وعد بلفور شارف على الانتهاء
سوسن البرغوتي
لقد منح آرثر بلفور البريطاني من لا حق له بأرض فلسطين "وطناً قومياً لليهود"، ورغم إصرار الملايين من العرب والمسلمين وكل أحرار العالم على بطلان هذا الوعد، الذي لا يحتكم إلا لشريعة الغاب، التي حلت مكان شرعية دولية، من المفترض أنها تحترم حق الشعوب في أراضيها وحقهم بتقرير مصيرهم، على أرض ذي سيادة واستقلال، جاءت تلك الشرعية متطابقة ومنسجمة مع الهيمنة الأمريكية، التي تبنت الكيان الصهيوني كعنوان أبرز للاستعمار القديم- الجديد.
إن ذاك القرار المشؤوم، منح يهود العالم "وطناً" مكتسباً بقوة السلاح، حسب القوانين البريطانية بامتلاك العقارات والممتلكات، تسع وتسعين سنة، وكأن فلسطين المنتدبة بريطانياً، مقاطعة بريطانية!، ومع ذلك، فقد شارف سريان مفعول قانون الغاب على الانتهاء، وبعد ست سنوات، فإن هدية بلفور لليهود، تُعتبر حسب قوانين بريطانية، بعداد المنتهية.
هذا ليس كل شيء، فإن من منح فلسطين لغزاة وغرباء، عليه أن يقر بجريمته، وذلك بدفع تعويضات لكل الشعب الفلسطيني، ويعيد هؤلاء الصهاينة إلى بلادهم. لقد دعموا أباطيل الصهيونية ومزاعمهم ليستخدموها كقاعدة عسكرية لهم، وانقلب الباطل حقاً لهم، وعلينا أن نعمل على استرداد الحق، الذي انقلب باطلاً!.
لقد تكبد الشعب الفلسطيني مآسي ومعاناة لا يحتملها بشر منذ أكثر من ست عقود، من تشرد وإبادات وحصار وممارسات احتلال وحشية، وقبلها باحتلال بريطانيا لفلسطين، ولذا فإن هذه الدولة اللاعظمى، عليها أن تُعاقب بنفس نوع الجريمة التي اقترفتها، وأوزار كل القوى الاستعمارية في العالم، وفي مقدمتها أمريكا، الجرائم المقترفة ليس في فلسطين وحسب، بل وفي العراق المدمر وحمامات دماء شعبنا، ولبنان المهدد بالوصاية الدولية تحت ذريعة محكمة لم تكن إلا وجهاً قبيحاً لشريعة الغاب، والصومال التي أكلت الحرب هناك أولادها، والسودان حيث التحضير لانفصال مجرم تسيطر الصهيونية على قسمه الجنوبي، يفكك الدولة الواحدة، ويشيع البغضاء بين أبناء الشعب الواحد، وكذلك مصير اليمن المجهول، للدخول بنفق أكذوبة محاربة "الإرهاب"، بحجج ما عادت تنطلي على من يملك نصف عقل، والحبل على الجرار.
عود على بدء، فإن وعد بلفور سيد القوى الاستعمارية آنذاك، وخارطة سايكس- بيكو، أكل الدهر عليها وشرب، واستبدالها، لا يكون بخارطة "الشرق الأوسط الجديد"، بل بثورة عارمة عربية ضد قوى الشر والظلم، وكل من تسول له نفسه بنفوذ سياسي أو ملء فراغ الاستعمار، وطردهم، وأمامهم سنوات قليلة، للرحيل الكامل.
لقد جاءت بعد وعد بلفور وعود كثيرة لا تقل خطورة كوعد بوش وأوباما والمبادرة العربية لما يسمى بالسلام، ووعد عباس بحق اليهود على (أرض اسرائيل) وعبد ربه بشطب حق العودة، وغيرها من وعود مقابل جيفة تُسمى دولة.
عندما نتصدى لمشاريع الغرب وأمريكا الاستعمارية وعملائها العرب على جميع الأصعدة، تقوى شوكتنا، ونعيد بوصلتنا باتجاه العدو الذي استباح دماء وبلاد وشعب عربي، لم يغزُ أراضيهم، ولم يطمع بها يوماً، بل على العكس تماماً.
إن الممانعة حركة متجددة ومتصاعدة، تعطي المقاومة النبض الحيوي المطلوب، والصهيونية العالمية والمسيحية المتصهينة، عليهم أن يعوا، فداحة جرائمهم، والمسكوت عليها من عقود، بتوالي هجمات محمومة، تقضي على الزرع والحرث، وعليهم أن يدركوا أن الإرهاب والإجرام لن يبادله ورد وركوع، ومهما زرعوا عملاء لهم بيننا، فموعد الخلاص من أياديهم المتطاولة على الشعب وقمعه، بدأ رحلة العد العكسي، ولن يصح إلا الصحيح.
وطننا مقبل على مرحلة تختلف عمّا سبق، فالوعي العربي لجوهر الصراع بازدياد، وكلما كشر الاحتلال عن وجهه المجرم، اتضحت صورته البشعة، وارتفع وعي الشعوب الحرة المتضامنة، فلم نكن يوماً قتلة ولا سفاحين، نحيا بالدماء والقتل كما هو حالهم.
إن خطايا الغرب، لا يجوز أن تُكافأ عليها، بقبول السرطان الصهيوني المزروع بفلسطين، والتفاوض معه، إنما بفضحه ومقاطعته، والتصدي له على جميع المستويات، بمعركة مهما طالت، فإنها حتماً ستهشم هذا الرأس الاستعماري الهمجي.
إنها الحرب فعلاً، إنما وسائلها مختلفة عن التقليدية، فجولة المستعمر الحالية استخباراتية سياسية تمويهية وتهويمية، وإعلامية خبيثة، والكيان الصهيوني ليس بوارد شن الحرب لفترة قد تطول أو تقصر، خاصة أنه يسعى كالأفعى لتسديد ضربة للبنان عبر محكمة أبعد ما تكون عن العدالة، والحقيقة التي تريد فرضها، ما هي إلا حقيقة أمريكية لأهداف وغايات تدويل لبنان ووضعه تحت الوصاية "الدولية"، بمعنى أوضح تحت قبضة الهيمنة وحلفيتها الإستيراتيجية. لذا فالمعادلة الثلاثية، ستحبط فحيحاً مسموماً، ولبنان لن يُلدغ من جحر الحرب الأهلية مرة أخرى.
أما العراق فقد اكتوى من الحرب الطائفية المصطنعة بفعل الاحتلال، ويعي أن تقارير ووثائق (ويكيليكس)، ما هي إلا حرب استخباراتية واعلامية بين الحزبين الرئيسيين في أمريكا، مع اقتراب انتخابات الكونغرس النصفية، وما كشفته الوثائق أقل بكثير مما رأيناه وشاهدناه على الشاشات وهزيل أمام الحقائق على أرض الواقع، وجاءت بتواريخ جلّها قبل فوز الحزب الديمقراطي، فهل التسابق والمنافسة الأمريكية الداخلية، يدفعها الشعب العراقي من دمه وثرواته وعلى أنقاض بلده؟، مع العلم أن المقاومة ستستمر حتى إجلاء آخر جندي مستعمر.
في السودان لا حل إلا التصدي لمشروع الانفصال بالقوة، فالمشروع هو لتفكيك السودان إلى دويلات وتطويق مصر، وإحكام السيطرة على مياه النيل والموانئ البحرية في البلدين، فمصير مصر والسودان مرتبط، وبقدر قوتهما وتوعية الشعب، لما يُحضر لهما، بقدر الحفاظ عليهما معاً.
فلسطين العمود الفقري الذي شلته اتفاقيات التطبيع وسلطة تستقوي بالاحتلال، يتطلب بشكل عاجل معالجته، قبل أن ينتشر ويطمر الطوفان وجودنا جميعاً، وآخر الدواء الكيّ، فقد طفح الكيل، والاحتلال وحكومته برام الله يشكلون غرفة عمليات، يخطط الصهاينة، فتطيع سلطة رام الله وتنفذ، شأنهم في ذلك، كشأن أي حكومة احتلال في وطننا..
والأجدى قصف المقرات الصفراء والخضراء.. فهي سوداء في تاريخ أمتنا ويجب إسقاطها مهما كانت تسمياتها، فهذه الأوكار، أحد أهم معوقات التحرير، فلنقلع شوكنا بيدنا، ونعيد حبات العقد دون أدنى تردد، وبكل الأحوال لن يرضى عنا أسياد البيت الأبيض وشياطين "تل أبيب" حتى لو ركعت رعايهم حسب مقاييسهم، فلنبنِ حاضرنا ومستقبلنا كما نريد، لا كما يريدون، رغماً عن أنوفهم جميعاً.
--