سبته ومليليه


من محاضرة للأستاذ ياسين علي عيسى علي الجبوري


مقدمة:

كانت إسبانيا تمتلك إمبراطورية كبيرة مترامية الأطراف. إلا أنها انحسرت، ولم يبقى ليها سوى بلدتين في شمال إفريقيا هما (سبتة ومليليه) وثلاث جزر صغيرة هي: (فليزدي لاجومرا والحسيماس وتشافارتير) وهذه تطل على مياه البحر الأبيض المتوسط. وهذه الجزر سميت بجزر الكناري أو جزر (الرؤوس).

ويدعي الأسبان أن هذه المدن والجزر تعود لهم، حيث يعود تأريخهم الى الفينيقيين والعصر القرطاجي. ففي سنة 429 ق م طرد القوطيون رئيس قبائل الفاندال (جيزيك) خارج أسبانيا. وقد عبر هذا القائد الى جبل طارق ومعه 80 ألف رجل، وهناك أخذوا ملكية سبتة ومليليه.

وفي سنة 534م أعاد الإمبراطور (جوستيان) أسر هاتين البلدتين، لتقع في أيدي الجيوش العربية التي قدمت من الشرق سنة (700م)، وهذا يعتبر من مقدمة الغزوات العربية لشبه الجزيرة الأسبانية، وبالتحديد بعد هذا التاريخ بعشر سنوات.

وأخيراً استطاع الأسبان طرد من احتلهم لمدة ثمانية قرون، واحتلال الساحل الشمالي من المغرب، وبعدها شرعوا في التغلب على باقي الأقاليم الإسلامية.

وفي سنة 1912 نسبت أسبانيا ملكية ذلك القسم من المغرب لها. وكانت مدينة سبتة تحت السيادة العربية، وهي ثاني مدينة بعد مدينة (فاس)، كما أنها كانت أكبر ميناء في المغرب، وهي مفتاح العبور للطريق الذهبي من السودان الى قرطبة.

كانت (سبتة) في أوج ازدهارها ألف مسجد وستون مكتبة، مما جعلها مركزا ثقافيا مزدهرا. وقد كانت سبتة كما هي مليليه تنعمان بحكم ذاتي. لكن الخصومة التي كانت بين عرب أسبانيا والمغاربة، قد سهلت على البرتغاليين احتلال سبتة عام 1451، وهي أول مستعمرة أوروبية في الشمال الإفريقي. وبعد أربع سنوات سقطت مليليه في الأسبان، ثم تخلت البرتغال عن سبتة لصالح الأسبان.

والمدينتان تقعان على شبه جزيرة صخرية، مما سهل السيطرة عليهما. والآن توسعت رقعتهما خارج حدود قلاعهما القديمة.

ويشكل أحفاد الأسبانيين ما يقارب 90% من سكانها، أما المغاربة فهم نسبة قليلة جداً، مع بضعة من الهنود الذين قدموا من جبل طارق للتجارة، كما توجد أقلية يهودية. ويعتبر نصف سكانها المسلمين من الذين يحملون الجنسية الأسبانية.

في عام 1935 اعتبرت سبتة أهم ميناء أسباني في حركة الملاحة، وخامس ميناء للحمولة الكاملة لجميع السفن. وبعد استقلال المغرب عام 1956 انخفضت التجارة تدريجيا من تلك المدينتين، لتصبحا تدريجيا أشبه بهونج كونغ قبل انضمامها للصين، حيث البضائع الكثيرة المعفية من الرسوم الجمركية، مما جعل الأفارقة العائدين من أوروبا سنويا يحبذون المرور من سبتة، لحد أن وصل عددهم الى 2 مليون عابر مع 200 ألف سيارة سنويا.

تعريف بالمدينتين

أ ـ سبته

تقع مدينة سبته في شمال المغرب، وعلى صخرة لا تتعدى مساحتها 20كم2. وهي تواجه مضيق جبل طارق. ويبلغ عدد سكانها 70 ألف نسمة ثلثهم من المغاربة.

يعتمد اقتصاد سبته على التجارة، فيتوافد عليها سنويا 2 مليون سائح، وتستورد المدينة الكثير من البضائع اليابانية أغلبها أجهزة كهربائية، وتصلها يوميا 15 سفينة محملة بالزوار معظمهم من الزوار، ويعودون في نفس اليوم، ولولا الازدهار التجاري لأصبحت سبته مجرد ميناء صغير وفقير.

ويؤكد الإدريسي المؤرخ الجغرافي المولود في سبته، أن المدينة كانت مزدهرة ومشهورة بصناعة المرجان. كما أكد ذلك المؤرخ (موليراس) حيث أكد أن القرون التي سبقت الاحتلال الأسباني كانت قرونا مزدهرة تجاريا. وهذا ما أكده (جاك كاليبي) أيضا، الذي اعتمد على مؤرخين عرب مثل (البكري) و (ابن خلدون).

ب ـ مليليه

تقع مدينة مليليه شمال شرق المغرب، وهي تبعد عن مدينة الناظور 10كم، وتبلغ مساحتها 12كم2 ولها سبعة أبواب منها خمسة مغلقة بشكل دائم وهي:
باب روستروغاردو وباب ماري واري وباب بني شيكر وباب أيا سينا وباب باريو تشيكو. وهناك باب (فرخانة) التي تفتح نهارا فقط، وباب (بني أنصار) المفتوحة باستمرار، والمؤدية لمدينة (الناظور).

يبلغ عدد سكان مليليله حوالي 66 ألف نسمة، ثلثهم من المغاربة. وتحيط بالمدينة جماعات فرخانة وبني أنصارويعدون 11 ألف نسمة، وبني شيكر الذين يعدون 10 آلاف نسمة. وتلك القبائل مرتبطة تاريخيا وجغرافيا وعضويا بمليليه حيث يتوافدون الى المدينة حاملين إنتاجهم الزراعي لبيعه هناك والعودة الى مساكنهم مساءً.

يتبع