20/07/2013 أنس تللو
الأخلاق الرمضانية
إن لشهر رمضان قيماً روحية عليا وسمات خلقية سامية لا تقع في شهر غيره، إذ ليس الجسد وحده هو الذي يحتاج إلى التخلص من الرواسب القديمة، وليس الدم فقط هو الذي يطمح إلى النقاء من الشوائب، بل إن النفس أيضاً تحتاج إلى أن تطهر والروح تهفو إلى السمو والقلب ينزع إلى الصفاء، وكما أن الصوم عن الطعام يطهر الجسد من رواسب قديمة، وينقي الدم من شوائب كثيرة، كذلك فإن الصوم عن عادات سيئة، والدخول في صفاء ذهني راقٍ من شأنه أن يطهر النفس ويسمو بالروح.
لا يزال بعض الناس يظنون أن الصوم في رمضان هو عملية جسدية فيزيولوجية تهدف إلى امتناع الجسد عن الطعام والشراب غير مدركين أن الجسد مهما صام لا يصل إلى الطهر الحقيقي إذا لم تشاركه النفس في صيام من نوع خاص، ومن أهداف شهر رمضان تعليم الصائمين كيفية تحقيق عدالة العيش وتجنب وجع الجوع، وذلك من خلال تشذيب النفوس، وتحفيز المشاعر كي يعرف من لا يجوع آلام من يجوع ومن يصل إلى هذه (المعرفة) يكن قد قطع أشواطاً كبيرة في الوصول إلى منابع الحكمة، وإن لرمضان أهدافاً بليغة لا يدركها المتعبد العادي ولا يفهمها البسطاء من الناس إلا من حيث هي أوامر إلهية علينا أن نطبقها فقط.
ألا ليت كل الصائمين يدركون أنه من ضمن أهداف صلاة التراويح التي يذهب إليها الصائمون بعد الإفطار هدفٌ سامٍ هو لقاء الناس ببعضهم، وهذا اللقاء ليس للتسلية والمرح وإنما لإظهار الألفة الجماعية، وتبادل التوادد والترحاب والتراحم، وما سميت التراويح تراويح إلا لتروِّح عن النفوس وتسمو بالأرواح لتسير بها في خطا واضحة نحو التحلي بالرحمانية، وترقى بالقلوب لتتصافى وتتسامح، وتزرع الطمأنينة بين النفوس.
ويا ليتنا –بعضنا- يدرك أن الصائم عندما يميل بعد الإفطار للخروج والسير ورؤية الحدائق، واستنشاق الهواء العليل والتسبيح بحمد الله، والتطلع إلى السماء بنجومها التي توزعت على صفحتها بهندسة عظيمة عجزت عن تفسيرها كل علوم الأرض، إنما يفعل ذلك بدافع من روحه التي تتجه نحو الطهر وقلبه الذي غدا يميل إلى الصفاء.
وأخال أن شخصاً وصل إلى هذه الروحانية سوف يمتنع عن قول الزور، ويبتعد عن إزعاج الجيران وإقلاق راحة الآخرين.
ألا ليت أخلاق شهر رمضان تسبغ علينا جميعاً رداءً من التسامح والتوادد والتراحم.
وإلا فما فائدة صوم وعبادة وانقطاع عن طعام وشراب، إذا لم يرافقه انقطاع عن عمل سيئ وقول مريب وتصرف شائن، وأي فائدة نجنيها من صومنا الجسدي إذا ظلت جوراحنا مفطرة، وماذا يغنينا صيام أجسامنا عن طعام وشراب إذا لم تصم نفوسنا.
وبعد:
ألا ليت تلك الأخلاق الحميدة التي سنكتسبها في رمضان نحملها معنا إلى كل الأشهر... فالرقابة الإلهية على أقوالنا وأفعالنا لا تتوقف على شهر رمضان فقط ؛ وإنما اللـه يراقبنا في كل مكان وزمان، فليتنا نتوقف عن ارتكاب المعاصي دوماً وليس في هذا الشهر فقط ؛ ولعله من المؤلم جداً أن بعضنا يغدو هذا الشهر الفضيل على أحسن ما يكون من الأخلاق الحميدة ؛ حتى إذا ما نقضى رمضان عاد إلى ما كان عليه من تسلية وتحريف، وانخرط ثانية في أوضاع محرمة من قول أو فعل.
أفلا نطمع ونسعى ونعمل على أن تنسحب أخلاقنا الرمضانية على الحياة كلها؟
فهل ترانا نتعظ أم إن أخلاقنا ستتغير فقط في شهر رمضان.