لا تجديد في عروض الخليل:
من قلم / غالب احمد الغول
من الأفضل أن يظل العروض كما وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي , وبخاصة إن كنا نعجز عن تطويره وعن الرقي به دون أي يؤثر ذلك على كيانه وقواعده , وكلنا يعرف يسر التفاعيل وتقطيعها الذي لا يختلف عن الرقمي في معناه , ولنترك الشاعر يشدوا بأنغامه حراً طليقاً حتى ولو لم يعرف العروض ,وهذا أجدر من أن نتناول علماً ونبتعد عن مساره , ليصيبنا بعدها الندم .
قرأت جميع الروابط , وفهمت منها الشيء الكثير الكثير , منه الذي اعجبني ومنه الذي حاولت أن أفهمه فاستعصى علي فهمه , والعروض الرقمي كفكرة اجتهادية شأنه شأن أي محاولة للتجديد , وجدت أنه بحاجة ماسة إلى توسيع آفاقه , وكأن الخليل بن أحمد الفراهيدي لم يترك شيئاً إلا وذكره . وألخلص أفكاري بكل صراحة ومن دون تعصب لأي جانب ما يلي :
1 ــ إن نظام الخليل بتفاعيله وحدها وبمقاطعها الأوتاد والأسباب وزحافاتها وعللها , وألقابها التي تربو على ستين لقباً عروضياً , قد حيرت العروضيين منذ نشأتها إلى يومنا هذا , لما فيها من التعقيد والضبابية , ولولا هذا لما وجدت العروضيين يتذمرون من العروض وقيوده وصعوبته , حتى قيل ان الأصمعي بذكائه حاول أن يتعلم العروض على يد الخليل , إلى أن يئس الخليل من فلاحه , فقال الخليل له متلطفاً . قطـّع البيت الآتي :
إذا لم تستطع شيئاً فدعه @@ وجاوزه إلى ماتستطيع
فذهب الأصمعي ولم يرجع , وعجب الخليل من فطنته .
وما أحلى الحوار مع علماء العروض , ولكننا نحاول الاجتهاد والتجديد وما نلبث أن نحطم أكثر مما نبني . وكأن الله ــ فعلاً ــ استجاب لدعوة الخليل عندما قال ( اللهم ارزقني علماً لم يسبقني إليه أحد )) فرزقه علم العروض .
2 ــ وإن العروض الرقمي , أيضاً , وحده بالاعتماد على أرقامه , لا أعتقد أنه يزيد شيئاً على العروض بقدر ما ينقص منه , فالشمولية التي يتكلمون عنها موجودة في تفاعيل الخليل وألقابها , التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا وحصرها , ولم تترك مجالاً لأحد أن يرتقي فوقها , لا أقول هذا تعصباً بل سأثبت لك ذلك بالادلة والبراهين .
3 ــ ما هي هنات التفاعيل والأرقام وسلبياتها ؟
إن التفاعيل التي ظهرت على الداوائر الخمس , هي مجرد أسماء فقط , وتمسك العروضيون بها دون أن يفهموا مكنون سرها , فلم يفرق معظم العروضيين الفرق ( اللفظي الإيقاعي ) بين فعولن في محذوف الطويل , وبين ( فعولن ) في مقطوف الوافر , وبين ( فعولن ) في مخبون الرجز . فكلها عندهم فعولن ووضعوا لها الرمز ( 1 2 2 ) ولم يعرف العروضيون ليومنا هذا الفرق ( اللفظي الإيقاعي ) بين ( مكشوف 2 2 2 ) السريع وبين (تشعيث الرمل 2 2 2 ) وبين (مقطوع الرجز 2 2 2 ) , فكل الألفاظ عندهم موحدة ( 2 2 2 ) , فلا يفرقون بين هذه المسميات , لأنهم فصلوا العروض والشعر عن علم الموسيقى التوأم الثاني . ولم ينسوا بل تناسوا قول الشاعر:
تغن بالشعر إما كنت قائله , إن الغناء لهذا الشعر مضمارُ
واليوم , القصيدة تحكى وتقال وكأنها نثراً لا شعراً , ولذلك لا يحس المتلقي بنغمات المشعث أو المقطوع أو المكشوف , ليست نغمات واحدة بل لها في الانشاد فوارق ينبغي أن نعرفها .
ومن أسباب الاجتهاد في العروض الرقمي ومحاولات أخرى غيرها , هو نتيجة الغموض في تفاعيل الخليل وعدم تطبيق ذلك في الواقع الإنشادي .
ويحاول العروض الرقمي التيسير دون أن يدري بأنه يحاول التكسير في علم نفيس .
فقالوا : لا فرق بين ضرب الكامل 1 1 2 الأحذ
وضرب السريع 1 1 2 المكشوف المخبول
وضرب البسيط والرمل 1 1 2 المخبون المحذوف
فكلها بنظرهم شكل واحد ( 1 1 2 ) أو ( 2 2 ) أو ما يسمونها ( بالخببية ) ويقولون بأن لها لفظ واحد وإيقاع واحد , وهذا عار ٍ عن الصحة , وكلامهم مرفوض أولاً وأخراً .
ولو كان قولهم صحيحاً لما أجهد الخليل نفسه في وضع ألقابها .
ومثل هذا كثير لم ينتبه إليه عروضيوا الرقمي أو التفعيلي على حد سواء , وكأن الضبابية تزداد في إهمال هذا الجانب , لأن الخليل ما وضع هذه الألقاب جزافاً , بل وضعها في وقت لم تكن الرموز الموسيقية تكتب أو تقرأ , وكأنه يقول لنا.
(( يا معشر الشعراء , تنبهوا إلى ألقاب التفاعيل ففيها سر الإيقاع , فلا تهملوها , فتخسروا , لان باستطاعتي أن لا أذكرها فأريح نفسي من المشقة , ولكن لو فعلت ذلك لضاع العروض )))
وها هو العروض في طريقه إلى الضياع , لأننا لم ندرك خطورة ما نسعى إليه .)).
4 ــ بدأ العروضيون يخترعون من ألقاب بعض التفاعيل ما يشوهون به العروض, ليخرجوا بجديد , فقالوا ( كف مستفعلن ) بل تمادوا ليصلوا إلى كف ( فاعلن الخماسية ) التي لم يشملها الكف , وإذا استمروا على هذا المنوال , فلا نقول للعروض إلا ((( بااااي بااااي )) مع السلامة يا عروض , لأن الوتد المجموع في مستفعلن لو تم كفه ( أي ذهب حركة الوتد في حشو البيت الشعري , وليس في الضرب , لانهار العروض كله .
إنهم يقولون (( مستفعلن تصير مستفعلُ )) لأنهم وجدو الكف في بحر المجتث والخفيف , علماً أن هذا غير صحيح , لأن التفعيلة المكفوفة في المجتث أو الخفيف , ما هي إلا من التفعيلة ( مفعولاتً ) التي شوهت الدائرة الرابعة كلها .
اسمها في دائرة الخليل مفعولاتُ وليست مستفعلن , وهذا خطأ وقع فيه العروضي القديم , ولم ينتبه إليه العروضيون طيلة السنين الماضية , ولو جاز الكف على مستفعلن في الخفيف فلماذا لا يطبق الكف على تفاعيل الرجز (حمار الشعراء )؟؟؟ ولقد كتبت بحثاً كاملاً أبرهن عدم جواز الكف , في كتبي الثلاثة , التي صدرت سنة 1997/2000/2005 الرجاء راجع الرابط الآتي.
http://www.omferas.com/vb/showthread.php?t=24011
5 ــ أما إذا ما أتينا إلى بحر الخبب ,الذي قيل فيه أنه ليس ببحر وإنما هو وزن , ولو سمي بحراً لانقلب العروض الرقمي على أساسه , لأن فيه وزنين متداخلان .
ولا فرق عندهم تتابع ( 2 1 1 / 1 1 2 ) ولا مانع أن تجتمع الحركات المتتابعة حتى ولو بلغت أربع أو خمس حركات فأكثر . علماً أن الدكتور خلوف يقول ما قاله العروض التقليدي , بعدم جواز توالي أكثر من أربع متحركات , حتى لو أجازتها الموسقى .
((( وأنا أقول , وغيري من بعض العروضيين يقول , بأن الخبب خببان , الأول والثاني :
الخبب الأول: ويقع نبره على أوله ويمنع دخول أي تفعيلة ثنائية عليه مثل وتفعيلته إما ( 2 1 1 ) أو ( 2 2 )
~ ب ب / ~ ب ب / ~ ب ب / ~ ب ب
ثم الخبب الثاني : وتفعيلته إما ( 1 1 2 أو ( 2 2 )
ب ب ~ / ب ب ~ / ب ب ~ / ب ب ~
وبيته : يا ليل الصب متى غده
ــ ~/ــ ~ /ب ب ~/ ب ب ~
بالرغم من التكافؤ الحاصل بين (11 2 / 2 11 ) إلا أنه لا يجوز تتابعهما في قصيدة واحدة , حتى ولو جاز ذلك موسيقياً لأن الموسيقي قادرة على التحايل لتعطي نبرها ( الدم ) في أي مكان تريده .
وكذلك فإن بعض أجزاء التفاعيل تتشابه مثل ( 1 1 2 ( أحذ ) تكافيء بشكلها مخبون ( 1 1 2 ) ولكنها لا تكافئها بلفظها . لكن عند الرقميين لا فرق بين هذا وذاك .
ولا فرق أيضاً عند العروضيين ( الرقمي والتفعيلي ) بين:
(متعلن الرجزية) وبين مستفعلن ( 1 1 1 2 = 2 2 1 2 )
وهنا نسأل أنفسنا سؤالاً :
كيف متعلن تساوي مستفعلن
وهل البيت الآتي فيه التعادل الكمي اللفظي والمقطعي والزمني
1 1 3 /1 1 3 / 1 1 3 = 4 3 / 4 3 / 4 3
لا أعتقد أن الطرفين متعادلان كماً لفظياً أو كماً مقطعياً أو كماً زمنياً
ولا يجوز أبداً أن نكتب بالأرقام:
1 1 1 2 تساوي 2 2 1 2 أو (4 3 )
5 = 7
. فأين السر في ذلك؟؟؟
والجواب:
السر أن نكتب تحت كل تفعيلة لقبها أو رمزها الموسيقي الذي يحدد سير إيقاعها ويحافظ على زمنها عند النطق بها .
ليس هذا لطلاب الثانوي , وإنما لطلبة التخصص , فالطالب عليه أن يعرف البحر والتفاعيل والتقطيع فقط , والباقي يتركه لأهل التخصص .
ولو فعلنا ذلك لما احتجنا إلى أكثر من ستين لقباً عروضياً.
واقترحت في كتبي الثلاثة أن نضع للتفاعيل رموزاً إضافية بدلاً من ألقاب التفاعيل ( أي تدوين أو تنقيط التفاعيل) . لكي نعرف من خلالها الإتجاه الإيقاعي للبيت الشعري .
فهل في مقدور الرقمي أن يفعل ذلك ؟؟
لكن لا أعتقد , لأنهم يجمعون الأرقام وكأن وظيفتهم معرفة بحر الشعر وكفى ,ولذا من الصعب إضافة رموز أخرى مع الأرقام ( 4 3 ) إلا إذا أعادوا بناء الأرقام من جديد . .
لقد مرت القرون ونحن نعرف الوزن من خلال الإيقاع , فما حاجتنا إلى الأرقام التي لا تضيف جديداً ؟؟
6 ــ ماذا تعني الأرقام 1 أو 2 وما شابه ذلك؟؟
هل يوجد فرق بينها وبين( / أو /ه )؟؟؟
وهل يوجد فرق بينها وبين ( ب أو ــ )
كلها مجرد رموز , ولكن ليس الأمر إلى هنا فقط , بل لها معاني غير المعاني المختزنة في عقولهم .
إن الرقم ( 1 ) يعني (الزمن) الواجب حدوثه عند لفظ المقطع المتحرك ,( وهذا المعنى قديم أقدم من التاريخ نفسه ,) ويعني ( وحدة زمنية = نصف وحدة المقطع الطويل الذي = 2 وحدة زمنية) وهذه المدة تقاس بالوحدة الزمنة (1 ) ويتحدد من خلال السرعة Tempo ) ) وتقدر بثانية أو نصف ثانية حسب السرعة المطلوبة ,
فالحرف المتحرك نلفظه عادة بمدة زمنية مقدارها نصف ثانية , فنرمز لها بالرمز ( 1 )
وأما (المتحرك والساكن معاً) فله ضعف السرعة , ويساوي (2 ) ثانية .
ولذلك يجب أن نعرف حدود الوحدات الإيقاعية زمناً إيقاعياً وليس مجرد أرقام لا تعني أكثر ما تعنيه الرموز العروضية الأخرى ) .
وبهذا التعويض الزمني الذي نضيفه إلى الوحدة الإيقاعية التي أصابها الزحاف و يجعل زمنها في حالة تعادل مع التفعيلة الأساسية .
مس تف ع لن = مُ . تَ . عِ . لنْ
2 2 1 2 = 1 . 1. 1 2
سالمة = مخبول
النقطة تمثل زمناً إضافياً بمد الحركة أو بالسكتة مقداره (1 ) أو سكته مقدارها نصف ثانية .
وهنا يتم التعادل الكمي والزمني بين الأصل والفرع هكذا .
2 2 1 2 = 2 2 1 2
هذا من غير أن نحسب مدة ال ( دم ) أو النبر , الذي له من الزمن ( بقدر حركة الوتد ) فيصير زمن لكل تفعيلة سباعية:
8 = 8 وحدات وتعادل المقياس الرباعي .
هكذا يجب أن يكون المعنى الرقمي الذي يجب التفكير به لرفع قيمة العروض التجديدية , أي ينبغي أن نعيد للعروض هيبته الكتابية لكي يفهمها الموسيقي والعروضي فينشدها على البحر الذي نريد . , ثم نعوض الألقاب بالرموز ليسهل قراءة التفعيلة موسيقياً وإيقاعياً ولفظاً .
ومن هنا فكرت وفكرت , ماذا أقول للرقميين في حواري معهم عن بعد ؟؟ , وكيف أفهمهم ويفهمونني ؟؟ولماذا احرجهم ويحرجونني . فكان القرار أن أكتب الآن بعض ما عندي لأعرفكم بأن الرقمي لم ينضج بعد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كتبه/ غالب احمد الغول في 5/7/2010