إن هناك خبرين عابرين رافقا الدوي الهائل الذي أحدثه إعلان فوز "محمد مرسي" برئاسة مصر، لم ينتبه إليهما أحد، ولا استوقفا أحدا، على ما أتاحته لي متابعتي للأخبار من ملاحظات، بسبب ما يبدو من عدم أهميتهما للمتابعين لمركز الثقل الرئيسي في المستجدات المتلاحقة، بالقياس للحدث الكبير ذاته..
لكنهما استوقفاني بعد أن قرأت فيهما الإطار الفعلي لأهم ملامح المرحلة القادمة..
فاستبشرت خيرا، وبدا لي أن "الإخوان المسلمين" في مصر ربما سيعطون للعالم العربي نموذجا غير مسبوق ولم يتوقعه أحد في القفز من خندق "المفاصلة الشعورية لسيد قطب"، بكل الويلات التي جرتها تلك "المفاصلة" على الأمة على مدى خمسين عاما من النزاع "الإسلامي – الماركسي – القومي"، إلى خندق "التعايش على أسس المواطنة القائمة على الشراكة الكاملة في الوطن"، مع أن استعجال الأمور في هكذا ظروف غير مستحب..
الخبر الأول.. إعلان مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المس...لمين عن "سحب عضوية محمد مرسي من الجماعة سحبا كليا وكاملا منذ لحظة أعلانه رئيسا لجمهورية مصر العربية"..
وأروع وأعظم ما في هذه الخطوة، دلالتها العميقة على إدراك وإيمان "جماعة الإخوان المسلمين"، أن "رئيس الشعب المصري كلِّه" لا يصح له أن يكون عضوا في جماعة لا تمثل إلا شريحة من هذا الشعب.. إنها تعبير عن وعي عميق بأن مصر أكبر من كل مكوناتها.. وهي بداية صحيحة ومبشرة في مسيرة إنتاج مصر على قاعدة المواطنة والتعايش والشراكة الكاملة في إدارة الدولة وترتيب الحقوق والواجبات..
الخبر الثاني.. تصريح عضو مكتب الإرشاد في الجماعة "محمد البلتاجي" لأعظم تصريح يمكن لأحد أن يتوقعه من قائد في جماعة كانت ولا تزال تعتبر "سيد قطب" رمزا من رموزها الفكرية الكبيرة.. فقد قال محمد البلتاجي: "إن محمد مرسي هو رئيس من انتخب أحمد شفيق قبل أن يكون رئيس من انتخبوه هو.. وهو يدرك جيدا أن قسما كبيرا ممن انتخبوه فعلوا ذلك هروبا من عودة النظام السابق.. وأن قسما كبيرا ممن انتخبوا شفيق فعلوا ذلك خوفا من الدولة الدينية"..
ليس هناك أكثر دلالة على المبشرات في المستقبل التعايشي الذي ينتظر المصريين في دولة "مدنية ديمقراطية"، أكثر من هذا التصريح..
ومن هنا يبدأ التأثير على المحيط العربي..
لكننا نقول في النهاية.. العبرة بالممارسة..
والعقدة في الاقتصاد وليس في الحرية..
فالثورة قد حررت المصريين..
وبقي على مرسي أن يثبتَ أنه قادر على تشكيل فريق عمل رئاسي وحكومي متمكن، يبتكر برنامجا اقتصاديا تنمويا يحقق العدالة التي ما تحرر المصريون إلا لأجلها