انتهى الجدُّ من زراعةِ الحقل ..نظَر إلى ليان وابتسم قائلاً: شكرًا يا صغيرتي لمساعدتك ..لم أكن منتهياً مبكراً لولا الله ثم مساعدتك لي..
كانت ليان تصبُّ آخر قطرات الماء في الجزءِ الأخير من الحقلِ..نظرَتْ إلى جدها تقول : وكم سيأخذ وقتاً لتنبـِت تلك البذور التي طمرناها تحت التراب ياجدي؟..قال الجدّ وهو يُربت على ظهر حفيدته : إذا ظلّ الطقس معتدلاً ..سنراها بإذن الله بعد اسبوع ..
كانت ليان تزور جدها يوماً بعد يوم لتساعده في تخليص الحقل من الأعشابِ الضارّة و وضع السماد عليها ..وتنصيب أعواد الخشب الصغيرة بجانبِ صفوف بذور الطماطم وصفوف حبوب الفاصولياء لتتسلق عليها..
كانت تتوق لأن ترى البذرة وهي تنمو وتطل منها البراعم الخضراء.. فتستعجل جدها قائلة : ألا يمكن لنا أن نرى البذور ؟؟ فقط إلقاء النظر عليها !!! قال الجد : لا ..لا يجدر بنا أن نزعج البذرة ..ربما تموت..قالت ليان: وكيف تعرف أنها حية ؟؟
قال الجد: البذور تنمو تحت الأرض بقدرة الله عز وجل..وعلينا أن نسقيها ..ثم ننتظر..ولتعلمي يا ليان بأنه ليس جميعها سينمو..ربما بعضها ينمو والبعض الآخر لن ينمو ..
قالت ليان: عرفتُ الآن ما السبب في أننا وضعنا الكثير من البذور من كل ِنوع ..حسناً ..سأنتظر.
وما تزال ليان تتردد على حقل جدها وتساعده في السقاية..وتنظيف الأعشاب..محاولة ألا تقلق بشأن بذورها التي وضعتها بيديها تحت التربة .
في أحد الأيام ..ظهرتْ نبتةٌ خضراء على وجهِ التربة ،صاحت ليان فـَرحة : ربما هذه بذرة الملفوف نبتت، قال الجد: ممم.. ربما هي نبتة فاصولياء ، في البداية يا ليان.. كل البذور حينما تنمو تبدو متشابهة ..وعندما تكبر قليلاً تظهر أشكالها جيداً.
وهكذا مرّت الأسابيع والبذور تأخذ في النمو هنا وهناك..وبعضها لم يظهر بعد..!!
قالت ليان لجدِها : وهل تلك البذور هنا ميتة ..إنها لم تظهر بعد !!
قال الجدّ : ربما لو اعتنينا بها أكثر ستنمو..لأنها لا تنمو جميعاً في وقتٍ واحد..إنها تأخذ وقتاً إضافياً ..لـُربما هي خجولة بعض الشيء ..ضحِك الجدّ وضحِكت ليان وتابعا الإهتمام في الحقل..
كل يوم تقريباً كانت ليان تـُراقِب النباتات وخاصة الضعيفة منها ..وعندما ظهرتْ أول وردة صفراء ..أشارَ الجدّ إليها قائلاً: هذه بطاطس ..إذا نضِجت سنقطفها ونقليها ..الأشياء التي نزرعها بأنفسنا يكون طعمُها ألذ .
تغـيـّر الطقسُ فجأة ..الشمسُ غابت خلف السُحب الداكنة ..والريحُ أخذت --تـُصَفـِّر بقوةٍ حول المكان..والنباتاتُ الصغيرة بَدت وكأنها خائفة وباردة .. كان الجدّ قلـِقاً ..قالت ليان : هل سيحصل شيئ يا جدي؟ رد قائلاً : لا ندري فليحمِها الله..هيا نذهب.
كان صوت البرق وأضواء الرعد يتبادلان أدوارهما ..فيما أخذت الأمطار تهطل بغزارةٍ شديدة إلى فترة ما بعد الصباح..جَرفت مياه المطر التراب وكثيراً من البذور النابتة ..حَزنَت ليان وأخفتْ دمعتها..
وفي اليوم التالي سألتها والدتها : ألن تذهبي إلى حقل ِجدكِ اليوم ؟
قالت ليان: لا ..لا أريد الذِهاب ..كلُ شيءٍ مات وتحطـّم واقتلع من مكانه ..
غابت ليان عن حقل جدِها فترة اسبوع..
سألتها والدتها إذا ما كانت مُستعدة للذهابِ إلى جدها.. فلرُبما يحتاجُها الآن ..
اضطرتْ إلى الذهاب حزينة ..وهناك دخلتْ منزلُ جدها الذي احتضنها.. راسماً ابتسامةً عميقة ..جلسا يتحدثان عن المدرسةِ وأمورٍ اخرى ..ثم سألها الجدّ : ألا ترغبين في رؤية الحقل؟؟
نظرت إليه ليان حزينة.. أضاف الجد : ( تعالي .. لِنر الحقل معاً..)..
لم ترغب ليان أن ترى الحقل فارغاً..والبذور ميتة منجرفة مع مياه الأمطار ..
وعندما وصلا ..وجدت أمامها صفوفا ًمن البذور ِالنابتة تحملُ فروعاً صغيرة خضراء..اندهشت قائلة : ( ماذا حصل ! ظننتها.....) قاطعها الجدّ قائلاً : إن الله كبيرٌ و رحيم ..هل تتذكري تلك البذور التي لم تنمو بعد !! كانت متجذرة تحت الأرض ولم تنجرف مع مياه المطر ..والآن هاهي تنمو بقوة وثباتٍ أكثر ..إنها الرغبة في الحياة التي أمدّها الله بها ..
فـَرحت ليان ومَسكت يد جدها قائلة: الحمُد لله على نعمتهِ و فضلهِ ..رأتْ نبتة فقالت : جدي أهذه نبتة فاصولياء أم خيار ؟؟ قال الجد : هذه طماطم ..و ضحِكا معاً.
*********************