الشيخ علي خَرْبُوش (1907-2001م=1325-1422هـ)
قال الأستاذ محمود محمد الطناحي عنه :
شخصية عجيبة غريبة في دنيا المطبوعات القديمة . تراه في مكتبته الزاخرة بأشتات من المطبوعات التي وضعت على غير ترتيب و لا تصنيف، غارقًا في لُجَّتها، و قد التحم بها و التحم به، تنطق ملامحه بالقدم و العتاقة، فكأنه طبعة نادرة من طبعات بولاق، أو ليدن. ما رأيته بعمامته الغريبة و ثوبه الفضفاض إلا وتمثلت لي صورة نابضة بالحياة و الحركة لوَّراق من وراقي بغداد، الذي ذكرهم ابن النديم في الفهرست. يكلمك في عجلة و اقتضاب ، و لا يقبل منك مساومة أو مراجعة ، فإذا أكثرت التردد عليه، و أنس إليك ، ووجد فيك رائحة العلم ، فتح لك قلبه و مكتبته، و تركك تجوس خلالها ، تقرأ ما تشاء، و تنتقي ما تشاء، و اجلس ما شئت من الساعات و اخرج دون أن تشتري شيئًا، و ما عليك من بأس فقد وقعت منه موقع الرضا و القبول . أما إذا ثقلت على قلبه، و أحسَّ منك كبرًا أو عجبًا فهيهات أن تحظى منه بشيء، مهما سخوت له في الثمن، و أجزلت العطاء.
و من عجيب أمر هذا الرجل، أنه كان يجمع نوادر ما يسقط إليه من المطبوعات و يحزمها، ويذهب بها إلى العلماء في بيوتهم، و يتحمل في ذلك مشقة الانتقال، و وعثاء الطريق، و كثيرًا ما رأيته في ليالي الشتاء الباردة يحمل هذه الأثقال إلى بيت الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم بمصر الجديدة و بينها و بين بيته في شارع المغربلين بحي الدرب الأحمر، نحو خمسة عشر كيلومترًا.
و قد ظل الشيخ علي خربوش مَعْلَمًا من معالم القاهرة التراثية زمنًا طويلًا، و كانت فيه غفلة، مبعثها صفاء نفسه، و قلة حرصه، فكثيرًا ما كان زملاؤه في الصنعة من الوراقين يأخذون منه الكتب بثمن بخس، ثم يبيعونها بأعلى الأثمان . و تقع مكتبته ــ رحمه الله ــ في شارع درب الجماميز(بورسعيد الآن) أمام مستشفى أحمد ماهر، على يمينك و أنت قادم من باب الخلق تريد ميدان السيدة زينب. و له ولد يسمىابراهيم خربوش، ورث عن أبيه حب الكتب ــ و إن قصر في جمعها ــ كما ورث عنه أيضًا طيب الخلق و كرم النفس، و السرعة في الحديث أيضًا.
انتهى من كتاب (مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي) صـ141.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي