هذه مقالة قديمة لسعادة الدكتورة نورة السعد - حفظها الله - نشرتها في صحيفة "الاقتصادية" .. ومع أنني أذكر وجود حوارات على هامش المقالة إلا أنها اختفعت من الموقع!! ..
وعلى كل حال . أرسلها لكم بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي"ترامب" للسعودية وعودة التدخل الأمريكي في شأن المرأة السعودية ..
المرأة الغربية بين المطرقة والسندان
هذا العنوان المثير للانتباه نقلته من مقالة قيّمة للأستاذ محمود المختار الشنقيطي منشورة في موقع على الشبكة العنكبوتية, بالطبع العنوان لافت للنظر، خصوصا أن المتعارف عليه أن المرأة العربية هي التي بين المطرقة والسندان، كما هي العنوانين المهترئة التي لا نزال يوميا نجدها في المجلات والصحف التي تزخر بها رفوف المكتبات التجارية, ما زال بيننا مَن يقارن وضع هذه المرأة العربية والمسلمة بالمرأة الغربية لأنها في نظر (البعض) هي (النموذج) الذي يجب أن يكون مثالا تحتذي به كل امرأة مسلمة وعربية!! رغم أن التباين في جذور منطلقات تكوين بنيات النموذجين مختلفة جدا، فرغم أننا نساء وبيننا قواسم مشتركة تتجاوز الإنسانية وتمتد إلى ما بداخل كل امرأة من أمنيات وطموحات مهما اختلفت باختلاف الثقافات ومستوى التطلعات المتاحة, والتدرج في الحصول علي الحقوق المدنية والقضائية, إلا أن هناك قاسما مشتركا في رأيي هو البحث عن (الأمن الذاتي والأسري), ومن يتابع بعض اللقاءات مع بعض ممثلات الغرب اللاتي حصلن على النجومية والثروة الهائلة والحرية اللا محدودة التي تهدم حواجز الحياء غالبا والعفاف, إلا أنك تجد في تلك الحوارات منعطفا داخليا يمثل كينونة المرأة الباحثة عن الأمومة والأمن الداخلي, ولهذا لنفاجأ عند سماعنا بحالات انتحار لمن كن في قمة ما يرونه في تقييمه المادي (المجد)!! بل تجد بعضهن ينصرفن لتربية أطفالهن والابتعاد عن أضواء الفن - كما يرونه - كي تتيح مساحات من الأمن لأطفالها يأتي هذا التدفق العاطفي من ذكريات طفولتهن التي واكبت ثورات النساء ضد الأمومة وتفضيل العمل خارج المنزل على الانكفاء داخله كي يكتفين بالإنجاب والتربية!! بل في الدول العربية المجاورة التي جمعت فيها النساء بين العمل خارج المنزل وداخله وحققن درجات علمية أكاديمية ونجاحات في المجتمع تجد أن بناتهن حاليا يرفضن العمل بعد الزواج، وذكرت هذا أحداهن في لقاء معها عن عمل المرأة والأدوار المتصارعة كما يطلقون عليها . بل إن هناك نسبة من الشباب في بعض الدول العربية لا يرغب أن تعمل زوجته بعد إنجاب الأبناء لأنه يرى أن دورها الأمومي أهم من عملها خارج المنزل. هل هذه انتكاسة كما تقول نوال السعداوي؟!! لا أعتقد بل هو نداء الفطرة في الإنسان أن ترعى الأم أطفالها بنفسها وهو الأهم من تسجيل أرقام تنموية في نسبة مشاركة النساء في سوق العمل. هذا لا يعني أننا نقف ضد عمل المرأة، كما علقت الأستاذة شريفة الشملان على إحدى محاضراتي قبل أعوام، وادعت أنني أعمل وفي الوقت نفسه أقف ضد عمل المرأة. والفرق شاسع بين الفكرتين، فكوني أضع الأوليات للأمومة فإن هذا لا يعني أني أرفض عمل المرأة. ** (المرأة الغربية بين المطرقة والسندان) العنوان الذي سمحت لنفسي نقله من مقالة الأستاذ محمود مقالة متميزة تضع المرأة أمام مَن يطالب بتقليد المرأة الغربية، وكما يقول في مقالته: (لعل السؤال الذي يرمي بنفسه أمام هذا العنوان هو: ما لنا وللمرأة الغربية؟ ويجيب: لا يخفى أنني لو لم أكن أملك الإجابة - أو قناعتي الخاصة - لما طرحت السؤال. نعلم جميعا - أو هكذا يُفترض - أن ما يتعلق بقضية المرأة، وبتحرر النساء - تلك العبارة المخادعة - إنما جاء كله بعد احتكاكنا بالغرب، وخصوصا إبان سعينا الدائب لاستلهام نهضته، ومن هنالك سعت المرأة العربية المسلمة - وغير المسلمة وإن كانت الأخيرة هي التي تهمنا في هذا المقام - لتلحق بالمرأة الغربية، وتقلدها وتستنسخ تجربتها. إن المرء ليشعر بالغضب، إذ يجد المرأة المسلمة تسعى لتقليد المرأة الغربية دون أن تميز بين الفوارق الكثيرة بين وضع المرأة في الإسلام ووضع المرأة في الثقافة المسيحية، والنظرة الدونية التي تعامل بها المرأة هناك!! إننا حين ننظر - نظرة خاطفة - إلى مكانة المرأة في الثقافة المسيحية فسوف نجد التالي: (وفي المسيحية غلا رجال الكنيسة في إهدار شأن المرأة، وهم دعاة شريعة الحب والرحمة، فكانوا يقولون للنساء قولا له وزن الشرع المقدس: "إنه أولى لهن أن يخجلن من أنهن نساء، وأن يعشن في ندم متصل من جراء ما جلبن على الأرض من لعنات"،(..) وقد ذهب البعض إلى أبعد من هذا، فزعموا أن أجسامهن من عمل الشيطان .. وأنه يجب أن يُلعن النساء لأنهن سبب الغواية، وكان يقال: إن الشيطان مولع في الظهور في شكل أنثى .. غلا رجال الكنيسة إلى هذا الحد حتى كان من موضوعاتهم التي يتدارسونها: هل للمرأة أن تعبد الله كما يفعل الرجل؟ هل تدخل الجنة وملكوت الآخرة؟ هل هي إنسان له روح يسري عليه الخلود؟ أو هي نسمة فانية لا خلود لها؟). وفي عام 586م عُقد مؤتمر لبحث إنسانية المرأة، ثم قرر المؤتمر بأغلبية صوت واحد بأن المرأة إنسان خلق لخدمة الرجل!! وانطوت السنون، ومرت الحقب،حتى خرجت أوروبا من ظلامها،ثم بدأت تتملص من سطوة الدين،ولكن ذلك لم يغير النظرة الدونية للمرأة كثيرا. وجاءت ثورة علم النفس، والتطلع إلى أغوار النفس البشرية .. إلخ فهل أنصف ذلك العلم - على افتراض أنه علم - الحديث جدا المرأة؟ لم يتساءل (إدلر) إن كان للمرأة روح مثل الرجل، ولكنه رأى أن المرأة: (منذ الطفولة - وباسم أفكار التمييز والتدني التي كانت من بين أكثر الأفكار أهمية - تُمنع الفتاة من القفز عاليا وتسلق الأشجار، وتتعلم أن السماء فوق الأرض، وأن الجحيم تحت، وأن الفشل يؤدي إلى السقوط إلى أسفل، وأن النجاح يعني الصعود إلى أعلى، وفي الصراع فإن دفعك كتفي خصمك إلى أن يلامسا الأرض هو الفوز، وهكذا فإن (تحت) تعني دائما الفشل والهزيمة والخضوع والاستسلام والضعة والهوان، والمرأة هي دائما تحت الرجل، تنام في وضع المنهزم, كما لو كانت حيوانا يقبض على شكيمتها أو لجامها ويوجهها كيفما يرى, أما كبيرهم سيجموند فرويد فإن رأيه في المرأة حيث بنى نظريته الجنسية على تحليلات استنتجها من شعور المرأة في ذلك الزمن، بما تلاقيه من احتقار ذاتي كونها امرأة، فافترض أن كل امرأة من ولادتها حتى موتها ترغب بصورة لا شعورية في أن تكون رجلا، وعليه فإن الحاجة إلى أن تكون لها (علامة القوة). ثم شرح الأستاذ محمود بالتفصيل ما هي هذه الآراء التي ذكرها فرويد عن المرأة, ولا تخرج عن دائرة الغرائز والجنس). هنا أتوقف لأن معظم اللقاءات التي تتم عبر قناة الحرة وتستضيف المذيعات اللاتي يناقشن قضايا المرأة المسلمة والسعودية علي وجه الخصوص يستطردن في نقل (الأعراف وبعض التقاليد في بعض مجتمعاتنا، والتي هي في الغرب وتاريخه أسوأ مما هي لدينا، ولا تجرؤ إحداهن أن تذكر هذا التاريخ الموغل في احتقار المرأة الغربية من كتابهم وفلاسفتهم وثقافتهم المسيحية) كي يدللن في رأيهن عن (ظلم التشريعات الإسلامية للمرأة المسلمة، وأن لا خلاص لها إلا بالتقليد للنموذج الغربي للمرأة الغربية!! رغم أن نضال المرأة الغربية لنيل حقوقها لم يكن ميسرا ولم يكن وفق تشريعات ربانية بعد تغيير كتبهم السماوية، بل جاء نتيجة جهود نساء بعضهن سحاقيات أو رجال من أمثال فرويد وماركس!! وقد سبق لي مناقشة حركات تحرير المرأة الغربية السابقة وكيفية تطورها إلى أن وصلت إلي حركات ترفض وجود الرجال وتنادي بتقطيع أوصال الرجال!! ** ومرة أخرى لست أدافع عن الرجال الذين يستحقون تقطيع أوصالهم, ولكن أنا هنا أتحدث عن تشريعات ربانية وتشريعات وضعية. فلننظر إلى هذه المرجعية اللافتة للنظر كي نؤكد أن الفرق شاسع بين الاثنتين، فإذا كنا نحن المسلمين أخفقنا في حسن تطبيق تشريعاتنا, وأهملناها وشوهناها ثم تباكى بعضنا على ظلم هذه التشريعات للنساء المسلمات, فلا نلومهن لأنهن (جاهلات وفاقدات للوعي الحقيقي القرآني). بالطبع ما جاء في مقالة الأستاذ محمود مختار الشنقيطي أغزر مادة من استعراضي لبعضها، ولكن دعوني أختم بما ذكره عن الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) قولها: (أريد لنا أن نحتفل بالسنة الدولية للمرأة، فيا لله ما كان أكثر المؤتمرات والندوات والخطب والمقالات، عن ظلم الرجال للنساء، والتشريعات الجائرة التي صاغها الرجال على هواهم، فاغتالوا حقوق المرأة المستضعفة، كم ضجت المحافل والمنابر بدعاوى الاتهام في جلسات محاكمة الرجال (..) فكأنما كانت تلك السنة ترسيخا لمقولة ضعف المرأة وعبوديتها وتقريرا لدعوى الخصومة الشاذة بين جنسين لا تعرفهما الفطرة السوية إلا متكاملين).