عن المهرجانات الثقافية الرسمية والأهلية
مهرجان أبي العلاء المعري الثقافي أنموذجاً
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


ترددت كثيراً قبل الكتابة عن مهرجان أبي العلاء المعري الثقافي الثاني عشر، إلا أن ما أثير من لغط وما تناقلته الصحافة المحلية والعربية والمواقع الالكترونية عمّا ورد على لسان السيد وزير الثقافة حول مهرجان السنديان الثقافي بأنه "فقاعة ثقافية" حفّزني مجدّداً على الكتابة عن الموضوع، فعلى مدى ثلاثة أيام (9 و 10 و 11 آب) تابعت فعاليات مهرجان أبي العلاء المعري الثقافي الثاني عشر في مدينة المعرة بفضل الصديق الشاعر عبد الرحمن الإبراهيم، الذي استضافني في منزله، برفقة الباحث التركي عثمان دوزغون، الذي يحضّر الدكتوراه في جامعة أنقرة عن "المعري في تركيا" والذي قدّم بحثاً لإدارة المهرجان ولم توافق على مشاركته.
قبل سنوات كانت تتولى الدعوة إلى المهرجان لجنة محلية من أبناء مدينة المعرة استطاعت أن تنهض بمهرجان المعري مجدداً واستقطبت العديد من الأسماء والشخصيات الثقافية والفكرية العربية، وكانت تطمح إلى نقلة نوعية تجعل من المهرجان قبلة يتسابق إليها الباحثون العرب والأجانب.

وقد كان طموحها مشروعاً، ذلك أنها بدأت بداية قوية، عبر دعوتها لباحثين وشعراء لهم بصمتهم في الثقافة العربية عموماً. وقد كنت حضرت فعاليات مهرجان المعري عام 2005، وكان من بين الشعراء العرب المشاركين الشاعر المصري المعروف حسن طلب والتونسيان المنصف الوهايبي ومحمد الغزي واللبناني غسان مطر، إلا أن وزارة الثقافة وضعت يدها على المهرجان بالتعاون مع محافظة إدلب وبدأت الأمور بالتعقيد، فبينما كان طموح الفعاليات الثقافية والاقتصادية الداعمة للمهرجان من أبناء المعرة هو جعل مدينة المعرة في أيام المهرجان ملتقى ثقافيّاً لأبناء سورية كلهم، أصبح همهم ترقيع ما تفعله وزارة الثقافة، حتى ان المشاركين أنفسهم كانوا مستائين من المستوى المتدني للأبحاث التي قُدّمت، واقترحت إحدى المشاركات "أن تخضع الأبحاث للتحكيم قبل الموافقة على مشاركتها في هذا المهرجان، وذلك لوجود أبحاث لا تليق بمستوى المهرجان، فهناك أبحاث رثة"، "وأن تقبل الأبحاث على أسس ومعايير معينة لكي ترتفع أسهم هذا المهرجان محليّاً وعربيّاً وعالميّاً"، وعندما سألنا أحد أعضاء اللجنة الثقافية للمهرجان عن المستوى المتدني لما قُدّم أجاب: "إن اللجنة غير مسؤولة عن هذا التدني لأن معظم الأسماء قد تغيّرت من قبل الوزارة لتصبح المحسوبيات على حساب الفكر والشعر، والمهرجان بهذا الانتقاء أصبح مهرجانًا للصداقات وجاء بـ "شعراء" لا علاقة لهم بالشعر. فمثلاً أُلغي اسم شاعر مهم كرضا رجب، كنّا نعوّل عليه في حمل المهرجان كله، ليوضع محل اسمه اسم آخر لا علاقة له بالشعر"، هذا المستوى كان قد لاحظه السيد وزير الثقافة في حفل الافتتاح عندما عمل مدققاً لغويّاً لعريفي الحفل، اللذين وضعا قواعد جديدة للغة العربية كان أبسطها نصب الفاعل وجرّه حسب المزاج، فكان يصحح وراءهما من مكانه ويهزّ برأسه مستنكراً، حتى أنه أثناء تقديم هدية له "للسيد الوزير" قال المقدّم: "من المدينة التي أنجبت أبي العلاء" فاضطرّ السيد الوزير إلى رفع صوته والتصحيح قائلاً "أبا العلاء" وكررها.
أما عن أيام المهرجان فكانت الأبحاث المقدمة عرضة للتهكم والسخرية لدرجة أن إحدى الباحثات عندما كانت تقرأ شواهد شعرية للمعري كان الحضور يتدخّل ليصحح لها تشكيل المفردات، فتقول الباحثة الدكتورة "الغَزَل" فيردّ الحضور "الغَزْل" وتقول "الحُرُم" فيرد الحضور "الحَرَم".. "السَّمّ" "السُّمّ"... وهكذا إلى أن تحوّلت الأمور إلى الضحك والغمز واللمز والتعليق الخارج عن اللياقة في كثير من الأحيان، وأنهت "الباحثة" ورقتها عن أفكار المعري الفلسفية متحدّثة عن أن أهل المعرة يختلفون عن المعري لأنها "وجدت الكرم من أهل المعرة"، وهو اتهام واكتشاف جديد لبخل المعري، هذا غيض من فيض ما حدث في المهرجان الذي يبدو أنه كُرّس لموقف أبي العلاء من المرأة، فبينما تأتي عناوين الأبحاث كبيرة وكلها عن الفلسفة ورؤية أبي العلاء الفلسفية يأتي المتن ليتحدّث عن موقف أبي العلاء من المرأة، وهو الجانب الأسهل في الحديث عن المعري. وإذا استثنينا مجموعة من الأبحاث، التي قدّمها على سبيل المثال وليس الحصر كل من الدكتور محمد أبو الفضل بدران من مصر عن أبي العلاء والمستشرقين، والدكتور محمد ثناء الله الندوي عن المعري والفلسفة الهندية، والدكتور خليل الموسى في بحثه عن الأسئلة الوجودية والبطل التراجيدي في اللزوميات، فإننا لن نجد أي إضافة تذكر على ما كُتب عن المعري، لا بل يتقدّم العقّاد على معظم المشاركين في ندوات المهرجان، وهذا على ما يبدو هو الأمر الذي جعل الدكتور غسان غنيم يتدخّل ويصحح في كل مرة ملاحقاً المشاركين على كل كبيرة وصغيرة مصححاً مرة ومحرجاً مرة أخرى.
أما عن مشاركة الشعراء، فقد علّق الكثيرون على مستوى الشعراء المشاركين متأسفين أن منبر أبي العلاء، الذي زيّنه شعراء كبار كبدوي الجبل وعمر أبو ريشة والجواهري لا تجد له وزارة الثقافة غير شابّ في العشرينيات من عمره (كانت وزارة الثقافة قد وضعت اسمه بدلاً من الشاعر رضا رجب) احتله في أمسية مشتركة مع توفيق أحمد هو أحمد مجيب السوسي، الذي قرأ شعراً عاديّاً ينتمي إلى النظم البسيط وقد كانت الوزارة وضعت اسمه ليلقي قصيدة في حفل الافتتاح، والعجيب أن رئيس اتحاد الكتّاب العرب الدكتور حسين جمعة قد قدّمه بطريقة استثنائية جعلت الحضور يتحفّز في أماكنه لسماع هذا الشاعر الكبير الذي فتن رئيس اتحاد الكتاب العرب، ففي تقديمه للأمسية الشعرية التي جمعت توفيق أحمد وأحمد مجيب السوسي وصف الدكتور حسين جمعة توفيق أحمد بأنه "أستاذ في الشعر لا يقوله إلا عاشقاً"، ووصف الأستاذ أنه الماضي والتلميذ، ويقصد أحمد السوسي، بالمستقبل وأنه دائماً مع المستقبل، ولهذا "وقفنا في المكتب التنفيذي مطوّلاً لنختار من نرسله إلى البحرين، وقلّبنا الأسماء، أسماء الشبان والشابات، فكان دائماً يتردد اسم أحمد مجيب السوسي" الذي أمل الدكتور جمعة ألا يخيبه لأن "الشعر ديوان العرب كما يقول ياسر عرفات أبى من أبى وشاء من شاء"، فألقى السوسي قصيدة ينم عنوانها اللا شعري عنها وهو "اللهم اجعلنا عمياناً ولكن كأبي العلاء".
أمّا الطامة الكبرى، فكانت في حفل الختام والتي كان بطلها رئيس اللجنة العلائية عبد الوهاب البر، الذي وقف ليقول: "على الجمهور إخلاء القاعة، أما المشاركون فيتفضّلون إلى مكتب رئيس المركز الثقافي"، وهو ما أدى إلى أن كثيراً من الحضور خرج ولم يعد، ومنهم من خارج محافظة إدلب، رغم تدخّلات العديد من أعضاء اللجنة لإصلاح ما أفسده رئيسها، وكذلك رئيس وأعضاء مجلس مدينة المعرة، الذين بدؤوا بالاعتذار على الفور من الحضور لدرجة أنهم توزعوا ابتداء من باب الصالة الرئيسية إلى خارج المركز الثقافي كيلا ينجو أحد من تطييب خاطره ومحاولة إعادته. أما السهرة التي كانت للمطرب سعدون جابر والتي فشلت بامتياز، فقد كانت تاج خسارة المهرجان. فبينما فرضت وزارة الثقافة على الفعاليات الاقتصادية في المعرة دفع مبلغ (أربعمائة وخمسة وعشرين ألف ليرة سورية) لسعدون وفرقته، بقيت الفرقة تدوزن حتى الساعة العاشرة والنصف مساء وعندما جاء دور سعدون ليغني لم يسمعه أحد لأن صوت الموسيقا كان أعلى من صوته مما جعل الجمهور يقاطعه مراراً فنزل كي يغني بينهم، لكن الأمور ساءت أكثر لأن صوته لم يعد يظهر أبداً على المكبرات، فحاول أن يصلح الأمور بقوله مخاطباً الجمهور "إن الغناء ليس سماعاً فقط وإنما هو إحساس أيضاً فأحسّوا بي وكأنكم تسمعونني"!!، وعلى هذا انتهت الحفلة التي عدّها الجميع فاشلة بكل المقاييس وأنها جاءت "تنفيعة" لسعدون، "بينما كنّا نريد أن يحيي هذه الأمسية مجموعة من شباب المعرة لتعريف الضيوف على تراثنا الفني والشعبي" كما عبّر أحد أعضاء اللجنة العلائية. وكيلا يبدو كلامنا كله في السلبيات نسجّل أن رئيس المركز الثقافي العربي في المعرة والعاملين في المركز جميعهم إضافة إلى رئيس مجلس مدينة المعرة وأعضائه كانوا متفانين بشكل ملحوظ للتغطية على أي نقص واستدراكه، وقد عملوا جاهدين على تطبيق قول حاتم الطائي "وإني لعبد الضيف..." والكثير منهم كان يكرر عبارة "لو أن الأمور بيدنا"، خاصة وأنهم كانوا منزعجين من أجل المشارك الهندي، الذي امتنعت الوزارة عن دفع ثمن بطاقة الطائرة له علماً أنها وزعت ميزانية المهرجان على أن تكون بطاقات الطائرة والفندق من حصتها وبقية الأعباء الاقتصادية من حفلات وولائم على الفعاليات الاقتصادية.
ملاحظة لابد من ذكرها وهي مقاطعة كثيرين من أدباء المعرة ومثقفيها للمهرجان احتجاجاً على ما فعلته الوزارة من تبديل لأسماء المشاركين، ويبدو أن هذا الاحتجاج أخذ حجماً كبيراً في المعرة ومحافظة إدلب عموماً لأن الحضور في كثير من الأمسيات والندوات كان يقتصر على المشاركين لدرجة أن إحدى الندوات كان عدد الحضور فيها واحداً وعشرين شخصاً فقط. على هذه الحالة كان مهرجان أبي العلاء المعري الثقافي، الذي رعته ونظمته وزارة الثقافة، أما أن تقوم الدنيا ولا تقعد من أجل أن شاعرة عربية دُعيت إلى مهرجان أهلي ولم يعجبها المقام فيشمت المثقفون المشاركون بالمهرجان والقائمون عليه ويتحول بعض موظفي وزارة الثقافة إلى أبواق إعلامية للشاعرة، وينشرون مقالتها المسيئة في المواقع الالكترونية فهو أمر غير مستغرب لأن ما تفعله المهرجانات الثقافية الأهلية لا تستطيع فعله وزارة الثقافة.
فبين مهرجان تديره وزارة الثقافة لا يتجاوز عدد الحضور فيه وقت الازدحام الخمسين شخصاً ومهرجان أهلي يحضره المئات وأحياناً الآلاف من أبناء محافظته وأبناء المحافظات السورية، الذين يذهبون خصيصاً لحضوره بون لابدّ لوزارة الثقافة وموظفيها من رؤيته والاصطياد في الماء العكر لتشويهه، علماً أن الشاعرة المدعوّة إلى المهرجان ليست بحجم اسمها وهالته الإعلامية، ثم إنها ليست أكبر من شعراء وأدباء كبار حضروا مبتهجين في هذه السنة، وفي السنوات الماضية إلى مهرجان شاعر قصيدة الطين الراحل محمد عمران، فظبية خميس ليست أكبر من رشا عمران، مديرة المهرجان، شعريّاً، والدليل أنها كتبت مقالة يأبى شاعر أن يذكر ما ذكرته حول أمور شخصية مثل جلبها الدواء لوالدة رشا، وقد كان لزاماً على وزارة الثقافة وعلى المثقفين العرب كلهم أن يعطوا زوجة محمد عمران الدواء بأيديهم لا أن يجلبوه لها، الأمر الذي يكشف بوضوح أن ظبية خميس لا تعرف من هو محمد عمران، ولو أنها تعرف لما فعلت ما فعلته.
نتمنى أن تتعاون وزارة الثقافة مع الفعاليات الثقافية التي برهنت عن حسن أدائها وإدارتها الجيدة، وإظهارها لوجه سورية الحضاري المشرق ابتداء من اللجنة المحلية لمهرجان أبي العلاء الثقافي، وانتهاء بالمهرجانات الأهلية، التي ترى المئات من أبناء المناطق المقامة فيها يعملون ليل نهار لإنجاحها حرصاً على سمعة البلد ووجهه المشرق.

محمد سعيد حماده
http://www.albaath.news.sy/user/?id=649&a=60216