اتجاهات تطوير الثقافة العربية لدعم التميز في الإدارة


--------------------------------------------------------------------------------



المنظمة العربية للتنمية الإدارية
مؤتمر
دور المدير العربي في الإبداع والتميز
27 – 29 نوفمبر 2004
شرم الشيخ - مصر
ورقــــــــــــة
اتجاهات تطوير الثقافة العربية لدعم التميز في الإدارة
مقدمة من
أ.د. صديق محمد عفيفي
أستاذ إدارة الأعمال
رئيس أكاديمية طيبة – مصر
المحتويات
1 – مقدمة
2 – ما الثقافة ؟ و ما عناصرها ؟
3 – ما علاقة الثقافة بالإدارة ؟
4 – هل الثقافة العربية محفّزة على التميّز ؟
5 – ما مداخل تطوير الثقافة العربية لتحقيق التميّز ؟
1 – مقدمة
تستهدف هذه الورقة التعريف بمفهوم الثقافة و تقييم مدى مواكبة الثقافة العربية لمتطلبات التميّز في الإدارة وبالتالي كيف نحقق هذه المواكبة .
تبدأ الورقة بتأصيل المفاهيم وإيضاح مصادر الثقافة والدور الذي تلعبه الاستعارة في تكوين الثقافات ، وينتهي هذا الجزء بتحديد سريع للعناصر التي تكوّن الثقافة .
تحاول الورقة بعد ذلك بلورة وإبراز العلاقة بين الثقافة والإدارة وتثبت حتمية هذه العلاقة ، بمعنى أن الإدارة المتميزة تحتاج إلى ثقافة مواتية نسميها ثقافة التميز .
هل الثقافة العربية ثقافة تميز ؟ يحاول الجزء التالي من الورقة الإجابة على السؤال ، و يستعرض عدداً غير قليل من مظاهر عدم مواتاة الثقافة العربية للتميز .
نختتم الورقة بتناول مداخل التطوير في الثقافة العربية ، سواء كانت هذه المداخل مباشرة أو غير مباشرة و ذلك من أجل دعم التميز في الإدارة .
2 – ما الثقافة ؟ و ما عناصرها ؟
2/1 – تعريف مبدئي
الثقافة Culture هي الجزء من المحيط بالإنسان الذي هو من صنع الإنسان و يشمل الحصيلة الإجمالية لمعارفه ومعتقداته وفنونه وأخـلاقياته و تقــاليده وعاداته و قيمه ، و أية قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع . الثقافة هي طريقة الحياة لمجموعة من البشر ، وهي التي تميزهم عن غيرهم .
مفهوم الثقافة إذن مفهوم أنثروبولوجي بمعنى أن كل مجموعة من البشر لهم ثقافة تتمثل في إجمالي الإرث الاجتماعي للإنسان في هذه المجموعة من البشر . الثقافة إذن توجد في القاهرة وتوجد في طهران وتوجد في لندن وتوجد في استراليا بين سكانها الأصليين Aborigines . كل شعب له ثقافة تميزه عن الشعوب الأخرى ، أي تجعله مختلفاً عن الشعوب الأخرى ، و إن تشابه معها في بعض الوجوه فالثقافات تبنى من بعضها البعض .
2/2 – هل الاستعارة الثقافية تبنى الثقافات ؟
يمكن النظر إلى الثقافة باعتبارها تجميعاً لأفضل الحلول التي تعارف عليها المجتمع لحل مشكلاته . إن الثقافة هي وسيلة الإنسان في محاولته التكيف مع مكونات البيئة المحيطة به من بيولوجية أو سيكولوجية أو تاريخية .
من أين استمد الناس هذه الحلول ؟ بعض هذه الحلول جاء بطريق الصدفة البحتة ، كما أن بعضها جاء نتيجة للاختراع ، أما الباقي ، وهو الغالبية العظمى جاء نتيجة للاستعارة الثقافية من المجتمعات الأخرى أي من الثقافات الأخرى . حيث أنه على الرغم من أن كل مجتمع له عدد من المواقف الفريدة التي ينفرد بها ، إلا أن أغلب المشكلات التي تواجه المجتمعات متشابهة في طبيعتها ، مع تغير في الظروف بالنسبة لكل بيئة أو ثقافة .
ولكي نفهم الثقافة يلزم فهم الطريقة التي نستعير بها من الثقافات الأخرى ، فتلك الاستعارة لا هي عشوائية و لا هي كاملة . وإنما هي جهد منظم لنقل تلك الأنمـاط أو الأساليب الثقافية التي يقدر أنها مفيدة في حل مشكلات مجتمع معين . وما يستعيره المجتمع يكيفه حسب ظروفه ، وبمجرد إتمام التكيف يصبح جزءاً من الإرث الثقافي . و بناء عليه فكل من الثقافات فريد في ذاته ، و لكنه ناتج جزئياً من الاستعارة من الثقافات الأخرى .
فبصرف النظر عن مصدر الحل الذي نستخدمه لحل مشكلاتنا فإنه بمجرد أن يتم قبول هذا الحل بشكل عام في المجتمع يصبح جزءاً من التراث الثقافي ، و يتم تـــوريثه و تعليمه للأجيال المتعاقبة . هذا الإرث الثقافي هو ما يميز الإنسان عن الحيوانات ، فالبشر يتوارثون حلول المشكلات ويعملون على تطويرها وتنميتها .
خلاصة القول أن المصري رغم كونه قد استعار الكثير من أنماط ثقافته من الثقافات الأخرى فقد جمعها معاً بشكل فريد يجعلها ثقافة مصرية و ليست هندية أو أمريكية ، الخ .
هذه الخاصية في الثقافات التشابه مع الاختلاف في نفس الوقت – لها أهمية كبيرة في كسب القدرة على فهم وتقييم الثقافات والتعامل في ظلها .
إن خاصية التشابه مع الاختلاف أحياناً ما تُحدث ارتباكاً في ذهن المدير إذ يتخيل أن كل الثقافات متشابهة ، وبالتالي فالحلول الناجحة في أمريكا مثلاً يجب أن تنجح في السعودية أو في مصر . و هذا خطأ فادح . فقد يتحدث الناس حتى نفس اللغة ولكن ثقافاتهم تكون مختلفة ، وبالتالي التعامل الناجح معهم يتطلب مسالك مختلفة . وقد يعيش الناس في مصر الواحدة ولكن أهل الصعيد لهم ثقافتهم التي تختلف في وجوه عن ثقافة أهل القاهرة . هناك تشابه و هناك اختلاف .
2/3 – ما عناصر الثقافة ؟
تشمل الثقافة كل جوانب الحياة من صنع الإنسان ، و يمكن تحديد عناصرها الرئيسية في الآتي :
• الثقافة المادية
- التكنولوجيا ( الطرق ، و الكهرباء ، و نظم البناء ، و نظم الاتصال ، ... الخ )
- الاقتصاد ( طرق الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والتبادل ... الخ )
• المؤسسات و الهياكل الاجتماعية
- التنظيم الاجتماعي في كافة الأشكال والمســـتويات ( الأســـــرة ، الحكومة ، النادي ... الخ )
- نظم التعليم و نظم التربية و التدريب .
- القوانين السارية .
- العادات و التقاليد و القيم السائدة ( نظم الزواج ، أنماط التعامل بين الصغار و الكبار .. الخ )
- الموروثات الاجتماعية .
• الإنسان والكون .
- نظم المعتقدات .
• الجوانب الفنية
- الفنون .
- الفولكلور .
- الموسيقى و الدراما .
• اللغة .
3 – ما علاقة الثقافة بالإدارة ؟
3/1 – طريقتك في الإدارة بنت ثقافتك
يدهش البعض لحديثي عن الثقافة ، و كأنه ترف أكاديمي لا يتسع وقتنا له إذ تواجهنا تحديات كبيرة و تنتظرنا مهام جليلة . و يضيف البعض " دعنا نفكر في كيف نزيد الإنتاج ، وكيف نفتح الأسواق وكيف نحقق الربح أولاً ثم نلتفت للحديث عن الثقـافة ".
ومشكلة هؤلاء أنهم لا يدركون حقيقة أن زيادة الإنتاج وفتح الأسواق وتحقيق الأرباح يتوقف على حسن الإدارة ، وحسن الإدارة مرتبط بالثقافة . لأن " إدارتك تنبع من ثقافتك " وطريقتك في الإدارة هي بنت ثقافتك .
3/2 – فهمك للثقافة شرط لحسن الإدارة
الأمر الثاني الذي يتعين الانتباه إليه هو أن المدير لا ينجح في أي مجتمع ما لم يكن متفهماً لثقافته وقادراً على التكيف الفعال معها .
المدير عليه الاقتناع ابتداءً بأهمية فهم الثقافة السائدة ، ثم يحاول فهمها ، ويحسها ويدركها ويقدّرها ويتكيف معها .
المدير أيضاً يمكن بعمله وسياساته أن يحدث التغيير التدريجي في الثقافة ولكن هذا التغيير سيكون بطيئاً للغاية . قد يحدث ولكن ببطء شديد .
المدير إذن في علاقته بالثقافة له دوران رئيسيان :
• دور التكيف مع الثقافة ( في الأجل القصير ) .
• دور تطوير / تغيير الثقافة ( في الأجل الطويل ) – و لذلك حديث آخر في موضع لاحق .
3/3 – ثقافة التميز طريقك للتميز
يكاد يكون من المتعذر أن نحقق التميز في الإدارة ما لم تكن الثقافة السائدة هي ثقافة التميز. و ثقافة التميز تختلف بالتأكيد عن ثقافة الكسل والتواكــل والتســـــــاهل . وبالتالي فإذا أردنا تحقيق التميز في الإدارة لابد أن نراجع ثقافتنا لنتأكد من أنها مواتية لهذا التميز أو يكون لنا معها شأن آخر ، وعلى مستوى المؤسسة الواحدة لابد أيضاً لتحقيق التميز في الإدارة أن تطور ثقافة التميز بالمؤسسة ، و ستتكون تلك الثقافة من مجموعة من القيم و الأهداف و النظم التي تدعم التميز .
هل يمكن أن نحقق التميز في الإدارة في بيئة ثقافية غير مواتية للتميز ؟ ممكن ، و لكن الحياة ستكون صعبة ، والمنغصات كثيرة ، والجهد المطلوب خارقاً . إن التميز داخل الثقافة المواتية طبيعي و تلقائي وسهل ، و لكنه غير طبيعي وغير تلقائي و صعب للغاية في الثقافة غير المواتية .
4 – هل الثقافة العربية محفزة على التميز ؟
4/1 – وجوب الحذر عند التعميم
أول النصائح لأي باحث ألا يلجأ للتعميم بغير سند . و قد أوضحتُ في موضع سابق أن الثقافات تتشابه وتختلف في نفس الوقت ، كما أوضحت أنه في داخل الشعب الواحد توجد اختلافات ثقافية يعتد بها ولا يجوز تجاهلها . فما بالنا ونحن نتحدث عن الثقافة في مختلف الشعوب العربية . صحيح أن هناك تشابهات كثيرة ولكن هناك اختلافات أيضاً .
وبالتالي فإننا إذ نتحدث عن الثقافة العربية فإننا نتحدث عن الأنماط السائدة في قطاعات كبيرة من المجتمع العربي ، و لا نزعم أن هذه الأنماط توجد بنسبة 100 % في كل أجزاء المجتمع العربي .
ونحذر أيضاً من أن بعض الأنماط الظاهرة قد لا تكون شائعة بالقدر الذي يوحى به ظهورها ، فقد يكون الظهور نتيجة الإعلام والقنوات الفضائية أو نتيجة حقيقة الشذوذ عن المألوف ذاتها ، وعليه نؤكد أن بحثنا في هذه الورقة ليس وثيقة للإدانة ، وإنما فقط يرصد الأنماط التي نعتقد بشيوعها في قطاعات كبيرة من المجتمع العربي ، و نعتقد في نفس الوقت أنها غير محفزة على التميز في الإدارة .
4/2 – أنماط ثقافية غير مواتية للتميز
نعطى في الصفحات التالية عدداً لا بأس به من عناصر الثقافة العربية التي إن لم تكن معوقة للتقدم فهي على الأقل غير مواتية بدرجة كافية لتحقيق التميز في الإدارة . هذه الأنماط هي ما يجب العمل على مراجعته والتفكير في تطويره (سنتحدث عن آليات التغيير وديناميكيته في موضع لاحق ) .
نود أيضاً أن نلفت الانتباه إلى أن الظواهر الثقافية الواردة هنا لم نقصد ترتيبها حسب الأهمية أو الخطورة ، فكلها في تقديرنا هامة و خطيرة .
4/2/1 – غياب روح الفريق
سألوا العالِم المصري أحمد زويل عن أهم أسباب نجاحه في الكشف العلمي الذي استحق عنه جائزة نوبل فجاء الحرص على العمل كفريق على رأس القائمة . إن غياب روح الفريق في كثير من الأعمال العربية سبب رئيسي لمحدودية الانجاز . ولا يعنى العمل كفريق تجاهل الخصوصية الفردية أو طمس الانجاز الفردي ، وإنما يبقى بروز الفرد الأكبر من خلال الفريق .
4/2/2 – غياب المؤسسية
فالتفكير العائلي ، أو بريق النجم الأوحد ، أو سيطرة الزعيم التاريخي كلها ظواهر تقلل من فرص تميز المؤسسية ، و تقلل من فرص حشد المـوارد و تعبئتــــها ، وتربط التميز بشخص ، هو في النهاية زائل ، ناهيك عن احتمالات الميل للاعتبارات الشخصية في السلوك الإداري على حساب الاعتبارات الموضوعية .
4/2/3 – الوالدية في الإدارة
ويرتبط بالنقطة السابقة شيوع فكرة الوالدية في الإدارة والحكم ، بل إن بعض الحكام لا ينظرون إلى أنفسهم كمسئولين اختارهم الشعب ويستطيع محاسبتهم ، وإنما يفضلون النظر إليهم باعتبارهم " كبير العائلة " أو " الأب الروحي " أو "الراعي " وهي كلها أوضاع غير مواتية للمساءلة ، وبالتالي يكون التميز في الإدارة إن حدث نتيجة للصدفة البحتة وليس نتيجة لحسن الاختيار و آليات المساءلة .
و تنزلق هذه الممارسات إلى كثير من المواقع الوزارية أو رئاســات الشركــات والهيئات ، وبالتالي يتحول الرئيس من طاقة تدفع للتقدم والتميز إلى عقبة حقيقية في طريق التقدم و التميز .
4/2/4 – عدم الحرص على المساءلة
و ثقافة الوالدية تتطور في النهاية إلى ثقافة عدم المساءلة ، وهل يجوز أن تحاسب أباك ؟! وبالتالي تجد المسئول الكبير يرتكب الأخطاء ويتسبب في الكوارث ، ثم نكتفي بعزله من الوزارة أو إحالته للتقاعد دون مساءلة عن أخطائه وكوارثه . و كأن التسامح أصبح أولى من العدل . والنتيجة الطبيعية لهذا السلوك هي شيوع ثقافة عدم المساءلة بالتدريج في مختلف المستويات . ولا نعتقد أن هذا المناخ يحض على التميز في الإدارة .
4/2/5 – تداول المراكز وتداول السلطة
يزيد من الأثر السلبي لمناخ الوالدية وعدم المساءلة ، يزيده سوءاً الميل إلى التمسك بالمواقع الإدارية أو السياسية بشكل دائم دون إتاحة الفرصة لتغيير الشخص أو تداول السلطة .
ومهما يكن من أمر فإن التعددية في السياسة والتداول في الإدارة والسياسة ضروريان كأرضية مبدئية للتجديد في الفكر و التجديد في الممارسة .. والتجديد بداية طبيعية للتميز في الإدارة .
إن تواصل الأجيال أمر محمود ومطلوب ، ولكن صراع الأجيال غير مطلوب ، بل إنه يهدد الطاقات بغير مردود ، ويقضى على فرص الإبداع وربما يبذر بذور التآمر والانقلاب. و كل ذلك غير مواتٍ للتميز في الإدارة .
4/2/6 – إهدار الوقت
هذه سمة شائعة بدرجة كبيرة في البلاد العربية ، وربما كانت الطبيعة الرعـوية والزراعية التي نشأت عليها الشعوب العربية سبباً في التعـــــامل بشيء من التراخي أو التساهل مع الوقت فالرعاة والمزارعون لا ترتبط أعمالهم ونشـــاطاتهم بمواعيد و توقيتات صارمة مثل العامل الصناعي أو سائق الطائرة ، الخ . ولذلك تجد الكثيرين لا يهتمون كثيراً بدقة المواعيد ، ولا يغضبون كثيراً لتأخير الاجتماعات ، وربما لا يتذمرون إذا أغلق الطريق لساعات بسبب مرور مسئول أو استقبال ضيف كبير .
يتطور الأمر فتصبح الجدولة الزمنية لبرامج العمل ، والمحاسبة عن مواعيد تسليم المقاولات ، والارتباط بمدد محددة للإنجاز ، يصبح كل ذلك هو الاستثناء ، ولا نعتقد أن في ذلك مناخاً ملائماً لأي تميز .
4/2/7– غياب الإتقان
لا تؤكد الثقافة السائدة على قيمة الإتقان ، إتقان العمل بصفة عامة في أي مجال ، و النتيجة هي القبول بالمستوى المتدني للأداء في كل مجال . وسأضرب بعض الأمثلة من حياتنا اليومية :
- هل شرطي المرور يتقن عمله في تنظيم المرور وضبط المخالفين ؟
- هل حراس المنشآت يحافظون على يقظتهم وانضباطهم طوال وردية الحراسة ؟
- هل المعلمون يؤدون واجباتهم في كل الحصص في كل المواد لكل التلاميذ ؟
- هل الممرضة تكون دائماً مبتسمة وخادمة للمريض كل الوقت ؟
- هل الموظف العمومي يخدم المراجعين بكل إتقان في كل وقت ؟
إن تفشى ثقافة عدم الإتقان مسئول عن التدهور العام في الأداء، و لا أتصور أن هناك تميّزاً يمكن تحقيقه ونحن أصلاً لا نتقن ما نفعله .
4/2/8– السرية والتكتم بغير مبرر
نشأت المجتمعات العربية على فكرة تكتم أمور السلطات والحفاظ على سرية الحكم وشئون الحكام . ثم تطور الأمر إلى حجب المعلومات لأن العوام غير مؤهلين للتعامل الناضج مع المعلومات . ثم يتطور الأمر إلى أن وسائل الإذاعة والصحافة والتليفزيون أصبحت تتعامل مع المواطن على أنه غير مؤهل لاستقبال الأخبار السريعة والصادقة ، فتم التزييف والتأخير والتضليل ، ثم تفشى الأمر فانتقل إلى دوائر الإدارة بالأجهزة الحكومية والشركات ، وفرضت الوصاية على الناس ، النتيجة أن الناس أحيانا فقدوا الثقة بقدرتهم على التمييز أو الحكم ، ناهيك عن التميز في الأداء.
4/2/9- المستشارون للتجميل
وهذه ممارسة معتادة في كثير من المواقع التنظيمية الكبيرة، فأصبح من تقاليد الكبار أن يحتفظوا حولهم بعدد كبير من المستشارين، ليس لتلقي وتنفيذ مشوراتهم، إنما فقط للتباهي بوجودهم. لقد أثبتت بعض الحكومات العربية أن الاستعانة الصحيحة بالمستشارين يمكن أن تنقل الأداء الإداري إلى مستوى عالٍ جدا من التميز، بينما تعاملت بعض الدول مع المستشارين كما لو كانوا فئة من المحتالين أو المتسولين الذين لا يؤدون عملا حقيقيا وبالتالي انشغلت الحكومات بسن القوانين للحد من المستشارين- حفاظا على المال العام!
4/2/10- انحراف العلاقة بين المواطن والسلطة
ما أقصده هنا هو أن المواطن العربي في أغلب بلادنا العربية نشأ في ثقافة تهاب الحكام وتخافهم إلى حد التقديس، فأصبح المواطن يخشى الحكومة، ثم أصبح يخشى الرؤساء من كل نوع. والنتيجة لا تميز على الإطلاق، لأن أحدا لا يحاسب أحداً . موظف الحكومة يهمل في الأداء والمواطن يخشى الموظف، ويخاف من الشكوى، والمسئول يبغى ويظلم، والمواطن يخاف ويرتعد، فيزداد الباغي ظلماً، وهكذا في حلقة مفرغة .
هذه الثقافة الاستسلامية تتناقض مع أي متطلب لتحقيق التميز .
4/2/11- ثقافة التواكل
المقصود هنا هو غياب منهجية الفكر التخطيطي في قطاعات كبيرة من العقول العربية، وبدلاً من ذلك يشبع الميل للتسبب والتواكل والاعتماد على الحظ أو "تساهيل ربنا" . تسأل العامل كم من الوقت يحتاج لإصلاح هذا العطل، فيقول لك "ربنا يسهل" وتلح عليه لتحديد الوقت فيصر هو على أن "كل شيء بأيد ربنا يا أستاذ" .
يترتب على ثقافة التواكل بالتأكيد غياب الرؤية الاستراتيجية في حركة المجتمع، وغياب التخطيط أو شكليته دون مضمون حقيقي .. وضياع الأهداف أو ضبابيتها . وكل ذلك ضد التميز في الإدارة .
4/2/12- تخلف نظم التعليم
وهنا يتعين علينا الإشارة السريعة إلى نظم التعليم العربية في الغالب الأعم لا تفرز المواطن الناضج المسئول القادر على النقد والبحث والاكتشاف، ودون الدخول في تفاصيل أكثر ، إن هذا المواطن الذي لم يتعلم كما يجب سيكون عاجزاً بالتأكيد عن المشاركة الفعالة بكل طاقته في تحقيق التميز في الأداء .
4/2/13- ضعف الإطار القانوني للعمل .
التشريعات في أغلب الدول العربية سبب رئيسي لإعاقة الأداء المتميز . ويرتبط بذلك أيضاً عدم الحرص على تطبيق القوانين في كثير من المواقع والمواقف .
4/2/14- غياب الانضباط
ثقافة التسيب تشيع في المجتمع العربي أكثر من ثقافة الانضباط ، والمدير إذ يعمل في هذه الثقافة غير المنضبطة يصعب عليه ضبط العمل أو العاملين، ويصعب عليه ضبط المواعيد والارتباطات، ويصعب عليه إثابة المجد ومحاسبة المهمل، باختصار يصعب عليه تحقيق أي تميز .
4/2/15- التأخير التكنولوجي
لا شك أن قطاعات كبيرة من المجتمع العربي ما زالت بعيدة جداً عن ملاحقة ومواكبة التطورات التكنولوجية خصوصاً في أنظمة الإنتاج والبحث والاتصال. وأحياناً يكون تعامل الإنسان العربي مع التكنولوجيا تعاملاً مظهرياً أو طفولياً دون استفادة حقيقية من التكنولوجيا .
4/2/16- كل مدير يبدأ من أول السطر
هذه عادة عربية قديمة ، ولسوء الحظ ما زالت قائمة ، فكل مسئول إذ يتولى الوظيفة نجده يبدأ من الصفر وكأن كل ما سبقه كان خطيئة ، وقد يلغي قرارات سابقة ، ولكنه بالتأكيد يبدأ التاريخ من جديد ، وتحسب الدنيا كلها من بدء توليه العمل.
عيب ذلك أننا لا نستفيد من تجارب من سبقونا، ولا نبني على إنجازاتهم ، ولا نسترشد حتى بآرائهم. إن الإنسان إذا قورن بالفئران وجدناه أكثر ذكاء بكثير ، فالفئران لا تتعلم من التجربة ولا تستفيد منها، وما زال بإمكانك أن تدخل الفأر في المصيدة بنفس الطريقة التي أدخلت بها أباه وجده ولكنه لا يتعلم ، أما الإنسان فيغير حتى أنه أكثر ذكاء ، وأكثر استفادة من تجارب من سبقوه .
إن ما سبق يمثل فقط بعض جوانب الثقافة العربية التي نعتبرها سلبية ومعوقة لتحقيق التميز في الأداء . هذه الجوانب تحتاج إلى تطوير .. تطوير حقيقي وباتٍّّّ .
5- مداخل تطوير الثقافة العربية لتحقيق التميز ؟
5/1- ديناميكية الثقافة
أوضحتُ آنفاً أن الاستعارة الثقافية تحدث طول الوقت بفعل احتكاك الثقافات، فكل احتكاك يتولد عنه نقل أنماط واستيعاب وإدماج وتكييف – هذه هي ديناميكية الثقافة .
ومع ذلك فإن كل تغيير في أيٍ من أنماط الحياة والسلوك يقابَل بالمقاومة أكثر من الترحيب – فالإنسان يحب التغيير ويقاومه في نفس الوقت . الإنسان يمل من الجمود والتكرار والرتابة ، فإذا أتيت له بتغير كان رد الفعل الأول هو المقاومة . والمقاومة قد تنتج من عدم الفهم، أو من الغموض، أو من تهديد المصالح، أو من التعارض الشديد للجديد مع أنماط ومعتقدات مستقرة، أو لأن التغيير لم تصاحبه خطة ترويج واقتناع مناسبة، أو لأن التغيير جاء فجأة ودون تحضير، أو لغير ذلك من الأسباب.
تختلف درجة المقاومة :
• حسب درجة الاهتمام بالموضوع ؛
• حسب درجة تحدي الجديد للقديم ؛ و/أو
• حسب عمق ورسوخ القيم .
فمثلاً إذا أردت تغيير نمط ممارسة العبادات في المساجد ستجد مقاومة أكبر بكثير من حالة تغيير مواعيد العمل المتعارف عليها، وتغيير أنماط ملابس السيدات أسهل بكثير من تغيير أنماط قضاء وقت الفراغ .
أود التنويه أيضاً إلى أن التغيير في أنماط الاستهلاك عادة ما يكون أسرع من غيره من المجالات، ويرجع ذلك لواحد أو أكثر من الأسباب التالية :
• مسايرة الموضة، فلا تطيق غالبية السيدات مخالفة الموضة.
• اتخاذ الملبس الجديد كرمز لرقي الطبقة أو للثراء .
• مركَّب النقص أمام الأنماط الأجنبية، والأصل أن الأجنبي غريب ونقاومه، ولكننا عادة نرحب به .
وحكاية التمسح في الأجنبي أو التمسك به في الثقافة العربية تحتاج إلى وقفة فتجد من العادي أن المستهلك يفضل السلعة الأجنبية على السلعة المحلية مهاما نادينا بتشجيع المنتج الوطني، بل إن السلعة الأجنبية إذا تم تجميعها محلياً أصبحت مرفوضة أيضاً ، لأنها "مضروبة" ينبع كل ذلك في تقديري من عدم الثقة في حرص المنتج المحلي على الإتقان. كيف نغير هذا الميل ؟ بنشر ثقافة الإتقان .
5/2- هل يمكن تغيير الثقافة العربية ؟ وكيف؟
الإجابة بالقطع نعم، ويشجعنا على ذلك ما نلاحظه من أن إيقاع الحياة أصبح أكثر استعداداً للتغيير من قبل . ونرصد مثلاً :
• سرعة تعميق التوجه الديني وارتداء الحجاب في الـ 20 سنة الأخيرة .
• سرعة تغير أذواق الموسيقى والغناء في الـ 10 سنوات الأخيرة .
• سرعة انتشار الحديث عن الإصلاح والديمقراطية في الـ 3 سنوات الأخيرة.
التغيير أصبح أسرع إذن ويعطي ذلك الأمل في إمكانية تطوير السلبيات في الثقافة العربية لدعم التميز في الإدارة .
كيف يمكن تحقيق ذلك ؟
• نماذج حقيقية للتميز ، حيث يتعرض الإنسان والمدير العربي للتعرف على والاحتكاك بمؤسسات متميزة من خلال ثقافة تميز مناسبة بالمؤسسة. لقد حققت الكثير من الشركات الدولية العاملة بمنطقتنا نجاحات كبيرة وتميزاً واضحاً لأن بها ثقافات تميز واضحة . المطلوب هو إبراز هذه النماذج والدعوة للاقتداء بها . إن نجاح هذه الإدارة المتميزة وهى تعمل داخل الثقافة العربية دليل حاسم على إمكانية التغيير .
• القدوة على مستوى الأفراد، وذلك ممكن إذا نحن وجهنا الاهتمام الكافي لحسن اختيار القيادات وإعدادهم فيكونون قدوة لغيرهم في الأنماط السلوكية التي يتحلون بها .
• تطوير نظم التعليم والتدريب لتنمية القيم المواتية للتميز .
• الدعوة المباشرة وغير المباشرة لنبذ الأنماط السلوكية السلبية .
• تنمية قيم الشفافية والمساءلة و تداول السلطة