مرثية مريم وطيور الحب(*)
عبدالوهاب محمد الجبوري
المقدمة
من عهد قابيل وهابيل
وأصحاب الرس والفيل
ومذ أرسل الله طيرا من أبابيل
شربت مدن قاماتها
في جماجم عشاقها
وأخرى شربت مجونها
في صمت جلاديها
وتستمر الحكاية ..
ويمضي ( الوسواس الخناس )
يشرب من ظلماته
لكن غيمنا ، تفجر نورا
فحيكت أنجما عثراته
**********
القصيدة
في ذلك اليوم الحزين
جاءت طيور الحب
في أحداقها همس الأنين
( نادت بصوت من شجن
سيزوركم حقد دفين )
يمتطي صهوة تنين احمر
ينقض على النجوم
يحصد خطواتها
يصهر مداراتها
يلتهم الغياهب والسنين
يزرع الرعب في قلوب
تنوء في ثقل الحسرات
تعشق السماء برداً
فيأتيها شواظاً
يتناثر زفيرَ حقدٍ ومجون
وبريق عيون
كان يلم الدفء
في أحضاننا
لكنه ظل مصلوب الجبين
***
ضجيجٌ غطى سمائي وغيوم
فلا صحبة أتوكأ عليها
ولا طائر في مسائي يحوم
في مدن قد أينع الجرح فيها
حتى أجهض الألم
جثثاً سمراء وندوب
وأثواباً بلون نوائبي
وبعض أمسيات
تبكي في الدروب
رمما تطوف في حر اللهيب
(رمما جهراً تذوب )
***
ألف صبح توقد وانفطم ْ
يستفيق على الدموع
وقد غاصت به الظلمْ
فرحت احمل غصتي ومدامعي
واقطع الشوط بالكابات وحدي
***
القمر يحتضن السنين
النجوم تُحصي دروب المغرمين
بعشق الندى
والسعف والحناء
تكتب بالضياء
تاريخ قتل الأبرياء
والعاشقين
لهذا( البلد الأمينْ )
***
ضفائر صبايا تجهش بالبكاء
وطيور الحب تذرف الدموع :
(مريم ستقتل بعد حين )
فأخذتُ عيناي إلى خمائلها
وقد أرْخَتْ ذوائبها
على كفّ الشمس ، تشرب ريقها
فتثمل خلاسا ً
ليحظى بها كأس الهموم مسكاً
وكأسٌ تراقصت أشباحه
عهرا ، فعاد يتسلق أهدابها
يجز قطافها وينعق
فرأيتني أتسوّر دمي
أمزّق حتى الجلد مني
في كل صبح استحم
كأني على موعد دنا أتأنّق
ومن شُهبٍ أدنو وأنأى
على أمل يرفّ ، أتلظّى
إما عليلا استبيح جروحي ؟
وإما على غصص بين الجوانح أُحلّق ؟
***
طليقة ، وفي الدماء قيودها
قد تشتكي ظلماً ، وما زاد همها
تسمو على الآلام ، تزكّي طهرها
عذراء تستقصي القروح ، تلُّمّها
سهاماً على كف الرياح تُطلق
أعانقها نصلا على الثار يُمشق
***
مريم يا لحن الشمال والجنوب
وندى الضفاف الحالمات
تحتضن القلوب والأمنيات
مريم شفاه عرسنا
زهو ربيعنا
صبراً على صبر تحملنا
ألقاً يتدثر لغتنا ، وقصائدنا
حوامل في يوم الفطام تُطلّق
لنا قوافي تُمسي على عزم
ويصبح همُّها زلزالا
إذا شب ضرامها
لا يحمل عزمها سوانا
أقيسٌ كلُّ من قال يعشَق ؟
***
مريم شفاه رعدنا
براكين ننثرها
وفينا كل شظايا الكون تزدحمْ
دم مريم في جسدي
شلالا يغمرني
يفجر اللظى نيرانا تضطرمْ
***
مريم تستقي طل الصباح
كانت إذا أطلت ضفيرتها
مر النسيم بها ، وهاج فتونها
تتدلى أناملها
عروسا ترتعي بين الركام ْ !!!
الموت يحتضن الحمامْ
والطفلة الحسناء
لم يبق منها
(سوى الشذى والكبرياء )
وأنامل مقطوعة
تبكي دفاترها ، والعذابْ
بسمة يطرزها الوفاء
مريم لم تمت
للعودة ، للنصر
تفتح ألف بابْ
***
(*) فكرة القصيدة مستوحاة من قصيدة الشاعرة العراقية جنان حسن ( همس الأنين )