السلام عليكم
هناك من يعانون من محدودية التفكير لايخرجون عن فكرتهم المحدودة بمحور واحد ولايملكون شمولية التفكير وكانهم ينظرون لشيئ واحد في الغرفة ولايتعرفون على الشكل العام لها وتفاصيلها وهؤلاء يبررون فكرهم ولارخجون عنها للمنطق ليتعرفوا صوابها من خطئها ومازلت ابحث عن مقال او نص واف كاف يوضح الفكرة ارجو ان اكون قد عرفت الوصول إليها:
*************
يقصد هذا العنوان لفت الأنظار إلى الخلط الذي يقع فيه البعض، حين التعامل مع هذه المقولة المشهورة على أنها أسلوب وطريقة لإنتاج الأفكار الإبداعيَّة، وهي في حقيقة الأمر لا تعدو أن تكون شعارًا برَّاقًا، وكلماتٍ رنَّانةً، وإذا أردنا أن نعيدَ صياغة هذه المقولة لتصبح أسلوبًا إبداعيًّا، فبإمكاننا أن نقول: معرفة الصندوق هي طريقة الخروج منه، أو نقول: لن تخرج من الصندوق حتى تعرفه أولاً، أو أن نقول: الإبداع في التفكير داخل الصندوق.
لعلَّ صبر البعض نفذ أو أوشك؛ إذ يرون في الحديث السابق جدلاً عقيمًا لا ينبني عليه عمل؛ لذا سوف نحاول إقناعهم، ونتحدث عن بعض طُرق العقل الإنساني في التحليل والإدراك، ونتلو ذلك بإثبات صحة العنوان عن طريق إدراج مثال إيضاحي.
إن العقل الإنساني يعتمد في تحليل الأمور، وإدراك القضايا على أساليب كثيرة يحدثنا عنها المختصون بعلم التفكير، من هذه الطُّرق: التجميع والتبسيط، والاستمراريَّة والتشابه، والتجميع - على سبيل المثال -: هو خطوة تتمُّ في عقولنا دون أن نشعر بها، فتجعلنا نجمع بصورة لا إراديَّة مكوناتٍ أو عناصر أو أجزاء صورة نتأملها في مجموعةٍ واحدة مبسطة، أو صورة إدراكيَّة كُليَّة، وللتمثيل على التجميع أخْرِج هاتفك الخلوي من جيبك وفاجئ صديقك بسؤال سريع: ما هذا؟ وسوف يجيب صديقك بسرعةٍ ودون تردد: هذا هاتف خلوي، لقد أنتج العقل هذه الإجابة بعد جمعه بطريقة لا تحكم لنا فيها عناصر وأجزاء عديدة للصورة المرئيَّة (الحجم، الوزن، الأرقام، زجاجة العرض، الغطاء، البطارية، مُكبِّر الصوت، الشريحة)، في صورة إدراكيَّة واحدة هي الهاتف الخلوي، إن معرفتنا بطريقة التجميع هذه تعيننا إذا أردنا أن نطور أو ننتج أفكارًا جديدةً تتعلَّق بتطوير أشكال ووظائف الهاتف الخلوي عن طريق عكس ومخالفة طريقة تفكيرنا اللاإراديَّة بالتجميع، إلى طريقة تجزيئيَّة ننظر من خلالها نظراتٍ أكثر تفصيلاً لعناصر الهاتف الجوَّال، ونتأمل فيها كلَّ عنصرٍ على حده، ونحلل الفرضيَّات التي نربطها بكل عنصر، وبهذه النظرة التفصيليَّة التجزيئيَّة نهرب قصدًا من الإدراك التجميعي اللاإرادي؛ لنتأمل في كلِّ جزءٍ، ونحاول أن ننظر نظراتٍ مختلفةً بهدف الوصول إلى منظور جديد وإبداعي للكل، فمثلاً لو تأملنا فقط في وجود أرقام على الهاتف المرتبط بافتراضنا أن من يستعمله لا بد أن يعرف الأرقام، وحاولنا تحدِّي هذه الفرضيَّة، وتخيّل الهاتف بدون أرقام - لتوصلنا إلى أفكار جديدةٍ ومبدعة لهواتف تعرض صورًا للأشخاص الذين نتصل بهم بدلاً من الأرقام لاستعمال أصحاب الاحتياجات الخاصة.
إن التفكير التجزيئي وتحدِّي فرضيَّات العناصر يقتضي وصف الأمر المراد تطويره - الذي نرمز له بالصندوق - وصفًا دقيقًا كأننا نراه لأول مرة، أو نصفه لكائن حيٍّ يعيش على كوكب آخر، وله ثقافة تختلف عن ثقافتنا، وحياة تختلف عن حياتنا على كوكب الأرض، ولنضرب مثالاً آخر على أهميَّة معرفة الصندوق قبل الخروج منه، فلو فرضنا أن هناك حاجةً تنافسيَّةً لإنتاج أصناف، أو أنواع جديدةٍ من مياه الشرب التي تُباع في قوارير محكمة الإغلاق، فالخطوة الأولى ليست الإتيان بأفكار جديدة، والمحاولة المبكِّرة للهروب من صندوق المألوف؛ لأن هذا لا ينتج إلا عددًا قليلاً من الأفكار والبدائل المبتكرة، والأفضل من ذلك تأخير هذه الخطوة واستعمال التفكير التجزيئي، كأننا نصف الماء لصديقنا الزائر من كوكب الزهرة، فنقول له: إن الماء سائلٌ شفَّاف، لا لون ولا رائحة له، ويشربه عن طريق الفم الرجال والنساء والأطفال والفقراء والأغنياء، وهو ليس غذاءً ولا دواءً ويُباع في جميع المتاجر ولا يستعمل للزينة أو التفاخر، أما القوارير التي يُباع في داخلها، فهي أسطوانيَّة الشكل، غطاؤها من الأعلى وتشف عما بداخلها، ويحيط بوسطها ورقةٌ إرشاديَّة تحوي اسم الشركة المصنِّعة، ومعلومات عن المحتويات من الأملاح، وهذه الورقة في غالبها غير جذَّابة ولا مثيرة، وهذه القوارير لا تعمر طويلاً، ويسهل كسرها، ونستمر في هذا التفكير التجزيئي والوصف التفصيلي، وإن بدا مملاًّ وصعبًا.
ويتلو هذا الجهد المضني في التفكير التجزيئي والوصف خطوةٌ ثانية، هي الهروب من صندوق المألوف؛ لإنتاج أفكارٍ إبداعيَّة جديدة، فنأتي إلى كلِّ عنصر، ونحاول تحدِّي الفرضيَّة المتعلقة به، وإيجاد صورة أو صور جديدة له، فمثلاً عند تحدِّينا لعناصر انعدام اللون والرائحة والفائدة الغذائيَّة، واستخدام الجميع له، فإننا سوف نفكِّر في أصناف جديدة من المياه الملوَّنة بألوان طبيعيَّة زاهية، يخلط معها أطياب عطريَّة شذيَّة، ونجعلها في قوارير في أشكالٍ هندسيَّة بديعة؛ لتستميل النساء خصوصًا لشرائها، ونجعل لهذا الصنف الجديد فائدةً غذائيَّةً متميزةً، بإضافة فيتامينات ومستخلصات مغذِّية من أعشاب نادرةٍ تُقوِّي البصر وتزيد البشرة جمالاً ونضارةً، ونبيع هذه المياه في المتاجر المختصَّة بمساحيق التجميل، ونعرضها في حاويات بها أنوار ملوَّنة تتفاعل مع الألوان المضافة للماء، وتضفي عليها سحرًا وجمالاً أخَّاذًا، وللتسويق لهذه المنتجات، فإن الدعاية لها سوف ترسم صورةً مشوِّقةً لمن يشربن هذا الماء على أنهن نساء لهن ذوقٌ خاصٌّ، ولهن بشرةٌ نضرة، وأجسام صحيحة قويَّة، إن أغلب هذه الأفكار - مع بساطتها - لا تخطر على أذهاننا بسهولة إلا إذا عاكسنا الطريقة التجميعيَّة اللاإراديَّة بطريقة تجزيئيَّة إراديَّة نرى من خلالها ما لا يراه الآخرون.
لعل الأمثلة المطروحة تبيِّن محدوديَّة إدراكنا التجميعي اللاإرادي، وأننا لا بد أن ندرس ما يراد تحسينه، والخروج من صندوقه المألوف كخطوة أوليَّة تعيننا على تخطِّي دائرة المألوف عن طريق التروي وعدم التعجُّل وتأمُّل المألوف أولاً، وبهذا يتبيَّن صحة العنوان الذي يجعل فَهم الصندوق أفضل طريقة للخروج منه إلى عالم التجديد والإبداع.
كاتب المقال:هشام محمد سعيد قربان.