--------------------------------------------------------------------------------
سمية العراق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عذرا يا ابنتي....عليك ان تدفعي الثمن.. !!!
الإهداء:
إلى طفلة حملت كرتها ومشت بخطوات متعثرة تبحث عن أبيها ولا تدري أنها تمشي في مأتمه.
فقد قتل حين كانت غافية لا تدري. !!!
طفلة أبكت رجالا جبالا بابتسامتها البريئة....فهي حقا لا تدري إنها من دفع الثمن... !!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
عذرا يا ابنتي:
لم أشأ إيقاظك كي اقبل يديك. فاكتفيت أن اركع عند مخدعك الصغير كي أودعك لآخر مرة. لان رحلتي هذه المرة هي الأبدية .فانا راحل عند الفجر في مهمة جهادية ولا ادري حينها هل أديت الأمانة ووفيت بالعهد.؟؟ عهد بغداد ان لا يغسل عارها إلا رجالها.وان لا ننام إلا موتةً بشهادة .
إلا إن عهدي معك يا صغيرتي لم يوف بعد ..فلازلت احمل عبء ديون الأيام التي أهملتك فيها .
سامحيني يا ابنتي.
ما أجمل عينيك وهي تغرق في أحلام الصغار وخصلات شعرك الذهبي تنحدر على وجهك. انظر إليك والندم يسري في جسدي .ليتني قبلتك يوما فلم أقبلك منذ أن قتلت أمك. ولم انظر إليك نظرة الحب والشفقة. لم أحملك على كتفي. ولم ترفعك يدي ولم أناديك يوما باسمك.
لم يكن حواري معك وأنت طفلة ذات الثلاث سنوات فقط. إلا بالأمر والنهي والزجر.
لم أكن اقدر طفولتك فاتهمتك بالإهمال والتقصير في أمور لا تستحق وهي فوق إدراك عقلك الصغير. ولكن هل سيغفر قلبك لي جنايتي في حقك؟ وهل ستنسين قسوتي وظلمي وشدتي ؟
وضعت على ظهرك الصغير أثقال الصخر هموما وجبال الأرض حزنا وأهات.
عذرا يا ابنتي فانت من دفع الثمن..
عذرا يا ابنتي:
ليتني وهبتك فرحة العيد. ليتني أخذتك معي إلى مدينة الألعاب. ليتني ناديتك باسمك يوما.
ليتني وليتني..
عذرا يا ابنتي:
اليوم تحديدا صرخت في وجهك وأنت تقتحمين غرفتي الطينية في أقصى الدار . حين اجتمعنا نحن رجال المقاومة في أخر ليلة من رمضان . نهيئ للانتقام غدا ممن داسوا بدباباتهم أرضنا . فقتلوا فرحتنا .ودنسوا مساجدنا وانتهكوا حرماتنا.
الغريب انك لم تغضبي من صراخي ولم تهربي مني خوفا.بل ركضتي نحوي وبراءة كل الملائكة في عينيك. فقبلتي يدي ووجهي .يا الله !!!
من علمك الغفران ومن جعل في قلبك تلك الرحمة. !!! من أين لك هذا يا صغيرتي؟!!
لم اهتم بشأنك يوما . حتى فرحة العيد والعيدية حرمتك منها . لان وجودك أمامي يذكرني باستشهاد أمك وهي تحملك إلى المستشفى أثناء العداون على المدينة. فكانت ضحية القناص الأمريكي الذي أسقطها شهيدة وأنت بين يدها . فاعتبرتك من يومها سببا أصب عليه موجات غضبي ولعناتي.
من علمك دروس الرحمة؟ أم إنها غريزة أودعها الله قلبك الصغير ؟ من أين لك هذا يا صغيرتي؟
عذرا يا ابنتي عليك ان تدفعي الثمن..
عذرا يا ابنتي:
لم أكن يوما في حياتي شيئا تفخرين به .فلم أكن طبيبا ولست مهندساً. ولست على قدر كاف من التعليم والثقافة . ولست غنيا أيضا. ولست بجميل الوجه فوجهي مشوه ومتآكل ويثير اشمئزاز الكبار قبل الصغار. بعد حريق المقر العسكري قبل سقوط بغداد.
لم أكن شيئا تفخرين به حقا. فلم أكن لك أبا ولا أما.
لم أكن إلا شعلة غضب وبركان يصب حمم غضبه عليك. فلم أقابل لهفتك إلا ببرود ظالم. ولم أرد على ابتسامتك إلا بنظرة زاجرة. فمن أين لك قلبا سموحا يا ابنتي؟
الغريب انك اليوم قبلت وجهي ويدي . ولم يقشعر جسدك الناعم من بقايا جلد محروق اختلط دمه بشحمه.
من علمك أن تقبلي يدي؟ ومن علمك ان تدفعي ثمن قسوتي محبة ورحمة.؟؟ يدي لم تهب لك شيئا. وصدري لم يكن لك حضنا فيما مضى؟ فمن علمك يا ابنتي ؟
من قال لك أن تعلميني درسا في الحنان وان تزرعي في قلبي رحمة . قبل أن افجر جسدي بين جنود الاحتلال . وليتك لم تفعلي .
من قال لك إنني راحل إلى الأبد؟ ومن قال لك إنني استحق ذلك فعلا؟
حضنك هذا أشعل نار الندم في قلبي واعلم أنها آخر ساعة لي معك. وليت لي الجرأة والقدرة أن أوقظك فاقبل يديك ووجهك وخصلات شعرك.
نار الندم تحرق قلبي ودموعي حفرت في وجهي سطور حبك وقسوتي .براءتك وشدتي. كما حفرتها النار قبلا.
سامحيني يا طفلتي فالغضب والانتقام يسري في دمي . ولن يغمض لي جفن إلا أن أرد كرامة بغداد وعشرات الألوف ممن سقطوا على خشبة المسرح والعالم يتفرج ويصفق. ولن تسدل الستار على دم أمك أبدا. ولن تكون هي النهاية.
عذرا يا ابنتي فانت من سيدفع الثمن..
عذرا يا صغيرتي فانت من عليه ان يدفع ثمن الغدر ببغداد.
عذرا يا طفلتي..فعليك ان تودَعي طفولتك الان ..وتدفعي الثمن..
ولكن:
فهل سيشفع تفجير قلبي بين جنود الاحتلال عندك فتغفري لي ؟
وهل ستقبلين بدمي عيدية تفخرين بها أمام صغار الحي ؟
هل تقبلين يا سيدتي بجسدي هدية لك بدلا عن أحضان العيد وهداياه؟
وهل ستكون فرحة انتقامي لامك فرحة تغنيك عن فرحة العمر كله؟
فعذرا يا ابنتي:
ستدفعين الثمن للمرة الثانية . ستكونين ضحية اليتم مرة أخرى. وستكونين في حضانة المجهول من بعدي..
ستدفعين الثمن يا صغيرتي مع أول تكبيرة صلاة العيد . حين أكون قد فجرت جسدي وقلبي بين جنود الاحتلال.
ستدفعين الثمن يا صغيرتي وأنت تبحثين عني في أرجاء دارنا الطينية ولا من مجيب.
ستدفعين الثمن يا طفلتي حين لا تجدين من تقولين له أبي.
ستدفعين الثمن في كل مرة تبحثين عن حضن وقد لا تجدين إلا جدارا يردك وآخر يصدك.
فعذرا يا ابنتي...
وداعا يا ابنتي..
يا من لست تدرين.. !!!
ومع أول تكبيرة لصلاة العيد صباحا . اختلطت أصوات المصلين بأصوات انفجارات هزت المدينة. أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بين صفوف الجيش الأمريكي.
ومع أول تكبيرة . وقبل أن تستيقظ طفلة من حلم العيد وضحكاته كانت قد دفعت الثمن للمرة الثانية قبل أن تقبض عيديتها وتفرح بها في مدينة الألعاب مع صغار الحي في المدينة المغتصبة.
وهي حقا لا تدري .. !!!
سميـ العراق ــة
بغداد لملمي جراحك وقفي وابتسمي .فحولك يا أم الرجال رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا
تعقيب : هذه القصة التي اوردتها زميلتي سمية هي واحدة من الاف القصص التي تتكرر في عراق اليوم وليس اخرها قصة ابن شقيقتي الذي ودع اهله صباح العيد وذكر لهم بانه سيذهب لمعايدة خاله وانا كعادتي كنت كل عيد كنت اذهب لمعايدة اقربائي واصدقائي لمواصلة صلة الرحم التي اوصانا بها نبينا عليه افضل الصلاة والسلام فلما دخلت الى بيت شقيقتي لم اجد احمد فقيل لي انه جاء لمعايدتك لكني عرفت انه ذهب في مهمة استشهادية ليلة العيد وعند الظهر جاء من يخبرنا انه استشهد مع من استشهد من استشهد في مجموعة من المجاهدين ضد المحتل الامريكي وعند العصر جاء من يخبرني ان ابناء اخوتي الخمسة ( الشقيقة الاخرى) قد القت القوات الامريكية القبض عليهم بحجة دعم المجاهدين وفي المساء اتصل بي شقيقي الاكبر ليخبرني ان ابنه هو الاخر قد القي القبض عليه وتتوالى القصة وتتوالى الاحداث ويكون لكل بيت عراقي حصة من الحزن او الالم انها ضريبة الدفاع عن العراق العظيم ومع كتابتي لكم هذه السطور كنت للتو عائدا من المقبرة لدفن ابن خالي الذي استشهد في احدى ضواحي الموصل برصاص المحتل .. انها قصص حقيقية في عراق اليوم ولكن والله والله لن يدع العراقيون الشرفاء هذا المحتل واذنابه يستسادون في ارض الحضارات ويستبيحونها والعرب يتفرجون وخاصة حكامهم .. الا تبا لكل عميل وخائن ومتخاذل ..
وستحيل المقاومة العراقية البطلة حياتهم الى جحيم الى ان يقضي الله ماكان قد قد ره لنا في علم غيبه والله اكبر .. عاشت فلسطين كل فلسطين حرة عربية وعاش العراق حرا عربيا ... وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون
صدق الله العظيم
اخوكم عبدالوهاب محمد الجبوري
الاستاذ في جامعة الموصل