كلمات بغير لغة في زاوية من رياض الإسلام قرأت مقالة تحت عنوان هل في القرآن الكريم العرب والتي عرض فيها الكتاب هذه
القضية عرضا واضحا إذ تأملت طويلا في عرضه هذا حيث أورد فيه مجموعة من آراء الأئمة المجتهدين في القضية والذين خلفوا
لنا ثروة فقهية نضاهي بها أمم الأرض ونفخر بها ونعتز بهؤلاء العمالقة أكنفة العلم أجزل الله ثوابهم أقول بات مؤكدا أن هذه القضية
ناقشها الأئمة المجتهدون باستفاضة وأدلوا بها بآراء اجتهادية قيمة تدل بوضوح على مدى اتساع علمهم وتبحرهم في كتاب الله
وجل وتتبع أسرارهم . لقد قرأت بروية الآراء الواردة في المقالة و التي تنتهي في المحصلة لقولين :
الأول:قول الأكثرين الذي ينص على تجرد القرآن من أية لفظة غير عربية
الثاني :قول الآخرين الذي ينص على وقوع وجوابهم على قوله (قرآنا عربيا ) بأن الكلمات اليسيرة لا تخرجه عن كونه عربيا .
إني مقتنع تماما بيد أني أقول ان هذه الآراء ليست آراء قطعية لا تجوز
مناقشتها أو الزيادة في مقابلتها بل ان لكل مجتهد أن يدلي برأيه في القضية ليقول ما يعتقد أنه حق صواب معتمدا في ذلك على الدراسة أقوال الأئمة
وآرائهم في المسألة ثم فهمه لكتاب اللّه عز وجل ذاته
ولي في هذه القضية كلمة أقولها ورأي أرجو الإصغاء إليه بتأمل ثم لا مانع
لدي من إصدار حكم عليه من أصحاب الشأن شريطة التجرد من النزوات
النفس وأهوائها بعيدا عن التعصب لشخص أو مذهب .
رأينا في القضية :
إن لله عز وجل قرارات ينبغي الوقوف عندها ولا يجوز للمسلم أن يتعداها البتة .وان هذه القرارات قطعية الدلالة قطعية لا مجال للارتياب أو مناقشتها ,
بل تقبل موضوعة على الرأس والعين (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير) من هنا نتساءل هل قرار الله عز وجل شيئا في هذه القضية أم سكت عنها في قرآنه المبين وترك المجال مفتوحا أمام العباد ليقرروا فيها ما
يشاؤون؟
إن من يتصفح القرآن المجيد يجد قرار الله عز وجل واضحا قاطعا في القضية ،ليس لقائل أن يقول بعدها كلمة واحدة زيادة عليه أو تأويلا له
إذ عنده تتوقف كل الآراء الاجتهادية كما هو معروفا أوصوليا بناء على
القاعدة القائلة لا اجتهادا في مورد النص وذلك إذا كان النص قاطعا في
دلالته منصبا على معنى واحد لا يحتمل سواه.
وما أكثر القرارات الربانية في هذه القضية وكلها جاءت تؤكد بصورة
قاطعة يقينا أن القرآن الكريم كله من ألفه إلى يائه عربي وليس فيه لفظة
واحدة خارجة عن هذا الإطار . وهذه طائفة من هذه القرارات:
1-قال الله تعالى : ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )
2_ وقال سبحانه ولو جعلنا قرآنا عجميا لقالوا
لولا فصّلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين
آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في أذانهم وقر
وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد)
3 _ وقال جلت قدرته ( حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون)
4 – وقال عز وجل ( وانه لتنزيل رب العالمين *
نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين*)
5- وقال تبارك وتعالى ( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا
وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا*)
هذه طائفة من القرارات الإلهية في هذه القضية تحسم القول فيها قطعا
وتقطع كل سبيل لاختلاف الآراء وتعدادها .
التوجيه الأصولي للاستدلال بالآيات :
بالتأمل في الآيات الكريمة التي سلف ذكرها ندرك أنها تقرر أن
القرآن عربي (قرأنا عربيا)و(بلسان عربي مبين)أي واضح لا عجمية فيه . وهذا اللفظ لفظة قطعي الدلالة على إثبات مدلوله لا يحتمل إلا معنى واحدا فقط هو أن القرآن نزل من عند الله عربيا بلسان عربيا مبين بكل ما فيه لفظة لفظة من أوله إلى آخره ولا قرينة تصرف الفظة عن معناه إلى أي معنى آخر كما هو واضح .
ومع انعدام القرينة الصارفة لا بد من المصير إلى المعنى الذي
جاء الفظ به وهو المعنى المنصوص عليه هنا (قرآنا عربيا)كما هو ظاهر . فهذه كلها نصوص والنص لا يحتمل إلا معناه الراجح دون
الالتفات إلى المعنى المرجوح كما هو معروف في علم أصول الفقه
وأخيرا أقول :
إن القرآن عربي بكل ألفاظه لا أستثني منه لفظة واحدة ، ثبت ذلك
قطعا . بموجب القرارات والنصوص الإلهية السابقة . وأما الألفاظ
التي استخرجها العلماء من القرآن وهي من لغات غير عربية ،
كالأعجمية والحبشية و الفارسية والهندية والسريانية والعبرانية
والقبطية والرومية فهي قد دخلت لغة العرب وتكلموا بها وتداولوها
في أحاديثهم فترتل بها القرآن ليقرر قرارا قاطعا بشأنها وهو :
إدخالها في متن اللغة العربية مع تجردها من صفاتها السابقة ولا
يقال عنها بعد ذلك نبطية أو هندية أو رومية أو فارسية أو غير ذلك
بل حصرا حتى لا يصار إلى خلا ف القرار الإلهي الواضح .
فلا داعي البتة لإثارة القضية في أبحاث ومقالات بل يكفي الوقوف
عندما تقضي به القرارات الربانية الآنفة الذكر لأنه لا سبيل للإنسان
مهما اتسع علمه وتفتحت مداركه أن يتصدى ليناقش قرارا قطعيا جاء
من عند الله عز وجل على نحو قطعي . بل عنده ويسلم به طائعا وهذا
هو شعار المؤمن دائما .
___________________________________________
هذه المناقشة لمقال نشرته مجلة نهج الإسلام في العدد
42 في الزاوية المشار إليها .
1 سورة يوسف . الآية (2)
2 سورة فصلت . الآية (44 )
3 سورة فصلت . الآيات (1-2-3-)
4 سورة الشعراء . الآيات (129- 195 )
5 سورة طه . (113 ) .
هل في القرآن الكريم ألفاظ بغير لغة العرب ؟؟