قـصـة الــمـخـلـفـيـن الـثـلاثـة ...
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى غزوة تبوك ,
ولم يتخلف عن الخروج للجهاد إلا المنافقون والمرضى والضعفاء ,
لكن ثلاثة من المؤمنين الصادقين تخلفوا عن هذه الغزوة , ولم يكن لهم عذر.
وهم : كعب بن مالك , مرارة بن الربيع , هلال بن أمية .
وبعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من الغزوة إلى المدينة , أسرع المنافقون
إليه وهم يختلقون الأعذار الكاذبة ليقنعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بها , فكان النبى صلى الله عليه وسلم يقبل أعذارهم مع علمه بخداعهم ومكرهم ,
وجاء الدور فى الاعتذار على كعب , ومرارة , وهلال , فلم يكذبوا علىالنبى صلى الله عليه وسلم , ولكنهم اعترفوا بذنبهم وتقصيرهم فى حق الله عز وجل , وقالوا الصدق ...
وبعدها صدر الأمر من النبى صلى الله عليه وسلم للمسلمين بمقاطعة هؤلاء الثلاثة ,
فلا أحد يعاملهم أو يتحدث معهم , فكانوا يسيرون بين الناس كأنهم غرباء ,
حتى أنهم كانوا إذا ألقوا السلام على أحد لم يُسمعهُم رده , فعاش هؤلاء الثلاثة أياماً عصيبة , وعلم أعداء الإسلام أن النبى صلى الله عليه وسلم قد قاطع بعض أصحابه , فبعث ملك غسان – وهو من أعداء الإسلام – برسالة إلى كعب بن مالك يقول فيها : أما بعد , فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك (أبعدك),
ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة , فالحق بنا نُواسيك (نقف بجانبك)
ولكن كعباً الذى شعر بذنبه , وندم عليه لم يكن ليفعل ذنباً أقبح منه , وينصر أعداء الله على رسول الله , وعرف أن هذا ابتلاء من الله له ,
فانتصر على نفسه هذه المرة وألقى الرسالة وأحرقها فى النار ,
وبعد مرور أربعين ليلة من المقاطعة , بعث النبى صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ليأمرهم أن يهجروا زوجاتهم ,
ففعلوا جميعاً إلا أن امرأة هلال بن أمية أستأذنت الرسول صلى الله عليه وسلم فى أن تمكث مع زوجها لتخدمه , لأنه رجل كبير فى السن , فوافق النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن أشترط عليها ألا يقربها زوجها ..
ومر على هذه الحال عشر ليالى أخرى فتمت المقاطعة خمسين ليلة ..
وفى أثناء هذه المدة , بلغ الضيق والهم من الثلاثة مبلغه حتى ضاقت عليهم أنفسهم , وأُغلقت السبل كلها فى وجوههم ,
وعلموا أنه لا مُنقذ لهم من هذا إلا الله ,
فقبل الله سبحانه توبتهم لصدقهم وإخلاصهم ...
وفى صباح الليلة الخمسين , وبعد أن صلى كعب الفجر على سطح بيته ,
إذا به يسمع صوتاً من بعيد : يا كعب ! يا كعب ! أبشر فقد تاب الله عليك .
ففرح كعب بهذه البشرى فرحاً شديداً , حتى أنه خلع الثوب الذى يرتديه وأهداه لصاحب البشرى .
ثم ذهب الناس يبشرون الاثنين الآخرين , فخرج كعب متوجهاًإلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم , فلما وصل إلى المسجد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس وحوله أصحابه , فقام طلحة بن عبيد الله – رضى الله عنه – وصافح كعباً وهنأه , ثم ذهب كعب ليُسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم , فرأى وجه النبى صلى الله عليه وسلم مملؤاً بالسرور
والفرح , فقال لكعب : "أبشربخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك "
فقال كعب : أمن عندك يارسول الله أم من عند الله ؟؟
فقال صلى الله عليه وسلم :" بل من عند الله " ففرح المسلمون جميعاً .
قال تعالى : (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقتعليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لاملجأ من الله إلا إليه ثم تابعليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوامع الصادقين) التوبة 118-119
وهكذا أزاح الله هذه الغشاوةالمحزنة عن هؤلاء النفر الثلاثة، بعدما كادوا يقعون في الهلاك
بسبب تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضاقت عليهم الأرض رغم رحابتها،
وضاقت عليهم أنفسهم، فعلموا أن الملجأ من الله لا يتم إلا بالعودةإليه،
فاستجاب الله لهم ،وغفر زلتهم....
ومن هذه القصة نُدرك قيمةالصدق فى الإسلام ..
وكيف أن الصدق هدى الثلاثة إلى البر ورضوانالله..
اللهم ارزقنا الصدق، واحشرنا مع الصديقين ..
اللهم ءامين