ماذا بقي من الجيش الذي لايقهر .. سوى داعش؟
August 9, 2014 at 4:35am
ماذا بقي من الجيش الذي لايقهر .. سوى داعش؟
أسوأ العبارات هي العبارة الناقصة والتي يكون المبتدأ فيها بلا خبر .. وأفعالها مبنية للمجهول واللانهاية .. ومليئة بالقطعية والحتمية لأنها قتلت المستثنى .. وأكبر مثال على تلك العبارات الخليعة هي عبارة من تصميم الصناعة العسكرية الاسرائيليلة التي قالت يوما: ان الجيش الاسرائيلي جيش لايقهر
عندما كنا نقرأ عن القلق الوجودي عند الاسرائيلي لم نكن نعرف عمق هذا الخوف الممتد على طول آلاف السنين .. ولم نكن نعرف أن ميكانيزما الدفاع ضد الخراب والفناء قد أنتجت لنا عبارة "الجيش الذي لايقهر" .. الجيش الذي أريد به أن يعني فيما يعنيه (الوجود الذي لايقهر) .. فالجيش هو ضامن وجود اسرائيل ويجب أن يقترن الوجود بأن حاميه لايقهر .. وقد استثمر الجيش الاسرائيلي نصره في حزيران 67 لتعزيز الشعور بالأمن والبقاء في قلب الوجود وللتخلص من عقدة الخوف من الخراب الذي استولى على حكايات الكتب القديمة التوراتية .. فكان أن نحت عبارة "الجيش الذي لايقهر .. مفخرة جيوش العالم
كان من سماه الجيش الذي لايقهر يرتكب خطأ لايقهر في الحقيقة .. فهذه العبارة كانت تثير في المؤرخين العقلانيين الابتسامة الساخرة .. ليس لأن فيها خللا أو خطأ لغويا .. بل لأنها ناقصة تكوينيا .. وجملة غير مكتملة .. وكل عبارة ناقصة لايسمح لها بالدخول الى بلاط المنطق والمفاعلات العقلية .. لأن العسكريين لايؤمنون بجيش لايقهر .. والتاريخ كذلك ..وهي أحجية لفظية يتسلى بها الضعفاء .. وذوو الهمم الكسالى
كنت أحاول ان أعرف جواب تلك الأحجية .. والكلمة الناقصة .. والمستثنى بإلاّ .. فالعبارة فيها شيء غريب وخلل فني ولغوي ولاتنسجم مع منطق الجغرافيا والتاريخ والتحولات العسكرية .. لأن الحدس أحيانا أقوى من كل المؤشرات العقلية .. وحدس العقل كان يقول بأن العبارة ليست مكتملة ولاتنسجم مع الذائقة العسكرية والتاريخية ولاتتفق مع قوة الارادة في أرض كنعان
الجيش الذي لايقهر انتشر يوما بسرعة في جبهات ثلاث وابتلع مثل الثعبان فيلا بحجم سيناء .. سرعة لاتشبهها الا سرعة داعش في الانتشار وطريقة داعش في الانتصار خلال ستة ايام على فرق عراقية كاملة .. فلايشبه سقوط الموصل وتهاوي دفاعاتها وتقهقر جنرالاتها الا تهاوي الضفة الغربية والجولان وسيناء دفعة واحدة عام 67 .. ولايشبه انسحاب قادة الجيش العراقي المتوتر من تلك المدينة سوى قرار المشير عبد الحكيم عامر بالانسحاب الفوضوي من سيناء دون الرجوع الى أحد أو التنسيق مع بقية القادة والذي تبعه انهيار ارادة القتال تحت سطوة أنباء هزيمة مصر الدولة العربية العظمى آنذاك
الجيش الذي لايقهر أقيم لدويلة صغيرة أنشئت لأفراد متعصبين دينيا لايختلفون كثيرا عن مفهوم داعش الحالي .. وهم في الحقيقة داعش اليهودية .. لها نفس حلم الخليفة أبي بكر البغدادي وجنود الخليفة في بناء عالم خاص بهم .. والتشابه بينهما يكاد لايصدق من حيث النشأة .. فكما نشأت اسرائيل بعصابات شتيرن والهاغاناة فأفرغت الديموغرافيا برعب المجازر والدم والقسوة المفرطة ولقيت الدعم والغطاء من الغرب فان نشأة داعش سارت على نفس الطريق دون أدنى انحراف .. فهي تلجأ للعنف المفرط لافراغ الديمغرافيا ممن لايوافقها مذهبيا ودينيا عبر تطهير مذهبي صريح .. ولكن حتى من يوافقها مذهبيا فانها تعامله بنفس القسوة المفرطة لتثبيت معادلة أن هذا التنظيم ليس لعنفه حدود وأن مجرد التفكير في مواجهته يشبه استفزاز الثعبان الأسود في جحره
وداعش مثل نظيرتها اسرائيل لم يكن ممكنا أن تقوم بمشروعها دون غطاء غربي صريح عبر غض النظر عن تمددها وتمدد جريمتها حيث ان تركيا (التي تمثل الناتو في رعايتها لداعش) كما هي اميريكا لاسرائيل .. وهي العش الذي تفقس فيه البيوض تحت عين الناتو نفسه .. وكما تقوم اسرائيل بتهويد كل ماتصل اليه يدها فان داعش تدمر كل هوية المنطقة وتفتك بكل مذكرات المنطقة المحفوظة في الآثار والمقامات واللقى الأثرية لتدعيش ذاكرة المنطقة واعادة كتابة تاريخ المنطقة منذ لحظة قيام داعش لاقبلها .. تدمير مماثل ومتطابق لكل معالم المنطقة تقوم به اسرائيل وداعش استعدادا لتهويدها .. المنطقة العربية صارت تشبه متحفا عظيما مفتوحا على الهواء الطلق يتم تحطيم محتوياته وتماثيله ولوحاته البديعة بيد مجموعة من اللصوص والمخربين المعتوهين .. ويمكن دون تردد تسمية المستوطنين اليهود في فلسطين "داعش اليهودية" .. وتسمية داعش باسم "اسرائيل الاسلامية
المهم أنني لم أعرف الجزء المفقود من العبارة المنحوتة بعناية عن "الجيش الذي لايقهر" الا عندما تكسرت أرجل هذا الجيش عند مارون الراس وعندما كانت بنت جبيل اللبنانية تبطحه أرضا وتثبته كما يثبت المصارع مصارعا آخر على الأرض ويجعله غير قادر على التحرك كأنما ربطه الى الأرض بالسلاسل .. وفي بنت جبيل ظهر طرف صندوق مخبأ فيه كنز بدايته في بنت جبيل ونهايته في غزة .. وفيه تتمة العبارة الناقصة
العبارة بقيت مدفونة كالكنز في مكان مجهول في داخلي ابحث عنه ولاأجده الى أن خرجت مني عفويا عندما سمعت السيد حسن نصرالله يعلن دحر الجيش الاسرائيلي الذي لايقهر .. وصارت العبارة الكاملة هي: الجيش الاسرائيلي الذي لايقهر .. الا من الشمال
لكن هذا الشمال تمدد ووصل الى الجنوب وبرز في غزة .. وصار الجيش الذي لايقهر الا .. من الشمال والجنوب .. واذا مارحل ابن أنطوانيت غاردنر اليهودية (المسماة منى الحسين) عن شرق الأردن فستصبح العبارة .. الجيش الاسرائيلي الذي لايقهر الا من الشمال والجنوب والشرق
الحقيقة أن الأيام اثبتت أن هذا الجيش الذي لايقهر لم يعد صالحا الا لاستعماله ضد المدنيين والعمارات والمساكن ولم يعد جيشا قتاليا فلا هو صالح في تضاريس لبنان ولا في انبساط غزة .. ولاهو ينتصر في الحر ولا هو ينتصر في القر .. وهو من الصواريخ أفرّ .. وأنه في مقاييس الجيوش لم يعد هناك كبير فرق بينه وبين حليفه الجيش السعودي من حيث افتراق الانفاق والتجهيز وقوة الأداء.. فالجيشان لديهما أكبر ترسانة اسلحة اميريكة وأكبر ميزانية دفاع في المنطقة ومع ذلك فلايبدو الفرق كبيرا في أداء الجيشين فالجيش السعودي هزمه الحوثيون ببضع عشرات من المقاتلين وكذلك الاسرائيلي صار نموذجا يدرس في العالم عن القوة الجبارة التي تهزمها قوى صغيرة محلية .. وليس مبالغة بعد اليوم القول أن لافرق بين يعالون وبين الجنرال خالد بن سلطان من حيث العبقرية العسكرية .. فالمدارس العسكرية لاشك تدرس عبقرية نابوليون بونابرت ورومل ومونتغمري ونيلسون وغيرهم لكن من دون شك لن تقوم مدرسة عسكرية في العالم بتدريس عبقرية خالد بن سلطان أو عبقرية نظيره يعالون أو عمير بيرتس أو دان حالوتس الا كنماذج على الترهل العسكري والافراط في "تأليل ومكننة" الجندي وتحويله الى لاعب كومبيوتر .. لكنها لاشك ستدرس في كلياتها عبقرية عماد مغنية الذي كشف الحجاب عن العبارة المخفية في عبارة (الجيش الذي لايقهر ) وهو الذي اضاف عبارة (.. الا من الشمال) الى عبارة ناقصة صنعتها مخيلة خصبة يهودية تقزل (الجيش الذي لايقهر..) .. ولاشك أن عبقرية العقيد السوري النمر وضباط الجيش السوري الذين خاضوا أصعب حرب نفسية وعسكرية في التاريخ ضد آلاف الغزوات ولم يخسروا المعركة ستفرد لها الكليات العسكرية في العالم الكثير من البحث والمراجعة للتعلم منها والاستفادة من نظرية الانسان المحارب مقابل الروبوت المحارب
اخفاقات الجيش الاسرائيلي تدرس الآن في كليات العالم العسكرية لتفسير هذه الظاهرة التي خالفت التوقعات العلمية وعنجهية الاحصاءات وغرور التكنولوجيا وسطوة الالكترون وعلم الفضاء والعلوم العسكرية الغربية التي تعتبر نفسها خلاصة نظريات وحروب العالم منذ بداية التاريخ .. هل السبب هو في الافراط في التكنولوجيا أم الافراط في الغرور والوهم؟ .. أم هو الافراط في معاندة التاريخ والجغرافيا؟؟ أم أنه تطور طبيعي نحو تفسخ الدول الذي يبدأ بتدهور قوتها العسكرية؟ .. لأن الوجود الوطني تحميه الجيوش .. وقهر الجيوش يقهر وجود الأمم .. والتاريخ مليء بأمثلة لأمم انتهت بانتهاء جيوشها .. ومن هنا نفهم جهد اسرائيل الدؤوب على تدمير الجيوش العربية الرئيسية المصري والعراقي والسوري .. لأن هذه الجيوش هي الأعمدة التي يستند عليها استقرار المجتمعات الثلاثة الرئيسية حاضنة التاريخ المشرقي .. وتغييب الجيش العراقي بحله في أول قرار لبول بريمر خير دليل على صوابية هذه القاعدة .. وتماسك الجيش السوري الذي أمسك الوطن السوري ومنع تفتته دليل أكثر دقة على هذه القاعدة الحديدية
عندما يتكسر الجيش الذي وصف يوما بأنه لايقهر على أعتاب غزة ومارون الراس وبنت جبيل .. ينهض القلق الوجودي العظيم الذي اقامه نبوخذ نصر .. وكوابيس الخراب .. ويمر الجميع على سؤال عما بقي من الجيش الذي لايقهر
والجواب هو: لم يبق منه الا فرقة واحدة اسمها .. داعش
والسؤال الذي سيلبي دعوتنا بسرور عندما نستدعيه هو: هل المحور الذي قهر الجيش الذي لايقهر وبدأ بتفكيك براغي جيش الدولة اليهودية ووجودها لن يقدر على الفتك بآخر فرقة فيه .. أي فرقة داعش؟؟
هل داعش لاتقهر؟؟ اذا كانت كذلك فهي مثل جدتها العبارة الاسرائيلية القديمة عن الجيش الذي لايقهر .. فهل هناك من يتمم لنا هذه العبارة الناقصة عن جيش داعش الذي لايقهر؟؟
لن يطول انتظاركم على الاطلاق لتعرفوا العبارة الناقصة .. والمستثنى بإلاّ .. وستتمون الاجابة دون مساعدة أي محلل سياسي أو عبقري .. وسنعرف ماذا بعد عبارة "داعش التي لاتقهر .. الا .. " ولكم أن تفكروا وتضعوا الاجابة الصحيحة
أجيبوا بسرعة .. فالاجابة قد تسمعونها في خبر عاجل .. في يوم قريب