الإبداع في
تعليم فكر الإبداع:
ورشة عمل
منهجية ومكثفة للمختصين من منظور علمي متميز
أسست مدرسة جشتالت في علم النفس التجريبي قبيل
الحرب العالمية الأول، وتعني كلمة جشتالت باللغة الألمانية صورة مخيفة أو طيفاً،
ولها استعمالاتها الخاصة في هذه اللغة، وكان لمدرسة جشتالت مشاركة مهمة في مجال بحث
العلاقات بين الإدراك البصري للمرئيات وبعض أساليبنا كبشر في حل المشكلات التي
نواجهها يومياً، ويركز هذا الاتجاه في علم النفس على فكرةٍ رئيسية تنص على أن
الإدراك البصري لما نراه و تفسير عقولنا للمرئيات يتم عن طريق التعرف على أنماط
كلية منتظمة، وتجميعها في صور كلية تقريبية بدلاً من التركيز على أجزاء الجسم
المرئي وتفاصيله الدقيقة وغير المتناسقة ، والمحور الأساس لهذه المدرسة هو قانون
التجميع كأسلوب للإدراك البصري، فعندما نفتح أعيننا فإننا نرى وندرك صورة كلية تم
تجميعها – ونحن لا نشعر - على أساس من تقارب أو تشابه عناصرها، أو على أساسٍ من
انتظام هذه العناصر بصورة انسيابية في أشكالٍ بسيطة ومنتظمة.
إن الشكلين الإيضاحيين المعروضين يوضحان قانون
التجميع السالف الذكر، فإذا نظرنا إلى الشكل الأول (رقم 1) الذي يحوي نقاطاً عديدة
ومتقاربة وسألنا أنفسنا عما نراه في هذا الشكل؟ لكانت الإجابة أننا نرى مربعاً
لأننا حسب القانون ننظر إلى هذه النقاط نظرة تجميعية كوحدة نظراً لتقاربها وسهولة
جمعها في مربع، وتعكس هذه الإجابة قانون التجميع الذي يعتبر محوراً لمدرسة جشتالت،
ولو نظرنا إلى الشكل الثاني (رقم 2) فإننا نرى خطين أو منحنيين متقاطعين هما الخط أ
ب والخط ت ج ، ويعتمد هذا التفسير لهذا الشكل على قانون التجميع على أساس
الاستمرار والانسيابية، فإنه من السهولة رؤية الخطوط الانسيابية والمستمرة بدلاً من
النظر إليها على أنها مجموعة منحنيات تتكون من المنحنى أ ج الذي يتلاقى في نقطة مع
المنحنى ت ب ، أو المنحنى أ ت والمنحنى ب ج.
الشكل رقم "1"
الشكل رقم "2"
لا تنحصر الفائدة
التي نجنيها من نظرية جشتالت في فهم أو محاولة تفسير طريقة إدراكنا لما نبصره،
بل تعد هذه النظرية ودلالاتها مفتاحاً ثميناً يفتح لنا مجالاتٍ وآفاقًا
جديدة من الأفكار الإبداعية، فإذا احتجنا إلى منظور مغاير للمعتاد والمألوف وإلى
أفكار إبداعية فعلينا تعلم طريقة جديدة في النظر إلى المدركات الحسية والأمور تختلف
عن قانون التجميع الذي يستعمله أغلب الناس في حياتهم العادية وتعاكسه.
إذا دربنا أنفسنا على النظر إلى الأشياء والأمور
نظرة تجزيئية (غير تجميعية) لاكتشفنا أفكاراً جديدة وزوايا مبتكرة لم نفكر فيها من
قبل، ولكي نبين فائدة هذه النظرة غير التجميعية فلننظر مرة أخرى إلى الشكل رقم "1"،
ولنتجاوز النظرة التجميعية الأولى والبدهية إلى نظرات تجزيئية نرى من خلالها أن
الشكل يتكون من أربعة أعمدة أو خمسة صفوف أو ستة عشر مربعاً صغيراً وعدة مستطيلات
ومجموعة مثلثات .. إلخ ، ولننقل الحديث إلى أمثلة واقعية يتجلى فيها الإبداع بالنظر
إلى الأمور نظرة تجزيئية وغير تجميعية.
مثال عملي: اقترح عدداً من
الحلول لإعانة شركةٍ لأثاث المكاتب فى إخلاء نصف المخزن لتخزين بضائع جديدة سوف تصل
بعد أسبوعين فقط، ومحتوى هذا المخزن – المملوء بكامله - هو ستون ألف كرسي، ويعمل
لديك خمسمائة عامل، ولقد حاولت الشركة بيع الكراسي ولم تجد مشتريا لها، ولا يوافق
المالك على التبرع بها أو تأجير مخزن آخر.
طريقة حل
المشكلة بالأسلوب التجميعي:
تعطينا هذه الطريقة عدداً قليلاً من الحلول لأننا
نظرنا إلى المشكلة بصورة تجميعية، فلا نرى في المخزن إلا صورة الكراسي باستعمالاتها
المعهودة والمحدودة، وهذه النظرة التجميعية تضيق مساحة الحلول الممكنة.
طريقة الحل
بصورة تجزيئية:
تبتدىء هذه الطريقة بالنظر إلى الكراسي نظرة
تجزيئية وغير تجميعية، فكل كرسي يتكون من أجزاء : أربعة أعمدة من الحديد المطلي
بالكروم، مجموعة من المسامير, قطعة من الجلد وقطع خشبية و قطعة من الإسفنج. إن هذه
النظرة التجزيئية - التي قد يستغربها الكثير - تعطينا رؤية جديدة وأفكاراً مبتكرة
ضاعت ولم نرها في الصورة التجميعية الأولى ، وتنهمر الأفكار الإبداعية لإخلاء
المخزن عن طريق تفكيك الكراسي، وبيع كل من مكوناتها على حدة، والتفكيك أسلوب بسيط
يعين على إخلاء ما يزيد على الثلثين من مساحة المخزن الحالية، واستعمال الثلث
المتبقي لتخزين الكراسي بعد تفكيكها.
إن نظرية جشتالت تعتبر محاولة مهمة في تفسير طرق
الإدراك البشري، ولعلها تجيب عن كيفية الإدراك، ولكنها لا تذكر الأسباب التفصيلية
لتفضيل عقولنا لهذا النمط الإدراكي، أما الأسباب البدهية فتتعلق - بلا شك - بخلق
الله عز وجل لعقولنا، فالإدراك بالطريقة التجميعية معجزة وهبة من الخالق ونعمة
وراحة لنا كمخلوقين في حياتنا، ولكي يقدّر المرء نعمة الإدراك بالتجميع للمدركات في
صور كلية وأثرها في سرعة الإدراك والتواصل بين بني البشر فلنتخيل الحياة والإدراك
بصورة تجزيئية في كل الأمور، فلو سألنا مخلوقا يفكر تفكيراً تجزيئيا في كل شىء عن
ماهية كأس مملوء بالماء، لاستغرقت الإجابة وقتاً طويلاً جداً جداً يرهق فيه عقل
السائل والمسؤول، فلا بد على الطرفين تجزئة كأس الماء الى الالاف من الأجزاء: الماء
ومكوناته والزجاج والهواء والشكل الهندسي والصور المحيطة والجاذبية والطعم واللون
والرائحة والصفات الفيزيائية والكيميائية.......، وكما يتلو ذلك التأكد من كل جزء،
ويتلو ذلك محاولات لا تحصى في تجميع هذه الأجزاء في عدد ضخم وخيالي من الصور الكلية
المحتملة، وبعد ذلك تبدأ مرحلة لا تقل طولا وإملالا عن سابقتها فيها الفرز
والاختيار للصور الكلية الأفضل والأقرب واستبعاد الصور الكلية غير المحتملة أو غير
المناسبة، وليس من الأمر المؤكد أن تكون إجابة هذا المخلوق صحيحة فقد تختلف الإجابة
لاختلاف غير متوقع في التكوين الكيميائي للماء، وبضدها تتبين الأشياء: فلو سألنا أي
إنسان عاقل يفكر ويدرك بالطريقة التجميعية - وهي نعمة الهية كما أشرنا - عن صورة
بها كأس الماء، لأجاب بسرعة وبلا تردد: هذا كأس ماء.
إن نظرية جشتالت مفيدة في مجالات إنتاج الأفكار
الإبداعية، ولا تجنى فوائدها إلا بتعلم النظرة التجزيئية للمشكلة المطلوب حلها أو
الأمر المراد تطويره، ولا تتأتى هذه النظرة إلا ببذل بعض الجهد في سرد أجزاء
المشكلة وكتابتها كتابة مطولة ومفصلة، وهذا الأسلوب - وإن بدا مملاً ومرهقا وخالفا
للمألوف - يفتح باباً بل أبواباً واسعة إلى رحاب الأفكار الإبداعية، والتي لا يدخل
إليها إلا من تعلم النظر إلى الأمور نظرة تختلف عن المعتاد، نظرة تجزيئية غير
تجميعية كما تعلمنا من مدرسة جشتالت في علم النفس التجريبي.
رابط
الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/41553/#ixzz1xNLweNZx