ليس أخطر على منهج أهل السنة والجماعة من بدعة الدعوة إلى ( اللامذهبية ) ، وما أحدثته من القطيعة المنكرة بين الخلف والسلف في مسلك الطلب والتحصيل لدى كثير من طلبة العلم ؛ حتى صارت الدعوة إلى اتباع السلف الصالح مجرد دعوى ، وتنصلا في صورة تمثل ، وتنكرا في صورة تأثر ، ومروقا صريحا يجتث قواعد العلم الشرعي ، ويسمم مفاهيمه ومداركه جملة ، ولم يصر المنتسب إلى مذهب كمذهب الإمام مالك رحمه الله لدى أهل ( اللامذهبية ) مخالفا لمنهج أهل السنة والجماعة فحسب ، بل صار مبتدعا ، وعدوا للسنة محاربا لأهلها ، ولو حصلوا من العلم والحق أقل أثرة لانتفى لديهم التعارض بين التفقه في الدين بمذهب الإمام رحمه الله ، وبين منهج أهل السنة والجماعة ؛ بل لا يزداد المتفقه إلا تعلقا به ، وحرصا عليه .إن أقل مفاسد الدعوة إلى ( اللامذهبية ) تجريء الرعاع على قول الله تعالى ، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى مراد الله ، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتحريضهم على الاستخفاف بسلفنا من أئمة مذاهبنا الفقهية ، وعلماء الأمة في كل وقت ؛ حتى صار المنتسبون إلى الطلب من هؤلاء - مع اضطراب منهج تلقيهم - يخوضون في مراد الشارع كفاحا ، وصار المحيل في بيان ذلك المراد على قول الإمام مالك ، أو الشيخ خليل كالمحيل على قول جاهل - حاشاهما - ، ومكابرا لقول ( أهل العلم والمشايخ ) ؛ كأن العلم والمشيخة لا يصحان إلا لمتبوعي سلفيي الوقت ، فإذا زدت وجه إحالتك الشرعي بيانا سارع مستدركا : أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وتقول لي قال مالك .ومقتضى هذا المسلك الفاسد - مع شدة غباء أهله - طرح القرون الزاهرة الزاخرة بأئمة ديننا الأعلام من تاريخ أمة الإسلام ، وطرح مصنفاتهم العامرة الباهرة التي يضاهي مخطوطها مطبوعها أو يزيد ، والحرمان البالغ مما اشتملت عليه من الخير النابغ ، والنفع السابغ ، وهو نفس الحرمان من فضل العلم وأهله ، وثمره الكثير الشهي وينعه .