قاع البئر - حكاية للأطفال - نزار ب. الزين
--------------------------------------------------------------------------------
من حكايات عمتي
قاع البئر
حكاية للآطفال
نزار ب الزين*
*****
محمود في السابعة من عمره و هو وحيد أمه الأرملة ، يذهب محمود إلى المدرسة في الصباح و يساعد أمه الفقيرة في المساء ، في أعمال المنزل و الحديقة ، و في الليل يذاكر و يكتب واجباته المدرسية على ضوء القنديل ( الفانوس ) ، و هو محل رضا والدته و معلمه ، و صديق لأكثر من نصف زملائه في المدرسة ، لما يتمتع به من دماثة الخلق و لطف المعشر.
طلبت منه أمه ذات يوم أن يملأ الدلو ماءً من البئر في زاوية الحديقة ، الأمر الذي اعتاده دون أي عناء ، و لكن في ذلك اليوم حدث ما لك يكن في الحسبان ، فبينما هو يعلق الدلو بالحمالة ، إذا بالدلو يفلت منه و يهوي إلى قاع البئر.
وقف حزينا و هو يفكر بالخروج من هذا المأزق ، فهو يعلم أن والدته ستتأثر كثيرا لفقدان الدلو ، لأنها ربما لا تملك مالا لشراء دلو آخر ، فحذاؤه – مثلا – اهترأ منذ مدة طويلة و لكن أمه لم تتمكن من شراء حذاء بديل ، فهي تعمل خادمة في بيت أحد كبار التجار ، و لكنه تاجر بخيل ، يمنحها القليل من النقود مقابل جهدها الكبير، و لا يسمح لها بحمل كسرة خبز فائضة من مائدته خارج دارته ، فبقايا الطعام محجوزه لكلابه و قططه ، و لأجل ذلك تقوم سيدة الدار بتفتيشها كل يوم قبل انصرافها.
ما تحصِّله أم محمود من نقود يكاد يغطي ثمن الخبز لها و لإبنها ، اما اللحم فلا يدخل بيتها إلا مرة واحدة كل شهر ، و لكي تغطي هذا العجز الغذائي ، استثمرت حديقتها الصغيرة ، فزرعت فيها بعض الخضار و الجذور كل حسب موسمها.
بقي محمود فترة طويلة و هو يفكر بالأمر ، ثم حزم أمره و قرر أن يهبط إلى قاع البئر لاسترجاع الدلو .
*****
تعلق بالحبل ، تدلى رويدا رويدا ، إلا أن الحبل لم يحتمل وزنه ، فما لبث بعد قليل إلا أن انقطع ، فهوى محمود إلى القاع ...
و بصعوبة بالغة تمكن من التعلق بصخرة بارزة ثم تمكن من الصعود إليها ، و أخذ يتحسس جسده ليكتشف أنه لم يصب حتى بخدش .
و بينما هو في حيرة من أمره ، ممعنا التفكير بوسيلة تخرجه من البئر ، و إذا به يلاحظ حركة غير عادية في عمق الماء ، ثم يضطرب سطح الماء ، لتظهر أفعى ، تقترب منه مسرعة ، و هي تقول له :
- خبئني يا محمود .. أنجدني يا محمود .. الثعبان الشرير يلحق بي و يود افتراسي...
تلفت محمود حوله ، فلم يجد مكانا يخبئها فيه ..
ثم خطرت له فكرة سرعانما نفذها .
فتح فمه الصغير ، قائلا :
- أدخلي إلى جوفي ، فلا أملك مكانا أخفيك فيه غيره ...
و بمهارة فائقة تسلقت الأفعى فوق جسده الصغير ثم دخلت إلى جوفه دون أن تسبب له أي ألم ..
و بعد عدة دقائق شعر محمود أن ماء البئر يفور و يموج ليبرز منه ثعبان هائل الحجم ، الذي بادر إلى سؤال محمود بغلظة :
- هل شاهدت أفعى حمراء اللون تمر من هنا يا ولد ؟ ، فأجابه محمود في الحال :
- نعم .. شاهدت أفعى حمراء مذعورة ، ذهبت في هذا الإتجاه ..
فهاج ماء البئر و ماج ليبتلع الثعبان الشرير ، ثم ما لبثت الأفعى الحمراء أن خرجت من فم محمود ..
و على حين غرة ، تحولت الأفعى إلى جنية جميلة ، قبلت يدي محمود ثم عانقته ، و هي تزفه بجزيل شكرها لما قدمه لها من حماية لا تقدر بثمن ، و قبل أن يفيق من دهشته و ذهوله ، قالت له بود كبير :
- سأقدم إليك ثلاث خدمات ، ثم أنصرف لتدبير أمري ، بعيدا عن خطر ذلك الشرير ،..و أضافت :
- هيا ... جربني يا محمود ..
تمكن محمود بصعوبة من حل عقدة لسانه ، ثم قال لها بفم مرتعش :
- أريد الخروج من البئر ..
و في لمح البصر وجد نفسه فوق سطح الأرض و قد جفت ملابسه و كأن شيئا لم يكن !
- أريد الدلو أن يعود ..
كان ذلك طلبه الثاني ....
و قبل أن يتم كلامه ، كان الدلو بين يديه مملوءاً بالماء القراح ..
- و أريد مالا يغني والدتي عن الخدمة في بيوت اللؤماء ...
و قبل يكمل عبارته ، انشقت الأرض عن حفرة صغيرة ، ظهرت في قاعها جرة كبيرة ، حملتها الجنية إليه قائلة :
- هذه الجرة مليئة بالذهب ، الذي سوف يغنيك أنت و والدتك إلى ولد الولد ، قل لها أنك وجدته مصادفة ، و لا تخبرها بخبري ، ثم ودعته و اختفت .
***********************
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ArabWata
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.com
__________________
نزار ب. الزين