لم يسعفني الشعر يوماً في رثاء أبي
ولزمتُ الصمت مقيدةَ الحس والشعور في شجن طويل
حتى وقع في كبدي بيت لأحمد شوقي موقع السهم في كبد الصيد
إذ صادفَ قلباً باكياً فاهتزَّ وتأثـَّرا :
وهو قوله :
لم أدرِ ماطِيب العناقِ على الهوى = حتـَّى ترفـَّق ساعِدي فَطَواكَ
فذكرتُ أبي , وحننتُ إلى عناقه فرثيته قائلة :
وَ لَقَدْ جهلتُ مِن البُكا معناهُ= حتَّى تـَفَـتـَّقَ خاطري فبكاهُ
وَ تحدَّرتُ أنداءُ رُوحي إثْـرَه = وَ اشَّعَّبتْ في مُهْجَتـِي ذِكراهُ
وَ غرقتُ في دَمعِ الهواجِسِ وَ الأسى= وَ مضيتُ كالخَرِفِ المُضَيِّعِ فاهُ
وَ فَررتُ مِن قَوسِ المَنَايا بِالنَّوى = حتَّى رَمانِي سَهمُها ينعاهُ
وَ وَجدتُ في جُرمِ الجوانِحِ لوعة ً = مِن وَجدِ حُزنِي , مِن جَنَى مَنآهُ
وَ سَقـِمْتُ من صبرِ يعضُّ حَشاشتي =فالصبرُ وَحشٌ وَ البُكا نَاباهُ
أوَّاهُ - يا أبتاهُ - بعثرَنِي الرَّدى = إبَّانَ موتِكَ - يا أبِي - أوَّاهُ
سَكنَ الشَّقاءُ بِداخِلي , وَ احتَلَّني= مَنْ لِي - بِبُعدِكَ - أَشتهـِي لُقياهُ ؟
مَنْ لِي إذا جَنَّ الدُّجَى - يا وَالدي - = يَسقي فؤادي مِن نَدى نجواهُ ؟
مَن لِي - بِمِثلِكَ - لو نَثرتُ بِكَفِّهِ = رُوحي , فَفَاضَتْ - رَحْمَةً - كَفَّاهُ ؟
وَ مَنِ الذي لو أحتويِهِ بأَضلُعي=فَاغْرَورَقَتْ - بِدُموعِهِ - عَيناهُ ؟
أَو مَنْ عَلَى قَدَمَيهِ أسكبُ لَهْفَتِي=قُبلًا تُسكِّنُ خَافِقي .. أبتاهُ ؟
يا أنتَ يَاوحْيَ السَّمَاء بِناظِري = أَوَلَسْتَ مَنْ نَشَرَ السَّنَا بدُعاهُ ؟
أَولستَ مَنْ رَوَّى الدٌّنَى فِي حَاضِري= وَ رَجوتُ غيثَكَ أبتغي سُقياهُ ؟
أَفديكَ - أنتَ - أَبِي - أَنَا - لَولَا الرَّدَى = لَولَا القضاءُ فَأنتَ مَنْ أَهواهُ
أَنتَ الذي أنعشتَ روحي كُلمَا = آنستَ قلبي نازعًا شكواهُ
وَ مضيتُ - بعدَ الفقدِ - فِي عُمري سُدىً = عَبداً قَلَى - بعدَ الوَفا - مولاهُ
وَ خَلوتُ وحدي أمتطي بُؤساً غَدَا =كَطلاسمٍ وَ حُلُولُها مَعناهُ
وَ تَساقطتْ في شَقوتي مِزَعُ الضَّنا = وَ تبخَّرَتْ في حَسرتِي دُنياهُ
مَا تاهَ عَنْ ذِكراكَ نبضٌ في دَمي = أو غابَ صوتُكَ - يا أبِي - وَ صَداهُ
وَ نَسيتُ مَاقد ماتَ مِن زَمَنِ الغِنَى = وَ نَسيتُ أنْ أَنسى الذي أغناهُ
وَ لَقيتُ في نَفسي شَظايا سَلوةٍ = وسَلمتُ من سَقمي وَ عِشتُ قَذاهُ
وَ بكيتُ من ذِكرى أحاديثٍ مضتْ = وَ حَننتُ لَكنْ , هلْ عَسى ؟ وَيلَاهُ !
مَا زِلتَ - يَا أبتاهُ - فِي عَيني سَنَا = لا زلتَ نبضَ تَشَوُّقِي وَ رَجاهُ
مَا كُنتُ أعلمُ - يا أبِي - أَنِّي إِذا = فارقتُ " عُمري " غَابَ مَنْ وَاساهُ
إِنِّي زَهدتُ الحرفَ يُشْبهَهُ العَمَى = لولاهُ ما انتفضتْ يَدي لولاهُ
وَ زَهدتُ مِن بَوحٍ يُشاكلُهُ العَنَا = بعدَ الذي بالأَمْنِ قدْ سَاوَاهُ
وَ نَشرتُ شِعرِي هائِماً في ذَاتِهِ = وَ تَركتُ فِكْرِي ساهِماً يَرْعَاهُ
وَ نَظمتُ مِن وَجدي لَفائِحَ لَـوعَـتي = فـَتـَبَعْثرتْ في هَدأتِي ذِكْرَاهُ
سَكَنَ الثـَّرى وَ سَكَنْتُ لكنْ فَوقَهُ = لَيتَ الذي أخْفَاه قد نَجَّاهُ
رُحماكَ ربِّي هَبْ لَهُ نِعْمَ الحِمَى = جَناتِ عَدْنٍ - بِالجَزَا - مَثواهُ
أَغْدِقْ عَلَى أَحنائِهِ فيضَ الرِّضا =وَ اسقِ الثَّرى , سُقياكَ يَا اللهُ
ربَّاه وَ اجمعنا نَعـِش أبداً معًا =ربَّاه - في رَوضِ المُنَى - ربَّاهُ
[/frame]
الجمعة / 13 / محرم 1429هـ