دمشق و القمر :
عندما يسكب القمر نوره في دلاء القلوب لتسكر بها النفوس ، يكون قد حقق كثيراً من غايته .
و ها هو القمر ، يسكب كل نوره على دمشق ، تنهمر أشعته انهماراً على أرضها العطشى ، ترتطم بالأرجاء التي سكنها الموت ، فتشعل بها حرائق التطهير ليبتدئ المسير نحو الجنة التي لا تغيب .
النار تستعر في كل شبر من الأرض العطشى فلا تخاف ، بل تفرح ، تترقرق الأعراس على شوارعها ، يسيل مذاب السعادة على ترابها ، تصَّاعد نجوم صغيرة من مجراها لتحلق في سمائها .
ترتفع دمشق وسط ألسنة اللهب ، الحروق أكلت قليلاً من لحمها لكنها أزالت ما بها من بثور ، ترتفع طوداً شامخاً ، تمثالاً من صوان ، جبروتاً لا ينحني لكل عاديات الزمن .
دمشق تمسك بخطام فرسها ، تمتطيه ، يجري بها بين أعمدة النار و ألسنة اللهب و هي تلوح بسيفها العتيق المسنون ، تصل مساحة صافية وسط دوائر النيران ، ترفع الأذان بصوت يهدر هديراً ، فتخبو كل الحرائق ، و يبقى صوتها عالياً صادحاً ينير وحده عتمة الرماد .