نوايا أمريكا اتجاه إيران
علينا أولا أن نتفهم طبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية حتى نتمكن من تخمين ما سيحدث في المستقبل ، وهذا يتطلب أزاحة صورة (الصراع المفتعل) بينهما لنرى الحقيقة بوضوح ، لا أقصد هنا أن الشد والجذب بين أمريكا وإيران هي مجرد مسرحية متفق عليها ، وإنما المقصود هو أفتعال القضية ، فإيران تدعي أنها تقف ضد الأمبريالية والأستكبار العالمي ، وأمريكا تتهم إيران بالأرهاب وأثارة المشاكل في المنطقة ، وهذه هي الصورة المعلنة التي يظهرها الإعلام ، إلا أنها متناقضة مع الواقع ، فنظام (الولي الفقيه) قدم لأمريكا خدمات كبيرة جداً ، وآخرها دوره التآمري في أحتلال العراق وأفغانستان، وهذا بأعتراف أبطحي ورفسنجاني!!، وبالمقابل قدمت أمريكا العراق لإيران على طبق من ذهب ، وساهمت بجعل نفوذ الفرس يصل إلى حدود دول الخليج!!، فهل هذه الحقائق تتناسب مع ما يدعيه الطرفان؟!، إذاً هناك حقيقة لهذا الصراع لاتظهر على خشبة المسرح وإنما موجودة خلف الكواليس ، وهي أن إيران تسعى لأن تكون حليف للغرب في المنطقة تتقاسم معه المصالح ، لكن أمريكا تريد أن تكون إيران لاعباً على ساحة تحددها السياسة الأمريكية وليس شريك!!، بمعنى آخر ... إن أمريكا ترى أن إيران لاتستحق أكثر من فتات الخبز لكن إيران تريد أن تتقاسم مع أمريكا الديك الرومي!!، على سبيل المثال ... شرعت أمريكا أبواب العراق لإيران وسلمتهم السلطة ، فأصبح الشأن العراقي الداخلي بيد جيش القدس والأطلاعات الإيرانية ، وغرقت السوق العراقية بالبضائع الإيرانية الفاسدة ، لكن النفط والغاز والشؤون السياسية الخارجية تسيطر عليها أمريكا من خلال ما تسمى بالأتفاقية الأمنية وأتفاقية النفط والغاز ، أما الحقول النفطية التي سلبتها إيران بمعاونة عملاءها في المنطقة الخضراء فهي فضلات مائدة أمريكية ، ولهذا لم نسمع أستنكار أمريكي حول هذا الموضوع.
كان الشاه محمد رضا بهلوي (المعروف بشرطي الخليج) يحمي مصالح الغرب في المنطقة ، وقد حاول أن يعزز موقفه كحليف قوي وشريك في المصالح وليس حارساً لها وأداة ينفذ مطالب السياسة الأمريكية ، فلعب مع الكيان الصهيوني (الشطرنج) على رقعة الجنوب اللبناني من خلال موسى الصدر ، لكن بطريقة جعلت الصهاينة يكسبون الدور ، حتى يكون في نظرهم اللاعب المثالي الذي يحقق لهم الفوز الدائم ، وبالتالي فأن الكيان الصهيوني وأمريكا قبلوا بنفوذ الشاه في لبنان وشراكته مقابل المكسب الدائم الذي يحققه لهم!!، لكن عندما وضع الشاه مصالحه في المقدمة بات خارج الحدود التي رسمتها له السياسة الأمريكية ، فتأييد الشاه للمباردة التي أطلقها الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1973 بإيقاف توريد النفط للدول المتعاونة مع الكيان الصهيوني ، أشتراكه في أنتفاضة الدول النفطية في قمة الأوبك التي رفعت سعر برميل النفط من ثلاث دولارات إلى ثمانية وعشرون دولار و توقيعه أتفاقية الجزائر عام 1975 ، جعلته خارج السرب فأزيح عن السلطة لصالح نظام الملالي الذي يحاول منذ اليوم الأول له أن يلعب نفس الدور الذي كان يقوم به نظام الشاه ، لكن بشكل مختلف ، فنظام الشاه كان يظهر ضعفه أمام الغرب ليقبلوا به شريكاً ، لكن نظام الولي الفقيه يحاول إبراز العضلات ليفرض نفسه ، فعلى الرقعة اللبنانية لعب الملالي دوراً جديد مع الكيان الصهيوني من خلال حسن نصر المجوس ومن خلفه حزب الشيطان ، لكن بطريقة حصر الملك في مربع الزاوية ، وقد شبهت العلاقة بين حسن نصر المجوس والفرس في موضوع سابق بشخص يمسك حبل مربوط برقبة (كلب مسعور) ، وهو يرخي الحبل متى ما شاء وعلى من شاء ، فإذا ما أرادت إيران أن تضغط على الكيان الصهيوني أرخت الحبل وجعلت كلبها ينبح بإتجاه تل أبيب ، وأذا ما أرادت أن تتأزم المواقف داخل لبنان (لصالح الكيان الصهيوني مثلا) يدير الكلب رأسه نحو بيروت ، وفي العراق كررت إيران تجربتها في لبنان من خلال مقتدى الصدر وجيش الدجال ، الذي قام حزب الشيطان اللبناني بتدريب قياداته بإشراف مباشر من قبل المجرم المقبور (عماد مغنية) ، وبدأت إيران تشد الحبل وترخيه لتضغط على أمريكا في العراقي ، فعندما أختلفت المواقف بين طهران وواشنطن على تعيين أياد علاوي بمنصب ما يسمى بـ (رئيس الوزراء) ارخت الحبل لمقتدى الصدر باتجاه القوات الأمريكية وأعلن نفسه مقاوماً للأحتلال ، وعندما أثقلت المقاومة العراقية كاهل قوات الأحتلال الأمريكي أدار مقتدى الصدر وجهه باتجاه المكون العراقي السني على أعتبار أن المقاومة (سنية)!!،، فبطش بالأبرياء ونشر الموت والرعب حتى ترك الناس منازلهم وفروا بأرواحهم ، كما حدث بالضبط مع الفلسطينيين في لبنان على يد حركة أمل الأرهابية ، وبذلك تكون إيران ضربت عصفورين بحجر واحد أثبات قوتها أمام أمريكا على الساحة العراقية ، وأثارة الفتنة الطائفية ، ومن خلال هذه المواقف المتناقضة تحاول إيران أن توصل رسالة إلى الغرب مضمونها .. إما أن أكون شريك معكم أو غريم لكم ، وهذا ما تؤكده رسالة قاسم سليماني التي أرسلها إلى ديفد بيترايوس عام 2008 عن طريق ضابط عراقي جاء فيها .. "أن إيران موجودة في العراق ، لبنان ، غزة وأفغانستان ، وأن السفير الإيراني في بغداد هو عضو في فيلق القدس الإيراني"، هذه الثقة العالية لدى الفرس التي جعلتهم يعلنون التحدي مبنية على أساس أنتفاع أمريكا والكيان الصهيوني من وجود نظام الولي الفقيه في المنطقة ، بل أن أمريكا في كثير من الأحيان أستعانت بإيران ، خصوصاً في الشأن العراقي ، فيذكر أحد المقربين من قاسم سليماني أن الأمريكيين طالبوا بتدخل سليماني مرات عديدة (عن طريق وسطاء) عندما تكون هناك أزمة داخلية في العراق!!، لكن في نفس الوقت تعمل أمريكا على قص أجنحة إيران كلما طالت ، ففي العراق قادت أمريكا بشكل غير مباشر عمليات ما تسمى بـ (صولة الفرسان) لتضرب جيش الدجال التابع للولي الفقيه ، مثل ما فعل الكيان الصهيوني مع حزب الشيطان في لبنان صيف عام 2006 ، من جانب أخر نلاحظ إن النفوذ الإيراني في المؤسسات الحكومية الأمنية ، مخابرات ، داخلية ودفاع ، لايخفى على أحد ، لكن بدلا من تطهير تلك المؤسسات من النفوذ الإيراني تقوم الأستخبارات الأمريكية بإعتقال عناصر من الأطلاعات الإيرانية وتفكك المحطة التابعة لهم في شمال العراق!!، وتهجم القوات الأمريكية على مقرات سرية (Save house) تابعة للأطلاعات الإيرانية في العراق وتعتقل من فيها!!، ماذا يعني هذا؟!، أن أمريكا تريد أن تقول لإيران أنكم تحت أنظار ، هذا هو الحال عبارة عن سباق لأثبات القوة ، أمريكا تريد من أيران أن تكون موجودة في العراق لكن لاتقترب من البحرين ، وإيران تريد أن تبتلع الخليج بالكامل ، أمريكا تريد أن تلوح إيران بالعصا للدول العربية السنية بدون إن تضربهم بها ، لكن إيران تريد أن تضرب بأكثر من عصا في نفس الوقت ، وهكذا ، أذاً .. السؤال الذي نبحث له عن أجابة " ما هو موقف أمريكا من إيران وهل هناك نوايا أمريكية لضرب إيران؟!".
تعرض العراق لحصار قاتل دام ثلاثة عشر سنة راح ضحيته مليون طفل ، وأستهدفت الطائرات والصواريخ البنى التحتية لمؤسسات الدولة ، ثم إحتلاله بحجج واهية منها أسلحة الدمار الشامل التي لم يجدوا منها شيء يذكر!!، لكن مع إيران صبر أمريكا طويل جداً ، حتى بعد أن ظهرت نوايا طهران في الحصول على القنبلة نووية ، ومع هذا أمريكا تماطل وتتضرع وفي بعض الأحيان تلمح بالمفاوضات على الطاولة المستديرة!!، وذلك لأن القوة النووية الذي تعتزم إيران إمتلاكها هي سلاح يهدد العرب وليس الغرب ، وهذا ما أكده المحلل السياسي (يسرائيل زيو) في مقال له تحدث به عن البرنامج النووي الإيراني نشرته صحيفة معاريف ، حيث قال "أن إيران تهدد العرب اكثر مما تهدد أسرائيل"!!، قد تتعرض إيران لحملة عسكرية ، وهذا أحتمال ضعيف جداً لكنه وارد أذا ما بقيت إيران مصرة على إبراز عضلاتها أمام الغرب ، خصوصاً أنها بدأت تلعب على حلبة (مضيق هرمز) ، الذي يعتبر الممر الرئيسي لنفط الخليج ، لكن الحملة (حسب وجهة نظري) لن تتعدى حدود الضربات التأديبية ، فأمريكا لاتريد أن تخسر (البعبع) الذي قضى على الأستقرار في المنطقة ، وغير من أتجاه النظر ، فمنذ عام 1948 وحتى 1979 كان ملف القضية الفلسطينة هو الوحيد المطروح على الطاولة العربية ، إما اليوم فأن الملفات الإيرانية وحدها تستعمر الطاولة العربية بينما ملف القضية الفلسطينة مركون على الرف!!، أليس هذا عمل جبار بالنسبة لأمريكا والكيان الصهيوني!!، فهل يعقل أن تعمل أمريكا على تنظيف الطاولة العربية من الملفات الإيرانية وتلفت أنتباه العرب من جديد نحو فلسطين؟!.
بلال الهاشمي
باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي