المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسعد الأطرش
ودار الزمن دورته , وهاهي الأمة العربية الإسلامية على امتداد الدنيا تتهيأ لاستقبال الحدث الأعظم في التاريخ الإنساني , ألا وهو مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم . وحلّت ذكرى الميلاد المبارك , وهبت الأمة بكل أطيافها لتعبّر عن حبّها لنبيها الكريم صلى الله عليه وسلم , هذا الحب الّذي يغمر القلوب المؤمنة في كل مكان من أصقاع الدنيا , وأقول حب ولكن بالعواطف والمشاعر لا يبرحها ذلك لأن هذا اللون من الحب لا تكفي فيه العواطف التي تجيش في القلب بل لابد أن يكون حقيقة واقعية ترى آثارها في كل جانب من جوانب حياة الأمة , في البيت حيث تمضي العلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم أباً وزوجاً يرسم للأمة النموذج الأمثل والأكمل , وفي مواقع العمل إتقان وجد واستثمار للوقت وترشيد للمادة وابتعاد عن الهدر , ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاّ أن يتقنه ) في مواقع التحصيل العلمي من جامعات ومدارس أدب وإخلاص في طلب العلم وتوظيف للمعلومة في خدمة الدين والأمة فهي طريق نهضتها , على مستوى العلاقات الاجتماعية أخوة ومحبة وتواصل , وفي مجال المعاملات صدق وأمانة بعيداً عن الغش والخداع وأكل أموال الناس بالباطل , حيث يقول الهادي البشير صلى الله عليه وسلم : ( التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . ) فتأمل ما أسماها من منزلة . وكذلك يقول : ( من غشّ فليس منا ) و ( إذا بايعت فقل لاخلابة ..) أما في سلك القضاء فالعدل سيّد الموقف وينصف المظلوم ويؤخذ الحق منه ويعاد لصاحبه , وفي الدوائر والمؤسسات خدمة الأمة بكل أطيافها والقيام على تدبير أمورها , والابتعاد عن كل ألوان الفساد الاجتماعي , وعلى صعيد السياسة الحاكم راع ومسؤول عن رعيته تدبيراً لشؤون الأمة وحماية للوطن والدين وتأمين العيش الكريم لكل أبناء الأمة . فمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تعني هذا الّذي قلناه , وكما ترى هو الجانب الحركي لها , والقطب الرئيس الّذي يشهد لها , فهي أولاً وأخيراً متابعة لها صفة الشمول لكل شيء في حياة المسلم , وأؤكد قائلاً كفاناً كلاماً , وكفانا إنشاداً لقد شبعنا من هذا اللون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام , نريد أفعالاً على صعيد الواقع الاجتماعي للأمة بكل أطيافها , فلا قيمة لكلمة لا أثر لها على أرض الواقع فسرعان ما تنسى ويبقى كل شيء على ما كان من التهاوي والترنّح ونبقى أسارى في قيود الشهوات والأهواء .
ولندرك جميعاً بكل أطيافنا أن مولد محمد صلى الله عليه وسلم هو مولد النموذج الأكمل للبشرية فذكرى المولد سعي حيث نحو الكمال الإنساني , ولندرك أيضاً أن ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم تحول في حياة الأمة العربية وانتقال بها وارتقاء إلى قمة الإيمان والحق والعدل بعد أن رزحت قروناً طويلة في أودية الكفر والوثنية حيث كان الظلم والباطل لهما سطوة جد عجيبة . والمولد المبارك مولد أمة في قلب الصحراء القاحلة استطاعت في زمن قياسي أن تقوّض عرش أعظم دولتين في ذلك العصر الروم والفرس , ونشرت الدين الحق في أرجاء الدنيا وحملت أسمى رسالة إلى كل جيل من البشر , حتى صرخة يوم النشور . كتاب الله وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم , مولد محمد صلى الله عليه سلم مولد الدولة الحديثة بكل ما تعنيه الدولة في عالم السياسة اليوم , دستورياً وإدارياً حيث كانت متكاملة العناصر من أرض وشعب وسلطة ودستور ظفر كل مواطن فيها بالحياة الكريمة , إلاّ من سعى لتقويضها من اليهود الّذين أقصاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها بصفته نبياً رسولاً ورئيس دولة . واتسع سلطانها حتى شملت رقعة من الأرض واسعة المدى من الصين إلى الأندلس وفرنسا . على هذا النحو المثمر فيما أعتقد ينبغي أن نفهم ذكرى مولد الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . أبناء أمتي في كل أصقاع الدنيا أزف أسمى لكم التهاني والتبريكات أينما كنتم قائلاً كل عام وأنتم بألف خير وأسأل الله عزّ وجلً أن يعيد على أمتنا ذكرى المولد وقد استعادت مكانتها الرائدة بين أمم الأرض قيادة ودعوة وإرشاداً واستردت هويتها المسلوبة من قطاع الطرق أمثال اللوبي الصهيوني ومحافل الماسونية وسواهم . لتصرخ بأعلى صوتها نعم عرب ولا نخجل , نعم مؤمنون ونفخر بانتمائنا للعرب والنبي الّذي ولد من رحم العرب . نعم مسلمون لانساوم على ديننا مهما كانت الظروف والأحوال , نعم أحرار نرفض الظلم الذل والخنوع ونحمل إلى الدنيا رسالة السلام والحرية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
جزاك الله خيرا أخي الفاضل أسعد الأطرش
على هذه الكلمات الطيبات المستلهمات لذكرى المولد النبوي الأشرف
ومن أروع ما قاله العلامة المؤرخ الأديب الحسن بن عمر بن حبيب ( 779 هـ ) في مقتفاه :
بَدَت لنا في ربيعٍ طَلعَةُ القمرِ
مِن وجهِ مَن فاقَ كلَّ البدوِ والحَضَرِ
تَجَمَّع الحسنُ فيه فهو واحدُهُ
وكان في صورة فاقت على الصًّوَرِ
إن لم أَزُرْ قبرَهُ يا سَعْدُ في عُمرِي
مِن بَعدِ هذا الْجَفَا يَا ضَيْعَةَ العُمُرِ
صَلَّى عليه إلُه العرشِ ما صَدَحَتْ
حمائمُ الْوُرْقِ في الآصالِ والبُكُرِ
المقتفى من سيرة المصطفى : ص 32 .