إسرائيل تفرح بصراعاتنا الطائفية
الرياض/عبد الحي شاهين
عدّ الداعية السعودي عوض القرني التحركات السياسية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تهدف في الأساس إلى إقامة ما يُسمّى بـ"إسرائيل الكبرى" في المنطقة العربية، وتمدّدها على حساب الفلسطينيين واللبنانيين، وقال: إن ما يُسمّى بالشرق الأوسط الجديد والكبير كلها عبارة عن لافتات لتحقيق هذا الغرض، بيد أنه أكّد أن واشنطن ستخفق في فرض مشروعها في الشرق الأوسط، واستدل بمرجعيات تاريخية وقال: إنه – أي التاريخ- أثبت باستمرار إخفاق "المشاريع الأمريكية" بدءاً بالمشروع الصهيوني القائم في المنطقة الذي يواجه مقاومة شديدة وانكسارات حادة في أسسه التي قام عليها، ثم ما جرى بعد ذلك في العراق وفي أفغانستان، وما جرى في لبنان أخيراً، إضافةً إلى أن تاريخها في دعم الأنظمة الاستبدادية في المنطقة انتهى إلى لا شيء.
وتوقّع الشيخ عوض القرني في حديثه لشبكة (الإسلام اليوم) أن يشهد الشرق الأوسط حالة استقطابات حادّة خلال الفترات القادمة، وأن تدفع الولايات المتحدة باتجاه صراعات عربية - عربية بين الحكومات العربية، وربما صراعات طائفية ومذهبية وسياسية وصراعات حزبية من أجل إعطاء إسرائيل فرصة من الوقت لالتقاط أنفاسها، لكنّ حركات المقاومة سترتفع معنوياتها وعملياتها ستتزايد وتيرتها، وسيكثر المقتنعون بها, موضحاً أن إسرائيل ستواجه من جانبها العديد من المشكلات الداخلية بعد إخفاقها في لبنان.
فإلى تفاصيل الحوار:
شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية عدداً من الحروب المتواصلة ..في رأيكم .. ما الغرض من إشعال هذه الصراعات؟
الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها كله، تعتمد على القوة وعلى العنف والقهر، بدءاً من تكوينها وإنشائها؛ إذ قامت على أنقاض إبادة شعب كامل في أمريكا الشمالية وهم الهنود الحمر، وإلى بداية هذا القرن وعمليات الإبادة متواصلة، وكذلك في علاقاتها مع الدول الأخرى استخدمت القوة والقتل والحرب وجميع أساليب الدمار استخدمتها في العالم كله، ولم ينج من أذاها أحد، هذه طبيعة غالبة في تفكير الإدارة الأمريكية، ومن خلال التجارب والخبرات التي كوّنت تاريخ أمريكا أصبحت هذه العقلية هي التي تحدّد لها أساليب تحقيق أهدافها.
أمر آخر لو جرّبت أمريكا وسائل أخرى فلن يكون لها قبول؛ لأنها تعلم أن تاريخها الأسود وأهدافها السيئة ومظالمها في المنطقة لن تجعل الناس يقبلونها سلمياً، فتحاول من خلال القوة أن تفرض وجودها وتكره الناس على قبولها.
هل ترى أن هناك تحوّلات في المشاريع الأمريكية في المنطقة خاصة فيما يتعلق بـ( الديمقراطية والحرية)؟
في الواقع أنا أشكك كثيراً في دعاوى أمريكا أنها تنادي بالحرية والديموقراطية في المنطقة؛ لأن الأمثلة أمامنا واضحة تماماً، مثلاً في فلسطين تقف أمريكا ضد الحل الديموقراطي، وكذلك أغلب الأنظمة الاستبدادية نجد أن أمريكا هي التي تدعمها، بصورة مستمرة، ونحن نرى في العراق الدماء أنهاراً والأشلاء جبالاً، وليس هناك حل ديموقراطي، والواقع أن زعم نشر الحرية والديموقرطية هو دعوى أمريكية، أما الأجندة الأمريكية الحقيقية في المنطقة فهي قائمة على دعم إسرائيل وفرض وجودها وهيمنتها، واستغلال خيرات المنطقة، واستعباد شعوبها، وتغيير عقائدها وثقافتها وأفكارها، هذه هي الأجندة الحقيقية لأمريكا.
هل تلحظون اختلافاً بين مشروع الشرق الأوسط الكبير والموسع والجديد الذي يُطرح الآن بعد الحرب على لبنان؟
هي كلها لافتات وعناوين مختلفة لحقيقة واحدة هي إسرائيل الكبرى، يُراد لها أن تتمدّد، وتتحقق من خلال هذه اللافتات وهذه الصيغ.
ولماذا طرح مشروع الشرق الأوسط الجديد أثناء الحرب ضد لبنان؟
لقد أثبتت الحقائق على الأرض إخفاق المشاريع الأمريكية قاطبة، بدءاً بالمشروع الصهيوني القائم في المنطقة الذي يواجه مقاومة شديدة وانكسارات حادة في أسسه التي قام عليها، ثم ما جرى بعد ذلك في العراق وفي أفغانستان، وما جرى في لبنان أخيراً، وأيضاً تاريخها في دعم الأنظمة الاستبدادية في المنطقة انتهى إلى لا شيء.
كيف يمكن أن يكون حال الشرق الأوسط في حال نجح المشروع الأمريكي؟
أستبعد أن تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في فرض مشروعها على المنطقة، يمكن أن يحدث دماراً في المنطقة وحروباً لدعم هذا المشروع، لكنها لن تنجح في النهاية، وبالتالي لا أجد حاجة للتفكير في احتمالات نجاح النظرة الأمريكية في المنطقة؛ لأنها ضد سنن الله، وضد مسيرة التاريخ، وضد مصالح وتطلعات الشعوب، فمآلها إلى الخسران بإذن الله.
بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان كيف ترى تداعيات هذه الحرب على المنطقة؟
هناك العديد من التداعيات.
أولاً: سيحصل في داخل إسرائيل مشكلات ليست بالسهلة (وهذا بدأ منذ أيام الحرب)، لكنهم تعوّدوا على امتصاص المشكلات، وأتوقع أن تدفع أمريكا باتجاه صراعات عربية -عربية بين الحكومات العربية والأنظمة العربية ، وربما صراعات طائفية ومذهبية وسياسية وصراعات حزبية من أجل إعطاء إسرائيل فرصة من الوقت لالتقاط أنفاسها، لكن أيضاً حركات المقاومة سترتفع معنوياتها، وعملياتها ستتزايد وتيرتها، وسيكثر المقتنعون بها في هذه الحالة.
بجانب ذلك سنشهد قريباً تحالفات جديدة في المنطقة؛ لأن العرب مع الأسف الشديد هم صدى لردود الأفعال والإملاءات الأجنبية، ولا يعبر عنهم رأي واحد، ولا موقف واحد، وأقصد هنا أكثر الأنظمة وبعض الأحزاب والقوى السياسية.
كيف تقرأ مستقبل الصراعات الطائفية والاقتتال في العالم الاسلامي خلال الأيام المقبلة؟
أتوقع أن تزداد حدة الاستقطاب والصراع الطائفي؛ لأن العديد من القوى من مصلحتها أن تدفع إلى ذلك، أمريكا وإسرائيل، و أيضاً من يدور في فلكها في المنطقة، وأيضاً قوى الجهل والتخلف، وكذلك أصحاب الفقه السطحي، وقليلو الوعي، كلها ستدفع إلى الصراع الطائفي الحاد في المنطقة، وظني أن هذه الصراعات ستزداد اشتعالاً في المنطقة.
بخلاف النظرة الأمريكية أو الغربية عموماً ...هل تعتقد أن الشرق الأوسط ينبغي أن تتغير فيه بعض الأساسيات؟(هل تطالب بشرق أوسط جديد؟ وما هي ملامحه؟)
مسمى الشرق الأوسط هو مسمى غربي، وأنا أعترض على هذا المسمى، وللأسف أن الغرب غيّروا حتى حقائق الجغرافيا، فما كان شرقاً أوسط بالنسبة لهم جعلوه شرقاً أوسط بالنسبة للعالم كله، وما كان شرقاً أقصى جعلوه شرقاً أقصى للعالم كله، وما كان شرقاً أدنى جعلوه شرقاً أدنى للعالم كله .. وهكذا ..
نحن في منطقة "إسلامية" و "عربية"، وهذه التسميات هي التي يجب أن تسود، وأما الأسس التي تحتاج إلى تغيير فنعم، فكما أن الغرب بحاجة إلى تغيير أسس هذه المنطقة، ويسعى لذلك، فنحن بحاجة إلى تغييرها كذلك، لكن بالطبع من منظور وزاوية غير منظور وزاوية أمريكا والغرب.
نحن في حاجة للعودة إلى الجذور والأصالة والتخلص من التغريب والتبعية، نحن في حاجة لسلوك دروب النهضة والتقدم والتخلص من التخلف والتأخر، نحن في حاجة إلى الوحدة والتضامن والتخلص من الفرقة والتشرذم، وبالتالي فنحن في حاجة لإعادة بناء المنطقة، لكن على خلاف الصورة التي يريد الغرب إعادة تشكيلها عليها.
المصدر الإسلام اليوم