بين الدكتور"سعيد" والدكتور"جلال": توحش الإعلام!!
غرد أخونا الدكتور سعيد بن ناصر بهذه الأحرف :
( ذات مرة رأيت منتج برنامج استضاف،أو اكترى بعض الموقرين وفي تعامله استحواذ وتملك وحجر على التصرفات والعلاقات!
ما قرعت أبواب الحرية بمثل الأنفة).
فذكرني بحديث للدكتور جلال أمين .. عن استضافته في التلفاز .. وتعليقي على كلامه .. فذهبت إلى "جراب الحاوي" واستخرجت منه تلك الأسطر :
الظهور على الشاشة :
من أكثر المناظر التي تزعجني وأنا أشاهد بعض البرامج المتلفزة – خصوصا تلك التي يقدمها بعض شيوخنا الأفاضل- تلك الحركة التي لا تنتهي للشيخ وهو يتحدث إلينا،فما إن يتحول إلى اليمين،حتى تأتيه التعليمات بالتحرك شمالا .. وهكذا.
تحدث الدكتور جلال أمين عن علاقته بالتلفاز،فقال في الصفحة 385- 386:
(.. بعد أن ظهرت في التلفزيون ثلاث أو أربع مرات، بدأ يعتريني الشعور بالضيق من طريقة معاملة المشتغلين بالتلفزيون لضيوفهم. تبين لي أن جماهيرية التلفزيون تضفي على العاملين فيه أهمية لا يستحقها معظمهم،فإذا بهم يتصرفون و كأنهم وسطاء بين ضيوف التلفزيون وهذه الأعداد الغفيرة من المشاهدين،فيصدرون الأوامر لهؤلاء الضيوف بالالتفات إلى اليمين أو اليسار،وبأن يتحركوا على هذا النحو أو ذاك،فتشعر بعد لحظات بأنك كالمشلول أو بالشخص ( لعلها أو كالشخص – محمود) الذي قيدت قدماه وذراعاه فتسمر في مكانه،ويخرج الكلام مغتصبا وبلا روح،ريثما يقطعه مقدم البرنامج بإعلان الجمهور والضيوف بأنه لابد من قطع الكلام لمشاهدة فاصل من الإعلانات التجارية التي لا توجد صلة بينها وبين ما كنت تتكلم فيه،بل المنافية تماما لموضوع الحديث. وقد تظن أن لديك قدرة على الانسحاب وعدم الاستمرار في هذه التمثيلية التي تقدم وكأنها فرصة ممتازة للحوار والكلام بحرية،ولكنك في الحقيقة تدرك بسرعة من كل هذه الجدية والصرامة التي يحاط بها البرنامج أن الانسحاب مستحيل،إذ أن هذا الجمهور المتوحش الذي ينتظر البرنامج،أو يفترض أنه ينتظره،يجب أن تلبى رغباته ويشبع نهمه للتفرج على هؤلاء الحمقى الذين قبلوا المجيء للتحاور أمامه،ولا وظيفة لهم في الحقيقة إلا تسليته والترويح عنه،وهو،أي هذا الجمهور المتوحش،يستطيع في أي لحظة بضغط إصبعه على زرار صغير أن يمحوك تماما من الصورة ويستغني عنك ويستبدل بك راقصة أو مغنية أو فيلما سينمائيا. وهذه الحرية المزعومة للحوار التلفزيوني يقلل من قيمتها بشدة قدرة إدارة التلفزيون على أن يحذفوا أي جملة من جملك يعتبرونها مخالفة للسياسة العليا للتلفزيون أو للدولة،دون أن يشعر المشاهد بأن أي حذف قد حدث،ومن ثم يجد ضيف التلفزيون نفسه وقد نسب إليه رأي غير رأيه.){(ماذا علمتني الحياة : سيرة ذاتية) / د. جلال أمين / دار الشروق بالقاهرة / الطبعة الرابعة 2008م }.
بالنسبة للنقطة الأخيرة،لعل البرامج (المباشرة)،قيدت قدرة القنوات على الحذف،كما أن الفضائيات،أتاحت فرصة أكبر للحوار الحر،وليس ذلك على إطلاقه،على كل حال! فلا زلت أتذكر سؤالا طُرح على أحد المسؤولين العراقيين السابقين،عبر قناة (الحوار)،قال،قبل أن يجيب على السؤال .. لا أعرف بالضبط سياسة القناة .. فقاطعه المذيع قائلا : ليس للقناة سياسة .. قل ما شئت!!! كما لا ينفي وجود الفضائيات،القدرة على حذف بعض الأشياء التي لا ترغب القنوات في أن يسمعها الناس مرة أخرى! وقد حدث ذلك حتى مع قناة (الجزيرة)،حين حذفت جزء من قصيدة للشيخ أمين الديب،وهو مقطع يتعلق بالحجاب،كان،المقطع، قد أذيع على الهواء.
أما حديث الدكتور جلال عن (الجمهور المتوحش) أو ( توحش الجمهور)،فلسنا يا سيدي،على المستوى الفردي،أكثر من مجموعة من (المستضعفين)،تطاردنا إعلانات التلفاز لأكثر من أسبوع،وكأنها تمن علينا،بأنها سوف تحضر لنا الدكتور جلال أمين – مثلا- والذي يحمل ماجستير،ودكتوراه من جامعة لندن ... وعمل في المناصب الفلانية .. وألف كذا،وكذا من الكتب ..إلخ.
ثم نجلس أمام التلفاز،فاغرين أفواهنا،نسمع كلاما لا نفهم كثيرا منه،وما تكاد بعض أفكار الضيف،تصل إلينا،حتى يقاطعه المذيع،بحجة أخذ اتصال،أو للذهاب إلى إعلان تجاري،أو الإعلان عن مواعيد برامج القناة،والتي نحفظها عن ظهر قلب!! لذلك يا سيدي نستعمل الحرية الوحيدة المتاحة لنا،وهي الضغط على جهاز التحكم وتغيير القناة،حتى تنتهي الإعلانات التجارية على الأقل ... وأحيانا نستعمل تلك الحرية،حين يستغفل أحد الضيوف عقولنا،مثل ذلك الروائي المشهور جدا،الذي بدأ حديثه بالقول .. كان جمال عبد الناصر،ديمقراطيا .... أليس من حقي أن أغير القناة؟!!!
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني