مُنتَهِكون كُثر وضحية واحدة/ مصطفى إبراهيم
29/1/2017
التقيت اليوم ومجموعة من الأصدقاء والزملاء في مقر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” المفوض العام للوكالة بيير كرينبول، وكان الحديث مهم جداً عن الوضع الفلسطيني عامة، وأوضاع قطاع غزة خاصة، وفي ثنايا الحديث روى كرينبول أنه يكرر دائماً في كل مناسبة في أنحاء العالم، ما قاله الطفل من غزة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أثناء زيارة الأمين العام للأمم لغزة وكان كرينبول برفقته في لقاء مع طلاب إحدى المدارس وتحدث الامين العام عن ضرورة تعلم الطلاب حقوق الإنسان، ففاجأه أحد الطلاب ويدعى أحمد وقال للأمين العام تعلمنا كثيراً عن حقوق الإنسان غير أننا لا نمارس حقوقنا ولا نتمتع بالحد الأدنى منها.
هذه هي الحقيقة ولا نستطيع إلقاء نظرة شاملة على حال حقوق الإنسان في قطاع غزة بمعزل عن حال حقوق الإنسان في دولة فلسطين، وتأثير الانقسام السياسي على مجمل الحقوق، في ظل وجود حكومتين تمارسان مهامهما كل بمعزل عن الأخرى، وتداخل المسؤوليات والواجبات.
حكومة التوافق الوطني، التي لم تُمكن من ممارسة عملها في قطاع غزة بسبب إستمرار الخلاف السياسي بين حركتي “فتح” و”حماس”، وعدم تطبيق بنود “إعلان الشاطئ” الذي تم توقيعه في مدينة غزة في 23 نيسان (أبريل) 2014.
ومع فشل جهود إنهاء الانقسام، وعدم قيام حكومة الوفاق الوطني بدورها في توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنهاء الملفات العالقة (الموظفون، توحيد القضاء، التشريعات، الأمن، المعابر) ظهرت حكومة الظل (الوكلاء)، التي تديرها حركة “حماس” في القطاع.
وبعد مرور عام واحد على توقيع “إعلان الشاطئ” لم تعد حكومة ظل، إنما أصبحت حكومة تمارس عملها كحكومة أمر واقع كاملة الصلاحيات من دون رئيس وزراء، وتدار من قبل وكلاء الوزارات السابقين في حكومة إسماعيل هنية السابقة، وتعتمد في مواردها والصرف على موظفيها، والنفقات التشغيلية على جباية الضرائب والرسوم من المواطنين والتجار والمعابر.
إضافة إلى حال الانقسام، التي تؤثر في شكل كبير على حال حقوق الإنسان، هناك الحصار الإسرائيلي على القطاع، والانتهاكات اليومية، التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وفرض حصارها الخانق المستمر منذ عشر سنوات، وانعكاس ذلك على مجمل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعدم تمتع الفلسطينيين في القطاع بحقوقهم الأساسية بدءاً من الحق في الحياة، والتنقل والسفر، والعمل، والتعليم، والرعاية الصحية، والعلاج في الخارج، والقيود التي تفرضها على عدد كبير من السلع، وإدخال المواد اللازمة للبناء من الاسمنت والحديد والحصى لإعادة إعمار ما دمرته قوات الاحتلال خلال العدوان على القطاع صيف عام 2014.
وأدى كل ذلك الى عدم تمكين الفلسطينيين من إعمال الحق في السكن، جراء السياسات الأمنية الإسرائيلية الصارمة وغير المبررة على المعابر، والعمل وفق آلية الرقابة الدولية المفروضة على دخول مواد البناء وما سُمي “خطة سيري”، التي تُعيق عملية إعادة الاعمار.
ولا يزال نحو 65 ألف أسرة فلسطينية في قطاع غزة مشردة، تعيش في ظروف اقتصادية وتعاني من معيشة قاسية، ولم تتم إعادة اعمار منازلها.
ووفقا للتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، التي تؤشر على التدهور الخطير في حال حقوق الإنسان الفلسطيني في القطاع، فإن استمرار الحصار أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر، التي وصلت الى نحو 44 في المئة حسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “اونروا”، وزيادة أعداد الفئات المهمشة، والشعور بالظلم.
وينذر كل ذلك بنتائج كارثية على السلم المجتمعي والخشية من التطرف والتعصب والكراهية بين صفوف الشباب وتأثرهم بالأفكار المتطرفة، والإلتحاق ببعض التنظيمات السلفية الجهادية، التي تشكل خطرا على المجتمع ونسيجه الاجتماعي، وتهدد السلم الأهلي، حيث إنضم عدد من هؤلاء الشباب إلى تنظيمات ما تسمى السلفية الجهادية “داعش”، بعد تمكنهم من الهرب خارج القطاع للقتال في صفوفها، وأعلن لاحقاً عن مقتل عدد منهم خارج القطاع.
كل ذلك يزيد من تعقيد حياة الفلسطينيين في القطاع، والتدهور الخطير في حال حقوق الإنسان، والاعتداء على الحريات العامة، وضعف الجهاز القضائي بسبب عدم توفر الإمكانات المالية، والنقص الشديد في عدد القضاة، ما يؤثر على سير العدالة وسيادة القانون.
كما أن من شأن ما تقوم به حكومة حركة “حماس” من سن قوانين جديدة، واتخاذ إجراءات وقرارات تشريعية من قبل كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية التابعة للحركة لإدارة حياة الناس بذريعة عدم ترك فراغ سياسي وقانوني، أن يُعقد حياة الناس ولا يسهلها.
كما أن عدم قدرتها على توفير الخدمات الأساسية، التي تعتبر حقوقا أساسية وأصيلة، مثل الحق في مياه نظيفة، وتوفير التيار الكهربائي في شكل مستمر وأزمته المتفاقمة منذ عشر سنوات، وما ينتج عنه من أزمات للمواطنين، الذين قُتل عدد منهم وهم يبحثون عن وسائل بديلة لتعويضهم النقص الحاد في التيار الكهربائي، ما أسفر عن ضغط نفسي وعصبي، وشعر المواطنون بالظلم والقهر والعجز عن تغيير الواقع الأليم، في ظل غياب أي أمل في تحسين شروط وظروف حياتهم، وانعدام فرص العمل داخليا وخارجيا نتيجة الحصار وإغلاق المعابر، بما فيها معبر رفح، وأيضاً عدم قدرة الجهاز الحكومي على إستيعاب موظفين جدد.
هذا عدا عن أن وضع الحريات العامة في تراجع مستمر، فالاعتداء على الحريات العامة والشخصية، وفرض قيود على المواطنين أصبح جزءا من حياة الناس، بدءاً من الحق في حرية التعبير عن الرأي، والقيود المفروضة على بعض الصحافيين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي وتخويفهم وتهديدهم، وفرض قيود مشددة على الحق في التجمع السلمي، حيث يُمنع المواطنون من التعبير عن حقهم في التجمع السلمي بدون سبب.
إضافة إلى ذلك ممارسة التعذيب في شكل منهجي من قبل بعض الإدارات الرئيسة في جهاز الشرطة والأمن، ولم يتم الحد منه ووقفه على رغم الإجراءات الإدارية والتعميمات، التي تنشرها قيادة الشرطة والأجهزة الرقابية، إلا أنها لا تتابع في شكل جدي، ولا توجد مساءلة حقيقية للذين يُمارسون التعذيب.
إن جميع الفاعلين السياسيين بدءاً من حكومة التوافق الوطني، وليس انتهاءً بحكومة “حماس”، وقبلهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك الأمم المتحدة يتحملون المسؤولية عن تدهور حال حقوق الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة لعدم التزامهم تعهداتهم تجاه الناس في القطاع واحترام القانون.
غير أن حكومة “حماس” في غزة تتحمل مسؤولية أكبر كونها من يدير شؤون الناس وهي مطالبة باحترام حقوق الإنسان، والتزام الحد الأدنى من التزاماتها القانونية.