((شتــاء في عيـون الغـريب ..))
قصـة: مهنـا أبـو سلطـــان ..!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما أن دخل الإمام الشيخ "عامر" إلى المسجد، مختالاً بعباءته المرتبة .. وهيكله الأنيق الذي يدل على مدى ثرائه، ليؤم الناس في صلاة العشـاء .. حتى تناثر الغمز واللمز في جنبات المسجد من قِبل بعض المصلين .. فهم يعرفون أن الشيخ "عامر" كثيراً ما يتغيب عن صلاة العشاء .. لأسباب يدعون أنها عشقية ..
بعضهم يقول أنه عاشق لأكثر من امرأة .. فرائحته أزكمت الأنوف كما يقول "أبو إبراهيم" جاره الذي يطلع على عشيقاته كما يدعي ..
وآخرون يمتعضون لمجرد رؤيته لأن سبب ثرائه وغناه ـ كما يدّعون ـ هو سرقته الدائمة لأموال الجمعية الخيرية التي يرأسها بدون منازع .. تلك الأموال التي ترد للجمعية من مؤسسات الإغاثة والدعم .. لكن جل كلامهم كان همساً فيما بينهم وبين بعضٍ ولم يجرؤ أحدهم على البوح بعيوب الإمام جهراً، إما نفاقاً وتملقاً له، أو خوفاً منه كونه مختار الحي إضافةً لمنصبه كإمام ..
غير أن الإمام تابع سيره الواثق نحو المحراب غير مكترثٍ لغمز الغامزين ..
في جلوسنا للتسبيح بعد الصلاة فوجئتُ بأحد المصلين يجلس في زاوية المسجد اليسرى، كان يسبّح ويبكي حتى أن دموعه كادت تبلل لحيته الكثة، رجلٌ غريبٌ عن الحي، لم أره في حياتي كلها، وعندما ملتُ نحو أبو سمير الجالس بجانبي وسألته عنه أجابني أنه هو الآخر لم يره من قبل ..
ولكن ما الذي يُبكيه ؟؟ ما سبب حزنه وغمه ..؟؟
لقد قطع نياط قلبي مدى المرارة المنسابة مع دموعه الغزيرة ..
ما الذي يجعله يبكي بكل هذه المرارة ؟؟
أهو عمق وشدة إيمانه أم همومٌ نزلت به ..؟؟
قادتني تساؤلاتي هذه، وحبي في مساعدته ومد يد العون له إن كان محتاجاً للعون، لأنتقل للجلوس إلى جانب هذا الغريب الحزين لأعرض عليه المساعدة ما أمكنني ذلك ..
بعد إلقاء التحية عليه، سألته بخجل:
سيدي كيف لي أن أساعدك فإني أراك حزيناً مهموماً ..
أجابني وقد ندّت من صدره تنهيدةٌ حارة:
ـ لقد خدعني يا سيدي ..
ـ من هو الذي خدعك ..؟؟
ـ هذا الإمام الساقط ..
عجبتُ من كلامه .. فمن أين يعرف الإمام ..؟؟ وهو الرجل الغريب عن الحي كله ؟؟ وكيف خدعه الإمام ؟؟ وما علاقته به أصلاً ..؟؟
هل كانت زوجة هذا الغريب إحدى عشيقات الإمام ..؟؟
أم هل سرق من أمواله شيئاً كما سرق أموال الجمعية الخيرية ..؟؟
قال الغريب وقد شاهد علامات التعجب تتراقص فوق ملامحي:
ـ لا تُشغل نفسك كثيراً يا سيدي، لعلك تتساءل متعجباً عن صلتي بإمامكم وأنا الغريب عن حيكم .. نعم .. سأقول لك كل شيءٍ مهما كان ذلك مؤلماً لنفسي ومفجعاً لذاتي ..
ولكن سأعرّفك بنفسي أولاً ولماذا أنا هنا الآن ..
يا سيدي أنا لم أترك موبقةً إلا وفعلتها، ولم أدع طريقاً للشر إلا وسلكته، أنا من جعلت هذا الإمام القذر يصبح زير نساء، أنا من أغويت النساء ليصبحن عشيقات لديه ..
وأنا من جعلته بغوايتي زعيماً ومختاراً للحي .. وأنا من أغويته بالسرقات حتى أصبح ـ كما ترى ـ أغنى أغنياء الحي .. لكنني تبت .. نعم تبت بسببه ..
أنا إبليس يا سيدي .. نعم أنا الشيطان .. لا تعجب ..
انعقد لساني دهشةً .. واختلطت الأحاسيس داخل كياني استغراباً .. كأن أحداً صب على رأسي الماء البارد في يومٍ شتائيٍ قارسٍ جداً ..
وهمستُ صارخاً لشدة المفاجأة : الشيطان ..؟؟ أنت الشيطان ..؟؟
قال: نعم .. أنا الشيطان .. أنا من ترجمونه في الحج .. ومن تلعنونه مئات المرات في اليوم .. لكني تبت إلى الله بسبب هذا الإمام ..
قلت مقاطعاً كلماته الممتزجة بالدموع والحسرات:
ـ ولكن كيف خدعك وأنت من أنت ..؟؟
تنهد بحرارةٍ وهز رأسه بزفرةٍ ساخنة وقال:
ـ يا سيدي كنت أظن نفسي ـ كما تظنونني ـ أصل الشر وأساس الجرائم في هذه الدنيا .. وتخيلت أنني وسوست لهذا الإمام اللعين بكل سوءٍ ممكن، وأنه لا يسير إلا وفق إغوائي ووسوساتي .. لكن ..
وهنا ازدادت غزارة الدموع النازفة على لحيته الكثة .. واستأنف قائلاً:
ـ لكن خدعني طول هذه السنين، وأنا الذي كنت أعتقد نفسي الوسواس الخناس، إذ أنني لم أعرف إلا متأخراً أن هذا الإمام اللعين قد غزاني في عقر داري، يا سيدي لقد أغوى هذا الإمام زوجتي (أم الشياطين جميعاً) وأصبحت ضمن حريمه وعشيقاته منذ عشرين عاماً خلت ..!!
مهنا أبو سلطان
m.a.s