| الأسير الأعمى |
أرسل عمر بن عبد العزيز إلى صاحب الروم رسولاً، فأتاه وخرج من عنده يدور، فمر بموضع فسمع فيه رجلاً يقرأ القرآن ويطحن، فأتاه فسلم عليه فلم يرد عليه السلام ـ مرتين أو ثلاث ـ ثم سلم عليه فقال له: وأنىّ بالسلام في هذا البلد، فاعلمه أنه رسول عمر إلى صاحب الروم، قال له: ما شأنك؟ فقال: إني أسرت في موضع كذا وكذا، فأتى بي إلى صاحب الروم، فعرض علي النصرانية فأبيت، وقال لي: إن لم تفعل سملت عينيك، فاخترت ديني على بصري، فسمل عيني وصيرني إلى هذا الموضع، يرسل إلي كل يوم بحنطة أطحنها وبخبزة آكلها ، فسار الرسول إلى عمر بن عبد العزيز فأخبره، خبر الرجل، قال: فما فرغت من الخبر حتى رأيت دموع عمر قد بلّت ما بين يديه ثم أمر، فكتب إلى صاحب الروم: أما بعد: فقد بلغني خبر فلان بن فلان فوصف له صفته، وأنا أقسم بالله لئن لم ترسله إلي لأبعثنَّ إليك من الجنود جنوداً يكون أولها عندك وأخرها عندي. ولما رجع إليه الرسول قال: ما أسرع ما رجعت! فدفع إليه كتاب عمر بن عبد العزيز، فلما قرأه قال: ما كنا لنحمل الرجل الصالح على هذا، بل نبعث إليه به قال: فأقمت انتظر متى يخرج به، فأتيته ذات يومٍ فإذا هو قاعد قد نزل عن سريره أعرف في وجهه الكآبة، فقال: تدري لم فعلت هذا؟ فقلت: لا ـ وقد أنكرت ما رأيت ـ فقال: إنه قد أتاني من بعض أطرافي أن الرجل الصالح قد مات، ولذلك فعلت ما فعلت، ثم قال: إن الرجل الصالح إذا كان بين القوم السوء لم يترك بينهم إلا قليلاً حتى يخرج من بين أظهرهم. فقلت له: أتأذن لي أن أنصرف ـ وأيست من بعثه الرجل معي فقال: ما كنا لنجيبه إلى ما أمر في حياته ثم نرجع فيه بعد مماته، فأرسل معه الرجل.
[د. علي محمد الصلابي - الدولة الاموية ( 2 / 251,250 )]
* ع *