كتب مصطفى بونيف
بعض الأدب أقوى من الفياجرا!
نظرت إلى الديوان الذي أهداه لي أحد أصدقائي الشعراء وقد كتب عنوانه بالأحمر القاتم "شهوة شاعر"، ورسم على الغلاف امرأة "لابسة من غير هدوم"..قلت لصاحبي : " لقد توقفت عن مطالعة هذا النوع من المجلات بعد انتهاء دراستي بالمدرسة الإعدادية.."، ولم أهضم بأن الذي بين يدي ديوان شعر..وكنت طوال الطريق أمشي به كأنني أحمل كيسا من المخدرات، أخاف أن تمسكني به الشرطة...حتى صادفت أحد الأصدقاء الذي خطف من يدي الكتاب وراح يتأمل صورة الغلاف ..سألني : "ماهذا؟" ، فأجبته ..
" إنه كتاب عن المسالك البولية..".
وكم كانت فرحتي كبرى عندما مررت أمام المزبلة حيث تخلصت من الديوان هناك.
ولم تعد الأمسيات الشعرية تخلوا من هذه الأشعار العارية، فلقد حضرت أمسية شعرية وكالعادة أخذت مكاني في الصفوف الأولى لأكون قريبا من الشاعر وفي يدي باقة من الورد، وكان في خاطري أن أقذف الشاعر بوردة كلما قال بيتا شعريا جميلا...، وتعجبت من الجماهير التي جاءت لحضور الأمسية، دعاني رجل يجلس بقربي أن أقاسمه سيجارته وهو يقول لي "مساء الخير"!
ثم وقفت فتاة حسناء على المنصة لتقدم لنا الشاعر الذي وصفته بشاعر المرأة المعاصر، فاهتزت القاعة بالتصفيق وشاعرنا يتقدم بخطى واثقة نحو الميكروفون ..ثم قال لنا" مساؤكم عنب !".
أعلن شاعرنا عنوان قصيدته " قميص النوم الأبيض الشفاف".
قميص النوم أبيض شفاف
منه أخاف
أتزحلق كالسحالي تحت اللحاف
والأباجورة تتعرق خجلا
فقمت أجمع من فمها اللؤلؤ
ومن صدرها الأصداف...
وقف صاحبي الذي يجلس قربي مصفقا ومهللا.." الله عليك يا شاعر" ، ثم جلس ودعاني إلى سيجارته مرة أخرى قائلا "مساء الخير"..
نظرت إلى الجماهير من حولي التي كانت مركزة في قميص الشاعر الأبيض الشفاف...بينما كنت أبحث عن شيئ ما في هاتفي المحمول أتسلى به بعيدا عن هذه القصيدة التي من المؤكد لو أنني ركزت معها سوف لن أخرج من الأمسية الشعرية إلا على يد شرطة الآداب.
سرحت في لعبة الثعبان، بينما كان الشاعر يرعد ويزبد ...والمحرومون من العزاب والعوانس يتأوهون مع كل بيت في قصيدته.
أطلق الشاعر عنوان قصيدته الثانية " المايوه الأبيض المخطط بالأسود"، تجمد الدم في عروقي وتساءت هل سيغازل أنثى حمار الوحش...؟
أبيض مخطط بالأسود قلبي
حين تلبسه لتدخل البحر..
فتاة بيضاء ، بيضاء، بيضاء
فماذا أفعل ؟
وهي كالثلج ، كالبدر !
قام صاحبي الذي يجلس قربي وهو يقول " عظمة على عظمة يا شاعر"..
ثم جلس، ليدعوني إلى سيجارته التي لا تنتهي وهو يقول " مساء الخير".
رميت باقة الورد، وأصبحت أفكر في حذائي، وتذكرت بطولات مننظر الزيدي.
لكنني خفت أن يصادر مني حذائي الذي لا أملك غيره.
خرجت من الأمسية الشاعرية، وأنا أتحسر على ثقافتنا التي أصبحت كلها جنسية..
أين القصائد الشعرية التي كانت تطلق الحماس في قلوب المجاهدين فيذودون عن أوطانهم، فكثير من الثورات فجرتها قصيدة من الشعر؟.
أين اختفت قصائد الغزل العفيف، بل إن القصائد العربية التي بقيت خالدة هي تلك التي التزم فيها الشعراء بالحشمة والحياء، حتى أن عنترة بن شداد كان يقول وأغض طرفي إن بدت لي جارتي !.
زارني صديق يشتكي قلة حيلته أمام زوجته، فقلت له " إياك أن تتناول الفياجرا، عليك بديوان شهوة شاعر...وستجد نفسك عنتر زمانك...مع التركيز على قصيدة بعنوان قميص الدونتيل الأزرق ".
ليلتكم زرقاء...
مصطفى بونيف
تنويه أزرق: على اعتبار أن المواقف المعروضة من وحي خيالي فالمقطعين الشعريين وعنوان الديوان من وحي خيالي أيضا، وفي حال وجود أي تشابه بينه وبين الواقع فهو غيرمقصود وأني بريئ من أي فهم خاطئ.