بسم الله الرحمن الرحيم
وأعرض عن الجاهلين !!
هم يقولون– وأرجو الله أن يريَني الحق فيما يقولون - : نحن الدعاة المتّقون !! الذين يبتغون توحيد الأمّة، وإلغاء المذاهب المتعصّبة، وإزالة الخلاف فيما بينها، وإعادة اللحمة إلى بنائها !!
نحن في الغرب، ولايمكن أن يكون الإسلام في الغرب كمثيله في الشرق، فالاختلاف صريح واضح لكل ذي عينين.. نريد لهذا الإسلام أن يندمج في كل المجتمعات.. وألا يكون غريباً فيها، إنّما نريد أن يتطبّع بطبائع معتنقيه المحدثين، وأ لا يخالفوا من يعيشون بين ظهرانيهم، و يأكلون من خيراتهم ، ويقوم وجودهم على إرضائهم !!
نحن لا نمنع تعديل أوقات صلوات الفجر و العشاء والجمعة، وتغيير أوقات بداية الصوم والإمساك، أو أن يتقدّم المأمومون الإمام، قياساً على دائرة الصلاة في المسجد الحرام، وعلى مجالس المصلّين في الكنائس !!
نحن لا نشرب الخمرة، ولكننا أهل كرم، والضيف عزيز في بيوتنا، نعامله بالمثل حين ترك لنا حرية الامتناع، فلم يفرض علينا شرب الخمرة، فلماذا لا نترك له حرية الفعل، ونساعده على ممارستها كما ساعدنا على ممارستها؟!
نحن لا نلغي الحجاب وحشمة المرأة، و إنّما نخفّف من غلوائهما حتى لا يكونا غريبين عن الآخرين.
نحن لا نحلّ الربا، و إنّما أوجدنا – نحن الفقهاء !! – تخريجاً يلائم الاقتصاد الحديث الذي نستظل بأحكامه، و لايغضب ربّنا !!
نحن لا نمنع الاستعانة بالتورية الكلامية و الاستكثار من أساليب التجارالخلاقة!! مع مَنْ مصلحتُنا لديهم !!
إنّما نريد لهذا الإسلام أن يُقرأ بوجه كل مجتمع، ويستخدم لغته الخاصّة، وما أحسن أن تترجم كتب الصوفيّة القريبة منهم – مثلاً -، ولكن بلغة يأنس لها القوم، وتلائم آراءهم !!
إنّما نريد لهذا الإسلام أن يرتفع من تخلّفه، ليكون ملائماً للحياة الاجتماعية المعاصرة. إنّما نريد لكل مسلم عاش في ديار التخلّف أن يمر في دورة تدريبيّة تعلّمه أسس التعامل مع المجتمع الحديث (,étiquette (l
إنّما نريد لهذا الإسلام أن يرفع من سويّة المرأة التي أذلّها الرجال خمسة عشر قرناً، وكم من امرأة مسلمة تتمتّع اليوم في ديار الغرب بحكم الرجال علانية، أو من وراء حجاب بعلها الرجل !!
إنّما نريد ألا يُحسّ المسلم بأن مظاهر الإسلام سبب في انعزاله عن المجتمع، نريد له أن يكون ليّن العريكة لبقا، و أن تُخفّف أحكام الإسلام القاسية ( إنّما بعثت مبشّراً لا منفّرا ) !! وأن يضمّ الحياة العصرية إلى دينه !! :
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا !!
إنّما نريد لأتباعنا السلامة من كل شرّ، بالابتعاد عن التعقيدات، وإنقاذهم من الضّياع بين الآراء المتعدّدة. فليأخذوا بالمسلّمات التي سطّرناها لهم في ديار الغرب، وليبتعدوا عن الأخذ بالآراء الضالّة، ولكن دون تعرّض لها بخير أو بشرّ. و ليقولوا لأؤلئك الضالّين: نحن لسنا من العلماء، و إنّما نحن أتباع مقلّدون، و ما نسير عليه إنّما هو لصالح المسلمين. أعرضوا عنهم، و استمسكوا بمبادئكم المعاصرة، و لتعلموا أنّ فئة من علماء المشرق أكرمتنا فوافقت على ما نقول و دعمت اتجاهنا !!
أمّا نحن فنقول– و أعوذ بالله من شرّ مانقول -: حسبنا الله، ونعم الوكيل..
هؤلاء السادة حين قرّروا تطوير الإسلام ليتلاءم مع المجتمعات الحديثة، لم يعلموا أن الإسلام – وأُصِرّ على أنهم لم يعلموا - أوّل من سطّر وجوب التعايش بين الأمم، ولو اختلفوا في الفكر والسلوك، و دعا إلى الامتناع عن التناحر والتنابذ والاقتتال لاختلاف العقيدة والفكر والسلوك .. ووضع سلوكيّات للمسلم تلائم هذا التعايش – وكتب الفقه صريحة في هذا الشأن – ولكن مع المحافظة على الشخصيّة الخاصّة، وليس من عملنا أن نغيّر في هذا النظام مدّعين الاستناد إلى القاعدة الفقهيّة: ( تتغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان ) – بل و أضيف و تغيّر الأمكنة – ناسين – أو جاهلين – أن لهذا التغيير قواعد و أصولا وضوابط شرعيّة وفق المصالح المرسلة الشرعيّة التي تواضع العلماء على تسميتها ( الاستصلاح ).
و النتيجة: أنّ هؤلاء القوم لايدعون إلى الاندماج في المجتمعات المتمدنة !! بمعنى قَبول كلّ طرف بوجود الآخر، ولكن بمعنى الذوبان تحقيقاً لدوافع خفية، قد تُفهمنا بعضَها الأموالُ التي تُجمع لهذه المراكز من البيئة التي يعيشون فيها ومن خارج البيئة، من المسلمين ومن غير المسلمين، من الهيئات الرسمية وغير الرسمية، ثمّ لا تخضع سبل إنفاقها لغير رقابة أرباب النعمة القائمين على المركز. وليس هذا بغريب عمّن ينفقون أموالهم، ولكنّ المتدينين يقولون: نحن نؤدّي حقوق الله علينا، وهم الذي يُحاسبهم الله – وإن كان هذا الرأي لايقبله الإسلام -.
أرجو الله – تعالى – أن يعيَ المسلمون حقيقة هؤلاء القوم الذين يسيّرون جماعة من المسلمين تطمئنّ إلى أهدافهم، وتجعل منهم فئة منعزلة تلعب بها الأهواء، متعصّبة أشدّ التعصّب تجاه المسلمين، متراخية أشدّ التراخي مع الآخرين !
وليعلم أهل الغرب أن المنحرف المتلوّن في فكره وسلوكه لا يخدم أيّ مجتمع، و إنّما عليهم أن يمدّوا أيديَهم إلى كلّ مستقيم واضح لا يريد أن يُؤذيَه أحد، و ألا يُؤذيَ أحدا..