الدواء السحري
تدوينة بقلم : د. محمود نديم نحاس
جاءتني رسالة من صديق على الواتس أب يذكر فيها قول الشيخ الدكتور السباعي رحمه الله: (في المأزق ينكشف لؤم الطباع، وفي الفتن تنكشف أصالة الآراء، وفي الحكم ينكشف زيف الأخلاق، وفي المال تنكشف دعوى الورع، وفي الجاه ينكشف كرم الأصل، وفي الشدة ينكشف صدق الإخوة).
فأرسلت إليه: لقد شغلت بالي، فهل تعاني من مشكلة؟ فاتصل بي، وشكا لي من مصيبة أصابته، ربما لم تؤلمه كما آلمته مواقف الناس المقربين. فنصحته بالدواء الفعال، وهو اثتنان في اثنتين مع اثنتين. فاستفسر: وما هذا الدواء السحري؟ قلت له: ركعتان، في الثانية بعد منتصف الليل، مع دمعتين، تخلو وتناجي المولى سبحانه، فحل مشكلتك عنده وليس عند الناس.
وفي الحقيقة فإني لست المخترع لهذا الدواء السحري، فقد سمعته من صديق وصفه له أحد العلماء. فهذا الصديق سافر إلى تركيا مع أسرته، وهناك سُرقت حقيبة يده، وكان ضياع المال أيسر شيء في القصة، فالعوض من الله. إنما المصيبة كانت في فقد جوازات السفر وعليها تأشيرات العودة إلى البلد الذي يقيم ويعمل فيه. ولم تتعاون معه سفارة بلده، إذ لم يبق لديه ما يثبت جنسيته، ولا سفارة بلد الإقامة، إذ كيف تعرف أنه كان مقيماً فيها؟ فأصابه هم وغم، وقيّض الله له شيخاً دلّه على هذا الدواء، المأخوذ أساساً من الحديث القدسي المشهور (هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ، هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابَ لَهُ، هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ).
يقول: أخذت بالأسباب واتصلت بقريبي في بلدي لعله يرسل لي ما يثبت هويتي، ثم اتصلت بصديق في بلد الإقامة لعله يرسل ما يثبت إقامتي. ثم إني نفذت تعليمات الدواء السحري بدقة. وفي الصباح رأيت أثر الدعاء فقد جاءني الفرج، والحمد لله أولاً وأخيراً. وما ذلك على الله بعزيز (لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ منهم مسألتَهُ ما نقصَ ذلِكَ ممَّا عندي شيئًا إلا كما ينقصُ المخيَطُ إذا أُدخلَ البحرَ).
ويروي الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله قصة شخصية (منقولة هنا عن موقع: الراسخون في العلم) يقول: كنت قاضياً في الشام. وحدث أن كنا مجموعة نمضي المساء عند أحد الأصدقاء، فشعرت بضيق نَفَس واختناق شديد، فاستأذنت أصدقائي للرحيل، فأصرّوا أن أتم السهرة معهم. ولكني لم أستطع، وقلت لهم أريد أن أتمشى لأستنشق هواءً نقياً. فخرجت ماشياً وحدي في الظلام، وبينما أنا كذلك إذ سمعت نحيباً يأتي من خلف تلة. نظرت فوجدت امرأة يبدو عليها مظاهر البؤس، كانت تبكي في حرقة وتدعو الله. اقتربت منها وقلت لها: ما الذي يبكيك يا أختي؟ قالت: إن زوجي رجل قاسٍ وظالم، طردني من البيت وأخذ أبنائي وأقسم ألا أراهم يوماً، وأنا ليس لي أحد وليس لي مكان أذهب إليه. فقلت لها: ولماذا لا ترفعين أمرك إلى القاضي؟ فبكت كثيراً وقالت: كيف لامرأة مثلي أن تصل إلى القاضي؟.
يكمل الشيخ، وهو يبكي، ويقول: المرأة تقول هذا، وهي لا تعلم أن الله قد جر إليها القاضي (يقصد نفسه) من رقبته ليُحضره إليها.
فسبحان من أمره بالخروج في ظلمة الليل ليقف أمامها بقدميه ويسألها هو بنفسه عن حاجتها! أي دعاء دعته تلك المرأة المسكينة ليستجاب لها بهذه السرعة وبهذه الطريقة؟ فيامن تشعر بالبؤس وتظن أن الدنيا قد أظلمت، فقط ارفع يديك إلى السماء ولا تقل كيف ستُحل، بل تضرع لمن يسمع دبيب النملة وهو سيجيبك. أفنضيق بعد هذا؟ كونوا على يقين أن هناك شيئاً ينتظركم بعد الصبر ليبهركم فينسيكم مَرارَة الألَم. أليس هو سبحانه اللطيف القريب الذي يقول: (ادْعُونِي اسْتَجِبْ لَكُم).
فيا أهلنا في سوريا خذوا بالأسباب، ولا تنسوا أن تدعو مسبب الأسباب، فلكل أجل كتاب (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا. وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).