نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

تربية الإبداع


الحاجة إلى تربية الإبداع:
تتعرض التربية الحاضرة إلى كثير من النقد، وترد بأشكال من الدفاع. والواقع أن التحدي الذي تواجهه التربية في أواخر القرن العشرين لا يكفي، في التغلب عليه، النقد والدفاع الشائعان لأن هذا التحدي يتجاوز كل حدود التوقع.

إن هذا العصر لم تعد تناسبه الأفكار القديمة. والحق أنه لا يعرف إطلاقاً ما سوف يكون عليه الإنسان والعالم بعد نحو خمسين سنة من الزمن. فالتطور سريع جداً، وكبير لدرجة مذهلة، ولذلك كان لابد لإيجاد المبدعين الذين عليهم أن يضطلعوا بأعباء العالم المقبل، من تغيير جذري للتربية في أهدافها ومناهجها وطرائقها ووسائلها، وتغيير يصنع ذوي الفكر الخلاق والعزم والخيال والمثابرة.

إن أول تغيير ينتظر أن يحدث يجب أن يتناول الأهداف التربوية، أو الهدف الأساسي من التربية. إن هدف التربية كان حتى وقت قريب تعلم الحقائق والمعارف التي وصل إليها العلم. والواقع أن هذا الهدف، وما يستتبعه من مناهج وطرائق ووسائل، بات قديماً، إن هدف التربية في عصر الفضاء وعصر الحاسوب يجب أن يكون التفكير، التفكير بكل معانيه: التفكير الناقد، والتفكير البناء، والتفكير الحر، والتفكير المنطقي والتفكير التحليلي، والتفكير التركيبي.
وهذا الهدف «التفكيري» يغير المناهج والطرائق والوسائل والبرامج والعلاقات وكل شيء آخر في البيت والمدرسة والمجتمع.

ولقد سبقت الإشارة إلى نوعي التفكير: التفكير المجانف والتفكير المطابق. والتفكير المجانف هو لب الإبداع وجوهره. ولذلك فإن تشجيع التفكير المجانف وتعهده بالرعاية والتوجيه هو الطريق إلى تفتيح العملية الإبداعية وازدهارها.

إن المدارس والبيوت تشجع التفكير المطابق وتكاد تقتل التفكير المجانف. فالطفل الذي يحفظ ما في الكتاب ويقول ما يقوله المعلم طالب «ذكي» ممتاز يستحق النجاح وينال الدرجات العالية. أما الطالب الذي يخرج على المألوف، ويناقش المعلم، وينقد الكتاب، فكثير ما يقال عنه أنه طالب مشاغب يجب إسكاته وتأديبه، لكن هذا الطالب المخالف، الناقد السؤول، المستفسر، المناقش، هو في الأغلب الطالب المبدع. وفي اليد أن يسمح له بالانطلاق والإبداع أو أن يكبت وتقتل مواهبه.

وإذا كان لابد من تغيير هدف التربية فلا بد من أن تغير طرائقها ومناهجها وأساليبها، وأساليب تقويم الطلاب خاصة. ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى البحث التربوي ودراسة الإبداع بغية فهمه وتنميته ووضع المناهج اللازمة لهذه التنمية. لقد دلت الدراسات الإبداعية الجادة على أن القدرات الإبداعية لدى تلامذة رياض الأطفال أكثر بكثير مما كان يعتقد، وأن هذه القدرات متوافرة عند تلامذة المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، ولذلك فإن تعهد هذه القدرات في جميع مستويات التعليم واجب مقدس من واجبات السلطات التربوية.

والقدرات الإبداعية - كما دلت على ذلك الدراسات العلمية - تنمو بسرعة منذ الدخول إلى رياض الأطفال حتى الصف الثالث الابتدائي. وفي الصف الرابع يحصل هبوط ملحوظ ثم يحدث كسب في الصفين الخامس والسادس وهبوط جديد في الصف السابع، ثم يحدث كسب في الصفوف الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر. إن علميات التفكير، عمليات آلية وسريعة وعفوية إذا لم تواجه إعاقة خارجية. والمزعج أن علاقات الراشدين بالأطفال، والأحوال في البيت والمدرسة، تتدخل في هذه العملية التفكيرية الطبيعية.

والسؤال المهم هنا هو: كيف يتحاشى الأهلون والمعلمون إيقاف تيار الإبداع عند الأطفال؟ إن الجواب يكمن في العلاقة بين المربي والطفل التي يجب أن تكون علاقة إبداعية.
إنها ليست علاقة الفعل برد الفعل، ولكنها علاقة تجريبية اختبارية مشتركة. وهذا الواقع يتطلب أن يكون المربي - والداً أو معلماً - ذا نفس محبة للتفكير، مستعدة للمغامرة متمتعة بقدركاف من الخيال، تسمح بالسؤال والمناقشة والنقد والخروج عن المألوف، مما يشجع الأطفال على التفكير الأصيل والتخيل المبدع. وبالتالي على الإبداع والابتكار.


يتبع


نادية آمال مشرقي-منتدى المدربون المحترفون