المذهب العسكري الأمريكي الجديد
تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية حالياً بنفوذ عسكري وسياسي واقتصادي لا نظير له، لذا فقد عدّلت مذهبها العسكري ليتناسب ودورها العالمي الجديد في مناطق العالم المختلفة، وبما يحقق مصالحها الوطنية. وتبرز الاستراتيجية الأمريكية في عدد من المحاور من أهمها: مكافحة الإرهاب، وأسلحة الدمار الشامل، والردع، والحرب الاستباقية، وإقامة الأحلاف، والقوة العسكرية، والدفاع عن الحريات.
مكافحة الإرهاب
تتغلغل التنظيمات الإرهابية داخل المجتمعات المفتوحة، وأصبحت - بما تملكه من تقنية حديثة - ذات صبغة دولية تتطلب تضافر الجهود الدولية لمكافحتها، وتمتد الحرب ضد الإرهاب إلى فترة زمنية غير محددة. وتقول الولايات المتحدة الأمريكية إنها قد نذرت نفسها لتقديم العون إلى الدول التي تحتاج لمساعدتها في مكافحة الإرهاب، بينما تعزف عن التعامل مع الدول التي تؤوي الإرهاب لأن حلفاء الإرهاب هم أعداء الحضارة. وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع حلفائها لتجفيف منابع الإرهاب، والحيلولة دون تطوير الإرهابيين قواعد انطلاق جديدة حتى لا يجدوا ملاذاً في أية بقعة من العالم. وقد أعلن الإرهابيون على رؤوس الأشهاد أنهم يسعون إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، وتشير كافة الأدلة إلى سعيهم الحثيث لتحقيق ذلك المبتغى. وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية على إحباط تلك المساعي وتشدد المراقبة على الصواريخ البالستية ووسائط الإطلاق الأخرى، وتتعاون مع بقية الدول لمنع واحتواء وتقليص جهود بعض الجهات لامتلاك تقنيات متقدمة. ومن منطلق الدفاع عن النفس، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على احباط تلك التهديدات في مهدها قبل أن تتشكل في صورتها النهائية.
أسلحة الدمار الشامل
المسألة الثانية التي تجد اهتماماً كبيراً في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة هي أسلحة الدمار الشامل، وضمن هذا الإطار تركز جهودها على الدول التي تطلق عليها اسم الدول المارقة، كالعراق التي تزعم امتلاكها للأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية، وكوريا الشمالية التي تشير المصادر الأمريكية إلى ازدهار تجارتها العالمية في الأسلحة البالستية، وتطويرها لترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل. وبالإضافة إلى هاتين الدولتين تحدد أمريكا دولاً مارقة تسعى لامتلاك أسلحة نووية وبيولوجية وكيميائية أيضاً، ويشكل ذلك تهديداً كبيراً لكافة دول العالم. وتتأهب الولايات المتحدة الأمريكية لمنع الدول المارقة من التهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل أو استخدامها فعلاً، وفي سبيل ذلك تقيم الولايات المتحدة علاقات وطيدة مع حلفائها، وشراكة جديدة مع خصومها السابقين، وابتكار طرق جديدة لاستخدام القوات العسكرية، والتقنية الحديثة. ويتضمن ذلك تطوير نظام دفاعي صاروخي فعّال، والتركيز على جمع الاستخبارات وتحليلها. وتتضمن الاستراتيجية الشاملة لمقاومة أسلحة الدمار الشامل مجهودات أوسع لمنع انتشار تلك الأسلحة، من منطلق اتخاذ إجراءات الردع والدفاع ضد مخاطرها قبل أن ينفلت عقالها. وينبغي التأكد من أن أجهزة الأمن المحلية مزودةٍ بالقدرات اللازمة للكشف عنها، واتخاذ تدابير الحماية ضدها. وأخيراً لابد من دمج أساليب منع انتشارها ضمن المذهب العسكري الذي تنتهجه القوات العسكرية وتعمل ضمن إطاره، وإدخالها في برامج التدريب، وتجهيز المعدات اللازمة لضمان التغلب على أعداء يتملكون أسلحة الدمار الشامل.
الردع والحرب الاستباقية
لقد كان للردع مفعوله أثناء حقبة الحرب الباردة - بخاصة بعد أزمة الصواريخ الكوبية - ولكن الردع لا يجدي حالياً مع قادة الدول المارقة الذين لايترددون في ركوب موجة المغامرات، والمجازفة بحياة شعوبهم وثروات بلادهم. وقد استغرق العالم وقتاً طويلاً حتى توصَّل إلى هذه الحقيقة. ولن تتعامل الولايات المتحدة من الآن فصاعداًبردود الأفعال بعدما تبينت لها أهداف الدول المارقة ونوايا الإرهابيين، ولن تنتظر حتى يسدد خصومها الضربة الأولى. ففي أثناء الحرب الباردة كانت أسلحة الدمار الشامل هي الملاذ الأخير لأن استخدامها يُعد مخاطرة بدمار مستخدميه، ولكن هذه الأسلحة أصبحت لدى البعض أحد الخيارات المتاحة، وتستخدمها الدول المارقة للتهديد والعدوان العسكري ضد جيرانها، وكوسيلة للابتزاز حتى لا يردعها أحد عن تصرفاتها العدوانية، وللتغلب على التفوق التقليدي الذي تمتلك ناصيته الولايات المتحدة الأمريكية.
ولم تعد المفاهيم التقليدية للردع مجدية مع الإرهابيين الذين يتبنون تكتيكات التدمير الوحشي واستهداف الأبرياء. وهناك ارتباط وثيق بين الدول التي تؤوي الإرهاب وتلك التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل. أما الضربات الاستباقية فقد دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على الأخذ بها لمجابهة التهديدات الكبرى، وكلما اتسع نطاق التهديدات كلما ازدادت خطورة التراخي، وكلما اقتضت الضرورة اللجوء إلى اتخاذ أعمال احترازية للدفاع عن النفس حتى لو لم يكن هناك يقين تام بزمان ومكان هجوم العدو. ولكن الولايات المتحدة لن تستخدم القوة في كافة الحالات لاستباق التهديدات المحتملة، ولا ينبغي للدول الأخرى القيام بأعمال استباقية كذريعة للعدوان. وتبرر الولايات المتحدة الأمريكية حربها الاستباقية بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي - في وقت يسعى فيه أعداؤها إلى امتلاك التقنية الحديثة - والمخاطر تحدق بها من كل صوب.
إقامة الأحلاف
لن تستطيع دولة - مهما بلغت من القوة - أن تحقق الأمن بمفردها، لذلك ترتبط الولايات المتحدة الأمريكية بمجموعة من المنظمات والمؤسسات الدولية مثل: الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة الدولية، ومنظمة الدول الأمريكية، وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وغيرها من التحالفات. ولاشك أن التحالفات التلقائية تزيد من متانة تلك الأحلاف الدائمة؛ ولكن ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية الوفاء بالتزاماتها العالمية على الوجه الأمثل وبالجدية المطلوبة، ليس فقط على سبيل التظاهر لحشد التأييد الدولي، وإنما لإثبات جدارتها باستحقاق ذلك الدور العالمي. ولابد للولايات المتحدة الأمريكية وهي تتولى زعامة العالم أن تحترم قيم الحلفاء والشركاء ووجهات نظرهم ومصالحهم. وقد تتصرف بمفردها إذا اقتضت مصالحها ومسؤولياتها ذلك، فعندما تختلف أمريكا مع حلفائها وشركائها حول خصوصياتها ينبغي عليها أن تشرح لهم تبريراتها بصراحة ثم تسلك طرق الحل الممكنة الأخرى.
القوة العسكرية
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتأكيد تفوقها العسكري، لذلك فهي تعمل على تقوية أجهزة أمنها لمواجهة التحديات المحتملة، وتتخذ الإجراءات التي تكفل تغلبها على محاولات الآخرين - دول أو أفراد - لفرض إرادتهم عليها أو على حلفائها أو أصدقائها، وتعمل على الاحتفاظ بقوات كافية للوفاء بالتزاماتها، وتقويتها بما يردع أعداءها من محاولات امتلاك قوة متفوقه عليها أو مماثلة لها.
الدفاع عن الحريات
الحرية حق مكفول لكافة البشر ولا يقبل المساومة عليه؛ وقد شكلت الحروب والأعمال الإرهابية عبر التاريخ تهديداً لهذا الحق، وتعرض لكثير من التحديات بسبب تضارب إرادات الدول القوية والمخططات الشريرة الصادرة عن الأنظمة الاستبدادية، فانتشر الفقر والمرض. وقد سنحت الفرصة حالياً لان تبسط الإنسانية مزيداً من الحريات بالتغلب على أعداء الحرية، وتبرر الولايات المتحدة الأمريكية تدخلاتها العسكرية في شؤون الدول الأخرى بتقدم ركب الدفاع عن الحريات
Newsweek, December 2002 - February 2003
http://www.kkmaq.gov.sa/Detail.asp?I...sItemID=105714