أحاديث التشات مرض مزمن ورقابة غائبة
شباب
الأربعاء 28/11/2007
مالك أبو خير
ساعات تهدر , وسهر حتى الصباح, احاديث مختلفة من غرام وحب وتمنيات بلقاء عاجل لرؤية وجوه من تخاطبهم منذ وقت طويل, كلمات تتدفق على صفحات الكترونية لا قيود تذكر على كاتبيها,
حلل لهم كتابة كل ما منعوا عن قوله وكتابته ضمن صفحات مجتمعهم, مواعيد وصفقات راح ضحيتها الكثيرون .
تقدم تكنولوجي انتشر بين مقاهي بلدنا, وبين صفوف شبابه ممن لم يتجاوزوا العشرين من العمر, حول اصابعهم للآلات تتحرك على انغام لوحة مفاتيح كانت البداية لدخولهم دوامة نفسية طويلة.
انها (الشات) مرض كغيره من الامراض التكنولوجية المنتشرة في عصرنا هذا, اتت من بلاد الغرب كتقنية تستخدم بين الشركات والمؤسسات لتحقيق اكبر قدر ممكن من السرعة لانجاز الاعمال, وحين وصلت الى عتبات مجتمعنا العربي تحولت الى مهزلة حقيقية, شجع توسعها عوامل عديدة منها الربح العالي التي تقدمه لاصحاب تلك المقاهي الالكترونية , والصمت المعتاد للأجهزة الرقابة المختصة عن متابعة هكذا موضوع هام وعدم تنظيمه ودراسة كافة جوانبه والسلبية تحديدا, فيما قلم الصحافة قد جف لكثرة الكتابة عن هذا الموضوع ومعالجته.
(سامر) احد ابطال هذا المرض كما يقول عن نفسه, لم يتجاوز العشرين من العمر, كرس ساعات ليله بالكامل لقضاء الاوقات مع اصدقائه من مختلف دول العالم ليناقشهم في مواضيع وقضايا مختلفة لم تتجاوز حدود تفكيره الطفولي, لتتكون شخصيته في فترة تعد من اخطر مراحل حياته على ثقافات وجمل مختلفة (غير مضبوطة في حدودها) تنتقل على شاشة جهازه الالكتروني, فيما والدته (تؤكد) على انها على ثقة كاملة بوعيه وادراكه في تميزه بين الخطأ والصواب رغم عدم تجاوزه سن العشرين !
جواب متناقض تماما مع شكوى (ام ياسر) العاجزة عن ردع ولدها من التوقف عن هكذا نشاط قاتل لقد نشفت عروقه) تقول شاكية, منذ اكثر من سبعة شهور تغيرت حياته بشكل عكسي, انقلب ليله ونهاره, تراجع مستمر بدراسته وصحته فيما غطى السواد عيونه الشرهة بمتابعة كل ما يكتب على شاشته الالكترونية.
(هيام) فتاة في سن المراهقة, متفتحة وواعية ومثقفة هكذا تصف نفسها, تعتبر الشات وسيلة لابد من وجودها للتخاطب وتحقيق التطور لشخصيتها, مع تأكيد تام على وجود درجة عالية من الوعي لديها لتجنب كافة سلبيات هذه الظاهرة المرضية, فيما الاهل يلعبون دور (لا حول ولا قوة الا بالله) لعجزهم عن توقيف جموح ابنتهم الوحيدة عن جهازها الالكتروني.
في حين (ابو محمد) لم يجد سبيلا لمنع اولاده الثلاثة من التخلص من هذه الافة المخدرة لعقولهم سوى جمع (عضوات الحارة) ليشنوا هجوما بالعصي على صاحب احد محلات الانترنت في زقاق حارتهم الشامية واجباره على الاغلاق وحمل اغراضه هاربا .
(لقد دمر اولادي) يقول غاضبا: تدهور دراسي, ونوم حتى ساعات الظهر, وعبء مالي لا يحتمل لاموال تهدر على احاديث تافهة لا اكثر ولا اقل .
اضرار فادحة وصمت قاتل
لو عدنا الى صفحات مجلاتنا الورقية او الالكترونية بحثا عن المواضيع التي ناقشت هذه الظاهرة المرضية الخطيرة لوجدنا كلمات بعدد قطرات البحر, تتكلم عن اخطاره ومساوئه, وحوادث مؤلمة كثيرة للاشخاص من كلا الجنسين وقعوا في شباكه, فيما الصمت كان الجواب القاتل للاجهزة الرقابية المختصة, في تأكيد على عدم قدرتها على وضع حل ما لهكذا مادة مخدرة تدخل في عروق شبابنا من دون جمارك تراقب انتشار فتكها لعقولهم الطرية وعديمة الخبرة لدوامة الحياة ليصبحوا بعدها هدفا سهلا لاي جهات خارجية واقعين في شباكها العنكبوتية لتتحول عقولهم لمنفذ محترف لكل خططهم التخريبية والفكرية المدمرة لمجتمعنا المحافظ.
فمثلا بات الشات الآن لجماعة (عبادة الشيطان) وغيرهم( من الجماعات التخريبية) المكان الافضل والاوسع لهم لتحقيق الانتشار الامثل لأفكارهم من خلال استقطاب المزيد من العقول السهلة اصطيادها عبر عناصرهم (الخبيرة في الاصطياد) وخصوصا كون مجال النقاش امامهم مفتوحاً للتحدث في كافة الامور و المواضيع وبكامل الحرية مع اشخاص (في سن المراهقة) لا يمتلكون ادنى وسيلة من وسائل الدفاع عن افكارهم المنزلية والتربوية .
في حين كما قلنا بقي الرقيب المختص في هذه الامور وكعادته اللاعب الافضل لدور المشاهد لما يحدث دون التحرك لوضع قوانين صارمة وفعالة للحد لمثل هكذا حالة خطيرة في مجتمعنا , مع الملاحظة الواضحة لغياب فعال للمنظمات الفكرية والتوعوية والتي تعتبر صاحب الدور الافضل في الحد من هذه الظاهرة عبر نشر حلقات توعية بين صفوف شبابنا وتحديدا من هم في سن المراهقة, علنا نستطيع تدارك اخطاره الجسيمة على نفوسهم واخلاقهم .
الا ان السؤال الذي طرح نفسه وبقوة ضمن موضوعنا (اين الكتاب من كل هذا)ولماذا قل إشاره بين ايدي شبابنا أليس هو الاكثر احقية في السهرة بقرأته حتى ساعات الصباح, والاكثر فعالية في تنمية قدراتهم العقلية, من شعر وفكر سهر الاجداد وكبار فلاسفتنا وعلماء الادب والفكر لدينا على كتابة عصارة هذه الحياة بين صفحاته .
وهل بات الشات المكان الاوحد لزيارات شبابنا على صفحات الانترنت الشاملة لمختلف العلوم والتقنيات الجديدة التي تحقق الفائدة لعقولهم ولمستقبلهم المهني والشخصي, أملا في تقليص الفارق الشاسع مع الغرب من خلال الاستفادة من علومه التي نشرها على صفحات هذه التقنية, وتطويرها بما يتناسب مع حضارتنا وعلومنا التي كانت الخطوات الاولى لتطورهم سابقا.
جريدة الثورة