السِّيوطي
------
مخطوط جديد للامام السيوطي-لعنوان-أنباء الأذكياء لحياة الأنبياء-في -13-لوحة-وعندي منه لاث نسخ-هذه احداها-ولأني كنت قد ذكرت ترجمته بشكل مفصل تقريبا في مخطوط سابق لذلك نشرت هنا له ترجمة مغايرة لتلك
-------------
عرّفنا هو بنفسه في كتابه _ حُسْن المحاضرة _ وعرض علينا جانباً من سيرته , كما قدّم لنا غيره تعريفاً به على نحو ما نجده في كتب التراجم التي صُنِّفت من بعده . ولكنّا نسعى في هذه السطور إلى التعريف بالعوامل , والمقدمات التي أسهمت في توجيه حياة السيوطي , وصياغتها على النحو الذي أدّى إلى النتائج الكبيرة التي تجسدها شخصيته ممثلة في ذلك السيل الزاخر من المصنّفات التي خلَّفها الإمام
.- وأول تلك العناصر أن أباه كان عالماً ذا فنون , وعلى قدر عالٍ من التبصّر والمعرفة , وبرع في الفقه , , والنحو , والصرف , والمعاني , والبيان , والفرائض , والحساب بأنواعه , والمنطق , والوثائق , وكانت له اليد الطولي في الإنشاء مطنباً وموجزاً , وأفتى سنين , وانتفع به جماعة من الأعيان , وألف ....
-وثاني هذه العناصر أنَّ حياة السيوطي كانت في أواخر العهد المملوكي , حينما راح السلاطين يشجعون العلماء , ويؤسسون المدارس ؛ خدمةً للدين , وتعظيماً له ولأهله , وذلك طمعاً منهم في التقرب من الشعب , واستمالته لتوطيد سلطانهم الذي راح يترنّح ,
بعبارة أخرى--- عاش الإمام السيوطي في حقبة كانت فيها سوق العلم رائجة , بالرغم من تردي الأحوال الاجتماعية والسياسية
- . وثالث هذه العناصر أن الرجل لم يخلد إلى الإقامة بمصر , وإنما راح يطوف في الآفاق الإسلامية , فمن بلاد مالي , والتكرور في غرب إفريقية إلى بلاد الهند شرقاً ومن شأن الترحال أن يثري التجربة , ويزيد المعرفة , ويكسب صاحبه سمعة وحمدا . ولعل ذلك كان من وراء انتشار مخطوطاته في الخافقين .
-ورابع هذه العناصر أن السيوطي كان ذا نفس عالية , عريض الآمال بعيد المطامع , لكأنه أخذ من المتنبي قوله : وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام فاجتهد حتى اجتهد نفسه , وكانت نفسُه الكبيرة سبباً في تحامل كثير من علماء عصره , وفي مقدمتهم : السخاوي صاحب الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع . ومن تعظيمه لنفسه أنّه كان يرجو أن يكون مجدد الدين للأمة الإسلامية في أواخر القرن التاسع الهجري , انطلاقاً مما ورد في الأثر من أن الله سبحانه وتعالى يبعث على رأس كل مئة سنة رجلاً يجدد به الدين . ومما ورد في رسالته " الكشف عن الألف " قوله : " أن ثمَّ من ينفخ أشداقه , ويدّعي مناظرتي , وينكر على دعوى الاجتهاد , والتفرد بالعلم على رأس هذه المائة , ويزعم أنه يعارضني ويستجيش عليَّ بمن لو اجتمع هو وهم في صعيدٍ واحد , ونفخت عليهن نفخة واحدة صاروا هباءً منثورا " كأنا بالمتنبي يتكلم قائلاً : أنا في أمةٍ تداركها الله غريب كصالح في ثمود ويقول : واقفاً تحت أخمصي قدر نفسي واقفاً تحت أخمصي الأنام
إنَّ الجدل الذي ثار حول السيوطي في زمانه , وموقف نفر من العلماء منه كانا حافزين حدوا به إلى مضاعفة جهوده ونشاطه ؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يسمو به , ويرفع من ذكره . ومن العلماء الذين ناصبوه العداء , وكادوا له بجانب السخاوي البرهان بن الكركي , والجوهري , والباني وغيرهم . معارف السيوطي ومنهجه : قد يكون لنا عقب ما قدمنا به أن نُرجع النظر إلى مصنّفات السيوطي , من حيث كمّها ونوعها , محاولين أن نقف من خلال ذلك على الأسباب التي أفرزتها بتلك المواصفات . ويمكن إجمال الحديث في هذا المجال على النحو التالي : 1. لقد رُزِقَ الإمام السيوطي التّبحر في سبعة علوم : التفسير والحديث , والفقه , والنحو , والمعاني , والبيان ,والبديع , ودون هذه السبعة أصول الفقه والجدل والتصريف , ودونها الإنشاء , والترسّل , الفرائض , ودونها القراءات , ودونها الطب .
وهذا يعني أن الرجل كان واسع الإطلاع , ملمّاً بعدد من العلوم , فلا عجب أن جاءت مصنّفاته كثيرة لتتناسب , وكثرة العلوم التي يتقنها .
. إن اشتغال السيوطي بالفتيا والتدريس ردحاً من الزمن , أدى هو الآخر إلى كثرة ما أثر عنه , ويقف المطالع في مكتبته على عدد كبير من الفتاوى التي تُعدّ كتباً أو رسائل مستقلة بينما هي في حقيقة الأمر قد ضمنت كتاباً واحداً هو الحاوي للفتاوى , وإنما ذكرت فرادى ؛ لأنّها متباعدة في أزمنة صدورها , يقول في خطبة الحاوي : فقد استخرت الله تعالى في جمع نبذ من مهمّات الفتاوى التي أفتيت بها كثرتهم جدا , مقتصراً على المهم والعويص , وما في تدوينه نفع وأجدى . وجدير بالذكر أن الفتاوى الواردة تُذكر في فهارس مصنّفاته بأفرادها على أنّها كتب مستقلة , وهذا هو السبب الرئيسي في تضخم عدد المؤلفات التي تُنْسَب له . أمّا اشتغاله بالتدريس فقد حدا به إلى وضع كتب تعليمية تتناسب ومستوى تحصيل الطلاب , ونظراً لطول المدة التي اشتغل فيها بذلك فلا غرابة في أن نجد للرجل عدداً كبيراً من الكتب المصنّفة أصلاً لهذا الغرض , وشتان بين كتاب وّضِعَ للتعليم , وآخر ابدعه صاحبه إبداعاً . يقول في خطبة كتابه " الأشباه والنظائر الفقهية " : " واعلم أنَّ الحامل لي على إبداء هذا الكتاب أني كنت كتبت في ذلك أن ذلك نموذجاً لطيفاً في كتاب ( شوارد الفوائد في الضوابط والقواعد ) فرأيته وقع موقعاً حسنا من الطلاب , وابتهج له كثير من أولي الألباب , وذلك الكتاب بالنسبة إلى هذا كقطرة من قطرات بحر , وشذرة من شذرات نهر " فالرجل إذن يصنع الكتب لتلائم أهواء الطلاب . بأن ياتي على قدر عقولهم وميولهم , وفي هذا ما ينزل بمستوى ذلك النوع من المصنفات إلى ما دون المصنفات التي توضع ابتداء لرصد العلوم والمعارف . الكتاب المناسب لهذا الغرض