منذ أن رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دنيا البشر إلى جوار ربّه عزّ وجلّ حملت الأمة بكل أطيافها أمانة التبليغ والدعوة إلى الإسلام ( قل إنّما أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ...) فهبّ الصحابة الكرام رضي الله عنهم وبعدهم التابعون , فاتحين للبلدان ناشرين الدين الحق بين أمم الأرض , يفتحون القلوب قبل البلدان شعارهم الرحمة ومنهجهم الرفق بالناس حتى شهد لهم فلاسفة الغرب شهادة منصفة , فقال غوستاف لوبون كلمته الذائعة التي يكاد يحفظها كل مسلم : ( ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب . ) وهكذا أخذت الدعوة طريقها عن طريق التجّار والدعاة والرحّالة , والدعوة أخذت مسارها على مناح راقية فالعالم داعية بعلمه وسلوكه,والتاجر داع من خلال عمله بأحكام الإسلام والمثابرة على الطاعات فكان للتجار المسلمين دور رئيس في انتشار الإسلام في أفريقيا لاسيّما بين القبائل من خلال مواظبتهم على أداء فريضة الصلاة على مرأى من الناس , فكان الناس هناك يدخلون في الإسلام من خلال حوارات بسيطة مع هؤلاء الدعاة , وهكذا أخذت الدعوة مناح أخرى جديدة , فأصبح الأطباء دعاة إلى الإسلام فهذا طبيب ياباني سمّى نفسه بعد إسلامه شوقي فوتاكي , وهو أخصائي في طبّ العيون , كان مسرح الدعوة عيادته,فكان يدعو المرضى الّذين يدخلون عيادته للعلاج إلى الإسلام فكانوا يستجيبون للحق , وأسلم على يده الكثيرون . ومن طرائف ما جرى في مطار هامبورغ في ألمانيا في السبعينيات من القرن الماضي أن مجموعة من المسافرين تزامن هبوط طائرتهم في المطار مع دخول وقت صلاة الظهر فهرعوا إلى الوضوء وأقاموا الصلاة بعد أن أذن أحدهم في ساحة المطار, ورآهم العمال والموظفون , وحاوروهم حواراً مطوّلاً أثمر عن اعتناقهم الدّين الإسلامي . وحتى المرضى الّذين يدخلون عيادات الأطباء للعلاج دعاة للدين الحق , ولنصغ لهذا الخبر الّذي يدعو للفخر , الطبيبة البريطانية المتخصصة بالأمراض العصبية آن كوكسن , اعتنقت الإسلام عام 1990م حينما دخلت عليها فتاة مسلمة شابّة , فلما أجرت لها الفحص الدقيق تبيّن أنّ لديها بوادر إصابة بسرطان الثّدي , فقالت الفتاة بلا جزع ولا خوف الحمد لله الّذي بعثني إليك لتكتشفي مرضي في بداياته الأولى . قالت تلك الكلمات بهدوء نفسي وثقة عجيبة . أعجبت الطبيبة بهذا الموقف الرّصين والتصرف الهادئ وسألت المريضة عن دينها . فقالت الفتاة بعزة وفخر تعلن عن هويتها وانتمائها : أنا مسلمة . فسألتها الطبيبة , وما هذا الإسلام الّذي جعلك بهذه الثقة وأضفى عليك هذا الهدوء والاستقرار النفسي ؟! فأجابت الفتاة المريضة تقول : ( وإذا مرضت فهو يشفين . ) , من هو هذا الّذي يشفيك ؟ قالت الفتاة : الله وحده القادر على أن يشفيني , خلق الداء وأنزل الدواء , تركت الطبيبة كل شيء ووجهت كامل اهتمامها لحديث الفتاة , وقالت : من يقول هذا ؟ قالت الفتاة : سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم . قالت الطبيبة , وقد اغرورقت الدمعة في عينيها وماذا يقول ؟ قالت الفتاة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أنزل الله من داء إلاّ أنزل له دواء فإذاأصاب الدواء الداء برئ بإذن الله . ) وأثمر هذا الحوار الهادي الهادف إسلام آن كوكسن . التي اندفعت تدرس الإسلام بدراية العالم الطبيب , فاقتنعت به وأعجبت بشموله لكل جوانب الحياة وإقامته للتوازن الدقيق بين المادة والروح والدنيا والآخرة وما أرساه من أسس الإخاء الإنساني . قالت الدكتورة آن آكسن فيما بعد كنت أشعر بفراغ روحي يكاد يهلكني , وأبحث عن شيء يملؤه فوجدته في الإسلام , ولحظات الصلاة هي أوقات النقاء الروحي , وكم يهز أعماقي من الداخل سماع القرآن الكريم ويجعلني ابكي لذة وخشوعاً وأعود للماضي الّذي كنت أعيش فأجد أني قد خلقت من جديد . فالمسلم داعية للدين أينما كان وحيثما كان وعلى أي حال كان بعلمه حيناً وبسلوكه حيناً , وباتقان عمله حيناً آخر . شعاره ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس . ) والحمد لله ربّ العالمين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ