الذَّنْبُ بإسكان النون: هو قول أو عمل يخرج صاحبه من الأمن والسلم إلى استحقاق العقاب، ولكأن المذنب كالذي ذنّب عمامته بإرخاء مؤخرتها كذنب الدابة، وكان القرابة والرحم ذنابة بالكسر لأن لكل منهم عليك حقوقا لا سبيل عليه حين يتعلق بها.
وعجبي من التراث كيف قصُر عن دراية الفصل بين دلالة كل من الذنب والإثم والسيئة والحوب وكل من التكفير والمغفرة وكل من الظلم والبغي والفساد وكل من الفسق والإجرام والضلال وكل من الغضب واللعنة، مفردات أو كلمات في الكتاب المنزل يستحيل ترادفها وتفسير بعضها ببعض إلا لعِبًا كهَزَلِ الذين زعموا ترجمة القرآن إلى لسان غير عربي، ولم يتجاوز المترجم نشر فهمه القاصر.
إن قول موسى ﴿وَلَهُمْ عَلّيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ الشعراء، ليعني أنه بقتله رجلا من قوم فرعون قد جعل لهم سبيلا عليه يعاقبونه بفعلته.
ويعني قول عزيز مصر ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ مخاطبا امرأته أنها بمراودتها يوسف عن نفسه قد استحقت العقاب.
ويعني إقرار إخوة يوسف بالذنب اعترافهم باستحقاق العقاب على ما فعلوه بأخيهم.
ويعني تساؤل الموءودة عن الذنب الذي قتلت بسببه أن شرع الله لم يتضمن إذْنا بوأد الأحياء.
وتضمن تفصيل الكتاب المنزل أن من الذنب قتلَ النفس التي لم يأمر اللهُ بقتلها ووأدَ الأحياء وتزيُّنَ المحصنة بالزواج ومراودتَها غيرَ زوجها وحسدَ ذي النعمة والكيدَ به، ولعله والله أعلم ما دون الكفر وتكذيب الرسل بالآيات.
وإن صدق استنباطي وتأملي فإنما أهلكت أي عذّبت في الدنيا قوم نوح وقوم لوط وعاد وثمود ومدين وأصحاب الأيكة وقوم فرعون بمعاصيهم دون الكفر والتكذيب أخذهم الله بها في الدنيا ثم هم في اليوم الآخر مخلدون في نار جهنم بكفرهم وصدّهم عن سبيل الله، وهكذا رغّب جميع الرسل قومهم في الإيمان ليغفر الله لهم ذنوبهم في الآخرة ويؤخرهم إلى أجل مسمى أي يكشف عنهم العذاب في الدنيا بذنوبهم كما هو تفصيل الكتاب المنزل في تأخير الموعود المتأخر.
ولقد كان من الذكر من الأولين أخذ الله المكذبين قبل نزول القرآن بذنوبهم فدمّرهم تدميرا بعذاب ماحق مستأصل لم يبق منهم باقية كما في قوله ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ العنكبوت، ودمدم رب العالمين على ثمود بذنبهم.
ومن المثاني معه وعدُ الله في الآخرين هو لهم بالمرصاد كما في قوله :
ـ ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ﴾ الأعراف
ـ ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ الأنفال
وبينته في موادّ أصاب وأخذ وكاف التشبيه وغيرها.
وأما الذين لم يعاصروا الرسل بالآيات فذنوبهم إلى مشيئة الله في يوم الحساب إن شاء غفرها وسترها على صاحبها فلم يعرضها عليه، وإن شاء فضحه بعرضها عليه وليراها يومئذ الملائكة أجمعون وآدم وبنوه أجمعون وذلك نقاش الحساب ومن نوقشه هلك أي عذّب بذبونه.
وعظمت ذنوب النبيين في أعينهم فتراءت لهم المغفرة أكبر من جهدهم واستحقاقهم فاستغفروا ربهم ليسترها بفضله فلا يعرضها عليهم يوم الحساب وبينته في مادة غفر.