منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    إدارة مهارات التفكير في سياق العولمة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إدارة مهارات التفكير في سياق العولمة: المعتقدات الإبستمولوجية epistemological beliefs، وتفكير التفكير metacognition، والتفكير الناقد، كنماذج.
    Management of thinking skills in the context of globalization:
    Epistemological beliefs, Metacognition and Critical thinking as models.








    أ.د. أمحمد بوزيان تـيغـزة


    قسم علم النفس

    كلية التربية
    جامعة الملك سعود



    الملخص : لقد أفرزت العولمة تحديات كثيرة لعل أبرزها التحدي التربوي للعولمة الذي يتعلق أساسا بإدارة خارطة القدرات العقلية وتسييرها، بمعنى ما هو "البروفيل" القدراتي للمتعلم الذي تتطلبه ظاهرة العولمة؟ ما هي أبعاد العقل التي ستعرف تنشيطا وتفعيلا مستقبلا؟ ما هي منظومة المهارات العقلية وقدراته التي ينبغي أن تستقطب منتهى الاهتمام، وتحظى بتنمية وتطوير؟
    من خارطة القدرات العقلية المركبة ذات الدلالة لسياق العولمة عالجنا ثلاثة أنواع منها وهي:
    ( أولا ) المعتقدات الإبستمولوجية للمتعلم (epistemological beliefs) أو الإبستمولوجيا الفردية أو الشخصية (personal epistemology) التي تتعلق بكيفية إدراك المتعلم أو تصوره لطبيعة المعرفة وعملية تحصيلها (representation of knowledge and learning).
    ( ثانيا ) تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة (metacognition):
    ويقصد بما وراء المعرفة وعي الفرد بعملياته ونشاطه المعرفي، ومحاولته تنظيم هذه العمليات تنظيما واعيا. وينطوي هذا المفهوم على بعد المعرفة حول المعرفة الذي يشمل المعرفة التصريحية declarative knowledge، والمعرفة الإجرائية procedural knowledge ،والمعرفة الشرطية conditional knowledge. كما يشمل بعد الإدارة أو التدبير الذاتي المعرفيcognitive self-managementالذي ينطوي على التخطيط planning، و التنظيم الذاتي للمعرفة self-regulation of cognition والتتبع أو الرصد الذاتي المعرفي cognitive self-monitoring ، والتقويم evaluation.
    ( ثالثا ) التفكير الناقد (critical thinking):
    ينطوي التفكير الناقد على مهارات الكشف عن المسلمات الضمنية والافتراضات، والقدرة على الاستدلال(من استنتاج واستقراء)، ومهارات المجادلة أو المحاجة، والقدرة على الكشف عن المغالطات المنطقية، ومهارات التفكير التقويمي، والمهارات ذات الطابع الوجداني كالمرونة، والمثابرة، والرغبة في تصحيح الذات، والميل إلى التروي وغيرها.
    ولقد تبنينا المنهج النظري التحليلي النقدي في طريقة معالجتنا للموضوع. وبالتالي تناولنا كل قدرة عقلية مركبة من القدرات الثلاث السابقة الذكر من زاويتين: زاوية تعريفية وتحليلية، بمعنى عالجنا قضية التعريف بالنسبة لكل مفهوم، وتطرقنا أيضا إلى تشريحه للكشف عن مقوماته أو عوامله أو أبعاده تمهيدا لتحليل علاقتها بسياق العولمة.
    أما الزاوية الثانية فركزنا فيها على ربط كل قدرة من هذه القدرات الثلاث بالعولمة من حيث مدى ضرورتها في هذا السياق ومدى أهميتها، ودواعي تنميتها وتطويرها.


    Management of thinking skills in the context of globalization:
    Epistemological beliefs, Metacognition and Critical thinking as models.
    Pr. M’hamed Bouziane Tighezza
    Department of Psychology

    Globalization poses various challenges, The most critical of which addresses the educational and pedagogical arena concerned with the management of mental and cognitive abilities and skills, i.e. what is the configuration and the nature of the learner ability profile that responds to the globalization exigency? What are the cognitive dimensions and the ability and reasoning skills system that would constitute a matter for major concern and development in the future?
    Three complex cognitive abilities were examined:
    1 – Learner epistemological beliefs or personal epistemology. It is concerned with one’s view or perception of the nature of science and the process of knowing or learning.
    2 – Metacognition: It refers to personal reflection about one’s knowledge status and abilities, and control or management of executive aspects of Metacognition. The metacognitive knowledge component usually comprises three different types of metacognitive awareness: declaratory, procedural and conditional knowledge. Metacognitive control or cognitive self-management ( one’s ability to form good plans, to use a variety of strategies, and to monitor and revise ongoing performance ) consists of planning, regulating, monitoring and evaluating.
    3 – Critical thinking: It includes uncovering postulates and assumptions, inductive and deductive reasoning, argumentation, and evaluation. It embarrasses too a number of motivational and affect dimensions such as perseverance, intellectual probity, flexibility and self-correction.
    The analytic approach adopted consists of the examination of each ability from two standpoints:
    First, each ability or skill was defined and structurally analyzed.
    Second, each ability was examined in relation to globalization. And the management of such thinking skills i.e. their significance, implications, prevalence, importance, and development in the context of globalization, was treated.


    إدارة مهارات التفكير في سياق العولمة:
    المعتقدات الإبستمولوجية epistemological beliefs، وتفكير التفكير metacognition، والتفكير الناقد، كنماذج.
    أد / أمحمد بـوزيـان تـيـغـزة



    " إنني لا أريد أن ترتفع الجدران سامقة من كل جانب حول بيتي، ولا أن يحكم إغلاق نوافذي. إنني أريد أن تهب ثقافة كل أرض حول بيتي بأقصى قدر من الحرية. لكني أرفض أن تقتلعني ريح أي منها من جذوري "
    غاندي





    تمهيد
    في تقديمه لكتاب فرانز فانون Frantz Fanon :" المعذبون في الأرض"، كتب الفيلسوف المعروف سارتر واصفا استراتيجية التغيير التي نفذت في دول العالم غير الأوروبي ولا سيما في العالم العربي والإسلامي بقوله:
    "كنا نحضّر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف والأثرياء والسادة من أفريقيا وآسيا، ونطوف بهم بضعة أيام في أمستردام ولندن والنرويج وبلجيكا وباريز. فتتغير ملابسهم، ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية الجديدة، ويرتدون السترات والسراويل، ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو والاستقبال والاستدبار، ويتعلمون لغاتنا وأساليب رقصنا وركوب عرباتنا، وكنا ندبر لبعضهم أحيانا زيجة أوروبية، ثم نلقنهم أسلوب الحياة على أساس جديد، وطرز جديدة من الزينة، واستهلاك أوروبي جديد، وغذاء أوروبي، كنا نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبة بلادهم، ثم نرسلهم إلى بلادهم، وأي بلاد؟ بلاد كانت أبوابها مغلقة دائما في وجوهنا، لم نكن نجد منفذا إليها. كنا بالنسبة إليها رجسا ونجسا وجنا. كنا أعداء يخافون منا، وكأنهم همج لم يعرفوا بشرا. لكنا بمجرد أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم، صرنا بمجرد أن نصيح من أمستردام أو برلين أو بلجيكا أو باريس، قائلين: "الإخاء البشري" نرى أن رجع أصواتنا يرتد من أقاصي إفريقية، أو فج من الشرق الأوسط أو الأدنى أو الأقصى أو شمال إفريقية، كما نقول " الإخاء البشري" .....كانوا يرددون ما نقول تماما مثل الثقب الذي يتدفق منه الماء في الحوض، هذه أصواتنا في أفواههم. وحينما كنا نصمت، كانت ثقوب الأحواض هذه تصمت أيضا، وحينما كنا نتحدث كنا نسمع انعكاسا صادقا وأمينا لأصواتنا من الحناجر التي صنعناها، ثم إننا كنا واثقين من أن هؤلاء المفكرين لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعنا في أفواههم" (عن عارف، 2001 ، ص: 97ـ 98).
    لا نستغرب هذا التوضيح للمنهجية الفعالة في تصدير النموذج الثقافي الأوروبي إلى الدول التي كانت تسمى في الخمسينات والستينات بالدول النامية، من هذا الفيلسوف، على الرغم من مواقفه المناهظة للاستعمار واستغلال الشعوب. فجان بول سارتر يبقى ـ مع ذلك ـ الإنسان الأوروبي الذي لا يستطيع أن ينسلخ عن ثقافته وما يرتبط بها من نظرة متعالية إزاء الثقافات الأخرى باعتبارها متخلفة وغير متحضرة. فالعمق الثقافي الإغريقي اللاتيني، والنموذج الحضاري الغربي المعيش يحتفظان بقوتهما في إرساء المرجعية القيمية والفكرية لهذا الفيلسوف رغم اشتهاره بالتحرر الفكري. ولذلك ينوه بأهمية استراتيجية التثقيف( التأثير الوحيد الاتجاه غير المتبادل)، لا التثاقف ، أو استراتيجية رجع الصدى في تصدير ونشر النمط الحضاري وقيم الثقافة الغربية في الدول المتخلفة، ولا سيما المستعصية منها. غير أن هذه الاستراتيجية التي كانت صالحة في ذلك الوقت (النصف الأول من القرن الماضي) والتي تقوم على توظيف بعدي المكان والزمن (ضرورة الاحتكاك) في الترويج للنمط الحضاري الغربي، فقدت من أهميتها وفعاليتها في ظل الثورة في مجال الاتصال ووسائله وعملياته، والتطور المذهل في تكنولوجيا المعلومات في سياق العولمة. واستبدلت باستراتيجيات الإقناع الاتصالي الإعلامي. فالقنوات الفضائية، والشبكات العنكبوتية وغيرها عززت انتشار الثقافة الأميركية والأوروبية، نظرا لتسخير هذه الوسائط بمهارة كبيرة، وتوظيف جل استراتيجيات التشويق والإمتاع والإقناع في استعمالها.
    لا أريد أن أخوض معترك التعاريف المتباينة لمفهوم "العولمة" التي تتخلل كتابات المفكرين والكتاب، والمؤلفين، لاستجلاء مرتكزاتها التنظيرية، ومرجعايتها الفكرية، ومشاربها الأيديولوجية. غير أن العزوف عن ذلك لا يعفينا من انتقاء تعريف أوتعريفين لا لكونهما صحيحين، لأن الموضوع لا يتعلق بحقائق وإنما بوجهات نظر ورؤى واجتهادات، وإنما لأن منظورهما يمهد تمهيدا جيدا لإشكالية الدراسة ويخدمها.
    من منظور اقتصادي محظ، يعرف هورسمان ومارشال العولمة بأنها اندماج أسواق العالم في حقول التجارة، والاستثمارات المباشرة، وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق، وخضوع العالم لقوى السوق العالمية تبعا لذلك، مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية، وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة. (عن إبراهيم، 2001، ص: 84).
    إذا كان البعد الاقتصادي بعدا جوهريا في تحديد ماهية العولمة، إلا أنه غير كاف في تحديد هذا المفهوم إن لم يطعم بأبعاد أيديولوجية ، وسياسية، وثقافية، وقيمية، واجتماعية. ولذلك يعرف الجابري (1998) العولمة ـ موظفا هذه الأبعاد المختلفة ـ بقوله أنها :" نظام أو نسق ذو أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد. العولمة الآن نظام عالمي أو يراد لها أن تكون كذلك يشمل مجال المال، والتسويق، والمبادلات، والاتصالات..إلخ، كما يشمل أيضا مجال السياسة، والفكر، والأيديولوجيا".
    ولإلقاء مزيد من الأضواء على المفهوم، يميز الجابري بين مفهوم العولمة (Globalization ) ومفهوم العالمية (universality)، باعتبار أن العولمة إرادة للهيمنة، وبالتالي قمع وإقصاء للخصوصية. أما العالمية فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي. العولمة احتواء للعالم، والعالمية تفتح على ما هو عالمي وكوني. إن نشدان العالمية في المجال الثقافي، كما في غيره من المجالات، طموح مشروع، ورغبة في الأخذ والعطاء، في التعارف والحوار والتلاقح. إنها طريق "الأنا للتعامل مع الآخر" بوصفه "أنا ثانية" طريقها إلى جعل الإيثار يحل محل الأثرة. أما العولمة فهي طموح، بل إرادة اختراق "الآخر" وسلبه خصوصيته، وبالتالي نفيه من "العالم". العالمية إغناء للهوية الثقافية، أما العولمة فهي اختراق لها وتمييع.
    إن العولمة بمفهومها الاقتصادي ومضامينها السياسية والأيديولوجية والثقافية، والتي قد تبلغ أوجها في الألفية الثالثة، أو في سياق ما يسمى "بالموجة الثالثة" أو "الثورة الثالثة"، تجاوزت عصر الثورة الصناعية التي اتسمت بخاصية الوفرة mass production ، وبخاصية الكثافة العمالية Labourintensive ، وبخاصية إنتاج السلع والآلات والأدوات، إلى انبثاق موجة ثالثة من التغيير العميق، أو ثورة ثالثة انفردت بثورة في اتصالات، وبتطور غير مسبوق في المعلوماتية أو تكنولوجيا المعلومات، وبكثافة معرفية Knowledge intensive ، وبتركيز مهاري Skills intensive أو تكثيف قدراتي. كما تميزت بإنتاج خدمات وإبداع أفكار أكثر من إنتاج سلع وأدوات، وبالتنمية الاعتبارية أو الشركة الاعتبارية Virtual Corporation، حيث تشكل شبكة الاتصالات السريعة بأنواعها السمعية والبصرية والمجسمة بديلا عن الاجتماعات والاتصالات المباشرة، وتتم التعاقدات والارتباطات بين جهات مختلفة وأماكن متباعدة يقع بعضها في الحقل الصناعي، والثاني في الحقل التجاري، والثالث في مجال المؤسسات الخاصة، والرابع في نطاق الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث. وتشكل هذه الارتباطات الصادرة من أماكن متباعدة بل من أقطار مختلفة والتي تخدم هدفا مشتركا، الشركة الاعتبارية (بهاء الدين، 1997، ص: 34). وتميزت بظهور تخصصات واهتمامات جديدة، نذكر منها تطور علم التعقيد، أو علم الإشكاليات المعقدة the Science of Complexity كنتيجة للتطور المذهل في قدرات الكمبيوتر، أي دراسة النظم المعقدة التي كانت ,وإلى عهد قريب، تدخل في نطاق الفوضى chaos وذلك لاستحالة دراستها سابقا.
    إن السرعة ـ سرعة التجارة والسفر والاتصالات والابتكارات ـ هي المقياس المحدد لنظام العولمة. لقد كان نظام الحرب الباردة يتمحور حول معادلة أينشتين التي تربط بين الكتلة والطاقة. أما نظام العولمة فتمحور حول قانون (مور) الذي بنص على أن قوة أداء المشغلات الدقيقة (microprocessors) ستتضاعف كل ثمانية عشرة شهرا. وبينما كانت المعاهدات تمثل وثيقة نظام الحرب الباردة، فإن الصفقة تمثل وثيقة نظام العولمة. وإذا كان قلق نظام الحرب الباردة يتمثل في الخوف من الإبادة من عدو معروف جيدا في نظام عالمي ثابت أو مستقر، فإن قلق نظام العولمة يتمثل في الخوف من التغير السريع من جانب عدو لا يمكن لمسه أو الشعور به. إنه الإحساس بأن وظيفتك أو مجتمعك أو مكان عملك يمكن أن يتغير في لحظة بفعل القوى الاقتصادية والتكنولوجية المجهولة، التي قد تكون أي شيء إلا أن تكون مستقرة.( كونتر،2000) [1].
    غير أن هذه التطورات التي واكبت العولمة لم تكن حكرا على المجالين التكنولوجي والاقتصادي، بل شملت جميع مناحي الحياة. إن من أهم المجالات التي تواجه أقوى تحدي من طرف ظاهرة العولمة المجال التربوي التعليمي. فالتعليم مدعو إلى تجاوز مجرد عملية التمدرس schooling ، وتجاوز النزعة الاختزالية التجزيئية لحقول المعرفة والتخصصات، وما ترتب عنها من اعتقاد المتعلم في استقلاليتها، وغياب فكرة تكاملها وترابطها وتمفصلها، والتخلي عن مواجهة التحدي بالزيادة الكمية في المواد. إلى كسر ثنائية التعلم والتدريب، والأخذ بالتعليم المستمر، والتعليم غير النظامي، والتعليم الذاتي، والتعليم للتميز، والتدريب الانسيابي المتعدد المهارات. أما المناهج فيجب ألا تعنى فقط بتسيير وإدارة مشاكل الحاضر والاستجابة لمتطلباته، بل مدعوة إلى إدماج برامج ومقررات مستقبلية إستشرافية تندرج في إطار التربية المستقبلية futuristic education ليعيش المتعلم مع المستقبل في ألفة ولا يفاجأ به. ومدعوة أيضا إلى إدماج البعد العالمي أو برنامج التربية الدولية global education ، وهي منظومة جديدة من المناهج تعنى بدراسة النظم الدولية والتاريخ العالمي والقضايا والمشكلات الدولية والقيم الإنسانية في اتفاقها وتباينها.



    الأهداف وطريقة التناول أو المعالجة
    إن التحدي الحقيقي التربوي للعولمة الذي يفرض نفسه بإلحاح يتعلق أساسا بإدارة خارطة القدرات العقلية وتسييرها، بمعنى ما هو البروفيل القدراتي للمتعلم الذي تتطلبه ظاهرة العولمة؟ ما هي أبعاد العقل التي ستعرف تنشيطا وتفعيلا مستقبلا؟ ما هي منظومات المهارات العقلية وقدراته التي ينبغي أن تستقطب منتهى الاهتمام، وتحظى بتنمية وتطوير؟
    اقترح بعض الباحثين ـ ومن منظور استشرافي ـ قوائم أو خرائط للقدرات والمهارات التي ينبغي أن تستقطب الاهتمام في تنميتها وتطويرها نتيجة لأهميتها الاستراتيجية في السياق العولمي وفي الألفية الثالثة. فالمهارات التي تتمتع بأهمية قصوى، والتي تحدد البقاء والتواجد الفاعل في الألفية الثالثة، تتمثل في تقدير كل من ترلنج وهود ( Hood & Trilling, 1999 ) في التفكير الناقد والعمل الحصيف، والابتكارية ، والتعاون، وفهم الثقافات الأخرى، والاتصال ، والمعلوماتية أو الحاسوبية، والاعتماد على النفس. ويرى شوفنر ( Shoffner, 2000 ) أن مهارات التعلم الموجّه ذاتياً وما ينطوي عليه من أبعاد ومهارات كالمبادرة، والاستقلالية، وحل المشكلة، والشعور بمسؤولية التعلم، والفضول، والعمل الموجّه بالأهداف، والرغبة في التعلم، والتغير، والاستمتاع التعلمي تمثل كلها مهارات جوهرية وفاعلة ومهمة للألفية الثالثة.
    يتمثل هدف الدراسة في المعالجة التحليلية لثلاثة أنواع من النشاط العقلي التي انتقيناها من خارطة القدرات العقلية المركبة[2]، وهي:
    أولا ـ الاعتقادات أو المعتقدات الابستمولوجية أو الإبستمولوجيا الذاتية أو الفردية أو الشخصية (Epistemological Beliefs; Epistemic Beliefs; Personal Epistemology).
    ثانيا ـ تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة ( Metacognition ) .
    ثالثا ـ التفكير الناقد ( Critical Thinking ).
    ولقد تبنينا المنهج النظري التحليلي النقدي في طريقة معالجتنا للموضوع. وبالتالي تناولنا كل قدرة عقلية مركبة من القدرات الثلاث السابقة الذكر من زاويتين: زاوية تعريفية وتحليلية، بمعنى عالجنا قضية التعريف بالنسبة لكل مفهوم، وتطرقنا أيضا إلى تشريحه للكشف عن مقوماته أو عوامله أو أبعاده (لجدة هذه المفاهيم ولا سيما الاعتقادات الابستمولوجية وما وراء التفكير)، مستعينين بالدراسات السابقة.
    أما الزاوية الثانية فركزنا فيها على ربط المفهوم بالعولمة من حيث مدى ضرورته في هذا السياق وأهميته، ودواعي تنميته وتطويره.
    ولما كان خطاب العولمة ومتطلباته فيما يتعلق بالقدرات العقلية انتقائيا، بمعنى أن بعض القدرات ـ فيما نعتقد ـ ازدادت أهميتها مقارنة بالقدرات الأخرى (ومن أمثلتها القدرات الثلاث التي سنعالجها في هذه الدراسة)، وبالتالي تبرز ضرورة تنشيطها وتطويرها، وهذا ما عبرنا عنه بـ: "إدارة مهارات التفكير" في عنوان الدراسة. كما عبرنا عن هذا التفاضل بين مجموعة القدرات والمهارات العقلية بـ "خارطة" القدرات ، أو "بروفيل" القدرات رسما لملامحها في سياق معين.



    المعتقدات الابستمولوجية

    تدل المعتقدات الابستمولوجية على نظرة المتعلم وتصوره ومسلماته فيما يتعلق بطبيعة المعرفة المتعلمة من جهة وطبيعة عملية تعلمها من جهة أخرى. فالطالب الذي يوافق على منطوق العبارات الآتية أو على معظمها: " المعرفة العلمية معرفة يقينية قطعية وليست معرفة اجتهادية تقريبية " ، " يوجد جواب علمي نهائي لكل مشكل "، "اعتقد أن الأفكار الواردة في الكتب المقررة التي يكتبها مختصون صحيحة"، " إني أومن بصحة ما يقوله الخبراء حتى ولو اختلف ذلك مع ما أعرفه عن الموضوع" ، فإن إجابته هذه صادرة من اعتقاده بأن المعرفة العلمية يقينية وليست احتمالية، وبأنها مطلقة وليست نسبية. وتدل الموافقة على العبارات التالية: " تعدد النظريات تزيد الأمر تعقيدا"، " كلما بدل الفرد جهدا عقليا لفهم قضية كلما اختلطت عليه الأمور واضطرب فهمه"، "الأفكار الجيدة هي الأفكار البسيطة"، " الحقيقة يجب أن تعني نفس الشيء لمختلف الأفراد"، "الأشياء أبسط مما يريدنا المتخصصون تصوره أو اعتقاده"، على اعتقاد الفرد بأن المعرفة العلمية بسيطة وواضحة في طبيعتها، وأن الأفكار المركبة والمعقدة لا علاقة لها بالمعرفة العلمية وفقا لهذا التصور.
    إذا كانت الأفكار الإبستمولوجية تعكس موقف المتعلم من طبيعة المعرفة وإجراءاتها، ومن طبيعة التعلم، فما هي أبعاد هذه المعتقدات الإبستمولوجية، أو أوجهها المختلفة؟ سنكتفي يتناول نموذجين تحليلين للإبستمولوجيا الفردية: نموذج وليام بيري William Perry لريادته، وإسهامه المبكر في رسم طريق مجال النظرية الإبستمولوجية الفردية؛ ونموذج المعتقدات الإبستمولوجية لمارلين شومر Marlen Schommer لكونه الأكثر استعمالا وتواترا في البحوث من جهة، ولكون المقياس الذي صممته ( استبيان المعتقدات الإبستمولوجية لشومر epistemological beliefs questionnaires Schommer) يعتبر المقياس الأكثر شهرة واستعمالا. ويلخص الجدول رقم ( 1 ) أبعاد المعتقدات الإبستمولوجية التي اقترحتها أهم النماذج النظرية في هذا المجال، سواء أكانت تلك التي سنتناولها أم تلك التي لم يتم ذكرها لضيق الحيز.
    لعل أعمال وليام بيري (William Perry, 1970) المبكرة التي استهلها في بداية الخمسينات كانت الشرارة الأساسية التي أوقدت الاهتمام بموضوع تمثل المعرفة العلمية representation of knowledge ، وشكلت الأرضية الأساسية لبحوث المعتقدات الإبستمولوجية اللاحقة. يتبنى بيري منظورا تطوريا لارتقاء منظورات الطلاب المعرفية لبنية المعرفة المتعلمة، ووفقا لمور (Moore, 1989, 1991, 1994) فإن المستويات التسع لتطور التصورات الإبستمولوجية للطلاب نحو بنية المعرفة المتعلمة التي اقترحها "بيري"، يمكن تجميعها في أربع مجموعات أو أبعاد وفيما يلي وصف مقتضب لها:
    ـ الثنائية Dualism: إن المعرفة وفقا لهذا المنظور تكون إما صحيحة وإما خاطئة. كما تتسم المعرفة الصحيحة بأنها مطلقة في صحتها. ويتوقع من الثقاة أو الخبراء أو المختصين معرفة الحقيقة وتلقينها للمتعلمين.
    ـ التعددية Multiplicity : وهذا المستوى هو تعد للمستوى السابق بمقتضاه يعتقد المتعلم أنه يمكن أن تتعدد الرؤى ووجهات النظر في مجال معين، وبأنه يمكن أن تكون وجهات النظر هذه ـ على تعددها ـ صائبة أو صادقة. كما توجد في هذا المستوى بذور الاعتقاد بأن المعرفة ليست يقينية تماما أي احتمالية uncertainty، وبأن الثقاة يبقون مع ذلك مصدر الحقيقة.
    ـ النسبية relativism : وتدل على تطور نظرة المتعلم للمعرفة من النظرة الثنائية القطبية إلى النسبية السياقية. أي التخلي عن "الإطلاقية" (النظرة المطلقة ( absolutismفي الحكم عن صحة المعرفة العلمية وعن الجزمية . ولعل التطور الملفت للانتباه فيما يتعلق بمرحلة النسبية يتمثل في إدراك المتعلم لذاته بأنه صانع نشط للمعنى والدلالة ومنتج لها ولا يتلقاها جاهزة من الموقف التعلمي. وفي هذا المستوى أيضا فإن المتعلم يتمثل المعرفة أو يدركها بأنها نسبية relative ، وبأنها شرطية موقفية contingent ، وبأنها سياقية (أي لا يكن تجريدها من سياقها الثقافي الاجتماعي) contextual .
    ـ الالتزام في إطار النسبية Commitment within relativism : وفيها يترسخ المنظور النسبي للمعرفة من طرف المتعلم، وترتقي النسبية إلى مستوى القيمة التي تستوجب التمسك بها والالتزام بها، أو إلى نوع من المنظور الفلسفي الذي يمد المتعلم بإطار مرجعي للحكم على المعرفة وتفسيرها.
    أما شومر ( Schommer, 1990, 1994, 2002) فبعد انتقادها للنماذج السابقة (النماذج المنتقدة الأكثر دلالة توجد في الجدول رقم 2 ) باعتبار أن هذه النماذج نظرت إلى هذه المعتقدات الإبستمولوجية على أنها وحيدة البعد، وبأنها تنمو وتتطور وفقا لمراحل وأطوار ثابتة، بينما هي في الواقع متعددة الأبعاد، وأنها لا تتطور وفقا لنسق ثابت بل متغير وغير خطي أو مطرد؛ اقترحت كبديل نموذجا تحليليا ينطوي على خمسة أبعاد أو متصلات، وكل بعد أو متصل ينطوي على أبعاد فرعية أو محاور، وفيما يلي توضيح مقتضب لهذه المنظومة من المعتقدات الإبستمولوجية:
    أولاـ بعد إيقاع التعلم أو سرعته: ويتراوح هذا المتصل من كون تحصيل المعرفة إما أن يتم بسرعة أو لا يتم على الإطلاق، إلى الطرف الآخر المناقض الذي يفيد بأن اكتساب المعرفة يتم مرحليا أو تدريجيا. وينطوي هذا المتصل على ثلاثة أبعاد فرعية: بعد التعلم السريع (ومن أمثلة الفقرات التي تقيسه: "الطلاب الناجحون يتعلمون الأشياء بسرعة" )، وبعد التعلم عند المحاولة الأولى (" تقريبا كل المعلومات التي يمكن تعلمها من الكتب المدرسية يتم اكتسابها من المحاولة الأولى عند القراءة")، وبعد "تكثيف الجهود مضيعة وقت أو غير مجد" ("إذا بذل شخص قصاراه لفهم مشكلة فسيلتبس عليه الأمر أكثر فأكثر"). وتجدر الإشارة أن الباحثة اعتمدت في تسمية هذه الأبعاد الفرعية، والأبعاد اللاحقة، طرف المتصل الدال على سذاجة تصور المعرفة، ولم تعتمد في تسميتها الطرف الآخر للمتصل الدال على عمق وثراء المنظور.
    ثانيا ـ تنظيم المعرفة: ويتراوح هذا المتصل من تصور المعرفة بأنها معرفة فسيفسائية، أو عناصر منعزلة وبأنها جزيئات واضحة، إلى تصور المعرفة بأنها تكاملية ومترابطة. وينطوي هذا البعد على بعدين فرعيين أو محورين: بعد "البحث عن الإجابة الوحيدة" ( ومن أمثلة فقراته: " جل الكلمات تحتوي على معنى واحد واضح")، وبعد "تجنب التكامل" ( "عندما أدرس أبحث عن وقائع خاصة" ).
    ثالثا ـ يقينية المعرفة: ويتراوح هذا المتصل من تصور المعرفة بأنها يقينية وقطعية ومطلقة إلى تصور المعرفة بأنها تتغير وتتطور باستمرار. وينطوي هذا البعد على بعدين فرعيين: بعد "المعرفة اليقينية" (ومن أمثلة فقراته: " في مقدور العلماء أن يتوصلوا إلى الحقيقة في نهاية المطاف" )، وبعد "تجنب الغموض" ( " لا أحب الأفلام التي ليس لها نهاية معينة " ).
    رابعاـ التحكم في عملية التعلم: ويتراوح هذا المتصل من فكرة أن القدرة على التعلم فطرية ومحددة وراثيا إلى فكرة أن القدرة على التعلم مكتسبة وتتطور بفعل الخبرة والتدريب. وينطوي هذا البعد على ثلاثة أبعاد فرعية: بعد " الافتقار إلى القدرة على تعلم التعلم، أو تعلم كيفية التعلم" ( ومن أمثلة فقراته: " الكتب ذاتية التوجيه لا تفيد كثيرا " )، وبعد "النجاح لا علاقة له بالجد والاجتهاد" ( " إن الطالب الذكي حقيقة، لا يحتاج إلى الجد والاجتهاد لكي يحقق أداء ممتازا في المدرسة " )، وبعد "القدرة على التعلم فطرية" ( " الخبير هو أي فرد يمتلك موهبة خاصة في مجال معين " ).
    خامسا ـ مصدر المعرفة: ويتراوح هذا المتصل من الاعتقاد بأن الثقاة هم مصدر المعرفة الحقيقية إلى الاعتقاد أن المعرقة تشتق من الخبرات الشخصية والممارسة والتدريب. وينطوي هذا المتصل على بعدين فرعيين: بعد "الثقاة لا ينتقدون" (ومن أمثلة فقراته: " الأفراد الذين يتحدون الثقاة أو الخبراء يعانون من تضخم في تقدير ذواتهم " )، وبعد "الاعتماد على الثقاة" ( " مدى ما يتعلم الفرد من المدرسة يتوقف على نوعية الدرس " ).

    وفي السياق العربي نجد بعض الدراسات التي استهدفت التعرف على المعتقدات العلمية لدى مدرسي العلوم. لعل أهمها دراسة فضل واليماني (1995) حول " بروفيل" الاعتقادات العلمية لمعلم العلوم بدولة البحرين. ودراسة الري (2000) حول بروفيل الاعتقادات العلمية لدى الطالبات المعلمات في تخصص العلوم الطبيعية بدولة قطر. وتم تحديد البروفيل المعرفي في الدراستين بافتراض إنه يتكون من خمسة أبعاد أو محاور ثنائية القطب. وهي كما يلي:
    (أولا) متصل النسبية ـ اليقين Relativism- Positivism :
    وفحوى خاصية النسبية أن صدق النظرية العلمية نسبي وليس مطلقا، وأن إصدار الحكم بصدق النظرية يتغير من فرد لآخر ومن ثقافة لأخرى، ولا يمكن الحكم على النظرية بأنها صادقة أو كاذبة لمجرد أنها تستند إلى واقع مستقل. بينما تدل اليقينية على الاعتقاد الجازم والقطعي بأن المعرفة العلمية صادقة، وتتفوق في درجة صدقها على أشكال المعرفة الأخرى، لأنها تتميز بالموضوعية. وأن القوانين والنظريات المتمخضة عن التجارب ما هي في الواقع إلا انعكاس أو تمثيل للواقع الخارجي الموضوعي أو مجرد وصف موضوعي له.
    (ثانيا) متصل الاستقراء ـ الاستنباط Inductivism-Deductivism :
    طريقة للتفكير وبناء المعرفة (التوصل للقوانين العلمية) تقوم على مجموعة من الملاحظات الخاصة الموثوق بها. أما الاستنباط ـ وعلى النقيض من الاستنتاج ـ فيقوم على استخلاص الجزئيات من الكليات.
    (ثالثا) متصل السياق ـ اللاسياق Decontextualism-Contextualism :
    يدل السياق على الاعتقاد بأن صدق المعرفة العلمية وعملياتها يتداخل مع السياق الثقافي المعيش من طرف الباحث، والذي يؤثر بالضرورة على نتائج العلم وعملياته. بينما يشير اللاسياق إلى الاعتقاد باستقلال المعرفة العلمية عن السياق الثقافي والبناء الاجتماعي.
    (رابعا) متصل العمليات ـ المحتوى Process-Content
    ويدل المحتوى على رصيد المعرفة المتراكم من الحقائق والمفاهيم والمبادئ والقواعد والنظريات والقوانين التي تؤلف البناء الهرمي العلمي. ويتميز هذا الرصيد بالنمو والتطور. أما بعد العمليات فيدل على العمليات العقلية التي تنشط عند الملاحظة، والقياس، والتصنيف، والتفسير، والاستنتاج، والاستدلال، والتنبؤ، ومعالجة الأرقام، والاتصال؛ وضبط المتغيرات، وفرض الفروض، واختبارها، وعملية التجريب.
    (خامسا) متصل النفعية ـ الواقعية Instrumentalism-Realism :
    وفحوى النفعية الاعتقاد بأن النظريات والقوانين والأفكار العلمية تكون جيدة إذا كانت مفيدة وصالحة للتطبيق، وتسمح بالقيام بتنبؤات صحيحة، بغض النظر عن صدقها وعما تقدمه عن الواقع المستقل. أما الواقعية فتقوم على الاعتقاد بأن النظريات العلمية تعبر عن الواقع المستقل زمانيا ومكانيا، وأن قيمة النظرية تتوقف على مدى تعبيرها عن هذا الواقع المستقل عن العلماء.


    الابستمولوجية الفردية أو المعتقدات أو المنظورات الابستمولوجية الفردية وسياق العولمة.
    تزامن مع العولمة والفتوحات العلمية المذهلة والتطور التكنولوجي الكاسح، والثورة غير المسبوقة في ميدان المعلوماتية وحقل الاتصالات، انتشار ثقافة ثالثة تدعى بالثقافة العلمية، روادها ليسوا بأدباء وليسوا بفنانين كما كان عليه الأمر في السابق، بل العلماء والمفكرون العلميون الذين يصوغون مفاهيم وأفكارا ورؤى جديدة وصورا للتعبير عن وعي البشر بأنفسهم وبفكرهم وبالكون المحيط بهم. لقد اعتاد الأدباء والروائيون والنقاد والشعراء والفنانون تسمية أنفسهم بالمثقفين، وأن الإنتاج الأدبي من نثر ومقالة وشعر وقصة ورواية ومسرح، وكذلك الإنتاج الفني من موسيقى وغناء وتمثيل ورسم وفن تشكيلي يمثل "الثقافة"، وكأن اسم "المثقف" هو وقف أو حكر على الأديب والفنان دون العلماء، ومسمى "الثقافة" حكر على الأدب والفن دون العلوم الأخرى. يذكر بروكمان ( Brockman, 1995 ) قول أحد العلماء البريطانيين الحاصل على جائزة نوبل أنه لم يكن من الإنصاف إطلاقا أن يعتبر المثقفون الأدباء أن العالم الذي لا يعرف ما يكفي من المعلومات حول الفن والموسيقى غير مثقف، بينما يرى هؤلاء المثقفون أنهم ليسوا في حاجة إلى معرفة أي شيء عن العلم، وأن كل ما يحتاج إليه المرء أن يكون على معرفة بالفن والموسيقى والأدب. ولقد أقر المجتمع حتى أواخر القرن العشرين الميلادي للأدباء والفنانين دون المفكرين والباحثين في شتى المجالات العلمية بهذه التسمية وبهذه المنزلة.
    بل ومما يثير العجب أن مفاهيم كالإبداع والحداثة وما بعد الحداثة التي تشيع في المراجع الأدبية وفي غيرها تتعلق بالأعمال الأدبية والفنية دون غيرها، وأن هذا الوضع مازال قائما على أشده في الثقافة العربية الحالية. فعندما تقرأ العنوان التالي: "آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية" تعتقد أن الكتاب الحديث الطبع (2001 م ـ 1422 هـ ) يحلل الإبداع كعملية تخترق جميع الحقول والمجالات سواء أكانت أدبية أو فنية أو تكنولوجية، أو علمية، أو اجتماعية أو نفسية وغيرها، ويحلل مرجعيتها في عصر العولمة والمعلوماتية. وإذا بالإبداع يشكل نشاط الأدباء تحت مسمى" مرجعية النص الأدبي وأفقها في عصر المعلوماتية" الذي يحتل النصف الأول من حيز الكتاب، وإذا بالإبداع يشكل مرتع الفن أيضا تحت مسمى " آفاق الإبداع والحرية في عصر العولمة" الذي يغطي النصف الثاني من حيز الكتاب. ويفهم من العنوان بأنه جرت العادة (الثقافة السائدة ) أن يطلق لفظ إبداع على أعمال الأدباء والفنانين وحدهم، وإلا لتم تحديد مجال أو نوع الإبداع بالقول "إبداع أدبي أو فني أو غيره".
    إن الثقافة الثالثة ـ وفقا لبروكمان ـ يهندسها العلماء عن طريق التواصل بين العلماء والجمهور العام، خاصة وأن المجال أصبح متاحا أمام مفكري الثقافة الثالثة للتعبير عن أعمق أفكارهم بطريقة يمكن لجمهور القراء أن يفهمها، وما كان يطلق عليه سابقا "العلم" صار في عصرنا هذا "ثقافة عامة". لقد حدث خلال السنوات الأخيرة توسع كبير في نشر الأخبار والتقارير الصحفية العلمية في الصحف والمجلات والتلفزة والشبكات العنكبوتية ووسائل ووسائط الإعلام الأخرى. ولم يعد غريبا أن تقابلك أكثر الموضوعات العلمية تخصصا مثل البيولوجيا الجزئية، الذكاء الاصطناعي، الواقع الافتراضي، نظرية الفوضى، الشبكات العصبية، الكون المتمدد، الألياف الفائقة، الجينوم البشري، تقنية النانو، النظم الخبيرة، والفضاء المعلوماتي، موجهة إلى الجمهور العادي بلغة يفهمها القارئ العادي غير المتخصص.
    ويلاحظ عامر( 2003 ) أن بث الثقافة العلمية عبر المواد الموجهة للجمهور في الأعمار المختلفة يساهم في إتاحة الأفكار العلمية للقارئ العادي، فيجد الأطفال ما يلبي احتياجاتهم في تبسيط العلوم المختلفة، وتتدرج معهم هذه المواد اتساعا وعمقا كلما تقدم بهم العمر. وهو ما ينقصنا بشدة في العالم العربي حيث لا يلقى الأطفال ما يحتاجون إليه من ثقافة علمية، وتكون النتيجة أن تقديم الأعمال المترجمة إليهم في الكبر تواجه صعوبة عدم إلمامهم بالمبادئ العلمية الأولية.
    إن وعي العلماء بأهمية التواصل مع الجمهور العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك النشر الواسع لكتب الثقافة العلمية، وإقبال دور النشر ووسائل الإعلام عليهم، بعد عزوفها عنهم وإقبالها على الأدباء والفنانين في السابق، زودهم بقوة كبيرة على رسم ملامح الثقافة الثالثة (الثقافة العلمية) وهندستها وصياغتها. ولقد غيرت هذه الثقافة الثالثة المتزامنة مع العولمة، من تصورات الناس وإدراكاتهم ومفاهيمهم بل ومنظوراتهم لكثير من الأشياء.
    ومع ذلك رغم هذه الثقافة الثالثة الناشئة في سياق العولمة والتي ما تفتأ تتوسع وتتطور وتنتشر، نأنس وجود جمود في تطور الأفكار العلمية وبخاصة الأفكار الابستمولوجية أو تصور طبيعة المعرفة العلمية وطبيعة تحصيلها لدى الناشئة والشباب والراشدين والطلاب والطالبات في مجتمعاتنا. فدراسة فضل واليماني (1995) التي استهدفت دراسة بروفيل الاعتقادات العلمية لمعلمي العلوم أظهرت أن ملامح هذا البروفيل للمعتقدات الإبستمولوجية تتلخص في : "اليقينية" و "الاستنباطية" و "اللاسياقية" و"العمليات" و "النفعية". ويلاحظ الباحثان وجود تعارض بين منظور المعلم البحريني (ويمكن أن يصدق ذلك على المعلمين في كافة الدول العربية) والرؤية المعاصرة للعلم، وبخاصة فيما يتعلق باليقينية والاستنباطية واللاسياقية. بل حتى هذه المواقف الابستمولوجية غير متبلورة لديهم، ذلك أن نسبة درجات هذه الجوانب للبروفيل لا تتعدى قيمتها (16%) من متوسط الدرجة العظمى للمقياس، مما يدل على أن موقف معلم العلوم محايد تقريبا أو موقف اللاموقف.
    وتعزز نتائج دراسة المري ( 2000) جل نتائج الدراسة السابقة رغم إجرائها على طالبات العلوم بكلية التربية بجامعة قطر. إذ تفيد النتائج وجود بروفيل عام للاعتقادات تحدده الأبعاد التالية: "اليقينية" و "الاستقرائية" و "اللاسياقية" و"العمليات" و "النفعية". والنتيجة الأخرى الهامة والتي تعزز نتائج الدراسة السابقة أن الموقف الإبستمولوجي العام لأفراد العينة من طبيعة العلم وما يتصل به من أمور جدلية ضعيف . فعلى الرغم من وجود هذا البروفيل إلا أنه موجود بصورة ضعيفة وبمتوسط منخفض جدا يكاد يقترب من اللاموقف.
    نستنتج من الدراسات العربية القليلة ذات العلاقة، كما نستنتج من الواقع المعيش أن المعتقدات الإبستمولوجية للطلاب وغيرهم في مجتمعاتنا تتسم عموما بالسذاجة، وبأنها لا تواكب ما تعرضنا له من الثقافة الثالثة أو الثقافة العلمية التي أخذت في الانتشار الواسع في سياق العولمة.
    في اعتقادنا، مازلت كثير من المسلمات الهشة تبطن منظور الطالب، مما يبعده كثيرا عن المنظور الحديث للعلم والمعرفة، ولعل أهمها:
    اليقينية أو التسليم التلقائي بصحة المعرفة، فثمة نزوع تلقائي لدى الطالب للاعتقاد أن كل ما يرد في الكتاب المقرر صحيح ولا يتطرق إليه الشك.
    سكونية المعرفة أو الاعتقاد في ثباتها كالاعتقاد بان الأفكار الصحيحة تحتفظ على صحتها الأصلية بحيث لا تتغير مستوى صحتها بمرور الوقت.
    اللاسياقية أو الإطلاقية أوغياب النسبية. الاعتقاد في صحة المعرفة بغض النظر عن سياقها وظروف انبثاقها.
    الثنائية أو القطبية أو الطرفية في التصور. فالمعرفة إما صحيحة وإما خاطئة، أو الفكرة إما أن تكون صحيحة أو خاطئة.
    التجزيئية أو فسيفسائية التصور، أي تصور المعرفة بأنها شتات من العناصر، وبان كلا منها ينطوي على معنى ودلالة بمعزل عن الناصر الأخرى، وبدون مراعاة العلاقات أو الروابط فيما بينها. الطالب قد يدرك طبيعة المواضع الفرعية لكن ليس له تصور عن ارتباطاتها وعلاقاتها بموضوعها الأساسي.
    غير أن هذا الاضطراب في المنظورات الإبستمولوجية يتعدى المتعلمين من الطلاب والمدرسين إلى المثقفين بل والمفكرين في العالم العربي. وتتخذ بعض هذه الأعراض التي تتخلل منطلقاتهم الإبستمولوجية التجليات التفكيرية التالية:
    أ ـ وهم امتلاك ناصية الحقيقية ونفيها عن الآخر: إذا كان من المستحيل الإمساك بالحقيقة أو الوقوف على كنهها، أو الادعاء الوصول إليها في القضايا الاجتماعية والنفسية والتربوية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وإنما الأعمال الفكرية تتفاضل في ملاءمة طرحها، ودقة تحليلها، وتماسك منطقها، وعمق تناولها، وافتراضاتها واجتهاداتها، وليس في ادعائها الإمساك بالحقيقة، وتعرية الآخر منها. والراصد للخطاب الفكري العربي يجد أن لغة الحوار ولغة التواصل الفكري بين الاتجاهات الفكرية المختلفة هي تلك اللغة النافية للآخر، المتعالية في ذاتها، المدعية أنها هي الصحيحة الصحة المطلقة، وغيرها يعكس الخطأ المطلق.
    ب ـ الثنائية الحدية لخطاب المفكر العربي: فبالنسبة لموضوع الحداثة فإما أن تقبلها كما هي، فإذا لم تقبلها فأنت ترفضها، وما دمث ترفضها فأنت ضدها. وكذا بالنسبة للمواضيع الأخرى الحساسة كالهوية والعولمة وغيرها، وكأن الأطر الفكرية لا تتطور وفقا لمتصلات نسبية من المواقف والاتجاهات والأفكار والآراء، وإنما وفقا لقطبية صارمة ومعايير حدية أو طرفية من الثنائيات المتناقضة من الأفكار والمواقف والآراء.
    ج ـ انغلاق النسق المعرفي، أو "أدلجة" المعرفة: غالبا ما يتحول الجهد الفكري أو العمل المعرفي المحض إلى عمل سياسي وإيديولوجي، وغالبا ما يتحول الخطاب الفكري العربي إلى عمليات متواصلة من الحجاج الإيديولوجي، والجدال السياسي ، وليس الحوار الفكري، أو الانفتاح المعرفي، أو المراجعة الفكرية أو المثاقفة. ومن طبيعة النسق المعرفي المطلق الذي تطرقنا إليه سابقا، أن يكون غير قادر على إثارة قضايا جديدة، أو تقديم منظورات متجددة لإشكاليات قائمة. لقد أدت الطبيعة التحاربية للمثقفين العرب إلى تزايد الرغبة في الاندفاع نحو إثبات صحة المقولات المعتقد أنها صحيحة بغض النظر عن مصداقيتها الواقعية، ومدى تجاوبها مع حقائق الواقع النفسي والاجتماعي والتربوي العربي. فكل فصيل فكري يتعامل مع الواقع بمبضع الجراح يبتر منه ما ليس متسقا مع إطاره الفكري، ويضخم ما يرى فيه تصديقا لمقولات نظرية يؤمن بها. (عارف، 2001، ص:80).
    د ـ التعامل مع المعرفة وفقا "لأجندة" الآخر الثقافي: لا يخامرنا شك في أن المعرفة الأكاديمية التي نتعامل بها، ونتفاعل معها، سواء أكانت في علم النفس أو التربية أو الاجتماع أوفي أي حقل معرفي آخر هي من صنع وإنتاج غربي، ولا ضير في ذلك في ذاته. حقا يوجد رصيد متنوع من الدراسات النفسية والتربوية والاجتماعية العربية، غير أنها في الحقيقة عربية على مستوى التنفيذ ( المجتمع، والعينة، ولغة البحث، وبعض أدوات جمع البيانات التي يصممها الباحث) لا على مستوى التنظير والتأطير المعرفي. وهنا نطرح السؤال الهام التالي: هل تعود الباحثون العرب من تربويين ونفسانيين واجنماعيين انتقاء مواضيع بحوثهم تبعا لأهميتها المجتمعية والثقافية والحضارية، وتبعا لضرورتها الداخلية وما ينبغي أن تثيره من انشغال ذهني معرفي بها، أم أن الشعور بأهمية هذه المواضيع وبالتالي انتقاؤها ودراستها أملتها أجندة بحثية نستشفها من خلال المواضيع المتواترة في البحوث الغربية. إن التعامل مع المعرفة وتقدير مستويات أهميتها ودلالتها، والإقبال على مواضيع بحثية دون أخرى، وتحديد القضايا ذات الأولوية التي ينبغي التركيز عليها، إنما يتم وفقا لخارطة بحثية رسم ملامحها وحدودها وخصائصها وتضاريسها باحثون أجانب عن طريق جهودهم التنظيرية المتواصلة، وبحوثهم المتنوعة التي شكلت وتشكل المرجعية البحثية والتنظيرية والمعرفية للباحثين والمفكرين العرب.
    تنبثق أهمية الاعتقادات الإبستمولوجلة في سياق العولمة من كونها تمثل البنية المعرفية العميقة لتفكير الفرد. أي منظومة المعتقدات نحو طبيعة المعرفة وطبيعة التعلم التي تشكل نواة الرؤى، والاتجاهات والتصرفات وتوجهها. فهي تمارس في الغالب دورا قياديا وإشرافيا وتوجيهيا على عمليات التفكير الأخرى وأساليبه ومهاراته وإستراتيجياته. بل إن الاعتقادات الإبستمولوجية أو الإبستمولوجيا الشخصية أو الفردية تشرف أيضا على توجيه عمليات ومهارات ما وراء التفكير أو تفكير التفكير Metacognitive processes and skills (والتي سنتناولها بعد قليل)، علما بأن ما وراء التفكير أو تفكير التفكير يعتبر في حد ذاته من الاستراتيجيات العقلية التي تمارس وظيفة الإشراف على العمليات العقلية المعرفية، وتوجهها، وتراقبها وتقيمها.
    ويتسق هذا الطرح مع تنظير كيتشنير (Kitchener, 1983) التي تصنف المنظومة العقلية في سياق نظرية التعلم وحل المشكلات إلى ثلاثة مستويات متمايزة: المستوى القاعدي أو الأول وهو المستوى المعرفي (the cognitive) ويتمثل في العمليات العقلية المعرفية التي تشكل أساس تراكم المعرفة التقريرية كالقراءة والتذكر والحساب. ويتعلق المستوى الثاني الذي يسمى بمستوى تفكير التفكير (the metacognitive) بمعرفة الإجراءات أو "معرفة كيف؟" (knowing how)، وبتعبير آخر يتعلق هذا المستوى من التفكير بما يسمى اصطلاحا بعمليات المعرفة الإجرائية، مثل الفحص، والتدقيق، والتحليل، والتنبؤ، والمراجعة. وإذا كان المستوى الأول السابق يعنى بالتقدم المعرفي، فإن هذا المستوى يعنى بتتبع هذا التطور ورصده. أما المستوى الثالث الذي تسميه الباحثة بالعمليات المعرفية الإبستمولوجية (Epistemological Cognition ) فيتعلق بالأحكام القيمية الفلسفية، وبحدود المعرفة المتعلمة وجوانبها الأخلاقية والقيمية.
    كما يتفق هذا الطرح أيضا مع أطروحات كوهن (Kuhn, 1999) في سياق معالجتها لطبيعة التفكير الناقد. فهي تميز أولا بين مهارات "معرفة المعرفة" أو مهارات المعرفة حول المعرفة أو العمليات المعرفية skills "metaknowing" لكونها مهارات من المستوى الأعلى، وتتعلق بالوعي بالنشاط المعرفي الذاتي وبالنشاط المعرفي للآخرين. وبين المهارات العقلية المعرفية من المستوى القاعدي التي تعنى بمعرفة العالم الخارجي. وما يهمنا في طرح كوهن تصنيفها لمهارات معرفة المعرفة إلى ثلاثة أشكال أو مستويات: ( أ ) تفكير التفكير metacognitive knowing ويتعلق بالوعي بالمعرفة التقريرية؛ ( ب ) التفكير فيما وراء الاستراتيجيات metastrategic knowing أو إدارة استراتيجيات التفكير التي تعنى بانتقاء ومراقبة وتتبع ورصد إستراتيجيات توظيف واستعمال المعرفة الإجرائية لتحقيق الأهداف؛ وأخيرا ( ج ) الوعي أو المعرفة الإبستمولوجية epistemological knowing ويتعلق بإدراك الفرد ووعيه بطبيعة المعرفة وبعمليات تحصيل المعرفة. وتعتبر المنظرة أن المعرفة الإبستمولوجية أكثر أهمية وتأثيرا من المستويين السالفين للمهارات العقلية. وهذان المستويان يخضعان جزئيا لتأثير وتوجيه


    الجدول رقم (1) أبعاد المعتقدات الإبستمولوجية عبر عينة من الدراسات الأساسية في المجال*

    الباحثون

    متصلات أبعاد طبيعة المعرفة

    أبعاد طبيعة التعلم أو طبعة تحصيل المعرفةnature of knowing
    يقينية المعرفة certainty of knowledge
    مصدر المعرفة source of knowledge
    تبرير المعرفة justification of knowledge
    بساطة المعرفة simplicity of knowledge
    بيري Perry 199
    مطلقة Û النسبية السياقية
    الثقاة أو الخبراء Û الذات
    بيلينكي وآخرون Belenky et al. 1986
    من التلقي Û إلى بناء المعرفة أو إنتاجها، أو الذات كصانعة للمعنى والدلالة
    كوهن Kuhn, 1991
    الإجابات المطلقة، المعرفة قطبية: إما صحيحة وإما خاطئة Û تقدير المعرفة على أساس أهميتها النسبية
    الخبراء والثقاة كمصدر موثوق به للمعرفة Û التقييم الناقد للمعرفة الصادرة عن الثقاة
    قبول المعرفة كوقائع أو إذا كانت خبرة فنية Û تمحيص الوقائع والخبرة الفنية وتقويمها قبل تبنيها
    باكستر & ماجولدا Baxter & Magolda, 1992, 2002
    الصحة المطلقة Û الصحة السياقية أو النسبية، أي صحة المعرفة يمليها سياق انبثاقها.
    الاعتماد عل الثقاة كمصدر للمعرفة Û المعرفة تصدر عن النشاط الذاتي
    استقبال المعرفة كحقائق Û الحكم على المعرفة ينبغي أن يتم في سياق معين
    ـ دور المتعلم
    ـ دور الأقران
    ـ دور المدرس
    ـ تقويم التعلم
    كينج & كيتشنر King & Kichener, 1994
    أكيدة، قطعية إما صحيحة أو خاطئة Û احتمالية ـ وسياقية
    الاعتماد على الثقاة كمصدر للمعرفة Û المتعلم كمنتج للمعرفة
    المعرفة لا تحتاج إلى تبرير Û المعرفة تبنى أو تنشأ ولا تستقبل جاهزة، وتخضع للتقويم والنقد المستمر
    المعرفة بسيطة Û المعرفة معقدة
    شومر Schommer, 1990, 1994, 2002
    المعرفة يقينية قطعية Û تقريبية ، اجتهادية ومتطورة
    تأتي عن الخبراء والثقاة والمتخصصين Û مصدرها النشاط الفكري لكل متعلم
    المعرفة فسيفسائية، عناصر مستقلة ومنفردة، أجزاء واضحة Û المعرفة متكاملة ومترابطة
    التعلم إما أن يتم سريعا أو لا يتم Û التعلم عملية متدرجة
    ـــ
    القدرة على التعلم فطرية Û القدرة على التعلم مكتسبة تتطور بالممارسة والتدريب والخبرة
    * لم نذكر الدراسات العربية التي تطرقنا إلى بعضها في المتن لأنها ركزت على المعتقدات العلمية للمدرسين أو المدرسين الطلاب في مجال معين ولم تدرس هذه المعتقدات كمنظورات عامة بغض النظر عن المجال المعرفي. كما ركزت على آراء العينة فيما يتعلق بالتفكير العلمي وإجراءاته ولم تركز أساسا على طبيعة المعرفة والتعلم.



    المهارات المعرفية الإبستمولوجية.



    ما وراء المعرفة أو تفكير التفكير Metacognition

    نعتقد أن استراتيجيات القراءة تعتبر مثالا جيدا لتبيان ماهية مفهوم "ما وراء المعرفة"، أو مفهوم "تفكير التفكير". إن إستراتيجيات القراءة لا تنطوي على ممارسة عمل ذهني بشكل مباشر، أي لا تدل فقط على مجرد الانتباه، أو مجرد الإدراك، أو مجرد التذكر أو التعرف على الكلمات والجمل ونطقها وفهمها. كما لا تدل على مجرد حصول اكتساب معلومات من خلال القراءة، وإنما تدل على نشاط ذهني من درجة أعلى يجعل القارئ يعي عملية الانتباه، وعملية الإدراك، وعملية الاستيعاب، وعملية التذكر، وعملية التفكير، وعملية التعلم.
    فعملية التخطيط كاستحضار الهدف من القراءة أو تحديده توجه مسار القراءة (وأنا أقرأ، أبحث عن المعلومات التي تخدم أهدافي من القراءة )[3] ويرسم الإطار المرجعي المعياري لمدى ملاءمة المادة المقروءة (أحدد أهدافا للقراءة، وأتأكد خلال القراءة أن ما أقرأ يناسب الأهداف التي وضعتها للقراءة ) ويعمل على ضبط أسلوب القراءة ( أنوّع من طريقة القراءة أو المطالعة حسب الأهداف التي أحددها للقراءة )، وهذه العمليات غير المباشرة تخدم عملية الفهم والاستيعاب القرائي. وأيضا الوعي بعملية المعرفة (أثناء القراءة، أحاول أن أميز بين المعلومات التي أعرفها سلفا، والمعلومات الجديدة)، وتقييم عملية الفهم والحكم عليها (أثناء قراءتي للنص، أقيم النص بمحاولة معرفة هل أضاف شيئا جديدا إلى معلوماتي عن الموضوع)، والرصد الذاتي للفهم أو التتبع (أثناء القراءة، أحاول أن ألقي أسئلة على نفسي حول النص لفهمه افضل) ، (وأنا أقرأ، أحاول أن أتأكد من صحة توقعي المسبق بمعلومات أو أفكار النص)، وإعادة التنظيم الذاتي لعملية القراءة (عندما أعي بأنني لم أفهم النص رغم قراءتي له، ألجأ إلى تغيير استراتيجية قراءتي له كأن أخفف من سرعة القراءة، أو أقرأه عدة مرات، أو أعود إلى قراءته بعد فاصل زمني، وغيره)، وإعادة البناء أو التشكيل لتعزيز عملية الفهم (أحول أن ألخص المادة أو أعيد تحرير أفكارها بأسلوبي الشخصي لأتذكرها)، وإعادة تنظيم البنية المعرفية التي تشكل الخلفية للفهم والاستيعاب (أحاول أن أستفيد من معلوماتي السابقة عن موضوع النص وأحاول توظيفها لكي تمكنني من فهم ما أقرأه) ، (بعد قراءتي للنص، أحاول أن أتوقع سلفا كيف سأوظف المعرفة التي اكتسبنها من قراءة النص)، والمعرفة حول المعرفة (عند القراءة أحاول أن أحدد دلالة الكلمات الجوهرية التي يتوقف عليها فهم النص) ، ( أثناء القراءة، ألاحظ مدى سهولة أو صعوبة قراءة النص) ، ( أثناء القراءة، أقفز إلى الأمام وإلى الخلف عبر النص للعثور على المعلومات الهامة)، واستعمال إستراتيجيات تقوية التذكر والاسترجاع أو تذكر التذكر( أثناء القراءة، أحاول أن أدون الأفكار الهامة لأتمكن من تذكرها) ، ( عند القراءة أحاول أن أعلم الكلمات أو الجمل بوضع خط تحتها أو تلوينها بلون معين لأن ذلك يساعدني على التذكر والفهم. )، وتوظيف المنطق لبناء المعنى وتكوين الدلالة عبر الربط المنطقي (أحاول أن أربط الأفكار الهامة في النص بعضها ببعض لأتمكن من فهم النص ككل)، وعبر إكمال الدلالات (عندما أقرأ، أحاول أن أتوقع المعلومات أو الأفكار التي تتطرق لها الأجزاء الباقية من النص)، وتوقع الدلالات(وأنا أقرأ، أحاول أن أتأكد من صحة توقعي المسبق بمعلومات أو أفكار النص).
    كل هذه الإستراتيجيات المتعلقة بإدراك الفرد ومعلوماته وتصوره عن عملية الفهم والإدراك (فهم الفهم أو إدراك الإدراك )، وبمعرفته النسبية لما يعرفه وما لا يعرفه (معرفة المعرفة)، ومدى وعي المتعلم بعمل ذاكرته، ومعرفته النسبية بمواطن قوتها وضعفها وحدودها (ذاكرة الذاكرة) ، ومعرفته النسبية بكيفيات عمليات التعلم، وبعض استراتيجياته وجدوها، وتوقع كفاياته وفاعلياته وحدودها (تعلم التعلم)، والتنظيم الذاتي لأنشطة التعلم self-regulated learning، والرصد الذاتي self-monitoring، والتساؤل الذاتي self-questionning، والتفييم الذاتي للنشاط المعرفي وتقويمه self-appraisal (إدارة الذات للنشاط المعرفي، أو التسيير الذاتي للنشاط المعرفي self-management of cognition and learning )؛ كل هذه الاستراتيجيات تعتبر أمثلة جيدة للنشاط الذهني المركب الذي اصطلح على تسميته بتفكير التفكير، أو ما وراء المعرفة Metacognition تمييزا لها عن النشاط العقلي المعرفي المباشر cognitions .
    لعل هذا التحليل من واقع الاستراتيجيات المعتمدة في القراءة قد قدم أمثلة توضيحية تعين على فهم تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة. لكن كيف ترتسم صورة هذا المفهوم عبر التعريفات المتداولة في المجال. لنستقصي إذن عينة من هذه التعريفات، ونحاول أن نستخرج المقومات أو المكونات المميزة لهذا النشاط العقلي عن غيره من الأنشطة العقلية المركبة الأخرى، قبل أن نتطرق إلى علاقته أو دلالته بالنسبة للعولمة.
    إن "ما وراء المعرفة"، وفقا للباحث والمنظر فلافيل ( Flavell, 1976 ) ، تمثل معرفة الفرد لعملياته الذهنية المعرفية الذاتية، وما يرتبط بذلك من إنتاج معرفي. أما بالنسبة لبراون وزملائه ( Brown et.al;1986 ) فيدل هذا المفهوم على وعي المتعلم بعملية التفكير الممارسة خلال إنجاز المهمة التعليمية، كما يدل أيضا على قدرة المتعلم على التحكم والسيطرة على نشاطه التعلمي، ووعيه بالأداء عن طريق التقويم المستمر له. ويذهب بجز ومور ( Biggs & moore,1993,p.72 ) إلى القول بأن هذا المصطلح يعكس وعي الفرد بعملياته المعرفية الخاصة به بدلا من محتوى هذه العمليات، ويوظف هذا الوعي الذاتي في السيطرة على العمليات المعرفية وتطويرها وتحسينها. وفي نظر بروير Bruer (2000 ، ص: 89 ، ترجمة محمد الأنصاري) أن ما بعد المعرفة هو أن تفكر حول التفكير، وأن تكون على وعي بما تفعله عندما تحل مشكلة ما، وأن تستطيع السيطرة على ما تقوم به من عمليات عقلية. ويرى أورمرود ( Ormrod, 2000, p.322 ) أن مفهوم ما وراء المعرفة يشير إلى وعي الطلاب وتفكيرهم في عملياتهم المعرفية الخاصة بهم، ومحاولتهم تنظيم هذه العمليات، ومعرفة مهام التعلم التي يمكن أن ينجزها الطالب بواقعية خلال فترة محددة من الوقت، واستراتيجيات التعلم الفعالة التي يمكن أن يستخدمها لمعالجة أو تعلم المادة الجديدة، واسترجاع المعلومات المخزنة سابقا. كما يرى كل من فيكر وبراون (; p.353Vaker & brown ) بأن تفكير التفكير في سياق القراءة يتمثل في المعرفة بالنشاطات والعمليات الذهنية، وأساليب التعلم، والتحكم الذاتي التي يستخدمها الطلاب قبل وأثناء وبعد القراءة لكشف المعاني المتضمنة في المادة المقروءة.
    إن "ما وراء المعرفة" ضرب من الخطاب مع الذات المفكرة أو الحديث مع الذات. ولذلك يرى رزنك ( Resnick, 1987 ) أن تفكير التفكير يستهدف متابعة ومراجعة ورصد نشاطات حل المشكلة. وتؤكد فيديا هذا الخطاب الذاتي بقولها أن "ما وراء المعرفة" يمثل في جوهره لغة داخلية inner language ، وذلك لكون الفرد يتأمل أو يتدبر أو يفكر في تفكيره أو نشاطه المعرفي الخاص به. ويتسم تعريف جروان ( 1999, ص: 427 ) بنوع من الشمول إذ يشير إلى أن التفكير فوق المعرفي مفهوم يدل على عمليات التفكير العليا التي تتحكم في توجيه وإدارة نشاطات حل المشكلة واتخاذ القرار، وتبقي على وعي الفرد لذاته ولغيره أثناء القيام بالمهمات التي تتطلب معالجة للمعلومات. وهو نوع من الحديث مع الذات والتفكير حول التفكير عن طريق التخطيط للأداء ومراقبة تنفيذ الخطة والتقييم.
    وعلى الرغم من الاختلاف الظاهري بين التعريفات، إلا أن ثمة قواسم مشتركة بينها لا تخفى على فطنة القارئ. وتتمثل هذه القواسم المشتركة في أن مفهوم "ما وراء المعرفة" لا يتجلى في المعرفة المباشرة التي يتعاطاها الفرد لإنجاز عمله أوحل مشكلته أو اتخاذ قراره، أي لا يتجلى في النشاط المعرفي المباشر الذي يمارسه الفرد لتحقيق هدفه؛ وإنما يتجلى في كل نشاط عقلي من شأنه توجيه أو متابعة أو رصد أو تقييم أو تنظيم أو مراجعة أو إدارة هذا النشاط العقلي المباشر سواء أكان تذكرا، أو استرجاعا، أو تعرفا، أو انتباها، أو إدراكا، أو تخيلا، أو مقارنة، أو تصنيفا، أو تحليلا، أو استنتاجا، أو استقراء، أو اكتسابا لمعلومات، أو تعلما. ولذلك سمي هذا المفهوم أيضا بتفكير التفكير.
    ونستنتج كذلك عند قراءة هذه التعاريف بأن المفهوم يشمل أيضا معرفة المعرفة (مدى إدراك الفرد لما يعرفه بالنسبة لموضوع معين وما لا يعرفه والتي تتفاوت دقة بين الأفراد، ومدى إدراكه لأهميته هذه المعرفة وفعاليتها ودقتها). وبعض التعاريف تمتد بهد المعرفة لتشمل مدى قدرة الفرد على إدراك حالاته الوجدانية أو استبصاره بمشاعره ومشاعر الآخرين الذين يتفاعل معهم.
    ويشمل أيضا عملية التخطيط، والرصد (التتبع أو المراقبة الذاتية)، والتنظيم، والحكم والمراجعة والتقييم أو التقويم.
    ولما كان مفهوم تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة مفهوما غير متجانس، أي لا ينطوي على بعد أو عامل واحد بل على عدة أبعاد أو عوامل، فمن الضروري ـ استكمالا للمعالجة ـ التساؤل عن الأبعاد الجوهرية التي تشكل قوام مفهوم ما وراء المعرفة. ولقد آثرت أن أرصد ـ وبشكل مكثف ـ هذه الأبعاد في جدول مستقل (الجدول رقم 2) اعتمادا على دراسات الباحثين الأكثر نشاطا في هذا المجال.
    ونستنتج مما تم استعراضه من نماذج في هذا الجدول أن أبعاد مفهوم ما وراء المعرفة أو تفكير التفكير تنتظم في مجموعتين من العمليات أو الأنشطة الذهنية. المجموعة الأولى وتسمى بمعرفة المعرفة أو وعي الفرد بنشاطه المعرفي ( ويشار لها في المصطلح الأنجليزي إما بـ: metacognitive knowledge أو بـ: Knowledge of cognition أو بـ: cognitive self-appraisal ). ويتسم هذا الوعي أو المعرفة حول النشاط المعرفي بنوع من الاستقرار أو الثبات النسبي عبر المهمات والمواقف. كما يتسم بالسكونية أو الاستاتيكية مقارنة بدينامية المجموعة الثانية التي سنذكرها لأنها تتعلق بما يعتقد الفرد أنه يعرفه أو يعيه فيما يتعلق بنشاطه المعرفي في المواقف التعلمية الافتراضية. وفي هذا السياق المعرفي لما وراء المعرفة يميز في الغالب بين ثلاثة أنماط من المعرفة:
    أ ـ المعرفة التصريحية Declarative knowledge: المعرفة التي تتعلق بمهارات الشخص (وعي الشخص بمهاراته وحدودها)، والاستراتيجيات ، وإمكانياته الذاتية العقلية والوجدانية وقدراته كمتعلم. ففيما يتعلق باستراتيجيات المذاكرة مثلا، فوعي الفرد بوجود مذاكرة موزعة (تتم على فترات متفاوتة أو المذاكرة المستمرة) ومذاكرة مجمعة (التي تتم بعد تراكم المحاضرات). ومعرفته أيضا أن المذاكرة الموزعة المستمرة أكثر فعالية في التعلم من المذاكرة المجمعة. هذه العناصر المعرفية التي تتعلق بالأنشطة العقلية التي تتطلبها أنواع المذاكرة تشكل المعرفة التصريحية . وهي المعرفة التي تجيب في الغالب عن سؤال "ماذا".
    ب ـ المعرفة الإجرائية operational knowledge : وتتعلق بكيفية توظيف استراتيجيات التعلم مثلا(أي تجيب عن سؤال "كيف" ). وهي المعرفة التي تتعلق بماهية الطرق والإجراءات. فمعرفة كيفيات أداء كل من المذاكرة الموزعة والمذاكرة المجمعة، أو كيفية استعمال طريقة التلخيص وغيرها تمثل المعرفة الإجرائية.
    ج ـ المعرفة الشرطية Conditional knowledge . المعرفة التي تتعلق ب "متى ينبغي استعمال استراتيجية معينة" (سواء أتعلق الأمر باستراتيجيات التعلم أو اتخاذ القرار أو حل المشكلات وغيرها)، أو تتعلق بأسباب أو دواعي استعمالها ( لماذا تستعمل؟). كمعرفة الطالب متى يستحسن استعمال استراتيجية التلخيص، أو لماذا يفضل استعمال هذه الاستراتيجية في مواقف تعلمية معينة.
    أما المجموعة الثانية فيطلق عليها إما بتنظيم المعرفة أو تنظيم النشاط المعرفي Regulation of cognition ، أو الضبط الذاتي المعرفي أو السيطرة الذاتية المعرفية self-control of cognition ، أو التنظيم الذاتي المعرفي self-regulation of cognition ، أو الإدارة الذاتية للمعرفة أو الأنشطة المعرفية cognitive self-management . ولعل الجوانب التي يتكرر ذكرها في هذا المجموعة تتلخص في العمليات أو المهارات التالية:



    جدول رقم ( ) أبعاد تفكير التفكير، أو ما وراء المعرفة كما وردت في أهم الدراسات.
    الأبعاد المقترحة لتفكير التفكير


    ـ معرفة الفرد بخصائص المعرفةmetacognitive knowledge
    . الفرد: معرفة الفرد بخصائصه الذاتية، وحالاته الوجدانية، وإمكانياته العقلية.
    . المهمة: الوعي بأن أنماط مختلفة من المهام تتطلب أنماطا مختلفة من المعالجة يؤثر على كيفية التعاطي الذهني أو المعرفي معها.
    . الاستراتيجيات: ويميز بين الاستراتيجيات المعرفية، أي الإجراء المباشر الذي يعمد إليه الفرد لتحقيق الهدف أو غرض معين ، مثل استعمال استراتيجية التلخيص أو التساؤل. أما الاستراتيجيات فوق المعرفية فتقوم على عملية التوجيه الذاتي أو التنظيم الذاتي أو التقويم الذاتي للإجراءات المعرفية أو الاستراتيجيات المعرفية السابقة كأن يتساءل الفرد هل إلقاؤه للأسئلة كان دقيقا، هل كانت الأسئلة مناسبة، هل تعلقت بجوانب هامة من الموضوع.
    ـ التجارب أو "المعيش" ذات العلاقة بما وراء المعرفة metacognitive experiences

    ( Flavell, 1979 )

    ـ الوعي بالمعرفة أو النشاط المعرفيKnowledge of cognition
    . المعرفة التصريحيةDeclarative knowledge: مثل معرفة الطالب باستراتيجية القراءة الشائعة الاستعمال مثلا.
    . المعرفة الإجرائية: operational knowledge ومن أمثلتها معرفة القارئ بكيفية استخدام إستراتيجية القراءة وتنويع استخدام حسب طبيعة النص وموقف القراءة (كيفية توظيف استراتيجية التلخيص، وإستراتيجية التساؤل وغيرها).
    . المعرفة الشرطيةConditional knowledge: معرفة متى ولماذا تستخدم إستراتيجية معينة (مثلا متى يستحسن استخدام استراتيجية التساؤل ولأي سبب).
    ـ تنظيم المعرفة أو النشاط المعرفيRegulation of cognition وتشمل:
    . التخطيطplanning
    . الرصد أو التتبع أو المراقبةmonitoring
    . التقييم أو التقويم evaluation

    Brown, 1978

    ـ التقييم الذاتي المعرفيcognitive self-appraisal
    التقديرات والأحكام التي يمارسها الفرد إزاء إمكانياته وقدراته المعرفية، وإزاء عوامل المهمة أو النشاط التي تؤثر في النشاط المعرفي، وحول الاستراتيجيات المعرفية التي قد تعزز أو تعرقل الأداء.
    إن التقييم الذاتي يجيب عن الأسئلة من طراز "ماذا أعرف" (المعرفة التصريحية)،"كيف تفكر" (المعرفة الإجرائية)، وأخيرا "متى ولماذا توظف أو تطبق المعرفة والاستراتيجيات" (المعرفة الشرطية).

    ـ الإدارة الذاتية للنشاط المعرفيcognitive self-management
    . التخطيط: تحديد الأهداف وتعبئة الموارد قبل أداء المهمة
    . التنظيم: رصد سير العمل ومراقبته وتصحيح الأداء وتصويبه خلال الأداء.
    . التقويم: تقييم الأداء ومراجعته بعد إنجاز المهمة

    Paris & Winograd 1990 Jacobs & Paris, 1987

    ـ المعرفة والسيطرة أو التحكم الذاتيknowledge and control of self
    . الالتزام
    . المواقف
    . الانتباه
    ـ المعرفة وضبط العمليات: وتنطوي على جانبين: أهمية المعرفة المتعلقة بما وراء المعرفة، والتحكم في التنفيذ أو التطبيق.
    - أهمية المعرفة
    . المعرفة التصريحية
    . المعرفة الإجرائية
    . المعرفة الشرطية.
    - السيطرة التنفيذية:
    . التخطيط
    . التنظيم
    . المراقبة
    . التقويم

    Marzano et. al. 1988

    ـ المعرفة حول المعرفةKnowledge of cognition
    . المعرفة التصريحية
    . المعرفة الإجرائية
    . المعرفة الشرطية
    ـ تنظيم المعرفة أو النشاط المعرفيregulation of cognition
    . التخطيط
    . إدارة المعلومات information management
    . التعامل مع جوانب الغموض debugging strategies
    . الرصد الذاتي أو المراقبة الذاتية self-monitoring
    . التقويم

    Schraw & Dannison, 1994
    أ ـ التخطيطplanning : ومن أمثلة الأنشطة المتعلقة بالتخطيط في سياق التعلم، التحديد المسبق للأهداف المتوخاة من عملية التعلم، تعبئة الموارد قبل التعلم (تهيئة الوثائق، الاطلاع على الاختبارات السابقة للامتحان الحالي، توقع مصادر الدعم أو المساعدة أي التفكير في الأفراد الذين يمكن الرجوع إليهم للمساعدة أو عند الحاجة)، طرح الأسئلة حول النص قبل قراءته، توقع الصعوبات قبل وقوعها والتفكير المسبق في كيفية مواجهتها.
    ب ـ الرصد الذاتي المعرفي cognitive self- monitoring: ومن أمثلته متابعة المتعلم لانتباهه وتركيزه خلال القراءة أو عند الاستماع لمحاضرة؛ لجوء المتعلم إلى إجراء امتحان ذاتي وذلك بالتفكير في أسئلة تتعلق بموضوع الامتحان الذي يحضر له، لكي يجيب عليها بنفسه وذلك لرصد مدى استيعابه للموضوع؛ تقدير مدى فهم أفكار النص أثناء القراءة، وعند الشعور باضطراب الفهم قد يلجأ إلى الإبطاء من وتيرة القراءة. إذن،هذه الاستراتيجية تجعل المتعلم في حالة تهيؤ ويقظة واستنفار عند رصد اضطراب في الانتباه أو الفهم أو الاستيعاب بحيث يتطلب هذا الاضطراب تصحيحا أو علاجا عن طريق استراتيجيات التنظيم الذاتي التي سنتطرق إليها.
    ج ـ التنظيم الذاتي المعرفي cognitive self-regulation : ترتبط استراتيجيات التنظيم الذاتي ارتباطا وثيقا باستراتيجيات الرصد الذاتي إذ تستهدف علاج الأخطاء، ورأب الخلل، وإصلاح الاضطراب، وتصحيح مسار السلوك التعلمي ومستوى الفهم والاستيعاب. ومن أمثلة التنظيم الذاتي المعرفي قراءة النص مرة ثانية بتأن وروية ، وضبط وتيرة القراءة بما يحقق الفهم عندما يكشف الرصد الذاتي خلال القراءة أن النص صعب ، أو أنه غير مألوف. وكذلك ترك الإجابة عن بعض الأسئلة خلال الامتحان بهدف الرجوع إليها لاحقا.
    د ـ التقويم Evaluation : إذا كان الرصد الذاتي المعرفي تقويم أي تقييم وحكم عن سير الأنشطة المعرفية خلال القيام بالمهمة أو التعلم أو اتخاذ القرار أو حل المشكلات، فإن التقويم أيضا هو تقييم وحكم لكن عقب الانتهاء من الأداء أو مرحلة من مراحله. وبالتالي فمادة التقويم تتجلى في مخرجات النشاط أو نتائجه بينما مادة الرصد الذاتي فهي العمليات خلال أداء النشاط.


    تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة وسياق العولمة
    لقد حاولنا أن نصف في الفصل التمهيدي ملامح العولمة والتي تتسم بالتقدم العلمي والتكنولوجي غير المسبوق والثورة المعلوماتية والاتصالية. ونتوقع أن هذا السياق الحضاري الجديد فرض تحديات جديدة على العقل البشري، وانتج متطلبات على مستوى خارطة القدرات العقلية والمهارات الفكرية والمعرفية. وتأتي في مقدمتها المعتقدات أو المنطلقات الإبستمولوجية للمتعلم، ومهارات ما وراء المعرفة، أو تفكير التفكير.
    وسنتناول أهمية مهارات ما وراء المعرفة في سياق العولمة بالتطرق إلى نشاط الذاكرة وكيف ينبغي التعامل مع قدراتها من منظور تفكير التفكير، من جهة ؛ وإلى التعلم الذاتي التنظيم self-regulated learning ، من جهة أخرى.
    ينبغي أن يتغير تصورنا لعمل الذاكرة في سياق عولمي يزخر بالمعلومات المختلفة ويعج بالمعارف المتباينة. فالذاكرة لن تستطيع أن تتعامل بكفاءة مع زخم المعلومات وتنوعها حاليا ومستقبلا إذا تم التركيز فقط على الآليات المعززة لقدراتها على التخزين والاحتفاظ. إن ثمة جوانب أخرى للذاكرة لم يلتفت إليها كثيرا تنأى بالذاكرة من الأنشطة الاحتفاظية أو الاسترجاعية أو التعرفية السلبية إلى قدرة مفكرة فاعلة. قدرة تعنى بإعادة تنظيم الخبرات وإعادة صياغة دلالات التجارب، وبناء علاقاتها وارتباطاتها. قدرة تضطلع برصد أنشطتها التذكرية، وتتبع عملياتها، وإدارة رصيدها الخبراتي، ومراجعة استراتيجيات عملها، والوعي بمواطن قصورها وحدودها. وبعبارة موجزة الاعتناء في ظل العولمة بقيادة الذاكرة (meta-memory أي القدرات القيادية أو الإشرافية الفاعلة لعمل الذاكرة)، أو فكر الذاكرة وترشيدها وعقلنتها (التقليل من الاعتماد الكلي على الآليات التلقائية لعمل الذاكرة إلى تنشيط عمليات التنظيم والتجهيز الدلالي القائم على المعنى في معالجة المعلومات والخبرات في الذاكرة).
    فمثلا يمكن أن نلتفت إلى أثر المرجعية الذاتية self-reference effect في تنشيط عمل الذاكرة وتفعيلها. ويقصد بأثر المرجع الذاتي مدى نجاح الفرد في ربط المعلومات والخبرات الجديدة بالخبرات السابقة للذات والتي تكون قد اتخذت بنية تنظيمية معينة تعين الفرد على تنظيم الخبرات الجديدة وتفسيرها. أي أن الذات تمثل إطارا ثريا ومنظما من الدلالات والخبرات التي يمكن تفعيلها إذا ما استطاع الفرد أن يقيم روابط بين الخبرات الجديدة وبين الإطار المرجعي لخبرات الذات. ولقد أظهرت الدراسات التجريبية أن توظيف الذات كمرجع لربط الخبرات الجديدة بها ترتبط بديناميكية تذكرية فاعلة من حيث كفاءة الاحتفاظ والاسترجاع والتعرف ومقاومة النسيان ( Katz, 1987; Bower & Gilligan, 1979; Mills, 1985 ). ومن الدلالات التطبيقية القوية لأثر الذات أن الربط والتوليد والتداعي الذي يحدث نتيجة الجهد العقلي للمتعلم يكون أيسر في الحفظ، وأدوم في الاحتفاظ، وأكثر قابلية للاسترجاع بمعدلات تفوق التوليد أو التداعي الذي يحدث بمعرفة المعلم. ،وكذلك، فإن تجهيز المعلومات ومعالجتها عند المستوى الأشد عمقا عندما يقوم الفرد بإيجاد نوع من العلاقات بين عناصر أو مكونات المادة موضوع التعلم وإطاره المرجعي الشخصي (الزيات، 1998، ص: 298)، أي أنه وفقا لمنحى مستويات تجهيز ومعالجة المعلومات (وهو منظور آخر لدراسة عمل الذاكرة) الذي يفترض وجود عدة مستويات للتجهيز والمعالجة وهي المستوى السطحي والمستوى المتوسط والمستوى العميق والمستوى الأكثر عمقا، تكون معالجة المعلومات في الذاكرة عند المستوى الأعمق عند تنشيط المتعلم للمرجع الذاتي وتوظيفه.
    إذن لما كان تجهيز المعلومات ومعالجتها ـ حيث تلعب الذاكرة دورا استراتيجيا وجوهريا ـ عمليات حيوية في المواقف التعلمية وفي جميع مناحي الحياة، فمن الضروري أن يعاد النظر في تعاملنا مع أنشطة الذاكرة، وفي توظيفنا لها في المواقف التربوية التعليمية. فتعاملنا وتوظيفنا لها يركز على الآليات التلقائية من احتفاظ واختزان واستدعاء واسترجاع وتعرف التي تحدث بفعل التكرار والتسميع والتي لا تستثمر أي جهد عقلي فردي للمتعلم. لا بد أن تتغير نظرتنا للذاكرة باعتبارها قوة مفكرة هادفة تنطوي ـ بالإضافة إلى العمليات التذكرية الآلية والتلقائية ـ على العمليات العقلية العليا كالمراجعة والرصد والتتبع والتنظيم والتقييم وإدارة الخبرات التي تشكل محتواها. وتطوير هذه العمليات العليا في الذاكرة ذات العلاقة بعمليات التفكير لدى المتعلم من شأنه أن يقلص الهوة بين تركيز التعليم على تطوير الذاكرة بمفهومها الآلي الميكانيكي وبين تعليم التفكير وتعلم التعلم. ولعل التعامل مع قدرات الذاكرة وفقا لهذا المنظور ليعتبر أمرا حيويا في الظروف الراهنة للعولمة وفي المستقبل.
    كذلك نرى أن خارطة القدرات التي يجب أن تحظى باهتمام خاص وبالتطوير والتنمية تلك القدرات التي تشكل قوام التعلم الموجه ذاتيا أو التعلم ذاتي التنظيم أو التنظيم الذاتي للتعلم self-regulating learning . ولا يقصد بهذا المفهوم التعلم الذاتي لأن التنظيم الذاتي للتعلم يمكن أن يمارس في المواقف التعليمية الإلقائية وغير الإلقائية، الجماعية والفردية، المتمركزة حول المعلم والمتمركزة حول المتعلم. فالتعلم ذو التنظيم الذاتي يتجلى في مدى إسهام الطالب بجهوده الشخصية في تنظيم عمليات التعلم بتوظيف قدراته المعرفية الماورائية، وأبعاد الدافعية، والسلوكية الأدائية. إذ بدلا من الاعتماد على المدرسين، والآباء ، وغيرهم، يتجلى التنظيم الذاتي للتعلم في مبادرة المتعلم شخصيا في بذل الجهود التدريسية، وتوجيهها توجيها ذاتيا لتحصيل المعرفة والمهارات والخبرات.
    فالطالب الذي يتدرب على إلقاء عرض في حجرته متخيلا وجود الطلاب أمامه وهم يستمعون له، تحسبا لما يمكن أن يعترضه من صعوبات أو عوائق عند العرض الفعلي لبحثه، ومحاولته توقع ما يثيره عرضه من أسئلة. والطالب الذي يلجأ إلى وضع أشكال ورسوم بيانية وجداول لإبراز المفاهيم وعلاقاتها، وتنظيم أفكار المادة التي يطالعها، والطالب الذي يعمد عند استذكار مواد المقرر إلى مناقشتها مع زملائه، ويتبادل معهم الأسئلة الاختبارية للتأكد من مستوى التحصيل، والطالب الذي يلجأ إلى جمع المعلومات من مصادر مختلفة: المحاضرات والقراءات والمناقشات، عند المذاكرة، فإنما يحاولون أن ينظموا أنشطتهم التعلمية ويديرونها، معتمدين على مبادراتهم الخاصة وجهودهم الشخصية، تحقيقا للأهداف المتوخاة.
    تقوم عمليات التنظيم الذاتي للتعلم على استراتيجيات متنوعة ذات أبعاد ذاتية وسلوكية ومحيطية أو موقفية. ووفقا لدراسة "زيمرمان" و مارتنيز-بونز" (Zimmerman & Martinez-Pons, 1986 )، تتمثل أهم الاستراتيجيات التي يوظفها الطلاب في التنظيم الذاتي للتعلم أثناء نشاطهم الدراسي فيما يلي: تحديد الهدف والتخطيط goal-setting and planning ؛ تقييم الذات self-evaluation ؛ طلب المعلومات seeking information؛ التنظيم والتحويل organizing and transforming؛ الاحتفاظ بالسجلات ورصد الذات keeping records and self-monitoring؛ ترتيب محيط الدراسة أو التركيب البيئي environment structure؛ مكافأة أو تعزيز الذاتself-consequences ؛ التسميع والاستظهار rehearsing and memorizing؛ التماس المساعدة من الأقران والمدرسين والكبارeeking peer, teacher and adult assistance؛ ومراجعة السجلات والاختبارات والكتب المدرسية reviewing notes, tests, and textbooks
    وفي سياق العولمة الذي يتطلب أن يكون المتعلم فاعلا غير سلبي، صانعا لعملية التعلم لا متلق لها ، منتجا للمعنى والدلالة (باعتبار أن تنظيم محتوى التعلم من جديد، وتنسيقه عبر نسيج من العلاقات إبرازا للمعنى والدلالة، ومحاولة قراءته من زوايا مختلفة، وتحليله تحليلا نقديا، ضروب من إنتاج المعاني والدلالات وبالتالي إنتاج المعرفة بمفهومها التربوي العام لا بمفهومها الضيق الذي ينحصر في إبداعها ) لا مستقبل لها فقط، تكمن أهمية التنظيم الذاتي للتعلم أيضا في توظيفها لعدد من مهارات وقدرات ما وراء المعرفة أو تفكير التفكير. أي القدرات والمهارات التي تدير ذات المتعلم، وتوجهها وتتابع تقدمها، وترصد عثراتها وتقيمها وتقومها بتصحيح مسارها التعلمي، كما تمد المتعلم بمعرفة ووعي بعملياته المعرفية والوجدانية الموظفة في عملية التعلم.
    إن مهارات تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة والتي تتمثل في الوعي الذاتي بالعمليات المعرفية الوجدانية التي تنشط في المواقف التعلمية، وفي التخطيط والتنبؤ والتنظيم والمتابعة والرصد الذاتي والتقييم والمراجعة والإدارة الذاتية، والتي تنشط كثيرا في مجال الذاكرة بالمفهوم الحديث الذي أكدنا عليه، وتشكل الأرضية الأساسية للتنظيم الذاتي للتعلم كما أوضحنا، والتي تقود عمليات عقلية معرفية متعددة ووجدانية أخرى، فبسبب دورها القيادي ( بإشراف الإبستمولوجيا الفردية التي تطرقنا إليها آنفا) للعمليات العقلية التحصيلية، وبسبب وظيفتها التي تتعدى مجرد البحث عن المعلومات (التي قلت أهميتها نتيجة انحسار "الندرة المعلوماتية" أمام "الوفرة المعلوماتية" في ظل العولمة)، ومجرد استقبالها وتخزينها (وهو ما أضحى أمرا صعبا نتيجة للتدفق المعلوماتي اللامحدود، وتجددها وتطورها السريع، وتوفر وسائط أخرى لتخزين المعلومات) إلى معالجتها عبر عمليات التنظيم والتخطيط والاختزال والرصد والتقويم والنقد والمراجعة، مما يمكن المتعلم من التعامل مع المواقف التعلمية المتباينة، ومع التدفق المعلوماتي في سياق العولمة (حيث أن هذه الوفرة المعلوماتية تتفاوت صحة وخطأ، جودة وضحالة، عمقا وسطحية، حقيقة وزيفا) بوعي وكفاءة وفاعلية.

    التفكير الناقد وسياق العولمة:
    إن مفهوم التفكير الناقد يعيش مفارقة طريفة على مستوى التصور. فمن ذا الذي لا يعرف ما المقصود بالتفكير الناقد أو بالنقد، لكون هذا اللفظ دارج وشائع في الحياة اليومية، من جهة، ولأنه تعبير متواتر جدا في اللغة العربية من جهة أخرى. ومع ذلك، يعيش أزمة تعريفية حقيقية كمصطلح. فمفارقته أنه يجمع بين الوضوح والغموض، وبين البساطة والتعقيد، وبين الثبات والمرونة، وبين التحديد واللاتحديد. فدلالالته واضحة تلقائيا وبديهية على المستوى اللغوي والاستعمال العامي، معقدة ومتشعبة على المستوى الأكاديمي.
    إن الواقعة الطريفة التي جرت للفيلسوف جون ماكبيك John McPeck (1990) لتحمل دلالة ومغزى في هذا السياق. أحد أعمام جون ماكبيك ـ وهو رجل أعمال ـ سأل هذا الفيلسوف عما يمكن أن يضيف كتابه عن التفكير الناقد أو يقوله في الموضوع. وبعد أن لخص له الفيلسوف الأطروحات الأساسية التي احتواها كتابه، أجابه عمه على الفور: "هل تحتاج إلى تاليف كتاب كامل لقول هذا. إنكم معشر الأكاديميين لبقون في جعل الأشياء البسيطة البديهة تبدو معقدة" . فتعبير كالتفكير الناقد يحمل في اعتقاد العم وكذا في الاستعمال العام معاني واضحة وبديهية وبسيطة، وبالتالي لا تثير أي خلاف في استعماله وفهمه، ولا يحتاج إلى تأليف كتب لتوضيح ماهيته ما دام هذا اللفظ بسيطا وبديهيا. غير أن لفظ التفكير الناقد ـشأنه شأن أي لفظ آخرـ ما إن يرقي إلى مستوى المفهوم، ويلج الحقل الأكاديمي، حتى يتخذ أبعادا جديدة، ويطعم بدلالات مختلفة وفقا لمنظورات الباحثين ومشاربهم النظرية.
    وعليه بدلا من ولوج دهاليز التعاريف، لعل الأمر الذي يمدنا باستبصار أكثر عن المفهوم يكمن في التساؤل عن سمات الشخصية الناقدة، التي قد تسلط أضواء عن ملامح التفكير الناقد ومميزاته. ومن بين القوائم المختلفة التي حددت هذه الصفات، تستهويني نتائج دراسة فاروق السيد عثمان (1992) نظرا لما تتمتع به من لحمة منطقية، ومن تكثيف وتغطية للأبعاد الجوهرية للتفكير الناقد. لقد استخلص الباحث باستعمال التحليل العاملي الاستكشافي ست عوامل أو أبعاد وهي:
    ـ بعد أو عامل التقويم: ويتضمن القدرة على إصدار الحكم، وتقويم الحجج، والقدرة على الاستدلال.
    ـ بعد المعرفة: ويتضمن القدرة على التحدي، والتخيل النقدي، والمخاطرة المدروسة، والمرونة المعرفية وتحمل الغموض.
    ـ بعد فهم قواعد المنطق: وتشمل معرفة قواعد المنطق ، والربط، والتنظيم العقلاني، وكشف المغالطات أثناء النقاش.
    ـ بعد القدرة على التفسير: ويتضمن القدرة على الاكتشاف والنقاش والجدل والميل إلى التناسق المعرفي، والتفسير المنطقي للظواهر الحياتية، وتطبيق المعارف.
    ـ البعد الوجداني: وينطوي على القدرة على التكيف مع المواقف الجديدة، والثقة بالنفس، والدرجة العالية من الاتزان، وتقبل آراء الآخرين، والاتصاف بالنشاط والفاعلية.
    ـ بعد الحساسية تجاه المشكلات: ويتضمن الحساسية تجاه المشكلات، والقدرة على وضع الافتراضات الصحيحة، وتحديد المشكلة بطريقة منطقية.
    إن سياق العولمة، وما واكبها من ثورة معلوماتة كسرت الحواجز وتجاوزت الحدود القومية لتغمر بسيلها الجارف كل مكان، وما رافقها من ثورة اتصالية اخترقت حدود الزمن والمكان. لقد خمدت جدوة الشعور بالفقر المعلوماتي وحلت محلها الشكوى من التخمة المعلوماتية أو الاتصالية. إن الوسائط المعلوماتية المختلفة ولا سيما الانترنت لتقذف المتعلم بسيل غزير ومتنوع من المعلومات. غير أن المعلومات والمعرفة التي تتدفق عبر هذه الوسائط تحمل في طياتها الغث والسمين، وتنطوي على الاتساق والتناقض، الدقيق والفضفاض، البسيط والمعقد، الوقائع وشطحات الخيال، الصحيح والزائف، الأخلاقي وغير الأخلاقي، والعلمي والتجاري. بل أكثر من ذلك، رغم الكثافة الكمية لهذا التدفق المعلوماتي إلا أن معظم المعلومات تنحو نحو السطحية وتفتقر إلى العمق، ومفعمة بالجزئيات والتفاصيل التي تعتم الصورة الكلية التكاملية للمواضيع، ويندس تحت بريق إخراجها الفني تثقيف أيديولوجي معين، وتتسرب عبر فن التقديم والتركيب والعرض والإخراج قيم ثقافية معينة؛ كل ذلك يقتضي من المتعلم في بيئاتنا العربية إعمال قدرات الفرز والانتقاء، والموازنة والتدبر، والفحص والتمحيص، والنقد والتقييم، والتحسب والبصيرة، والشك المنهجي والتعمق، وبتعبير موجز وشامل إن هذا التدفق المعلوماتي الاتصالي وما ينطوي عليه من غث وسمين يقتضي توظيف وتطوير التفكير الناقد لدى المتعلم.
    وطالما كان السياق الاتصالي والمعلوماتي للعولمة يخاطب بشدة التفكير الناقد ويبرز ضرورته القصوى، يبقى أن نتساءل ما هي مهارات التفكير الناقد الأكثر أهمية وتفعيلا في هذا السياق؟.
    وإذا أمكن تلخيص قائمة مهارات التفكير الناقد الأكثر ورودا في الأدبيات بأنها تشمل الكشف عن المسلمات المبطنة للآراء، والتعرف على الافتراضات الضمنية، والكشف عن المغالطات المنطقية، والتعرف على عدم الاتساق في سيرورة التفكير والاستنتاج، والتمييز بين الحقائق القابلة للإثبات والادعاءات القيمية، وتقدير مصداقية مصدر المعلومات، والتعرف على الادعاءات والحجج والمعطيات الغامضة، والكشف عن التحيز، وتقييم أو تقدير قوة البرهان أو الادعاء، والتنبؤ بالمترتبات أو المآل ؛ وإذا كانت بعض مهارات التفكير الناقد ذات صلة وظيفية مباشرة بسياق العولمة الذي وصفناه آنفا مثل الكشف عن المغالطات، والتعرف على عدم الاتساق في مسار التفكير والاستنتاج، والتمييز بين الحقائق القابلة للإثبات والادعاءات القيمية، والكشف عن التحيز، وتقدير مصداقية مصدر المعلومات، وتقييم أو تقدير قوة البرهان أو الادعاء، والتعرف على الادعاءات والحجج والمعطيات الغامضة، فإن المهارة الجوهرية للتفكير الناقد والتي ينبغي تفعيلها وتطويها في سياق العولمة تتمثل في القدرة على الكشف عن المسلمات والافتراضات والتفطن لها وتحديدها.
    إن محاولة تحديد المسلمات التي تقبع وراء الأفكار، والمعتقدات، والقيم والتصرفات تشكل محور التفكير النقدي، ويشرع المفكرون الناقدون ـ حالما تحدد هذه المسلمات ـ باختبار مدى دقتها وصلاحيتها. ( بروكفيلد، 1993، ص: 20). إن المسلمات والافتراضات وفقا لينجر ( Yinger, 1980,p:160 ) تستخدم كأساس للنظريات الضمنية، النظريات غير المدروسة أو اللاشعورية التي تسمح لنا بتركيب، وتفسير وفهم عالمنا. وتصبح النظريات الضمنية العدسة والمصفاة للتجربة اليومية، وتشير إلى ما يراه ويفسره المرء. ولما كانت المهمة الأساسية للتفكير الناقد هي إظهار ما هو ضمني في طريقة نظرنا إلى العالم، فهي أيضا هدف النموذج الجديد من البحوث الاجتماعية والتنظيمية التي تدعى بـ "العلم العملي" الذي يدرس الافتراضات، والنظريات الضمنية، والمعرفة المضمرة المبطنة لتصرفات الناس. ( Argyris, et al. 1985 ).
    إن إدارة مهارات التفكير الناقد في سياق العولمة بالتعرف على هذه المهارات في هذا السياق ، وتحديد أهميتها، وصقلها وتنميتها وتطويرها لدى المتعلمين، ينبغي ألا يحجب الأهمية المكانة البارزة التي ينبغي أن تتبوؤها عمليات الكشف عن المسلمات والافتراضات. فمع الإقرار بأهمية المهارات المختلفة التي تشكل قوام التفكير الناقد، غير أنه في عالم يسود فيه خطاب إتصالي مهيمن يخفي أكثر مما يظهر، ويتعامل بالمستتر والضمني أكثر من الصريح، وبالمسكوت عنه أكثر من المصرح به، مشبع بالنوايا والمتقدات والأيديولوجيات، ينبغي أن تتبوأ مهارة التفطن للمسلمات والافتراضات والكشف عنها هرم مهارات التفكير الناقد.



    المراجع العربية

    إبراهيم، مجدي عزيز (2001) المنهج التربوي العالمي: أسس تصميم منهج تربوي في ظل التنوع الثقافي. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
    بروكفيلد، ستيفن د (1993) تنمية التفكير النقدي. ترجمة سمير عبد اللطيف هوانة، مراجعة: رجاء محمود أبو علام. صفاة: الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية.
    بروور، جون ت. Bruer; John T. (2000) مدارس تعليم التفكير. ترجمة محمد الأنصاري. الكويت: شركة دار الشروق.
    بهاء الدين، حسين كامل (1997) التعليم والمستقبل. القاهرة: دار المعارف.
    جروان، فتحي عبد الرحمن (1999) تعليم التفكير: مفاهيم وتطبيقات . عمان - الأردن:دار الكتاب الجامعي.
    الجابري، محمد عابد(1998) العولمة والهوية الثقافية: عشر أطروحات. العرب والعولمة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
    حسين، ثائر، فخرو، عبد الناصر (2002) دليل مهارات التفكير: 100 مهارة في التفكير. عمان، الأردن: جهينة للنشر والتوزيع.
    الخطيب، حسام (2001) مرجعية النص الأدبي وأفقها في عصر المعلوماتية. في : آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية. تأليف: حسام الخطيب & رمضان بسطاويسي محمد. دمشق: دار الفكر. صص:9ـ60 .
    الخطيب، حسام & محمد، رمضان بسطاويسي (2001) آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية. دمشق: دار الفكر.
    رامونيه، إ. (2000) نزال بين توجهات العولمة: توتاليتارية جديدة. مجلة الثقافة العالمية، العدد 102، صص:18-31.
    الري، مباركة صالحة الكرف (2000) بروفيل الاعتقادات العلمية لدى الطالبات المعلمات في تخصص العلوم الطبيعية بكلية التربية جامعة قطر. مجلة البحث في التربية وعلم النفس. العدد الأول، المجلد الرابع عشرز صص:42 ـ 78 .
    الزيات، مصطفى فتحي (1998) الأسس البيولوجية والنفسية للنشاط العقلي المعرفي: المعرفة والذاكرة والابتكار. المنصورة: دار النشر للجامعات.
    عارف، نصر محمد (2001) في إبستمولوجيا الخطاب العربي المعصر. في : إشكالية الخطاب العربي المعصر. تأليف: كمال عبد اللطيف & نصر محمد عارف. دمشق: دار الفكر. صص: 63ـ119.
    عامر، عزت (2003) ثقافة ثالثة وراء الثورة العلمية: عرض لكتاب جون بروكمان. العربي. العدد:540 . صص:186ـ191 .
    عمار، حامد (2000) مواجهة العولمة في التعليم والثقافة. القاهرة:مكتبة الدار العربية للكتاب.
    فضل، نبيل& اليماني، سعيد (1997) بروفيل المعتقدات العلمية لمعلمي العلوم بدولة البحرين. المجلة التربوية، العدد 42، المجلد 11. صص: 137ـ183.
    كونتر، ب. أ. (2000) نزال بين توجهات العولمة: معركة رأس المال. مجلة الثقافة العالمية، العدد 102، صص:18-31.
    محمد، رمضان بسطاويسي (2001) آفاق الإبداع والحرية في عصر المعلوماتية. في : آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية. تأليف: حسام الخطيب & رمضان بسطاويسي محمد. دمشق: دار الفكر. صص: 61ـ123.

    المراجع الأجنبية

    Argyris, C., Putnam, R., and Smith, D. M. (1985) Action Science: Concepts , methods and skills for research and intervention. San Francisco: Jossey-Bass.
    Baxter Magolda, M. B. (1992). Knowing and reasoning in college: Gender-related patterns in students’ intellectual development. San Francisco: Jossey Bass.
    Baxter Magolda, M. B. (2002). Epistemological reflection: The evolution of epistemological assumptions from age 18 to 30. In B. K. Hofer & P. R. Pintrich (Eds.), Personal epistemology: The psychology of beliefs about knowledge and knowing. Mahwah, NJ: Erlbaum. Pp,89-102.
    Belenky, M. F., Clinchy, B. M., Goldberger, N. R., & Tarule, J. M. (1986). Women’s ways of knowing: The development of self, voice and mind. New York: Basic Books.
    Biggs, j. B. & Moore, P. J. (1993) The process of learning. New York: Prentice Hall.
    Bower, G. H. & Gilligan, S. G. (1979). Remembering information related to one’s self. Journal of Research in Personality, 13, 240-432.
    Brockman, J ( ) The third culture: Beyond the scientific revolution.
    Brown, J. H. (1978) Knowing when, where, and how to remember: A problem of Metacognition. In R. Glaser (Ed.) Advances in instructional psychology. New York: Halsted Press.
    Brown, A. L. and Armbrusten, L. B.(1986) The role of Metacognition in reading and studying. In J. Orasann(ed.) Reading comprehension: from research to practice. Hillsdale, N. J.: Lawrence Erlbaum.
    Flavell, J. H. (1976). Metacognitive aspects of problem solving. In l. B. Resnick , ( Ed.) The nature of intelligence.. New Jersey:Lawrence Erlbaum, Hillsdale. pp:231-235
    Flavell, J. (1979) Metacognition and cognitive monitoring: a new area of cognitive-development inquiry. American Psychologist, 34, pp. 906-911.
    Jacobs, J. E. & Paris, S. G. (1987) Cildren Metacognition about reading: Issues in definition, measurement and instruction. Educational Psychologist, 22, pp. 255-278.
    Katz, A. N. (1987) Self-reference in the encoding of creative-relevant traits. Journal of Personality. 55, pp. 97-120.
    Kitchner, K (1983) Cognition, Metacognition, and Epistemic Cognition: A three level of cognitive processing. Human Development. 26, pp. 222-232.
    Kuhn, D. (1991). The skills of argument. Cambridge, England: Cambridge University Press.
    Kuhn, D. (1999) A Developmental model of critical thinking. Educational Researcher, 28(2), pp. 16-25.
    Marzano, R. J. & et al. (1988). Dimensions of thinking. Alexandria, VA: Association of supervision and curriculum development.
    McPeck, J. E. (1990) Teaching critical thinking. New York: Routledge.Mills, C. J.
    Mills, C. J. (1983). Sex-typing and self-schemata effects on memory and response latency. Journal of Personality and Social Psychology. 45, pp.163-172.
    Moore, W. S. (1989). The “ Learning Environment Preferences”: Exploring the construct validity of an objective measure of the Perry scheme of intellectual development. Journal of College Student Development, 30, pp. 504-514.
    Moore, W. S. (1991). The Perry scheme of intellectual and ethical development: An introduction to the model and major assessment approaches. Paper represented at the annual meeting of the American Educational Research Association, Chicago.
    Moore, W. S. (1994). Student and faculty epistemology in the college classroom: The Perry schema of intellectual and ethical development. In K. W. Prichard & R. M. Sawyer (Eds.), Handbook of college teaching: Theory and applications. Westport, CT: Greenwood Press. Pp.45-67.
    Newsome III, G. L. (2000) A review of some promising approaches to undertanding and improving thinking skills. Journal of Research and Development in Education. 33(4), pp. 199-221.
    Ormrod, J. E. (2000) Educational Psychology: Developing Learners. New Jersey: Prentice-Hall.
    Paris, S. G. & Winograd, P. (1990) How Metacognition can promote academic learning and instruction. In : Johns, B. F. & Idol, L. (Eds) Dimensions of thinking and cognitive instruction. New Jersey: Lawrence Erlbaum Associates.
    Perry, W. G. (1981) Cognitive and ethical growth: The making of meaning. In Chickering A. (Ed.) , The modern American college. . San Francisco: Jossey-Bass. Pp. 76-116.
    Resnick, L. (1987). Education and learning to think. Washington, DC: National Academy Press.
    Schommer, M. (1990). Effects of beliefs about the nature of knowledge on comprehension. Journal of Educational Psychology, 82, 498-504.
    Schommer, M. (1994). An emerging conceptualization of epistemological beliefs and their role in learning. In R. Gardner & P. A. Alexander (Eds.), Beliefs about text and instruction with text. Hillsdale, NJ: Erlbaum. Pp. 25-40.
    Schommer, M. (2002). An evolving theoretical framework for an epistemological belief system. In B. K. Hofer & P. R. Pintrich (Eds.), Personal epistemology: The psychology of beliefs about knowledge and knowing. Mahwah, NJ: Erlbaum. Pp,103-118.
    Schraw, G. & Dennison, R. S. (1994) Assessing metacognitive awareness. Contemporary Educational Psychology. 19, pp. 460-475.
    Shoffner, Mary B. (2000). Using a Resource- Based Learning Environment to Faster Self- Directed learning in Pre-Service Teachers. Annual Meeting Of the AECT, Long Beach, CA.
    Trilling, B. & Hood, P. (1999). Learning Technology and Education Reform in the Knowledge Age. Educational Technology. 39(3), pp.5-17.
    Vaidya, S. R. (1999) Metacognitive learning strategies for students with learning disabilities. Education, (1),120.
    Vaker, L. and Brown, A. L. (1984) Metacognition skills and reading. In P. P. Pearson(ed.): Handbook of reading research. New York, Longman.
    Yinger, R. J. (1980) Can we really teach them to think?. In Youg, R. E. (ed.) Fostering Critical Thinking. New Direction for Teaching and Learning. No: 3, San Francisco: Jossey-Bass.










    [1] إذا كان جل ما ذكرناه يبدي الوجه الساطع والمشرق للعولمة غير أن أوجهها القاتمة الكئيبة متنوعة تنوع أوجها الساطعة. إن الفقر والأمية والعنف والمرض في حالة تصاعد. أنه من بين عدد سكان العالم البالغ 5,9 بليون نسمة نجد بالكاد 500 مليون نسمة يعيشون في ظل ظروف مريح
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إدارة مهارات التفكير في سياق العولمة: المعتقدات الإبستمولوجية epistemological beliefs، وتفكير التفكير metacognition، والتفكير الناقد، كنماذج.
    Management of thinking skills in the context of globalization:
    Epistemological beliefs, Metacognition and Critical thinking as models.








    أ.د. أمحمد بوزيان تـيغـزة


    قسم علم النفس

    كلية التربية
    جامعة الملك سعود



    الملخص : لقد أفرزت العولمة تحديات كثيرة لعل أبرزها التحدي التربوي للعولمة الذي يتعلق أساسا بإدارة خارطة القدرات العقلية وتسييرها، بمعنى ما هو "البروفيل" القدراتي للمتعلم الذي تتطلبه ظاهرة العولمة؟ ما هي أبعاد العقل التي ستعرف تنشيطا وتفعيلا مستقبلا؟ ما هي منظومة المهارات العقلية وقدراته التي ينبغي أن تستقطب منتهى الاهتمام، وتحظى بتنمية وتطوير؟
    من خارطة القدرات العقلية المركبة ذات الدلالة لسياق العولمة عالجنا ثلاثة أنواع منها وهي:
    ( أولا ) المعتقدات الإبستمولوجية للمتعلم (epistemological beliefs) أو الإبستمولوجيا الفردية أو الشخصية (personal epistemology) التي تتعلق بكيفية إدراك المتعلم أو تصوره لطبيعة المعرفة وعملية تحصيلها (representation of knowledge and learning).
    ( ثانيا ) تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة (metacognition):
    ويقصد بما وراء المعرفة وعي الفرد بعملياته ونشاطه المعرفي، ومحاولته تنظيم هذه العمليات تنظيما واعيا. وينطوي هذا المفهوم على بعد المعرفة حول المعرفة الذي يشمل المعرفة التصريحية declarative knowledge، والمعرفة الإجرائية procedural knowledge ،والمعرفة الشرطية conditional knowledge. كما يشمل بعد الإدارة أو التدبير الذاتي المعرفيcognitive self-managementالذي ينطوي على التخطيط planning، و التنظيم الذاتي للمعرفة self-regulation of cognition والتتبع أو الرصد الذاتي المعرفي cognitive self-monitoring ، والتقويم evaluation.
    ( ثالثا ) التفكير الناقد (critical thinking):
    ينطوي التفكير الناقد على مهارات الكشف عن المسلمات الضمنية والافتراضات، والقدرة على الاستدلال(من استنتاج واستقراء)، ومهارات المجادلة أو المحاجة، والقدرة على الكشف عن المغالطات المنطقية، ومهارات التفكير التقويمي، والمهارات ذات الطابع الوجداني كالمرونة، والمثابرة، والرغبة في تصحيح الذات، والميل إلى التروي وغيرها.
    ولقد تبنينا المنهج النظري التحليلي النقدي في طريقة معالجتنا للموضوع. وبالتالي تناولنا كل قدرة عقلية مركبة من القدرات الثلاث السابقة الذكر من زاويتين: زاوية تعريفية وتحليلية، بمعنى عالجنا قضية التعريف بالنسبة لكل مفهوم، وتطرقنا أيضا إلى تشريحه للكشف عن مقوماته أو عوامله أو أبعاده تمهيدا لتحليل علاقتها بسياق العولمة.
    أما الزاوية الثانية فركزنا فيها على ربط كل قدرة من هذه القدرات الثلاث بالعولمة من حيث مدى ضرورتها في هذا السياق ومدى أهميتها، ودواعي تنميتها وتطويرها.


    Management of thinking skills in the context of globalization:
    Epistemological beliefs, Metacognition and Critical thinking as models.
    Pr. M’hamed Bouziane Tighezza
    Department of Psychology

    Globalization poses various challenges, The most critical of which addresses the educational and pedagogical arena concerned with the management of mental and cognitive abilities and skills, i.e. what is the configuration and the nature of the learner ability profile that responds to the globalization exigency? What are the cognitive dimensions and the ability and reasoning skills system that would constitute a matter for major concern and development in the future?
    Three complex cognitive abilities were examined:
    1 – Learner epistemological beliefs or personal epistemology. It is concerned with one’s view or perception of the nature of science and the process of knowing or learning.
    2 – Metacognition: It refers to personal reflection about one’s knowledge status and abilities, and control or management of executive aspects of Metacognition. The metacognitive knowledge component usually comprises three different types of metacognitive awareness: declaratory, procedural and conditional knowledge. Metacognitive control or cognitive self-management ( one’s ability to form good plans, to use a variety of strategies, and to monitor and revise ongoing performance ) consists of planning, regulating, monitoring and evaluating.
    3 – Critical thinking: It includes uncovering postulates and assumptions, inductive and deductive reasoning, argumentation, and evaluation. It embarrasses too a number of motivational and affect dimensions such as perseverance, intellectual probity, flexibility and self-correction.
    The analytic approach adopted consists of the examination of each ability from two standpoints:
    First, each ability or skill was defined and structurally analyzed.
    Second, each ability was examined in relation to globalization. And the management of such thinking skills i.e. their significance, implications, prevalence, importance, and development in the context of globalization, was treated.


    إدارة مهارات التفكير في سياق العولمة:
    المعتقدات الإبستمولوجية epistemological beliefs، وتفكير التفكير metacognition، والتفكير الناقد، كنماذج.
    أد / أمحمد بـوزيـان تـيـغـزة



    " إنني لا أريد أن ترتفع الجدران سامقة من كل جانب حول بيتي، ولا أن يحكم إغلاق نوافذي. إنني أريد أن تهب ثقافة كل أرض حول بيتي بأقصى قدر من الحرية. لكني أرفض أن تقتلعني ريح أي منها من جذوري "
    غاندي





    تمهيد
    في تقديمه لكتاب فرانز فانون Frantz Fanon :" المعذبون في الأرض"، كتب الفيلسوف المعروف سارتر واصفا استراتيجية التغيير التي نفذت في دول العالم غير الأوروبي ولا سيما في العالم العربي والإسلامي بقوله:
    "كنا نحضّر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف والأثرياء والسادة من أفريقيا وآسيا، ونطوف بهم بضعة أيام في أمستردام ولندن والنرويج وبلجيكا وباريز. فتتغير ملابسهم، ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية الجديدة، ويرتدون السترات والسراويل، ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو والاستقبال والاستدبار، ويتعلمون لغاتنا وأساليب رقصنا وركوب عرباتنا، وكنا ندبر لبعضهم أحيانا زيجة أوروبية، ثم نلقنهم أسلوب الحياة على أساس جديد، وطرز جديدة من الزينة، واستهلاك أوروبي جديد، وغذاء أوروبي، كنا نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبة بلادهم، ثم نرسلهم إلى بلادهم، وأي بلاد؟ بلاد كانت أبوابها مغلقة دائما في وجوهنا، لم نكن نجد منفذا إليها. كنا بالنسبة إليها رجسا ونجسا وجنا. كنا أعداء يخافون منا، وكأنهم همج لم يعرفوا بشرا. لكنا بمجرد أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم، صرنا بمجرد أن نصيح من أمستردام أو برلين أو بلجيكا أو باريس، قائلين: "الإخاء البشري" نرى أن رجع أصواتنا يرتد من أقاصي إفريقية، أو فج من الشرق الأوسط أو الأدنى أو الأقصى أو شمال إفريقية، كما نقول " الإخاء البشري" .....كانوا يرددون ما نقول تماما مثل الثقب الذي يتدفق منه الماء في الحوض، هذه أصواتنا في أفواههم. وحينما كنا نصمت، كانت ثقوب الأحواض هذه تصمت أيضا، وحينما كنا نتحدث كنا نسمع انعكاسا صادقا وأمينا لأصواتنا من الحناجر التي صنعناها، ثم إننا كنا واثقين من أن هؤلاء المفكرين لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعنا في أفواههم" (عن عارف، 2001 ، ص: 97ـ 98).
    لا نستغرب هذا التوضيح للمنهجية الفعالة في تصدير النموذج الثقافي الأوروبي إلى الدول التي كانت تسمى في الخمسينات والستينات بالدول النامية، من هذا الفيلسوف، على الرغم من مواقفه المناهظة للاستعمار واستغلال الشعوب. فجان بول سارتر يبقى ـ مع ذلك ـ الإنسان الأوروبي الذي لا يستطيع أن ينسلخ عن ثقافته وما يرتبط بها من نظرة متعالية إزاء الثقافات الأخرى باعتبارها متخلفة وغير متحضرة. فالعمق الثقافي الإغريقي اللاتيني، والنموذج الحضاري الغربي المعيش يحتفظان بقوتهما في إرساء المرجعية القيمية والفكرية لهذا الفيلسوف رغم اشتهاره بالتحرر الفكري. ولذلك ينوه بأهمية استراتيجية التثقيف( التأثير الوحيد الاتجاه غير المتبادل)، لا التثاقف ، أو استراتيجية رجع الصدى في تصدير ونشر النمط الحضاري وقيم الثقافة الغربية في الدول المتخلفة، ولا سيما المستعصية منها. غير أن هذه الاستراتيجية التي كانت صالحة في ذلك الوقت (النصف الأول من القرن الماضي) والتي تقوم على توظيف بعدي المكان والزمن (ضرورة الاحتكاك) في الترويج للنمط الحضاري الغربي، فقدت من أهميتها وفعاليتها في ظل الثورة في مجال الاتصال ووسائله وعملياته، والتطور المذهل في تكنولوجيا المعلومات في سياق العولمة. واستبدلت باستراتيجيات الإقناع الاتصالي الإعلامي. فالقنوات الفضائية، والشبكات العنكبوتية وغيرها عززت انتشار الثقافة الأميركية والأوروبية، نظرا لتسخير هذه الوسائط بمهارة كبيرة، وتوظيف جل استراتيجيات التشويق والإمتاع والإقناع في استعمالها.
    لا أريد أن أخوض معترك التعاريف المتباينة لمفهوم "العولمة" التي تتخلل كتابات المفكرين والكتاب، والمؤلفين، لاستجلاء مرتكزاتها التنظيرية، ومرجعايتها الفكرية، ومشاربها الأيديولوجية. غير أن العزوف عن ذلك لا يعفينا من انتقاء تعريف أوتعريفين لا لكونهما صحيحين، لأن الموضوع لا يتعلق بحقائق وإنما بوجهات نظر ورؤى واجتهادات، وإنما لأن منظورهما يمهد تمهيدا جيدا لإشكالية الدراسة ويخدمها.
    من منظور اقتصادي محظ، يعرف هورسمان ومارشال العولمة بأنها اندماج أسواق العالم في حقول التجارة، والاستثمارات المباشرة، وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق، وخضوع العالم لقوى السوق العالمية تبعا لذلك، مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية، وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة. (عن إبراهيم، 2001، ص: 84).
    إذا كان البعد الاقتصادي بعدا جوهريا في تحديد ماهية العولمة، إلا أنه غير كاف في تحديد هذا المفهوم إن لم يطعم بأبعاد أيديولوجية ، وسياسية، وثقافية، وقيمية، واجتماعية. ولذلك يعرف الجابري (1998) العولمة ـ موظفا هذه الأبعاد المختلفة ـ بقوله أنها :" نظام أو نسق ذو أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد. العولمة الآن نظام عالمي أو يراد لها أن تكون كذلك يشمل مجال المال، والتسويق، والمبادلات، والاتصالات..إلخ، كما يشمل أيضا مجال السياسة، والفكر، والأيديولوجيا".
    ولإلقاء مزيد من الأضواء على المفهوم، يميز الجابري بين مفهوم العولمة (Globalization ) ومفهوم العالمية (universality)، باعتبار أن العولمة إرادة للهيمنة، وبالتالي قمع وإقصاء للخصوصية. أما العالمية فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي. العولمة احتواء للعالم، والعالمية تفتح على ما هو عالمي وكوني. إن نشدان العالمية في المجال الثقافي، كما في غيره من المجالات، طموح مشروع، ورغبة في الأخذ والعطاء، في التعارف والحوار والتلاقح. إنها طريق "الأنا للتعامل مع الآخر" بوصفه "أنا ثانية" طريقها إلى جعل الإيثار يحل محل الأثرة. أما العولمة فهي طموح، بل إرادة اختراق "الآخر" وسلبه خصوصيته، وبالتالي نفيه من "العالم". العالمية إغناء للهوية الثقافية، أما العولمة فهي اختراق لها وتمييع.
    إن العولمة بمفهومها الاقتصادي ومضامينها السياسية والأيديولوجية والثقافية، والتي قد تبلغ أوجها في الألفية الثالثة، أو في سياق ما يسمى "بالموجة الثالثة" أو "الثورة الثالثة"، تجاوزت عصر الثورة الصناعية التي اتسمت بخاصية الوفرة mass production ، وبخاصية الكثافة العمالية Labourintensive ، وبخاصية إنتاج السلع والآلات والأدوات، إلى انبثاق موجة ثالثة من التغيير العميق، أو ثورة ثالثة انفردت بثورة في اتصالات، وبتطور غير مسبوق في المعلوماتية أو تكنولوجيا المعلومات، وبكثافة معرفية Knowledge intensive ، وبتركيز مهاري Skills intensive أو تكثيف قدراتي. كما تميزت بإنتاج خدمات وإبداع أفكار أكثر من إنتاج سلع وأدوات، وبالتنمية الاعتبارية أو الشركة الاعتبارية Virtual Corporation، حيث تشكل شبكة الاتصالات السريعة بأنواعها السمعية والبصرية والمجسمة بديلا عن الاجتماعات والاتصالات المباشرة، وتتم التعاقدات والارتباطات بين جهات مختلفة وأماكن متباعدة يقع بعضها في الحقل الصناعي، والثاني في الحقل التجاري، والثالث في مجال المؤسسات الخاصة، والرابع في نطاق الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث. وتشكل هذه الارتباطات الصادرة من أماكن متباعدة بل من أقطار مختلفة والتي تخدم هدفا مشتركا، الشركة الاعتبارية (بهاء الدين، 1997، ص: 34). وتميزت بظهور تخصصات واهتمامات جديدة، نذكر منها تطور علم التعقيد، أو علم الإشكاليات المعقدة the Science of Complexity كنتيجة للتطور المذهل في قدرات الكمبيوتر، أي دراسة النظم المعقدة التي كانت ,وإلى عهد قريب، تدخل في نطاق الفوضى chaos وذلك لاستحالة دراستها سابقا.
    إن السرعة ـ سرعة التجارة والسفر والاتصالات والابتكارات ـ هي المقياس المحدد لنظام العولمة. لقد كان نظام الحرب الباردة يتمحور حول معادلة أينشتين التي تربط بين الكتلة والطاقة. أما نظام العولمة فتمحور حول قانون (مور) الذي بنص على أن قوة أداء المشغلات الدقيقة (microprocessors) ستتضاعف كل ثمانية عشرة شهرا. وبينما كانت المعاهدات تمثل وثيقة نظام الحرب الباردة، فإن الصفقة تمثل وثيقة نظام العولمة. وإذا كان قلق نظام الحرب الباردة يتمثل في الخوف من الإبادة من عدو معروف جيدا في نظام عالمي ثابت أو مستقر، فإن قلق نظام العولمة يتمثل في الخوف من التغير السريع من جانب عدو لا يمكن لمسه أو الشعور به. إنه الإحساس بأن وظيفتك أو مجتمعك أو مكان عملك يمكن أن يتغير في لحظة بفعل القوى الاقتصادية والتكنولوجية المجهولة، التي قد تكون أي شيء إلا أن تكون مستقرة.( كونتر،2000) [1].
    غير أن هذه التطورات التي واكبت العولمة لم تكن حكرا على المجالين التكنولوجي والاقتصادي، بل شملت جميع مناحي الحياة. إن من أهم المجالات التي تواجه أقوى تحدي من طرف ظاهرة العولمة المجال التربوي التعليمي. فالتعليم مدعو إلى تجاوز مجرد عملية التمدرس schooling ، وتجاوز النزعة الاختزالية التجزيئية لحقول المعرفة والتخصصات، وما ترتب عنها من اعتقاد المتعلم في استقلاليتها، وغياب فكرة تكاملها وترابطها وتمفصلها، والتخلي عن مواجهة التحدي بالزيادة الكمية في المواد. إلى كسر ثنائية التعلم والتدريب، والأخذ بالتعليم المستمر، والتعليم غير النظامي، والتعليم الذاتي، والتعليم للتميز، والتدريب الانسيابي المتعدد المهارات. أما المناهج فيجب ألا تعنى فقط بتسيير وإدارة مشاكل الحاضر والاستجابة لمتطلباته، بل مدعوة إلى إدماج برامج ومقررات مستقبلية إستشرافية تندرج في إطار التربية المستقبلية futuristic education ليعيش المتعلم مع المستقبل في ألفة ولا يفاجأ به. ومدعوة أيضا إلى إدماج البعد العالمي أو برنامج التربية الدولية global education ، وهي منظومة جديدة من المناهج تعنى بدراسة النظم الدولية والتاريخ العالمي والقضايا والمشكلات الدولية والقيم الإنسانية في اتفاقها وتباينها.



    الأهداف وطريقة التناول أو المعالجة
    إن التحدي الحقيقي التربوي للعولمة الذي يفرض نفسه بإلحاح يتعلق أساسا بإدارة خارطة القدرات العقلية وتسييرها، بمعنى ما هو البروفيل القدراتي للمتعلم الذي تتطلبه ظاهرة العولمة؟ ما هي أبعاد العقل التي ستعرف تنشيطا وتفعيلا مستقبلا؟ ما هي منظومات المهارات العقلية وقدراته التي ينبغي أن تستقطب منتهى الاهتمام، وتحظى بتنمية وتطوير؟
    اقترح بعض الباحثين ـ ومن منظور استشرافي ـ قوائم أو خرائط للقدرات والمهارات التي ينبغي أن تستقطب الاهتمام في تنميتها وتطويرها نتيجة لأهميتها الاستراتيجية في السياق العولمي وفي الألفية الثالثة. فالمهارات التي تتمتع بأهمية قصوى، والتي تحدد البقاء والتواجد الفاعل في الألفية الثالثة، تتمثل في تقدير كل من ترلنج وهود ( Hood & Trilling, 1999 ) في التفكير الناقد والعمل الحصيف، والابتكارية ، والتعاون، وفهم الثقافات الأخرى، والاتصال ، والمعلوماتية أو الحاسوبية، والاعتماد على النفس. ويرى شوفنر ( Shoffner, 2000 ) أن مهارات التعلم الموجّه ذاتياً وما ينطوي عليه من أبعاد ومهارات كالمبادرة، والاستقلالية، وحل المشكلة، والشعور بمسؤولية التعلم، والفضول، والعمل الموجّه بالأهداف، والرغبة في التعلم، والتغير، والاستمتاع التعلمي تمثل كلها مهارات جوهرية وفاعلة ومهمة للألفية الثالثة.
    يتمثل هدف الدراسة في المعالجة التحليلية لثلاثة أنواع من النشاط العقلي التي انتقيناها من خارطة القدرات العقلية المركبة[2]، وهي:
    أولا ـ الاعتقادات أو المعتقدات الابستمولوجية أو الإبستمولوجيا الذاتية أو الفردية أو الشخصية (Epistemological Beliefs; Epistemic Beliefs; Personal Epistemology).
    ثانيا ـ تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة ( Metacognition ) .
    ثالثا ـ التفكير الناقد ( Critical Thinking ).
    ولقد تبنينا المنهج النظري التحليلي النقدي في طريقة معالجتنا للموضوع. وبالتالي تناولنا كل قدرة عقلية مركبة من القدرات الثلاث السابقة الذكر من زاويتين: زاوية تعريفية وتحليلية، بمعنى عالجنا قضية التعريف بالنسبة لكل مفهوم، وتطرقنا أيضا إلى تشريحه للكشف عن مقوماته أو عوامله أو أبعاده (لجدة هذه المفاهيم ولا سيما الاعتقادات الابستمولوجية وما وراء التفكير)، مستعينين بالدراسات السابقة.
    أما الزاوية الثانية فركزنا فيها على ربط المفهوم بالعولمة من حيث مدى ضرورته في هذا السياق وأهميته، ودواعي تنميته وتطويره.
    ولما كان خطاب العولمة ومتطلباته فيما يتعلق بالقدرات العقلية انتقائيا، بمعنى أن بعض القدرات ـ فيما نعتقد ـ ازدادت أهميتها مقارنة بالقدرات الأخرى (ومن أمثلتها القدرات الثلاث التي سنعالجها في هذه الدراسة)، وبالتالي تبرز ضرورة تنشيطها وتطويرها، وهذا ما عبرنا عنه بـ: "إدارة مهارات التفكير" في عنوان الدراسة. كما عبرنا عن هذا التفاضل بين مجموعة القدرات والمهارات العقلية بـ "خارطة" القدرات ، أو "بروفيل" القدرات رسما لملامحها في سياق معين.



    المعتقدات الابستمولوجية

    تدل المعتقدات الابستمولوجية على نظرة المتعلم وتصوره ومسلماته فيما يتعلق بطبيعة المعرفة المتعلمة من جهة وطبيعة عملية تعلمها من جهة أخرى. فالطالب الذي يوافق على منطوق العبارات الآتية أو على معظمها: " المعرفة العلمية معرفة يقينية قطعية وليست معرفة اجتهادية تقريبية " ، " يوجد جواب علمي نهائي لكل مشكل "، "اعتقد أن الأفكار الواردة في الكتب المقررة التي يكتبها مختصون صحيحة"، " إني أومن بصحة ما يقوله الخبراء حتى ولو اختلف ذلك مع ما أعرفه عن الموضوع" ، فإن إجابته هذه صادرة من اعتقاده بأن المعرفة العلمية يقينية وليست احتمالية، وبأنها مطلقة وليست نسبية. وتدل الموافقة على العبارات التالية: " تعدد النظريات تزيد الأمر تعقيدا"، " كلما بدل الفرد جهدا عقليا لفهم قضية كلما اختلطت عليه الأمور واضطرب فهمه"، "الأفكار الجيدة هي الأفكار البسيطة"، " الحقيقة يجب أن تعني نفس الشيء لمختلف الأفراد"، "الأشياء أبسط مما يريدنا المتخصصون تصوره أو اعتقاده"، على اعتقاد الفرد بأن المعرفة العلمية بسيطة وواضحة في طبيعتها، وأن الأفكار المركبة والمعقدة لا علاقة لها بالمعرفة العلمية وفقا لهذا التصور.
    إذا كانت الأفكار الإبستمولوجية تعكس موقف المتعلم من طبيعة المعرفة وإجراءاتها، ومن طبيعة التعلم، فما هي أبعاد هذه المعتقدات الإبستمولوجية، أو أوجهها المختلفة؟ سنكتفي يتناول نموذجين تحليلين للإبستمولوجيا الفردية: نموذج وليام بيري William Perry لريادته، وإسهامه المبكر في رسم طريق مجال النظرية الإبستمولوجية الفردية؛ ونموذج المعتقدات الإبستمولوجية لمارلين شومر Marlen Schommer لكونه الأكثر استعمالا وتواترا في البحوث من جهة، ولكون المقياس الذي صممته ( استبيان المعتقدات الإبستمولوجية لشومر epistemological beliefs questionnaires Schommer) يعتبر المقياس الأكثر شهرة واستعمالا. ويلخص الجدول رقم ( 1 ) أبعاد المعتقدات الإبستمولوجية التي اقترحتها أهم النماذج النظرية في هذا المجال، سواء أكانت تلك التي سنتناولها أم تلك التي لم يتم ذكرها لضيق الحيز.
    لعل أعمال وليام بيري (William Perry, 1970) المبكرة التي استهلها في بداية الخمسينات كانت الشرارة الأساسية التي أوقدت الاهتمام بموضوع تمثل المعرفة العلمية representation of knowledge ، وشكلت الأرضية الأساسية لبحوث المعتقدات الإبستمولوجية اللاحقة. يتبنى بيري منظورا تطوريا لارتقاء منظورات الطلاب المعرفية لبنية المعرفة المتعلمة، ووفقا لمور (Moore, 1989, 1991, 1994) فإن المستويات التسع لتطور التصورات الإبستمولوجية للطلاب نحو بنية المعرفة المتعلمة التي اقترحها "بيري"، يمكن تجميعها في أربع مجموعات أو أبعاد وفيما يلي وصف مقتضب لها:
    ـ الثنائية Dualism: إن المعرفة وفقا لهذا المنظور تكون إما صحيحة وإما خاطئة. كما تتسم المعرفة الصحيحة بأنها مطلقة في صحتها. ويتوقع من الثقاة أو الخبراء أو المختصين معرفة الحقيقة وتلقينها للمتعلمين.
    ـ التعددية Multiplicity : وهذا المستوى هو تعد للمستوى السابق بمقتضاه يعتقد المتعلم أنه يمكن أن تتعدد الرؤى ووجهات النظر في مجال معين، وبأنه يمكن أن تكون وجهات النظر هذه ـ على تعددها ـ صائبة أو صادقة. كما توجد في هذا المستوى بذور الاعتقاد بأن المعرفة ليست يقينية تماما أي احتمالية uncertainty، وبأن الثقاة يبقون مع ذلك مصدر الحقيقة.
    ـ النسبية relativism : وتدل على تطور نظرة المتعلم للمعرفة من النظرة الثنائية القطبية إلى النسبية السياقية. أي التخلي عن "الإطلاقية" (النظرة المطلقة ( absolutismفي الحكم عن صحة المعرفة العلمية وعن الجزمية . ولعل التطور الملفت للانتباه فيما يتعلق بمرحلة النسبية يتمثل في إدراك المتعلم لذاته بأنه صانع نشط للمعنى والدلالة ومنتج لها ولا يتلقاها جاهزة من الموقف التعلمي. وفي هذا المستوى أيضا فإن المتعلم يتمثل المعرفة أو يدركها بأنها نسبية relative ، وبأنها شرطية موقفية contingent ، وبأنها سياقية (أي لا يكن تجريدها من سياقها الثقافي الاجتماعي) contextual .
    ـ الالتزام في إطار النسبية Commitment within relativism : وفيها يترسخ المنظور النسبي للمعرفة من طرف المتعلم، وترتقي النسبية إلى مستوى القيمة التي تستوجب التمسك بها والالتزام بها، أو إلى نوع من المنظور الفلسفي الذي يمد المتعلم بإطار مرجعي للحكم على المعرفة وتفسيرها.
    أما شومر ( Schommer, 1990, 1994, 2002) فبعد انتقادها للنماذج السابقة (النماذج المنتقدة الأكثر دلالة توجد في الجدول رقم 2 ) باعتبار أن هذه النماذج نظرت إلى هذه المعتقدات الإبستمولوجية على أنها وحيدة البعد، وبأنها تنمو وتتطور وفقا لمراحل وأطوار ثابتة، بينما هي في الواقع متعددة الأبعاد، وأنها لا تتطور وفقا لنسق ثابت بل متغير وغير خطي أو مطرد؛ اقترحت كبديل نموذجا تحليليا ينطوي على خمسة أبعاد أو متصلات، وكل بعد أو متصل ينطوي على أبعاد فرعية أو محاور، وفيما يلي توضيح مقتضب لهذه المنظومة من المعتقدات الإبستمولوجية:
    أولاـ بعد إيقاع التعلم أو سرعته: ويتراوح هذا المتصل من كون تحصيل المعرفة إما أن يتم بسرعة أو لا يتم على الإطلاق، إلى الطرف الآخر المناقض الذي يفيد بأن اكتساب المعرفة يتم مرحليا أو تدريجيا. وينطوي هذا المتصل على ثلاثة أبعاد فرعية: بعد التعلم السريع (ومن أمثلة الفقرات التي تقيسه: "الطلاب الناجحون يتعلمون الأشياء بسرعة" )، وبعد التعلم عند المحاولة الأولى (" تقريبا كل المعلومات التي يمكن تعلمها من الكتب المدرسية يتم اكتسابها من المحاولة الأولى عند القراءة")، وبعد "تكثيف الجهود مضيعة وقت أو غير مجد" ("إذا بذل شخص قصاراه لفهم مشكلة فسيلتبس عليه الأمر أكثر فأكثر"). وتجدر الإشارة أن الباحثة اعتمدت في تسمية هذه الأبعاد الفرعية، والأبعاد اللاحقة، طرف المتصل الدال على سذاجة تصور المعرفة، ولم تعتمد في تسميتها الطرف الآخر للمتصل الدال على عمق وثراء المنظور.
    ثانيا ـ تنظيم المعرفة: ويتراوح هذا المتصل من تصور المعرفة بأنها معرفة فسيفسائية، أو عناصر منعزلة وبأنها جزيئات واضحة، إلى تصور المعرفة بأنها تكاملية ومترابطة. وينطوي هذا البعد على بعدين فرعيين أو محورين: بعد "البحث عن الإجابة الوحيدة" ( ومن أمثلة فقراته: " جل الكلمات تحتوي على معنى واحد واضح")، وبعد "تجنب التكامل" ( "عندما أدرس أبحث عن وقائع خاصة" ).
    ثالثا ـ يقينية المعرفة: ويتراوح هذا المتصل من تصور المعرفة بأنها يقينية وقطعية ومطلقة إلى تصور المعرفة بأنها تتغير وتتطور باستمرار. وينطوي هذا البعد على بعدين فرعيين: بعد "المعرفة اليقينية" (ومن أمثلة فقراته: " في مقدور العلماء أن يتوصلوا إلى الحقيقة في نهاية المطاف" )، وبعد "تجنب الغموض" ( " لا أحب الأفلام التي ليس لها نهاية معينة " ).
    رابعاـ التحكم في عملية التعلم: ويتراوح هذا المتصل من فكرة أن القدرة على التعلم فطرية ومحددة وراثيا إلى فكرة أن القدرة على التعلم مكتسبة وتتطور بفعل الخبرة والتدريب. وينطوي هذا البعد على ثلاثة أبعاد فرعية: بعد " الافتقار إلى القدرة على تعلم التعلم، أو تعلم كيفية التعلم" ( ومن أمثلة فقراته: " الكتب ذاتية التوجيه لا تفيد كثيرا " )، وبعد "النجاح لا علاقة له بالجد والاجتهاد" ( " إن الطالب الذكي حقيقة، لا يحتاج إلى الجد والاجتهاد لكي يحقق أداء ممتازا في المدرسة " )، وبعد "القدرة على التعلم فطرية" ( " الخبير هو أي فرد يمتلك موهبة خاصة في مجال معين " ).
    خامسا ـ مصدر المعرفة: ويتراوح هذا المتصل من الاعتقاد بأن الثقاة هم مصدر المعرفة الحقيقية إلى الاعتقاد أن المعرقة تشتق من الخبرات الشخصية والممارسة والتدريب. وينطوي هذا المتصل على بعدين فرعيين: بعد "الثقاة لا ينتقدون" (ومن أمثلة فقراته: " الأفراد الذين يتحدون الثقاة أو الخبراء يعانون من تضخم في تقدير ذواتهم " )، وبعد "الاعتماد على الثقاة" ( " مدى ما يتعلم الفرد من المدرسة يتوقف على نوعية الدرس " ).

    وفي السياق العربي نجد بعض الدراسات التي استهدفت التعرف على المعتقدات العلمية لدى مدرسي العلوم. لعل أهمها دراسة فضل واليماني (1995) حول " بروفيل" الاعتقادات العلمية لمعلم العلوم بدولة البحرين. ودراسة الري (2000) حول بروفيل الاعتقادات العلمية لدى الطالبات المعلمات في تخصص العلوم الطبيعية بدولة قطر. وتم تحديد البروفيل المعرفي في الدراستين بافتراض إنه يتكون من خمسة أبعاد أو محاور ثنائية القطب. وهي كما يلي:
    (أولا) متصل النسبية ـ اليقين Relativism- Positivism :
    وفحوى خاصية النسبية أن صدق النظرية العلمية نسبي وليس مطلقا، وأن إصدار الحكم بصدق النظرية يتغير من فرد لآخر ومن ثقافة لأخرى، ولا يمكن الحكم على النظرية بأنها صادقة أو كاذبة لمجرد أنها تستند إلى واقع مستقل. بينما تدل اليقينية على الاعتقاد الجازم والقطعي بأن المعرفة العلمية صادقة، وتتفوق في درجة صدقها على أشكال المعرفة الأخرى، لأنها تتميز بالموضوعية. وأن القوانين والنظريات المتمخضة عن التجارب ما هي في الواقع إلا انعكاس أو تمثيل للواقع الخارجي الموضوعي أو مجرد وصف موضوعي له.
    (ثانيا) متصل الاستقراء ـ الاستنباط Inductivism-Deductivism :
    طريقة للتفكير وبناء المعرفة (التوصل للقوانين العلمية) تقوم على مجموعة من الملاحظات الخاصة الموثوق بها. أما الاستنباط ـ وعلى النقيض من الاستنتاج ـ فيقوم على استخلاص الجزئيات من الكليات.
    (ثالثا) متصل السياق ـ اللاسياق Decontextualism-Contextualism :
    يدل السياق على الاعتقاد بأن صدق المعرفة العلمية وعملياتها يتداخل مع السياق الثقافي المعيش من طرف الباحث، والذي يؤثر بالضرورة على نتائج العلم وعملياته. بينما يشير اللاسياق إلى الاعتقاد باستقلال المعرفة العلمية عن السياق الثقافي والبناء الاجتماعي.
    (رابعا) متصل العمليات ـ المحتوى Process-Content
    ويدل المحتوى على رصيد المعرفة المتراكم من الحقائق والمفاهيم والمبادئ والقواعد والنظريات والقوانين التي تؤلف البناء الهرمي العلمي. ويتميز هذا الرصيد بالنمو والتطور. أما بعد العمليات فيدل على العمليات العقلية التي تنشط عند الملاحظة، والقياس، والتصنيف، والتفسير، والاستنتاج، والاستدلال، والتنبؤ، ومعالجة الأرقام، والاتصال؛ وضبط المتغيرات، وفرض الفروض، واختبارها، وعملية التجريب.
    (خامسا) متصل النفعية ـ الواقعية Instrumentalism-Realism :
    وفحوى النفعية الاعتقاد بأن النظريات والقوانين والأفكار العلمية تكون جيدة إذا كانت مفيدة وصالحة للتطبيق، وتسمح بالقيام بتنبؤات صحيحة، بغض النظر عن صدقها وعما تقدمه عن الواقع المستقل. أما الواقعية فتقوم على الاعتقاد بأن النظريات العلمية تعبر عن الواقع المستقل زمانيا ومكانيا، وأن قيمة النظرية تتوقف على مدى تعبيرها عن هذا الواقع المستقل عن العلماء.


    الابستمولوجية الفردية أو المعتقدات أو المنظورات الابستمولوجية الفردية وسياق العولمة.
    تزامن مع العولمة والفتوحات العلمية المذهلة والتطور التكنولوجي الكاسح، والثورة غير المسبوقة في ميدان المعلوماتية وحقل الاتصالات، انتشار ثقافة ثالثة تدعى بالثقافة العلمية، روادها ليسوا بأدباء وليسوا بفنانين كما كان عليه الأمر في السابق، بل العلماء والمفكرون العلميون الذين يصوغون مفاهيم وأفكارا ورؤى جديدة وصورا للتعبير عن وعي البشر بأنفسهم وبفكرهم وبالكون المحيط بهم. لقد اعتاد الأدباء والروائيون والنقاد والشعراء والفنانون تسمية أنفسهم بالمثقفين، وأن الإنتاج الأدبي من نثر ومقالة وشعر وقصة ورواية ومسرح، وكذلك الإنتاج الفني من موسيقى وغناء وتمثيل ورسم وفن تشكيلي يمثل "الثقافة"، وكأن اسم "المثقف" هو وقف أو حكر على الأديب والفنان دون العلماء، ومسمى "الثقافة" حكر على الأدب والفن دون العلوم الأخرى. يذكر بروكمان ( Brockman, 1995 ) قول أحد العلماء البريطانيين الحاصل على جائزة نوبل أنه لم يكن من الإنصاف إطلاقا أن يعتبر المثقفون الأدباء أن العالم الذي لا يعرف ما يكفي من المعلومات حول الفن والموسيقى غير مثقف، بينما يرى هؤلاء المثقفون أنهم ليسوا في حاجة إلى معرفة أي شيء عن العلم، وأن كل ما يحتاج إليه المرء أن يكون على معرفة بالفن والموسيقى والأدب. ولقد أقر المجتمع حتى أواخر القرن العشرين الميلادي للأدباء والفنانين دون المفكرين والباحثين في شتى المجالات العلمية بهذه التسمية وبهذه المنزلة.
    بل ومما يثير العجب أن مفاهيم كالإبداع والحداثة وما بعد الحداثة التي تشيع في المراجع الأدبية وفي غيرها تتعلق بالأعمال الأدبية والفنية دون غيرها، وأن هذا الوضع مازال قائما على أشده في الثقافة العربية الحالية. فعندما تقرأ العنوان التالي: "آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية" تعتقد أن الكتاب الحديث الطبع (2001 م ـ 1422 هـ ) يحلل الإبداع كعملية تخترق جميع الحقول والمجالات سواء أكانت أدبية أو فنية أو تكنولوجية، أو علمية، أو اجتماعية أو نفسية وغيرها، ويحلل مرجعيتها في عصر العولمة والمعلوماتية. وإذا بالإبداع يشكل نشاط الأدباء تحت مسمى" مرجعية النص الأدبي وأفقها في عصر المعلوماتية" الذي يحتل النصف الأول من حيز الكتاب، وإذا بالإبداع يشكل مرتع الفن أيضا تحت مسمى " آفاق الإبداع والحرية في عصر العولمة" الذي يغطي النصف الثاني من حيز الكتاب. ويفهم من العنوان بأنه جرت العادة (الثقافة السائدة ) أن يطلق لفظ إبداع على أعمال الأدباء والفنانين وحدهم، وإلا لتم تحديد مجال أو نوع الإبداع بالقول "إبداع أدبي أو فني أو غيره".
    إن الثقافة الثالثة ـ وفقا لبروكمان ـ يهندسها العلماء عن طريق التواصل بين العلماء والجمهور العام، خاصة وأن المجال أصبح متاحا أمام مفكري الثقافة الثالثة للتعبير عن أعمق أفكارهم بطريقة يمكن لجمهور القراء أن يفهمها، وما كان يطلق عليه سابقا "العلم" صار في عصرنا هذا "ثقافة عامة". لقد حدث خلال السنوات الأخيرة توسع كبير في نشر الأخبار والتقارير الصحفية العلمية في الصحف والمجلات والتلفزة والشبكات العنكبوتية ووسائل ووسائط الإعلام الأخرى. ولم يعد غريبا أن تقابلك أكثر الموضوعات العلمية تخصصا مثل البيولوجيا الجزئية، الذكاء الاصطناعي، الواقع الافتراضي، نظرية الفوضى، الشبكات العصبية، الكون المتمدد، الألياف الفائقة، الجينوم البشري، تقنية النانو، النظم الخبيرة، والفضاء المعلوماتي، موجهة إلى الجمهور العادي بلغة يفهمها القارئ العادي غير المتخصص.
    ويلاحظ عامر( 2003 ) أن بث الثقافة العلمية عبر المواد الموجهة للجمهور في الأعمار المختلفة يساهم في إتاحة الأفكار العلمية للقارئ العادي، فيجد الأطفال ما يلبي احتياجاتهم في تبسيط العلوم المختلفة، وتتدرج معهم هذه المواد اتساعا وعمقا كلما تقدم بهم العمر. وهو ما ينقصنا بشدة في العالم العربي حيث لا يلقى الأطفال ما يحتاجون إليه من ثقافة علمية، وتكون النتيجة أن تقديم الأعمال المترجمة إليهم في الكبر تواجه صعوبة عدم إلمامهم بالمبادئ العلمية الأولية.
    إن وعي العلماء بأهمية التواصل مع الجمهور العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك النشر الواسع لكتب الثقافة العلمية، وإقبال دور النشر ووسائل الإعلام عليهم، بعد عزوفها عنهم وإقبالها على الأدباء والفنانين في السابق، زودهم بقوة كبيرة على رسم ملامح الثقافة الثالثة (الثقافة العلمية) وهندستها وصياغتها. ولقد غيرت هذه الثقافة الثالثة المتزامنة مع العولمة، من تصورات الناس وإدراكاتهم ومفاهيمهم بل ومنظوراتهم لكثير من الأشياء.
    ومع ذلك رغم هذه الثقافة الثالثة الناشئة في سياق العولمة والتي ما تفتأ تتوسع وتتطور وتنتشر، نأنس وجود جمود في تطور الأفكار العلمية وبخاصة الأفكار الابستمولوجية أو تصور طبيعة المعرفة العلمية وطبيعة تحصيلها لدى الناشئة والشباب والراشدين والطلاب والطالبات في مجتمعاتنا. فدراسة فضل واليماني (1995) التي استهدفت دراسة بروفيل الاعتقادات العلمية لمعلمي العلوم أظهرت أن ملامح هذا البروفيل للمعتقدات الإبستمولوجية تتلخص في : "اليقينية" و "الاستنباطية" و "اللاسياقية" و"العمليات" و "النفعية". ويلاحظ الباحثان وجود تعارض بين منظور المعلم البحريني (ويمكن أن يصدق ذلك على المعلمين في كافة الدول العربية) والرؤية المعاصرة للعلم، وبخاصة فيما يتعلق باليقينية والاستنباطية واللاسياقية. بل حتى هذه المواقف الابستمولوجية غير متبلورة لديهم، ذلك أن نسبة درجات هذه الجوانب للبروفيل لا تتعدى قيمتها (16%) من متوسط الدرجة العظمى للمقياس، مما يدل على أن موقف معلم العلوم محايد تقريبا أو موقف اللاموقف.
    وتعزز نتائج دراسة المري ( 2000) جل نتائج الدراسة السابقة رغم إجرائها على طالبات العلوم بكلية التربية بجامعة قطر. إذ تفيد النتائج وجود بروفيل عام للاعتقادات تحدده الأبعاد التالية: "اليقينية" و "الاستقرائية" و "اللاسياقية" و"العمليات" و "النفعية". والنتيجة الأخرى الهامة والتي تعزز نتائج الدراسة السابقة أن الموقف الإبستمولوجي العام لأفراد العينة من طبيعة العلم وما يتصل به من أمور جدلية ضعيف . فعلى الرغم من وجود هذا البروفيل إلا أنه موجود بصورة ضعيفة وبمتوسط منخفض جدا يكاد يقترب من اللاموقف.
    نستنتج من الدراسات العربية القليلة ذات العلاقة، كما نستنتج من الواقع المعيش أن المعتقدات الإبستمولوجية للطلاب وغيرهم في مجتمعاتنا تتسم عموما بالسذاجة، وبأنها لا تواكب ما تعرضنا له من الثقافة الثالثة أو الثقافة العلمية التي أخذت في الانتشار الواسع في سياق العولمة.
    في اعتقادنا، مازلت كثير من المسلمات الهشة تبطن منظور الطالب، مما يبعده كثيرا عن المنظور الحديث للعلم والمعرفة، ولعل أهمها:
    اليقينية أو التسليم التلقائي بصحة المعرفة، فثمة نزوع تلقائي لدى الطالب للاعتقاد أن كل ما يرد في الكتاب المقرر صحيح ولا يتطرق إليه الشك.
    سكونية المعرفة أو الاعتقاد في ثباتها كالاعتقاد بان الأفكار الصحيحة تحتفظ على صحتها الأصلية بحيث لا تتغير مستوى صحتها بمرور الوقت.
    اللاسياقية أو الإطلاقية أوغياب النسبية. الاعتقاد في صحة المعرفة بغض النظر عن سياقها وظروف انبثاقها.
    الثنائية أو القطبية أو الطرفية في التصور. فالمعرفة إما صحيحة وإما خاطئة، أو الفكرة إما أن تكون صحيحة أو خاطئة.
    التجزيئية أو فسيفسائية التصور، أي تصور المعرفة بأنها شتات من العناصر، وبان كلا منها ينطوي على معنى ودلالة بمعزل عن الناصر الأخرى، وبدون مراعاة العلاقات أو الروابط فيما بينها. الطالب قد يدرك طبيعة المواضع الفرعية لكن ليس له تصور عن ارتباطاتها وعلاقاتها بموضوعها الأساسي.
    غير أن هذا الاضطراب في المنظورات الإبستمولوجية يتعدى المتعلمين من الطلاب والمدرسين إلى المثقفين بل والمفكرين في العالم العربي. وتتخذ بعض هذه الأعراض التي تتخلل منطلقاتهم الإبستمولوجية التجليات التفكيرية التالية:
    أ ـ وهم امتلاك ناصية الحقيقية ونفيها عن الآخر: إذا كان من المستحيل الإمساك بالحقيقة أو الوقوف على كنهها، أو الادعاء الوصول إليها في القضايا الاجتماعية والنفسية والتربوية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وإنما الأعمال الفكرية تتفاضل في ملاءمة طرحها، ودقة تحليلها، وتماسك منطقها، وعمق تناولها، وافتراضاتها واجتهاداتها، وليس في ادعائها الإمساك بالحقيقة، وتعرية الآخر منها. والراصد للخطاب الفكري العربي يجد أن لغة الحوار ولغة التواصل الفكري بين الاتجاهات الفكرية المختلفة هي تلك اللغة النافية للآخر، المتعالية في ذاتها، المدعية أنها هي الصحيحة الصحة المطلقة، وغيرها يعكس الخطأ المطلق.
    ب ـ الثنائية الحدية لخطاب المفكر العربي: فبالنسبة لموضوع الحداثة فإما أن تقبلها كما هي، فإذا لم تقبلها فأنت ترفضها، وما دمث ترفضها فأنت ضدها. وكذا بالنسبة للمواضيع الأخرى الحساسة كالهوية والعولمة وغيرها، وكأن الأطر الفكرية لا تتطور وفقا لمتصلات نسبية من المواقف والاتجاهات والأفكار والآراء، وإنما وفقا لقطبية صارمة ومعايير حدية أو طرفية من الثنائيات المتناقضة من الأفكار والمواقف والآراء.
    ج ـ انغلاق النسق المعرفي، أو "أدلجة" المعرفة: غالبا ما يتحول الجهد الفكري أو العمل المعرفي المحض إلى عمل سياسي وإيديولوجي، وغالبا ما يتحول الخطاب الفكري العربي إلى عمليات متواصلة من الحجاج الإيديولوجي، والجدال السياسي ، وليس الحوار الفكري، أو الانفتاح المعرفي، أو المراجعة الفكرية أو المثاقفة. ومن طبيعة النسق المعرفي المطلق الذي تطرقنا إليه سابقا، أن يكون غير قادر على إثارة قضايا جديدة، أو تقديم منظورات متجددة لإشكاليات قائمة. لقد أدت الطبيعة التحاربية للمثقفين العرب إلى تزايد الرغبة في الاندفاع نحو إثبات صحة المقولات المعتقد أنها صحيحة بغض النظر عن مصداقيتها الواقعية، ومدى تجاوبها مع حقائق الواقع النفسي والاجتماعي والتربوي العربي. فكل فصيل فكري يتعامل مع الواقع بمبضع الجراح يبتر منه ما ليس متسقا مع إطاره الفكري، ويضخم ما يرى فيه تصديقا لمقولات نظرية يؤمن بها. (عارف، 2001، ص:80).
    د ـ التعامل مع المعرفة وفقا "لأجندة" الآخر الثقافي: لا يخامرنا شك في أن المعرفة الأكاديمية التي نتعامل بها، ونتفاعل معها، سواء أكانت في علم النفس أو التربية أو الاجتماع أوفي أي حقل معرفي آخر هي من صنع وإنتاج غربي، ولا ضير في ذلك في ذاته. حقا يوجد رصيد متنوع من الدراسات النفسية والتربوية والاجتماعية العربية، غير أنها في الحقيقة عربية على مستوى التنفيذ ( المجتمع، والعينة، ولغة البحث، وبعض أدوات جمع البيانات التي يصممها الباحث) لا على مستوى التنظير والتأطير المعرفي. وهنا نطرح السؤال الهام التالي: هل تعود الباحثون العرب من تربويين ونفسانيين واجنماعيين انتقاء مواضيع بحوثهم تبعا لأهميتها المجتمعية والثقافية والحضارية، وتبعا لضرورتها الداخلية وما ينبغي أن تثيره من انشغال ذهني معرفي بها، أم أن الشعور بأهمية هذه المواضيع وبالتالي انتقاؤها ودراستها أملتها أجندة بحثية نستشفها من خلال المواضيع المتواترة في البحوث الغربية. إن التعامل مع المعرفة وتقدير مستويات أهميتها ودلالتها، والإقبال على مواضيع بحثية دون أخرى، وتحديد القضايا ذات الأولوية التي ينبغي التركيز عليها، إنما يتم وفقا لخارطة بحثية رسم ملامحها وحدودها وخصائصها وتضاريسها باحثون أجانب عن طريق جهودهم التنظيرية المتواصلة، وبحوثهم المتنوعة التي شكلت وتشكل المرجعية البحثية والتنظيرية والمعرفية للباحثين والمفكرين العرب.
    تنبثق أهمية الاعتقادات الإبستمولوجلة في سياق العولمة من كونها تمثل البنية المعرفية العميقة لتفكير الفرد. أي منظومة المعتقدات نحو طبيعة المعرفة وطبيعة التعلم التي تشكل نواة الرؤى، والاتجاهات والتصرفات وتوجهها. فهي تمارس في الغالب دورا قياديا وإشرافيا وتوجيهيا على عمليات التفكير الأخرى وأساليبه ومهاراته وإستراتيجياته. بل إن الاعتقادات الإبستمولوجية أو الإبستمولوجيا الشخصية أو الفردية تشرف أيضا على توجيه عمليات ومهارات ما وراء التفكير أو تفكير التفكير Metacognitive processes and skills (والتي سنتناولها بعد قليل)، علما بأن ما وراء التفكير أو تفكير التفكير يعتبر في حد ذاته من الاستراتيجيات العقلية التي تمارس وظيفة الإشراف على العمليات العقلية المعرفية، وتوجهها، وتراقبها وتقيمها.
    ويتسق هذا الطرح مع تنظير كيتشنير (Kitchener, 1983) التي تصنف المنظومة العقلية في سياق نظرية التعلم وحل المشكلات إلى ثلاثة مستويات متمايزة: المستوى القاعدي أو الأول وهو المستوى المعرفي (the cognitive) ويتمثل في العمليات العقلية المعرفية التي تشكل أساس تراكم المعرفة التقريرية كالقراءة والتذكر والحساب. ويتعلق المستوى الثاني الذي يسمى بمستوى تفكير التفكير (the metacognitive) بمعرفة الإجراءات أو "معرفة كيف؟" (knowing how)، وبتعبير آخر يتعلق هذا المستوى من التفكير بما يسمى اصطلاحا بعمليات المعرفة الإجرائية، مثل الفحص، والتدقيق، والتحليل، والتنبؤ، والمراجعة. وإذا كان المستوى الأول السابق يعنى بالتقدم المعرفي، فإن هذا المستوى يعنى بتتبع هذا التطور ورصده. أما المستوى الثالث الذي تسميه الباحثة بالعمليات المعرفية الإبستمولوجية (Epistemological Cognition ) فيتعلق بالأحكام القيمية الفلسفية، وبحدود المعرفة المتعلمة وجوانبها الأخلاقية والقيمية.
    كما يتفق هذا الطرح أيضا مع أطروحات كوهن (Kuhn, 1999) في سياق معالجتها لطبيعة التفكير الناقد. فهي تميز أولا بين مهارات "معرفة المعرفة" أو مهارات المعرفة حول المعرفة أو العمليات المعرفية skills "metaknowing" لكونها مهارات من المستوى الأعلى، وتتعلق بالوعي بالنشاط المعرفي الذاتي وبالنشاط المعرفي للآخرين. وبين المهارات العقلية المعرفية من المستوى القاعدي التي تعنى بمعرفة العالم الخارجي. وما يهمنا في طرح كوهن تصنيفها لمهارات معرفة المعرفة إلى ثلاثة أشكال أو مستويات: ( أ ) تفكير التفكير metacognitive knowing ويتعلق بالوعي بالمعرفة التقريرية؛ ( ب ) التفكير فيما وراء الاستراتيجيات metastrategic knowing أو إدارة استراتيجيات التفكير التي تعنى بانتقاء ومراقبة وتتبع ورصد إستراتيجيات توظيف واستعمال المعرفة الإجرائية لتحقيق الأهداف؛ وأخيرا ( ج ) الوعي أو المعرفة الإبستمولوجية epistemological knowing ويتعلق بإدراك الفرد ووعيه بطبيعة المعرفة وبعمليات تحصيل المعرفة. وتعتبر المنظرة أن المعرفة الإبستمولوجية أكثر أهمية وتأثيرا من المستويين السالفين للمهارات العقلية. وهذان المستويان يخضعان جزئيا لتأثير وتوجيه


    الجدول رقم (1) أبعاد المعتقدات الإبستمولوجية عبر عينة من الدراسات الأساسية في المجال*

    الباحثون

    متصلات أبعاد طبيعة المعرفة

    أبعاد طبيعة التعلم أو طبعة تحصيل المعرفةnature of knowing
    يقينية المعرفة certainty of knowledge
    مصدر المعرفة source of knowledge
    تبرير المعرفة justification of knowledge
    بساطة المعرفة simplicity of knowledge
    بيري Perry 199
    مطلقة Û النسبية السياقية
    الثقاة أو الخبراء Û الذات
    بيلينكي وآخرون Belenky et al. 1986
    من التلقي Û إلى بناء المعرفة أو إنتاجها، أو الذات كصانعة للمعنى والدلالة
    كوهن Kuhn, 1991
    الإجابات المطلقة، المعرفة قطبية: إما صحيحة وإما خاطئة Û تقدير المعرفة على أساس أهميتها النسبية
    الخبراء والثقاة كمصدر موثوق به للمعرفة Û التقييم الناقد للمعرفة الصادرة عن الثقاة
    قبول المعرفة كوقائع أو إذا كانت خبرة فنية Û تمحيص الوقائع والخبرة الفنية وتقويمها قبل تبنيها
    باكستر & ماجولدا Baxter & Magolda, 1992, 2002
    الصحة المطلقة Û الصحة السياقية أو النسبية، أي صحة المعرفة يمليها سياق انبثاقها.
    الاعتماد عل الثقاة كمصدر للمعرفة Û المعرفة تصدر عن النشاط الذاتي
    استقبال المعرفة كحقائق Û الحكم على المعرفة ينبغي أن يتم في سياق معين
    ـ دور المتعلم
    ـ دور الأقران
    ـ دور المدرس
    ـ تقويم التعلم
    كينج & كيتشنر King & Kichener, 1994
    أكيدة، قطعية إما صحيحة أو خاطئة Û احتمالية ـ وسياقية
    الاعتماد على الثقاة كمصدر للمعرفة Û المتعلم كمنتج للمعرفة
    المعرفة لا تحتاج إلى تبرير Û المعرفة تبنى أو تنشأ ولا تستقبل جاهزة، وتخضع للتقويم والنقد المستمر
    المعرفة بسيطة Û المعرفة معقدة
    شومر Schommer, 1990, 1994, 2002
    المعرفة يقينية قطعية Û تقريبية ، اجتهادية ومتطورة
    تأتي عن الخبراء والثقاة والمتخصصين Û مصدرها النشاط الفكري لكل متعلم
    المعرفة فسيفسائية، عناصر مستقلة ومنفردة، أجزاء واضحة Û المعرفة متكاملة ومترابطة
    التعلم إما أن يتم سريعا أو لا يتم Û التعلم عملية متدرجة
    ـــ
    القدرة على التعلم فطرية Û القدرة على التعلم مكتسبة تتطور بالممارسة والتدريب والخبرة
    * لم نذكر الدراسات العربية التي تطرقنا إلى بعضها في المتن لأنها ركزت على المعتقدات العلمية للمدرسين أو المدرسين الطلاب في مجال معين ولم تدرس هذه المعتقدات كمنظورات عامة بغض النظر عن المجال المعرفي. كما ركزت على آراء العينة فيما يتعلق بالتفكير العلمي وإجراءاته ولم تركز أساسا على طبيعة المعرفة والتعلم.



    المهارات المعرفية الإبستمولوجية.



    ما وراء المعرفة أو تفكير التفكير Metacognition

    نعتقد أن استراتيجيات القراءة تعتبر مثالا جيدا لتبيان ماهية مفهوم "ما وراء المعرفة"، أو مفهوم "تفكير التفكير". إن إستراتيجيات القراءة لا تنطوي على ممارسة عمل ذهني بشكل مباشر، أي لا تدل فقط على مجرد الانتباه، أو مجرد الإدراك، أو مجرد التذكر أو التعرف على الكلمات والجمل ونطقها وفهمها. كما لا تدل على مجرد حصول اكتساب معلومات من خلال القراءة، وإنما تدل على نشاط ذهني من درجة أعلى يجعل القارئ يعي عملية الانتباه، وعملية الإدراك، وعملية الاستيعاب، وعملية التذكر، وعملية التفكير، وعملية التعلم.
    فعملية التخطيط كاستحضار الهدف من القراءة أو تحديده توجه مسار القراءة (وأنا أقرأ، أبحث عن المعلومات التي تخدم أهدافي من القراءة )[3] ويرسم الإطار المرجعي المعياري لمدى ملاءمة المادة المقروءة (أحدد أهدافا للقراءة، وأتأكد خلال القراءة أن ما أقرأ يناسب الأهداف التي وضعتها للقراءة ) ويعمل على ضبط أسلوب القراءة ( أنوّع من طريقة القراءة أو المطالعة حسب الأهداف التي أحددها للقراءة )، وهذه العمليات غير المباشرة تخدم عملية الفهم والاستيعاب القرائي. وأيضا الوعي بعملية المعرفة (أثناء القراءة، أحاول أن أميز بين المعلومات التي أعرفها سلفا، والمعلومات الجديدة)، وتقييم عملية الفهم والحكم عليها (أثناء قراءتي للنص، أقيم النص بمحاولة معرفة هل أضاف شيئا جديدا إلى معلوماتي عن الموضوع)، والرصد الذاتي للفهم أو التتبع (أثناء القراءة، أحاول أن ألقي أسئلة على نفسي حول النص لفهمه افضل) ، (وأنا أقرأ، أحاول أن أتأكد من صحة توقعي المسبق بمعلومات أو أفكار النص)، وإعادة التنظيم الذاتي لعملية القراءة (عندما أعي بأنني لم أفهم النص رغم قراءتي له، ألجأ إلى تغيير استراتيجية قراءتي له كأن أخفف من سرعة القراءة، أو أقرأه عدة مرات، أو أعود إلى قراءته بعد فاصل زمني، وغيره)، وإعادة البناء أو التشكيل لتعزيز عملية الفهم (أحول أن ألخص المادة أو أعيد تحرير أفكارها بأسلوبي الشخصي لأتذكرها)، وإعادة تنظيم البنية المعرفية التي تشكل الخلفية للفهم والاستيعاب (أحاول أن أستفيد من معلوماتي السابقة عن موضوع النص وأحاول توظيفها لكي تمكنني من فهم ما أقرأه) ، (بعد قراءتي للنص، أحاول أن أتوقع سلفا كيف سأوظف المعرفة التي اكتسبنها من قراءة النص)، والمعرفة حول المعرفة (عند القراءة أحاول أن أحدد دلالة الكلمات الجوهرية التي يتوقف عليها فهم النص) ، ( أثناء القراءة، ألاحظ مدى سهولة أو صعوبة قراءة النص) ، ( أثناء القراءة، أقفز إلى الأمام وإلى الخلف عبر النص للعثور على المعلومات الهامة)، واستعمال إستراتيجيات تقوية التذكر والاسترجاع أو تذكر التذكر( أثناء القراءة، أحاول أن أدون الأفكار الهامة لأتمكن من تذكرها) ، ( عند القراءة أحاول أن أعلم الكلمات أو الجمل بوضع خط تحتها أو تلوينها بلون معين لأن ذلك يساعدني على التذكر والفهم. )، وتوظيف المنطق لبناء المعنى وتكوين الدلالة عبر الربط المنطقي (أحاول أن أربط الأفكار الهامة في النص بعضها ببعض لأتمكن من فهم النص ككل)، وعبر إكمال الدلالات (عندما أقرأ، أحاول أن أتوقع المعلومات أو الأفكار التي تتطرق لها الأجزاء الباقية من النص)، وتوقع الدلالات(وأنا أقرأ، أحاول أن أتأكد من صحة توقعي المسبق بمعلومات أو أفكار النص).
    كل هذه الإستراتيجيات المتعلقة بإدراك الفرد ومعلوماته وتصوره عن عملية الفهم والإدراك (فهم الفهم أو إدراك الإدراك )، وبمعرفته النسبية لما يعرفه وما لا يعرفه (معرفة المعرفة)، ومدى وعي المتعلم بعمل ذاكرته، ومعرفته النسبية بمواطن قوتها وضعفها وحدودها (ذاكرة الذاكرة) ، ومعرفته النسبية بكيفيات عمليات التعلم، وبعض استراتيجياته وجدوها، وتوقع كفاياته وفاعلياته وحدودها (تعلم التعلم)، والتنظيم الذاتي لأنشطة التعلم self-regulated learning، والرصد الذاتي self-monitoring، والتساؤل الذاتي self-questionning، والتفييم الذاتي للنشاط المعرفي وتقويمه self-appraisal (إدارة الذات للنشاط المعرفي، أو التسيير الذاتي للنشاط المعرفي self-management of cognition and learning )؛ كل هذه الاستراتيجيات تعتبر أمثلة جيدة للنشاط الذهني المركب الذي اصطلح على تسميته بتفكير التفكير، أو ما وراء المعرفة Metacognition تمييزا لها عن النشاط العقلي المعرفي المباشر cognitions .
    لعل هذا التحليل من واقع الاستراتيجيات المعتمدة في القراءة قد قدم أمثلة توضيحية تعين على فهم تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة. لكن كيف ترتسم صورة هذا المفهوم عبر التعريفات المتداولة في المجال. لنستقصي إذن عينة من هذه التعريفات، ونحاول أن نستخرج المقومات أو المكونات المميزة لهذا النشاط العقلي عن غيره من الأنشطة العقلية المركبة الأخرى، قبل أن نتطرق إلى علاقته أو دلالته بالنسبة للعولمة.
    إن "ما وراء المعرفة"، وفقا للباحث والمنظر فلافيل ( Flavell, 1976 ) ، تمثل معرفة الفرد لعملياته الذهنية المعرفية الذاتية، وما يرتبط بذلك من إنتاج معرفي. أما بالنسبة لبراون وزملائه ( Brown et.al;1986 ) فيدل هذا المفهوم على وعي المتعلم بعملية التفكير الممارسة خلال إنجاز المهمة التعليمية، كما يدل أيضا على قدرة المتعلم على التحكم والسيطرة على نشاطه التعلمي، ووعيه بالأداء عن طريق التقويم المستمر له. ويذهب بجز ومور ( Biggs & moore,1993,p.72 ) إلى القول بأن هذا المصطلح يعكس وعي الفرد بعملياته المعرفية الخاصة به بدلا من محتوى هذه العمليات، ويوظف هذا الوعي الذاتي في السيطرة على العمليات المعرفية وتطويرها وتحسينها. وفي نظر بروير Bruer (2000 ، ص: 89 ، ترجمة محمد الأنصاري) أن ما بعد المعرفة هو أن تفكر حول التفكير، وأن تكون على وعي بما تفعله عندما تحل مشكلة ما، وأن تستطيع السيطرة على ما تقوم به من عمليات عقلية. ويرى أورمرود ( Ormrod, 2000, p.322 ) أن مفهوم ما وراء المعرفة يشير إلى وعي الطلاب وتفكيرهم في عملياتهم المعرفية الخاصة بهم، ومحاولتهم تنظيم هذه العمليات، ومعرفة مهام التعلم التي يمكن أن ينجزها الطالب بواقعية خلال فترة محددة من الوقت، واستراتيجيات التعلم الفعالة التي يمكن أن يستخدمها لمعالجة أو تعلم المادة الجديدة، واسترجاع المعلومات المخزنة سابقا. كما يرى كل من فيكر وبراون (; p.353Vaker & brown ) بأن تفكير التفكير في سياق القراءة يتمثل في المعرفة بالنشاطات والعمليات الذهنية، وأساليب التعلم، والتحكم الذاتي التي يستخدمها الطلاب قبل وأثناء وبعد القراءة لكشف المعاني المتضمنة في المادة المقروءة.
    إن "ما وراء المعرفة" ضرب من الخطاب مع الذات المفكرة أو الحديث مع الذات. ولذلك يرى رزنك ( Resnick, 1987 ) أن تفكير التفكير يستهدف متابعة ومراجعة ورصد نشاطات حل المشكلة. وتؤكد فيديا هذا الخطاب الذاتي بقولها أن "ما وراء المعرفة" يمثل في جوهره لغة داخلية inner language ، وذلك لكون الفرد يتأمل أو يتدبر أو يفكر في تفكيره أو نشاطه المعرفي الخاص به. ويتسم تعريف جروان ( 1999, ص: 427 ) بنوع من الشمول إذ يشير إلى أن التفكير فوق المعرفي مفهوم يدل على عمليات التفكير العليا التي تتحكم في توجيه وإدارة نشاطات حل المشكلة واتخاذ القرار، وتبقي على وعي الفرد لذاته ولغيره أثناء القيام بالمهمات التي تتطلب معالجة للمعلومات. وهو نوع من الحديث مع الذات والتفكير حول التفكير عن طريق التخطيط للأداء ومراقبة تنفيذ الخطة والتقييم.
    وعلى الرغم من الاختلاف الظاهري بين التعريفات، إلا أن ثمة قواسم مشتركة بينها لا تخفى على فطنة القارئ. وتتمثل هذه القواسم المشتركة في أن مفهوم "ما وراء المعرفة" لا يتجلى في المعرفة المباشرة التي يتعاطاها الفرد لإنجاز عمله أوحل مشكلته أو اتخاذ قراره، أي لا يتجلى في النشاط المعرفي المباشر الذي يمارسه الفرد لتحقيق هدفه؛ وإنما يتجلى في كل نشاط عقلي من شأنه توجيه أو متابعة أو رصد أو تقييم أو تنظيم أو مراجعة أو إدارة هذا النشاط العقلي المباشر سواء أكان تذكرا، أو استرجاعا، أو تعرفا، أو انتباها، أو إدراكا، أو تخيلا، أو مقارنة، أو تصنيفا، أو تحليلا، أو استنتاجا، أو استقراء، أو اكتسابا لمعلومات، أو تعلما. ولذلك سمي هذا المفهوم أيضا بتفكير التفكير.
    ونستنتج كذلك عند قراءة هذه التعاريف بأن المفهوم يشمل أيضا معرفة المعرفة (مدى إدراك الفرد لما يعرفه بالنسبة لموضوع معين وما لا يعرفه والتي تتفاوت دقة بين الأفراد، ومدى إدراكه لأهميته هذه المعرفة وفعاليتها ودقتها). وبعض التعاريف تمتد بهد المعرفة لتشمل مدى قدرة الفرد على إدراك حالاته الوجدانية أو استبصاره بمشاعره ومشاعر الآخرين الذين يتفاعل معهم.
    ويشمل أيضا عملية التخطيط، والرصد (التتبع أو المراقبة الذاتية)، والتنظيم، والحكم والمراجعة والتقييم أو التقويم.
    ولما كان مفهوم تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة مفهوما غير متجانس، أي لا ينطوي على بعد أو عامل واحد بل على عدة أبعاد أو عوامل، فمن الضروري ـ استكمالا للمعالجة ـ التساؤل عن الأبعاد الجوهرية التي تشكل قوام مفهوم ما وراء المعرفة. ولقد آثرت أن أرصد ـ وبشكل مكثف ـ هذه الأبعاد في جدول مستقل (الجدول رقم 2) اعتمادا على دراسات الباحثين الأكثر نشاطا في هذا المجال.
    ونستنتج مما تم استعراضه من نماذج في هذا الجدول أن أبعاد مفهوم ما وراء المعرفة أو تفكير التفكير تنتظم في مجموعتين من العمليات أو الأنشطة الذهنية. المجموعة الأولى وتسمى بمعرفة المعرفة أو وعي الفرد بنشاطه المعرفي ( ويشار لها في المصطلح الأنجليزي إما بـ: metacognitive knowledge أو بـ: Knowledge of cognition أو بـ: cognitive self-appraisal ). ويتسم هذا الوعي أو المعرفة حول النشاط المعرفي بنوع من الاستقرار أو الثبات النسبي عبر المهمات والمواقف. كما يتسم بالسكونية أو الاستاتيكية مقارنة بدينامية المجموعة الثانية التي سنذكرها لأنها تتعلق بما يعتقد الفرد أنه يعرفه أو يعيه فيما يتعلق بنشاطه المعرفي في المواقف التعلمية الافتراضية. وفي هذا السياق المعرفي لما وراء المعرفة يميز في الغالب بين ثلاثة أنماط من المعرفة:
    أ ـ المعرفة التصريحية Declarative knowledge: المعرفة التي تتعلق بمهارات الشخص (وعي الشخص بمهاراته وحدودها)، والاستراتيجيات ، وإمكانياته الذاتية العقلية والوجدانية وقدراته كمتعلم. ففيما يتعلق باستراتيجيات المذاكرة مثلا، فوعي الفرد بوجود مذاكرة موزعة (تتم على فترات متفاوتة أو المذاكرة المستمرة) ومذاكرة مجمعة (التي تتم بعد تراكم المحاضرات). ومعرفته أيضا أن المذاكرة الموزعة المستمرة أكثر فعالية في التعلم من المذاكرة المجمعة. هذه العناصر المعرفية التي تتعلق بالأنشطة العقلية التي تتطلبها أنواع المذاكرة تشكل المعرفة التصريحية . وهي المعرفة التي تجيب في الغالب عن سؤال "ماذا".
    ب ـ المعرفة الإجرائية operational knowledge : وتتعلق بكيفية توظيف استراتيجيات التعلم مثلا(أي تجيب عن سؤال "كيف" ). وهي المعرفة التي تتعلق بماهية الطرق والإجراءات. فمعرفة كيفيات أداء كل من المذاكرة الموزعة والمذاكرة المجمعة، أو كيفية استعمال طريقة التلخيص وغيرها تمثل المعرفة الإجرائية.
    ج ـ المعرفة الشرطية Conditional knowledge . المعرفة التي تتعلق ب "متى ينبغي استعمال استراتيجية معينة" (سواء أتعلق الأمر باستراتيجيات التعلم أو اتخاذ القرار أو حل المشكلات وغيرها)، أو تتعلق بأسباب أو دواعي استعمالها ( لماذا تستعمل؟). كمعرفة الطالب متى يستحسن استعمال استراتيجية التلخيص، أو لماذا يفضل استعمال هذه الاستراتيجية في مواقف تعلمية معينة.
    أما المجموعة الثانية فيطلق عليها إما بتنظيم المعرفة أو تنظيم النشاط المعرفي Regulation of cognition ، أو الضبط الذاتي المعرفي أو السيطرة الذاتية المعرفية self-control of cognition ، أو التنظيم الذاتي المعرفي self-regulation of cognition ، أو الإدارة الذاتية للمعرفة أو الأنشطة المعرفية cognitive self-management . ولعل الجوانب التي يتكرر ذكرها في هذا المجموعة تتلخص في العمليات أو المهارات التالية:



    جدول رقم ( ) أبعاد تفكير التفكير، أو ما وراء المعرفة كما وردت في أهم الدراسات.
    الأبعاد المقترحة لتفكير التفكير


    ـ معرفة الفرد بخصائص المعرفةmetacognitive knowledge
    . الفرد: معرفة الفرد بخصائصه الذاتية، وحالاته الوجدانية، وإمكانياته العقلية.
    . المهمة: الوعي بأن أنماط مختلفة من المهام تتطلب أنماطا مختلفة من المعالجة يؤثر على كيفية التعاطي الذهني أو المعرفي معها.
    . الاستراتيجيات: ويميز بين الاستراتيجيات المعرفية، أي الإجراء المباشر الذي يعمد إليه الفرد لتحقيق الهدف أو غرض معين ، مثل استعمال استراتيجية التلخيص أو التساؤل. أما الاستراتيجيات فوق المعرفية فتقوم على عملية التوجيه الذاتي أو التنظيم الذاتي أو التقويم الذاتي للإجراءات المعرفية أو الاستراتيجيات المعرفية السابقة كأن يتساءل الفرد هل إلقاؤه للأسئلة كان دقيقا، هل كانت الأسئلة مناسبة، هل تعلقت بجوانب هامة من الموضوع.
    ـ التجارب أو "المعيش" ذات العلاقة بما وراء المعرفة metacognitive experiences

    ( Flavell, 1979 )

    ـ الوعي بالمعرفة أو النشاط المعرفيKnowledge of cognition
    . المعرفة التصريحيةDeclarative knowledge: مثل معرفة الطالب باستراتيجية القراءة الشائعة الاستعمال مثلا.
    . المعرفة الإجرائية: operational knowledge ومن أمثلتها معرفة القارئ بكيفية استخدام إستراتيجية القراءة وتنويع استخدام حسب طبيعة النص وموقف القراءة (كيفية توظيف استراتيجية التلخيص، وإستراتيجية التساؤل وغيرها).
    . المعرفة الشرطيةConditional knowledge: معرفة متى ولماذا تستخدم إستراتيجية معينة (مثلا متى يستحسن استخدام استراتيجية التساؤل ولأي سبب).
    ـ تنظيم المعرفة أو النشاط المعرفيRegulation of cognition وتشمل:
    . التخطيطplanning
    . الرصد أو التتبع أو المراقبةmonitoring
    . التقييم أو التقويم evaluation

    Brown, 1978

    ـ التقييم الذاتي المعرفيcognitive self-appraisal
    التقديرات والأحكام التي يمارسها الفرد إزاء إمكانياته وقدراته المعرفية، وإزاء عوامل المهمة أو النشاط التي تؤثر في النشاط المعرفي، وحول الاستراتيجيات المعرفية التي قد تعزز أو تعرقل الأداء.
    إن التقييم الذاتي يجيب عن الأسئلة من طراز "ماذا أعرف" (المعرفة التصريحية)،"كيف تفكر" (المعرفة الإجرائية)، وأخيرا "متى ولماذا توظف أو تطبق المعرفة والاستراتيجيات" (المعرفة الشرطية).

    ـ الإدارة الذاتية للنشاط المعرفيcognitive self-management
    . التخطيط: تحديد الأهداف وتعبئة الموارد قبل أداء المهمة
    . التنظيم: رصد سير العمل ومراقبته وتصحيح الأداء وتصويبه خلال الأداء.
    . التقويم: تقييم الأداء ومراجعته بعد إنجاز المهمة

    Paris & Winograd 1990 Jacobs & Paris, 1987

    ـ المعرفة والسيطرة أو التحكم الذاتيknowledge and control of self
    . الالتزام
    . المواقف
    . الانتباه
    ـ المعرفة وضبط العمليات: وتنطوي على جانبين: أهمية المعرفة المتعلقة بما وراء المعرفة، والتحكم في التنفيذ أو التطبيق.
    - أهمية المعرفة
    . المعرفة التصريحية
    . المعرفة الإجرائية
    . المعرفة الشرطية.
    - السيطرة التنفيذية:
    . التخطيط
    . التنظيم
    . المراقبة
    . التقويم

    Marzano et. al. 1988

    ـ المعرفة حول المعرفةKnowledge of cognition
    . المعرفة التصريحية
    . المعرفة الإجرائية
    . المعرفة الشرطية
    ـ تنظيم المعرفة أو النشاط المعرفيregulation of cognition
    . التخطيط
    . إدارة المعلومات information management
    . التعامل مع جوانب الغموض debugging strategies
    . الرصد الذاتي أو المراقبة الذاتية self-monitoring
    . التقويم

    Schraw & Dannison, 1994
    أ ـ التخطيطplanning : ومن أمثلة الأنشطة المتعلقة بالتخطيط في سياق التعلم، التحديد المسبق للأهداف المتوخاة من عملية التعلم، تعبئة الموارد قبل التعلم (تهيئة الوثائق، الاطلاع على الاختبارات السابقة للامتحان الحالي، توقع مصادر الدعم أو المساعدة أي التفكير في الأفراد الذين يمكن الرجوع إليهم للمساعدة أو عند الحاجة)، طرح الأسئلة حول النص قبل قراءته، توقع الصعوبات قبل وقوعها والتفكير المسبق في كيفية مواجهتها.
    ب ـ الرصد الذاتي المعرفي cognitive self- monitoring: ومن أمثلته متابعة المتعلم لانتباهه وتركيزه خلال القراءة أو عند الاستماع لمحاضرة؛ لجوء المتعلم إلى إجراء امتحان ذاتي وذلك بالتفكير في أسئلة تتعلق بموضوع الامتحان الذي يحضر له، لكي يجيب عليها بنفسه وذلك لرصد مدى استيعابه للموضوع؛ تقدير مدى فهم أفكار النص أثناء القراءة، وعند الشعور باضطراب الفهم قد يلجأ إلى الإبطاء من وتيرة القراءة. إذن،هذه الاستراتيجية تجعل المتعلم في حالة تهيؤ ويقظة واستنفار عند رصد اضطراب في الانتباه أو الفهم أو الاستيعاب بحيث يتطلب هذا الاضطراب تصحيحا أو علاجا عن طريق استراتيجيات التنظيم الذاتي التي سنتطرق إليها.
    ج ـ التنظيم الذاتي المعرفي cognitive self-regulation : ترتبط استراتيجيات التنظيم الذاتي ارتباطا وثيقا باستراتيجيات الرصد الذاتي إذ تستهدف علاج الأخطاء، ورأب الخلل، وإصلاح الاضطراب، وتصحيح مسار السلوك التعلمي ومستوى الفهم والاستيعاب. ومن أمثلة التنظيم الذاتي المعرفي قراءة النص مرة ثانية بتأن وروية ، وضبط وتيرة القراءة بما يحقق الفهم عندما يكشف الرصد الذاتي خلال القراءة أن النص صعب ، أو أنه غير مألوف. وكذلك ترك الإجابة عن بعض الأسئلة خلال الامتحان بهدف الرجوع إليها لاحقا.
    د ـ التقويم Evaluation : إذا كان الرصد الذاتي المعرفي تقويم أي تقييم وحكم عن سير الأنشطة المعرفية خلال القيام بالمهمة أو التعلم أو اتخاذ القرار أو حل المشكلات، فإن التقويم أيضا هو تقييم وحكم لكن عقب الانتهاء من الأداء أو مرحلة من مراحله. وبالتالي فمادة التقويم تتجلى في مخرجات النشاط أو نتائجه بينما مادة الرصد الذاتي فهي العمليات خلال أداء النشاط.


    تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة وسياق العولمة
    لقد حاولنا أن نصف في الفصل التمهيدي ملامح العولمة والتي تتسم بالتقدم العلمي والتكنولوجي غير المسبوق والثورة المعلوماتية والاتصالية. ونتوقع أن هذا السياق الحضاري الجديد فرض تحديات جديدة على العقل البشري، وانتج متطلبات على مستوى خارطة القدرات العقلية والمهارات الفكرية والمعرفية. وتأتي في مقدمتها المعتقدات أو المنطلقات الإبستمولوجية للمتعلم، ومهارات ما وراء المعرفة، أو تفكير التفكير.
    وسنتناول أهمية مهارات ما وراء المعرفة في سياق العولمة بالتطرق إلى نشاط الذاكرة وكيف ينبغي التعامل مع قدراتها من منظور تفكير التفكير، من جهة ؛ وإلى التعلم الذاتي التنظيم self-regulated learning ، من جهة أخرى.
    ينبغي أن يتغير تصورنا لعمل الذاكرة في سياق عولمي يزخر بالمعلومات المختلفة ويعج بالمعارف المتباينة. فالذاكرة لن تستطيع أن تتعامل بكفاءة مع زخم المعلومات وتنوعها حاليا ومستقبلا إذا تم التركيز فقط على الآليات المعززة لقدراتها على التخزين والاحتفاظ. إن ثمة جوانب أخرى للذاكرة لم يلتفت إليها كثيرا تنأى بالذاكرة من الأنشطة الاحتفاظية أو الاسترجاعية أو التعرفية السلبية إلى قدرة مفكرة فاعلة. قدرة تعنى بإعادة تنظيم الخبرات وإعادة صياغة دلالات التجارب، وبناء علاقاتها وارتباطاتها. قدرة تضطلع برصد أنشطتها التذكرية، وتتبع عملياتها، وإدارة رصيدها الخبراتي، ومراجعة استراتيجيات عملها، والوعي بمواطن قصورها وحدودها. وبعبارة موجزة الاعتناء في ظل العولمة بقيادة الذاكرة (meta-memory أي القدرات القيادية أو الإشرافية الفاعلة لعمل الذاكرة)، أو فكر الذاكرة وترشيدها وعقلنتها (التقليل من الاعتماد الكلي على الآليات التلقائية لعمل الذاكرة إلى تنشيط عمليات التنظيم والتجهيز الدلالي القائم على المعنى في معالجة المعلومات والخبرات في الذاكرة).
    فمثلا يمكن أن نلتفت إلى أثر المرجعية الذاتية self-reference effect في تنشيط عمل الذاكرة وتفعيلها. ويقصد بأثر المرجع الذاتي مدى نجاح الفرد في ربط المعلومات والخبرات الجديدة بالخبرات السابقة للذات والتي تكون قد اتخذت بنية تنظيمية معينة تعين الفرد على تنظيم الخبرات الجديدة وتفسيرها. أي أن الذات تمثل إطارا ثريا ومنظما من الدلالات والخبرات التي يمكن تفعيلها إذا ما استطاع الفرد أن يقيم روابط بين الخبرات الجديدة وبين الإطار المرجعي لخبرات الذات. ولقد أظهرت الدراسات التجريبية أن توظيف الذات كمرجع لربط الخبرات الجديدة بها ترتبط بديناميكية تذكرية فاعلة من حيث كفاءة الاحتفاظ والاسترجاع والتعرف ومقاومة النسيان ( Katz, 1987; Bower & Gilligan, 1979; Mills, 1985 ). ومن الدلالات التطبيقية القوية لأثر الذات أن الربط والتوليد والتداعي الذي يحدث نتيجة الجهد العقلي للمتعلم يكون أيسر في الحفظ، وأدوم في الاحتفاظ، وأكثر قابلية للاسترجاع بمعدلات تفوق التوليد أو التداعي الذي يحدث بمعرفة المعلم. ،وكذلك، فإن تجهيز المعلومات ومعالجتها عند المستوى الأشد عمقا عندما يقوم الفرد بإيجاد نوع من العلاقات بين عناصر أو مكونات المادة موضوع التعلم وإطاره المرجعي الشخصي (الزيات، 1998، ص: 298)، أي أنه وفقا لمنحى مستويات تجهيز ومعالجة المعلومات (وهو منظور آخر لدراسة عمل الذاكرة) الذي يفترض وجود عدة مستويات للتجهيز والمعالجة وهي المستوى السطحي والمستوى المتوسط والمستوى العميق والمستوى الأكثر عمقا، تكون معالجة المعلومات في الذاكرة عند المستوى الأعمق عند تنشيط المتعلم للمرجع الذاتي وتوظيفه.
    إذن لما كان تجهيز المعلومات ومعالجتها ـ حيث تلعب الذاكرة دورا استراتيجيا وجوهريا ـ عمليات حيوية في المواقف التعلمية وفي جميع مناحي الحياة، فمن الضروري أن يعاد النظر في تعاملنا مع أنشطة الذاكرة، وفي توظيفنا لها في المواقف التربوية التعليمية. فتعاملنا وتوظيفنا لها يركز على الآليات التلقائية من احتفاظ واختزان واستدعاء واسترجاع وتعرف التي تحدث بفعل التكرار والتسميع والتي لا تستثمر أي جهد عقلي فردي للمتعلم. لا بد أن تتغير نظرتنا للذاكرة باعتبارها قوة مفكرة هادفة تنطوي ـ بالإضافة إلى العمليات التذكرية الآلية والتلقائية ـ على العمليات العقلية العليا كالمراجعة والرصد والتتبع والتنظيم والتقييم وإدارة الخبرات التي تشكل محتواها. وتطوير هذه العمليات العليا في الذاكرة ذات العلاقة بعمليات التفكير لدى المتعلم من شأنه أن يقلص الهوة بين تركيز التعليم على تطوير الذاكرة بمفهومها الآلي الميكانيكي وبين تعليم التفكير وتعلم التعلم. ولعل التعامل مع قدرات الذاكرة وفقا لهذا المنظور ليعتبر أمرا حيويا في الظروف الراهنة للعولمة وفي المستقبل.
    كذلك نرى أن خارطة القدرات التي يجب أن تحظى باهتمام خاص وبالتطوير والتنمية تلك القدرات التي تشكل قوام التعلم الموجه ذاتيا أو التعلم ذاتي التنظيم أو التنظيم الذاتي للتعلم self-regulating learning . ولا يقصد بهذا المفهوم التعلم الذاتي لأن التنظيم الذاتي للتعلم يمكن أن يمارس في المواقف التعليمية الإلقائية وغير الإلقائية، الجماعية والفردية، المتمركزة حول المعلم والمتمركزة حول المتعلم. فالتعلم ذو التنظيم الذاتي يتجلى في مدى إسهام الطالب بجهوده الشخصية في تنظيم عمليات التعلم بتوظيف قدراته المعرفية الماورائية، وأبعاد الدافعية، والسلوكية الأدائية. إذ بدلا من الاعتماد على المدرسين، والآباء ، وغيرهم، يتجلى التنظيم الذاتي للتعلم في مبادرة المتعلم شخصيا في بذل الجهود التدريسية، وتوجيهها توجيها ذاتيا لتحصيل المعرفة والمهارات والخبرات.
    فالطالب الذي يتدرب على إلقاء عرض في حجرته متخيلا وجود الطلاب أمامه وهم يستمعون له، تحسبا لما يمكن أن يعترضه من صعوبات أو عوائق عند العرض الفعلي لبحثه، ومحاولته توقع ما يثيره عرضه من أسئلة. والطالب الذي يلجأ إلى وضع أشكال ورسوم بيانية وجداول لإبراز المفاهيم وعلاقاتها، وتنظيم أفكار المادة التي يطالعها، والطالب الذي يعمد عند استذكار مواد المقرر إلى مناقشتها مع زملائه، ويتبادل معهم الأسئلة الاختبارية للتأكد من مستوى التحصيل، والطالب الذي يلجأ إلى جمع المعلومات من مصادر مختلفة: المحاضرات والقراءات والمناقشات، عند المذاكرة، فإنما يحاولون أن ينظموا أنشطتهم التعلمية ويديرونها، معتمدين على مبادراتهم الخاصة وجهودهم الشخصية، تحقيقا للأهداف المتوخاة.
    تقوم عمليات التنظيم الذاتي للتعلم على استراتيجيات متنوعة ذات أبعاد ذاتية وسلوكية ومحيطية أو موقفية. ووفقا لدراسة "زيمرمان" و مارتنيز-بونز" (Zimmerman & Martinez-Pons, 1986 )، تتمثل أهم الاستراتيجيات التي يوظفها الطلاب في التنظيم الذاتي للتعلم أثناء نشاطهم الدراسي فيما يلي: تحديد الهدف والتخطيط goal-setting and planning ؛ تقييم الذات self-evaluation ؛ طلب المعلومات seeking information؛ التنظيم والتحويل organizing and transforming؛ الاحتفاظ بالسجلات ورصد الذات keeping records and self-monitoring؛ ترتيب محيط الدراسة أو التركيب البيئي environment structure؛ مكافأة أو تعزيز الذاتself-consequences ؛ التسميع والاستظهار rehearsing and memorizing؛ التماس المساعدة من الأقران والمدرسين والكبارeeking peer, teacher and adult assistance؛ ومراجعة السجلات والاختبارات والكتب المدرسية reviewing notes, tests, and textbooks
    وفي سياق العولمة الذي يتطلب أن يكون المتعلم فاعلا غير سلبي، صانعا لعملية التعلم لا متلق لها ، منتجا للمعنى والدلالة (باعتبار أن تنظيم محتوى التعلم من جديد، وتنسيقه عبر نسيج من العلاقات إبرازا للمعنى والدلالة، ومحاولة قراءته من زوايا مختلفة، وتحليله تحليلا نقديا، ضروب من إنتاج المعاني والدلالات وبالتالي إنتاج المعرفة بمفهومها التربوي العام لا بمفهومها الضيق الذي ينحصر في إبداعها ) لا مستقبل لها فقط، تكمن أهمية التنظيم الذاتي للتعلم أيضا في توظيفها لعدد من مهارات وقدرات ما وراء المعرفة أو تفكير التفكير. أي القدرات والمهارات التي تدير ذات المتعلم، وتوجهها وتتابع تقدمها، وترصد عثراتها وتقيمها وتقومها بتصحيح مسارها التعلمي، كما تمد المتعلم بمعرفة ووعي بعملياته المعرفية والوجدانية الموظفة في عملية التعلم.
    إن مهارات تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة والتي تتمثل في الوعي الذاتي بالعمليات المعرفية الوجدانية التي تنشط في المواقف التعلمية، وفي التخطيط والتنبؤ والتنظيم والمتابعة والرصد الذاتي والتقييم والمراجعة والإدارة الذاتية، والتي تنشط كثيرا في مجال الذاكرة بالمفهوم الحديث الذي أكدنا عليه، وتشكل الأرضية الأساسية للتنظيم الذاتي للتعلم كما أوضحنا، والتي تقود عمليات عقلية معرفية متعددة ووجدانية أخرى، فبسبب دورها القيادي ( بإشراف الإبستمولوجيا الفردية التي تطرقنا إليها آنفا) للعمليات العقلية التحصيلية، وبسبب وظيفتها التي تتعدى مجرد البحث عن المعلومات (التي قلت أهميتها نتيجة انحسار "الندرة المعلوماتية" أمام "الوفرة المعلوماتية" في ظل العولمة)، ومجرد استقبالها وتخزينها (وهو ما أضحى أمرا صعبا نتيجة للتدفق المعلوماتي اللامحدود، وتجددها وتطورها السريع، وتوفر وسائط أخرى لتخزين المعلومات) إلى معالجتها عبر عمليات التنظيم والتخطيط والاختزال والرصد والتقويم والنقد والمراجعة، مما يمكن المتعلم من التعامل مع المواقف التعلمية المتباينة، ومع التدفق المعلوماتي في سياق العولمة (حيث أن هذه الوفرة المعلوماتية تتفاوت صحة وخطأ، جودة وضحالة، عمقا وسطحية، حقيقة وزيفا) بوعي وكفاءة وفاعلية.

    التفكير الناقد وسياق العولمة:
    إن مفهوم التفكير الناقد يعيش مفارقة طريفة على مستوى التصور. فمن ذا الذي لا يعرف ما المقصود بالتفكير الناقد أو بالنقد، لكون هذا اللفظ دارج وشائع في الحياة اليومية، من جهة، ولأنه تعبير متواتر جدا في اللغة العربية من جهة أخرى. ومع ذلك، يعيش أزمة تعريفية حقيقية كمصطلح. فمفارقته أنه يجمع بين الوضوح والغموض، وبين البساطة والتعقيد، وبين الثبات والمرونة، وبين التحديد واللاتحديد. فدلالالته واضحة تلقائيا وبديهية على المستوى اللغوي والاستعمال العامي، معقدة ومتشعبة على المستوى الأكاديمي.
    إن الواقعة الطريفة التي جرت للفيلسوف جون ماكبيك John McPeck (1990) لتحمل دلالة ومغزى في هذا السياق. أحد أعمام جون ماكبيك ـ وهو رجل أعمال ـ سأل هذا الفيلسوف عما يمكن أن يضيف كتابه عن التفكير الناقد أو يقوله في الموضوع. وبعد أن لخص له الفيلسوف الأطروحات الأساسية التي احتواها كتابه، أجابه عمه على الفور: "هل تحتاج إلى تاليف كتاب كامل لقول هذا. إنكم معشر الأكاديميين لبقون في جعل الأشياء البسيطة البديهة تبدو معقدة" . فتعبير كالتفكير الناقد يحمل في اعتقاد العم وكذا في الاستعمال العام معاني واضحة وبديهية وبسيطة، وبالتالي لا تثير أي خلاف في استعماله وفهمه، ولا يحتاج إلى تأليف كتب لتوضيح ماهيته ما دام هذا اللفظ بسيطا وبديهيا. غير أن لفظ التفكير الناقد ـشأنه شأن أي لفظ آخرـ ما إن يرقي إلى مستوى المفهوم، ويلج الحقل الأكاديمي، حتى يتخذ أبعادا جديدة، ويطعم بدلالات مختلفة وفقا لمنظورات الباحثين ومشاربهم النظرية.
    وعليه بدلا من ولوج دهاليز التعاريف، لعل الأمر الذي يمدنا باستبصار أكثر عن المفهوم يكمن في التساؤل عن سمات الشخصية الناقدة، التي قد تسلط أضواء عن ملامح التفكير الناقد ومميزاته. ومن بين القوائم المختلفة التي حددت هذه الصفات، تستهويني نتائج دراسة فاروق السيد عثمان (1992) نظرا لما تتمتع به من لحمة منطقية، ومن تكثيف وتغطية للأبعاد الجوهرية للتفكير الناقد. لقد استخلص الباحث باستعمال التحليل العاملي الاستكشافي ست عوامل أو أبعاد وهي:
    ـ بعد أو عامل التقويم: ويتضمن القدرة على إصدار الحكم، وتقويم الحجج، والقدرة على الاستدلال.
    ـ بعد المعرفة: ويتضمن القدرة على التحدي، والتخيل النقدي، والمخاطرة المدروسة، والمرونة المعرفية وتحمل الغموض.
    ـ بعد فهم قواعد المنطق: وتشمل معرفة قواعد المنطق ، والربط، والتنظيم العقلاني، وكشف المغالطات أثناء النقاش.
    ـ بعد القدرة على التفسير: ويتضمن القدرة على الاكتشاف والنقاش والجدل والميل إلى التناسق المعرفي، والتفسير المنطقي للظواهر الحياتية، وتطبيق المعارف.
    ـ البعد الوجداني: وينطوي على القدرة على التكيف مع المواقف الجديدة، والثقة بالنفس، والدرجة العالية من الاتزان، وتقبل آراء الآخرين، والاتصاف بالنشاط والفاعلية.
    ـ بعد الحساسية تجاه المشكلات: ويتضمن الحساسية تجاه المشكلات، والقدرة على وضع الافتراضات الصحيحة، وتحديد المشكلة بطريقة منطقية.
    إن سياق العولمة، وما واكبها من ثورة معلوماتة كسرت الحواجز وتجاوزت الحدود القومية لتغمر بسيلها الجارف كل مكان، وما رافقها من ثورة اتصالية اخترقت حدود الزمن والمكان. لقد خمدت جدوة الشعور بالفقر المعلوماتي وحلت محلها الشكوى من التخمة المعلوماتية أو الاتصالية. إن الوسائط المعلوماتية المختلفة ولا سيما الانترنت لتقذف المتعلم بسيل غزير ومتنوع من المعلومات. غير أن المعلومات والمعرفة التي تتدفق عبر هذه الوسائط تحمل في طياتها الغث والسمين، وتنطوي على الاتساق والتناقض، الدقيق والفضفاض، البسيط والمعقد، الوقائع وشطحات الخيال، الصحيح والزائف، الأخلاقي وغير الأخلاقي، والعلمي والتجاري. بل أكثر من ذلك، رغم الكثافة الكمية لهذا التدفق المعلوماتي إلا أن معظم المعلومات تنحو نحو السطحية وتفتقر إلى العمق، ومفعمة بالجزئيات والتفاصيل التي تعتم الصورة الكلية التكاملية للمواضيع، ويندس تحت بريق إخراجها الفني تثقيف أيديولوجي معين، وتتسرب عبر فن التقديم والتركيب والعرض والإخراج قيم ثقافية معينة؛ كل ذلك يقتضي من المتعلم في بيئاتنا العربية إعمال قدرات الفرز والانتقاء، والموازنة والتدبر، والفحص والتمحيص، والنقد والتقييم، والتحسب والبصيرة، والشك المنهجي والتعمق، وبتعبير موجز وشامل إن هذا التدفق المعلوماتي الاتصالي وما ينطوي عليه من غث وسمين يقتضي توظيف وتطوير التفكير الناقد لدى المتعلم.
    وطالما كان السياق الاتصالي والمعلوماتي للعولمة يخاطب بشدة التفكير الناقد ويبرز ضرورته القصوى، يبقى أن نتساءل ما هي مهارات التفكير الناقد الأكثر أهمية وتفعيلا في هذا السياق؟.
    وإذا أمكن تلخيص قائمة مهارات التفكير الناقد الأكثر ورودا في الأدبيات بأنها تشمل الكشف عن المسلمات المبطنة للآراء، والتعرف على الافتراضات الضمنية، والكشف عن المغالطات المنطقية، والتعرف على عدم الاتساق في سيرورة التفكير والاستنتاج، والتمييز بين الحقائق القابلة للإثبات والادعاءات القيمية، وتقدير مصداقية مصدر المعلومات، والتعرف على الادعاءات والحجج والمعطيات الغامضة، والكشف عن التحيز، وتقييم أو تقدير قوة البرهان أو الادعاء، والتنبؤ بالمترتبات أو المآل ؛ وإذا كانت بعض مهارات التفكير الناقد ذات صلة وظيفية مباشرة بسياق العولمة الذي وصفناه آنفا مثل الكشف عن المغالطات، والتعرف على عدم الاتساق في مسار التفكير والاستنتاج، والتمييز بين الحقائق القابلة للإثبات والادعاءات القيمية، والكشف عن التحيز، وتقدير مصداقية مصدر المعلومات، وتقييم أو تقدير قوة البرهان أو الادعاء، والتعرف على الادعاءات والحجج والمعطيات الغامضة، فإن المهارة الجوهرية للتفكير الناقد والتي ينبغي تفعيلها وتطويها في سياق العولمة تتمثل في القدرة على الكشف عن المسلمات والافتراضات والتفطن لها وتحديدها.
    إن محاولة تحديد المسلمات التي تقبع وراء الأفكار، والمعتقدات، والقيم والتصرفات تشكل محور التفكير النقدي، ويشرع المفكرون الناقدون ـ حالما تحدد هذه المسلمات ـ باختبار مدى دقتها وصلاحيتها. ( بروكفيلد، 1993، ص: 20). إن المسلمات والافتراضات وفقا لينجر ( Yinger, 1980,p:160 ) تستخدم كأساس للنظريات الضمنية، النظريات غير المدروسة أو اللاشعورية التي تسمح لنا بتركيب، وتفسير وفهم عالمنا. وتصبح النظريات الضمنية العدسة والمصفاة للتجربة اليومية، وتشير إلى ما يراه ويفسره المرء. ولما كانت المهمة الأساسية للتفكير الناقد هي إظهار ما هو ضمني في طريقة نظرنا إلى العالم، فهي أيضا هدف النموذج الجديد من البحوث الاجتماعية والتنظيمية التي تدعى بـ "العلم العملي" الذي يدرس الافتراضات، والنظريات الضمنية، والمعرفة المضمرة المبطنة لتصرفات الناس. ( Argyris, et al. 1985 ).
    إن إدارة مهارات التفكير الناقد في سياق العولمة بالتعرف على هذه المهارات في هذا السياق ، وتحديد أهميتها، وصقلها وتنميتها وتطويرها لدى المتعلمين، ينبغي ألا يحجب الأهمية المكانة البارزة التي ينبغي أن تتبوؤها عمليات الكشف عن المسلمات والافتراضات. فمع الإقرار بأهمية المهارات المختلفة التي تشكل قوام التفكير الناقد، غير أنه في عالم يسود فيه خطاب إتصالي مهيمن يخفي أكثر مما يظهر، ويتعامل بالمستتر والضمني أكثر من الصريح، وبالمسكوت عنه أكثر من المصرح به، مشبع بالنوايا والمتقدات والأيديولوجيات، ينبغي أن تتبوأ مهارة التفطن للمسلمات والافتراضات والكشف عنها هرم مهارات التفكير الناقد.



    المراجع العربية

    إبراهيم، مجدي عزيز (2001) المنهج التربوي العالمي: أسس تصميم منهج تربوي في ظل التنوع الثقافي. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
    بروكفيلد، ستيفن د (1993) تنمية التفكير النقدي. ترجمة سمير عبد اللطيف هوانة، مراجعة: رجاء محمود أبو علام. صفاة: الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية.
    بروور، جون ت. Bruer; John T. (2000) مدارس تعليم التفكير. ترجمة محمد الأنصاري. الكويت: شركة دار الشروق.
    بهاء الدين، حسين كامل (1997) التعليم والمستقبل. القاهرة: دار المعارف.
    جروان، فتحي عبد الرحمن (1999) تعليم التفكير: مفاهيم وتطبيقات . عمان - الأردن:دار الكتاب الجامعي.
    الجابري، محمد عابد(1998) العولمة والهوية الثقافية: عشر أطروحات. العرب والعولمة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
    حسين، ثائر، فخرو، عبد الناصر (2002) دليل مهارات التفكير: 100 مهارة في التفكير. عمان، الأردن: جهينة للنشر والتوزيع.
    الخطيب، حسام (2001) مرجعية النص الأدبي وأفقها في عصر المعلوماتية. في : آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية. تأليف: حسام الخطيب & رمضان بسطاويسي محمد. دمشق: دار الفكر. صص:9ـ60 .
    الخطيب، حسام & محمد، رمضان بسطاويسي (2001) آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية. دمشق: دار الفكر.
    رامونيه، إ. (2000) نزال بين توجهات العولمة: توتاليتارية جديدة. مجلة الثقافة العالمية، العدد 102، صص:18-31.
    الري، مباركة صالحة الكرف (2000) بروفيل الاعتقادات العلمية لدى الطالبات المعلمات في تخصص العلوم الطبيعية بكلية التربية جامعة قطر. مجلة البحث في التربية وعلم النفس. العدد الأول، المجلد الرابع عشرز صص:42 ـ 78 .
    الزيات، مصطفى فتحي (1998) الأسس البيولوجية والنفسية للنشاط العقلي المعرفي: المعرفة والذاكرة والابتكار. المنصورة: دار النشر للجامعات.
    عارف، نصر محمد (2001) في إبستمولوجيا الخطاب العربي المعصر. في : إشكالية الخطاب العربي المعصر. تأليف: كمال عبد اللطيف & نصر محمد عارف. دمشق: دار الفكر. صص: 63ـ119.
    عامر، عزت (2003) ثقافة ثالثة وراء الثورة العلمية: عرض لكتاب جون بروكمان. العربي. العدد:540 . صص:186ـ191 .
    عمار، حامد (2000) مواجهة العولمة في التعليم والثقافة. القاهرة:مكتبة الدار العربية للكتاب.
    فضل، نبيل& اليماني، سعيد (1997) بروفيل المعتقدات العلمية لمعلمي العلوم بدولة البحرين. المجلة التربوية، العدد 42، المجلد 11. صص: 137ـ183.
    كونتر، ب. أ. (2000) نزال بين توجهات العولمة: معركة رأس المال. مجلة الثقافة العالمية، العدد 102، صص:18-31.
    محمد، رمضان بسطاويسي (2001) آفاق الإبداع والحرية في عصر المعلوماتية. في : آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية. تأليف: حسام الخطيب & رمضان بسطاويسي محمد. دمشق: دار الفكر. صص: 61ـ123.

    المراجع الأجنبية

    Argyris, C., Putnam, R., and Smith, D. M. (1985) Action Science: Concepts , methods and skills for research and intervention. San Francisco: Jossey-Bass.
    Baxter Magolda, M. B. (1992). Knowing and reasoning in college: Gender-related patterns in students’ intellectual development. San Francisco: Jossey Bass.
    Baxter Magolda, M. B. (2002). Epistemological reflection: The evolution of epistemological assumptions from age 18 to 30. In B. K. Hofer & P. R. Pintrich (Eds.), Personal epistemology: The psychology of beliefs about knowledge and knowing. Mahwah, NJ: Erlbaum. Pp,89-102.
    Belenky, M. F., Clinchy, B. M., Goldberger, N. R., & Tarule, J. M. (1986). Women’s ways of knowing: The development of self, voice and mind. New York: Basic Books.
    Biggs, j. B. & Moore, P. J. (1993) The process of learning. New York: Prentice Hall.
    Bower, G. H. & Gilligan, S. G. (1979). Remembering information related to one’s self. Journal of Research in Personality, 13, 240-432.
    Brockman, J ( ) The third culture: Beyond the scientific revolution.
    Brown, J. H. (1978) Knowing when, where, and how to remember: A problem of Metacognition. In R. Glaser (Ed.) Advances in instructional psychology. New York: Halsted Press.
    Brown, A. L. and Armbrusten, L. B.(1986) The role of Metacognition in reading and studying. In J. Orasann(ed.) Reading comprehension: from research to practice. Hillsdale, N. J.: Lawrence Erlbaum.
    Flavell, J. H. (1976). Metacognitive aspects of problem solving. In l. B. Resnick , ( Ed.) The nature of intelligence.. New Jersey:Lawrence Erlbaum, Hillsdale. pp:231-235
    Flavell, J. (1979) Metacognition and cognitive monitoring: a new area of cognitive-development inquiry. American Psychologist, 34, pp. 906-911.
    Jacobs, J. E. & Paris, S. G. (1987) Cildren Metacognition about reading: Issues in definition, measurement and instruction. Educational Psychologist, 22, pp. 255-278.
    Katz, A. N. (1987) Self-reference in the encoding of creative-relevant traits. Journal of Personality. 55, pp. 97-120.
    Kitchner, K (1983) Cognition, Metacognition, and Epistemic Cognition: A three level of cognitive processing. Human Development. 26, pp. 222-232.
    Kuhn, D. (1991). The skills of argument. Cambridge, England: Cambridge University Press.
    Kuhn, D. (1999) A Developmental model of critical thinking. Educational Researcher, 28(2), pp. 16-25.
    Marzano, R. J. & et al. (1988). Dimensions of thinking. Alexandria, VA: Association of supervision and curriculum development.
    McPeck, J. E. (1990) Teaching critical thinking. New York: Routledge.Mills, C. J.
    Mills, C. J. (1983). Sex-typing and self-schemata effects on memory and response latency. Journal of Personality and Social Psychology. 45, pp.163-172.
    Moore, W. S. (1989). The “ Learning Environment Preferences”: Exploring the construct validity of an objective measure of the Perry scheme of intellectual development. Journal of College Student Development, 30, pp. 504-514.
    Moore, W. S. (1991). The Perry scheme of intellectual and ethical development: An introduction to the model and major assessment approaches. Paper represented at the annual meeting of the American Educational Research Association, Chicago.
    Moore, W. S. (1994). Student and faculty epistemology in the college classroom: The Perry schema of intellectual and ethical development. In K. W. Prichard & R. M. Sawyer (Eds.), Handbook of college teaching: Theory and applications. Westport, CT: Greenwood Press. Pp.45-67.
    Newsome III, G. L. (2000) A review of some promising approaches to undertanding and improving thinking skills. Journal of Research and Development in Education. 33(4), pp. 199-221.
    Ormrod, J. E. (2000) Educational Psychology: Developing Learners. New Jersey: Prentice-Hall.
    Paris, S. G. & Winograd, P. (1990) How Metacognition can promote academic learning and instruction. In : Johns, B. F. & Idol, L. (Eds) Dimensions of thinking and cognitive instruction. New Jersey: Lawrence Erlbaum Associates.
    Perry, W. G. (1981) Cognitive and ethical growth: The making of meaning. In Chickering A. (Ed.) , The modern American college. . San Francisco: Jossey-Bass. Pp. 76-116.
    Resnick, L. (1987). Education and learning to think. Washington, DC: National Academy Press.
    Schommer, M. (1990). Effects of beliefs about the nature of knowledge on comprehension. Journal of Educational Psychology, 82, 498-504.
    Schommer, M. (1994). An emerging conceptualization of epistemological beliefs and their role in learning. In R. Gardner & P. A. Alexander (Eds.), Beliefs about text and instruction with text. Hillsdale, NJ: Erlbaum. Pp. 25-40.
    Schommer, M. (2002). An evolving theoretical framework for an epistemological belief system. In B. K. Hofer & P. R. Pintrich (Eds.), Personal epistemology: The psychology of beliefs about knowledge and knowing. Mahwah, NJ: Erlbaum. Pp,103-118.
    Schraw, G. & Dennison, R. S. (1994) Assessing metacognitive awareness. Contemporary Educational Psychology. 19, pp. 460-475.
    Shoffner, Mary B. (2000). Using a Resource- Based Learning Environment to Faster Self- Directed learning in Pre-Service Teachers. Annual Meeting Of the AECT, Long Beach, CA.
    Trilling, B. & Hood, P. (1999). Learning Technology and Education Reform in the Knowledge Age. Educational Technology. 39(3), pp.5-17.
    Vaidya, S. R. (1999) Metacognitive learning strategies for students with learning disabilities. Education, (1),120.
    Vaker, L. and Brown, A. L. (1984) Metacognition skills and reading. In P. P. Pearson(ed.): Handbook of reading research. New York, Longman.
    Yinger, R. J. (1980) Can we really teach them to think?. In Youg, R. E. (ed.) Fostering Critical Thinking. New Direction for Teaching and Learning. No: 3, San Francisco: Jossey-Bass.










    [1] إذا كان جل ما ذكرناه يبدي الوجه الساطع والمشرق للعولمة غير أن أوجهها القاتمة الكئيبة متنوعة تنوع أوجها الساطعة. إن الفقر والأمية والعنف والمرض في حالة تصاعد. أنه من بين عدد سكان العالم البالغ 5,9 بليون نسمة نجد بالكاد 500 مليون نسمة يعيشون في ظل ظروف مريحة، في حين يعاني 4,5 بليون نسمة من ظروف الاحتياج. وأنه كذلك في عام 1960 قبل العولمة، كان أكثر من 20% من أثرى الأثرياء أغنى بمعدل ثلاثين مرة من 20% من أفقر الفقراء. لكن في عام 1997 وفي عز العولمة أصبح الأكثر ثراء أغنى بمعدل أربع وسبعين مرة من أفقر الفقراء في العالم. (رامونيه، 2000).


    [2] تتمثل هذه القدرات العقلية المركبة في (أ) التفكير الإبداعي ، (ب) حل المشكلات ، (ج) اتخاذ القرارات، (د) تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة Metacognition، (ه) التفكير الناقد؛ ونضيف أخيرا قدرة عقلية أخرى مركبة طالما عزبت عن أذهان المؤلفين وهي المعتقدات الإبستمولوجية أو الإبستمولوجيا الفردية أو الشخصية epistemological beliefs; epistemic beliefs, personal epistemology.

    [3] العبارات الموضوعة بين قوسين تمثل نماذج أو أمثلة عن استراتيجيات القراءة.


    ة، في حين يعاني 4,5 بليون نسمة من ظروف الاحتياج. وأنه كذلك في عام 1960 قبل العولمة، كان أكثر من 20% من أثرى الأثرياء أغنى بمعدل ثلاثين مرة من 20% من أفقر الفقراء. لكن في عام 1997 وفي عز العولمة أصبح الأكثر ثراء أغنى بمعدل أربع وسبعين مرة من أفقر الفقراء في العالم. (رامونيه، 2000).



    [2] تتمثل هذه القدرات العقلية المركبة في (أ) التفكير الإبداعي ، (ب) حل المشكلات ، (ج) اتخاذ القرارات، (د) تفكير التفكير أو ما وراء المعرفة Metacognition، (ه) التفكير الناقد؛ ونضيف أخيرا قدرة عقلية أخرى مركبة طالما عزبت عن أذهان المؤلفين وهي المعتقدات الإبستمولوجية أو الإبستمولوجيا الفردية أو الشخصية epistemological beliefs; epistemic beliefs, personal epistemology.

    [3] العبارات الموضوعة بين قوسين تمثل نماذج أو أمثلة عن استراتيجيات القراءة.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2

    رد: إدارة مهارات التفكير في سياق العولمة

    دراسة مميزة في موضوع مهم
    شكرا أستاذة ريمة على النقل الجد موفق

    أظن الموضوع لصق مرتين

    تحياتي

  3. #3

    رد: إدارة مهارات التفكير في سياق العولمة

    نعم صحيح ولم استطع تعديلة الان
    لي عودة
    وشكرا للتنبيه
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. مهارات الاتصال
    بواسطة شذى ميداني في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-30-2014, 07:36 PM
  2. الفعل في سياق النفي
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى فرسان الإعراب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-22-2011, 03:13 AM
  3. برنامج تعليم مهارات التفكير : cort من يرغب
    بواسطة عبدالصمد زيبار في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 65
    آخر مشاركة: 06-25-2009, 06:56 PM
  4. مهارات دراسية
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان التعليمي.
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-30-2007, 03:44 PM
  5. مهارات التفكير
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-01-2007, 06:32 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •