأسئلة المحيرة التي يثيرها الافتراض لوجود السومريين هي أكثر واعقد بكثير من الأسئلة التي يثيرها الرأي الجديد الذي نقدمه في بحثنا عن هذا الموضوع.
الدكتور نائل حنون.
ولد في 18/3/1952 م.
يحمل الشهادات الجامعية الآتية:
بكلوريوس آداب في الآثار القديمةـ جامعة بغداد العراق (1972 م).
ماجستير آداب في الآثار القديمة ـ جامعة بغداد العراق (1976 م).
دكتوراه فلسفة في اللغة الأكدية وآدابها ـ جامعة تورنتو ـ كندا(1986 م).
عمل في دائرة الآثار والتراث في العراق (1987 ـ 1989 م)، وقام بالتدريس في جامعات بغداد، القادسية،واسط، الكوفة، ودمشق(1988 ـ 2004 م ).
قام بالتنقيب الآثاري في موقع مدينة بابل وفي مواقع حوض سد حمرين وحديثة، آشور، كالخ، منطقة الجزيرة الشمالية، وونة والصدوم.
ترأس هيئة التنقيب الآثار في تلول السيب، حداد، وبردان(1978 ـ 1980 م ) حيث اكتشف مدينّة مينورناة القديمة وانتسب إلى البعثة الآثارية للمتحف الملكي الكندي(1982 م).
عمل مساعداً باحثاً في مشروع الكتابات الملكية لبلاد الرافدين في جامعة تورنتو ـ كندا (1985 ـ 1986 م)، وتولى الإشراف على مشاريع الآثارية في شمال العراق (1988 م)، وترأس هيئة الدراسات والتنقيبات الآثارية في جامعة القادسية (1990 ـ 2001 م ) وبدأ التنقيب لأول مرة في موقع مدينة مرد القديمة.
شغل منصب عميد كلية الآداب في جامعة القادسية(1995 ـ 2001 م)، وعميد كلية التربية في جامعة واسط (2001 ـ 2003 م).
شارك في تحرير مجلات علمية في جامعة تورنتو في كندا وجامعة القادسية العراق.
حصل على مرتبة الأستاذية في 29/3/1997 م.
نشر له أكثر من عشرين بحثاً وخمسة كتب مؤلفة، وكتاب مترجم واحد.
أشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه.