لا أعرف بالضبط من هو أول من أطلق لقب حمار الشعر على بحر الرجز. فقد قال الأديب مصطفى صادق الرافعي في كتابه تاريخ آداب العرب: "والرجز كثير عند العرب لسهولة الحمل عليه، حتى سماه المتأخرون حمار الشعر"، ثم لم يذكر لنا اسما لأي من هؤلاء المتأخرين ولا أعلمنا بالعصر الذي انطلق هذا الاسم منه. وبعض الناس يسميه اليوم حمار الشعراء، فكل من الاسمين يعني المفهوم من سهولة الحمل ذاته، وإن كنت أرى في هذه التسمية معاني ربما لم تكن خطرت على بال من وضعوها . ومن هذه المعاني أن قوانين الوزن التي تفهمها وتستجيب لها كل أوزان الشعر، لا تجد الاستجابة ذاتها من الرجز .
- خذ مثلا حالة المكانفة التي رصدها الخليل في بحور البسيط والرجز والسريع والمنسرح . لقد تخلت هذه البحور عنها ولم يبق متمسكا بها غير الرجز، إما لبلادة تبدو في فهمه، وإما لتأبيه على التطور الذي سارت فيه البحور الاخرى. أفلا يستحق إذن أن يسمى حمارا لقبوله مثل هذا الشاهد الذي نراه ، كله أو بعضه، شائعا في كثير من الأراجيز، وهو:
وثقل منع خير طلب * وعجل سبق خير تؤده
بينما لم تعد تسمع بمثل هذا الشاهد، ولا ببعضه في بحر البسيط، وهو:
وزعموا أنهم لقيهم رجل * فأخذوا ماله وضربوا عنقه
ولا بهذا الشاهد من السريع، وهو:
وبلد قطعه عامر * وجمل نحره في الطريق
ولا بهذا الشاهد من المنسرح ، وهو:
وبلد متشابه سمته * قطعه رجل على جمله
- ثم إن في العروض قانونا يمنع توالي ثلاثة أشكال وتدية مجموعة، ونادرا ما تجد أي بحر يركبها إلا الرجز وحده، فإنه يستمتع (بالعنطزة) كثيرا بها في مثل قول الراجز:
وطالما وطالما وطالما * سقى بكف خالد وأطعما
- كما أن في جعل المعري التشعيث بدون ردف غير خاف في الغريزة، حين نسحبه على القطع والبتر، فإنا نجده مستجابا له في كل البحور، إلا الرجز فإنه لم يفهم بعد تلك الرسالة، قال الراجز:
أنام أم يسمع رب القبّه * يا أوهب الناس لعنس صلبه
ضرابة بالمشفر الأذبّه * ذات نجاء في يديها جذبه
فهذا أمر عادي عنده، ولو كان وقع في غيره من البحور لأحس الناس بشذوذه.
هذه بعض الصفات التي رشحت هذا الوزن العريق لأن يكون بفخر حمار الشعر أو الشعراء، وقد رأيت أخي الدكتور عمر خلوف يرشح بحرا آخر لنيل هذه (الحمرنة)، هو بحر الخبب الذي أراه يستحق نيل اللقب بجدارة، قال الشاعر مجاهد عبد المنعم مجاهد:
كان اكتمل لها التكوين
ثم تجيء لتستلقيَ بجوار رجال القرن العشرين
**********
خشان خشان
أستاذي الكريم
ما رأيت وزنا يتأبى على لقب حمار الشعر كإيقاع الخبب.
فهو مكون من أسباب خفيفة وثقيلة ولا حذف ولا وتد فيه.
وهذه قاعدته الوحيدة التي إن نظر له بمنظارها لا تجده يشذ عنها مطلقا
وإنما يراه حمارا من نظر له بنظارة بقية البحور باعتباره واحدا منها يقاس بتفاعيلها وهو أصلا خال من التفاعيل لخلوه من الوتد. فلا تفعيلة بلا وتد.
ومعذور من ينظر بنظارة التفاعيل للخبب حين يرى أن 1 3 2 2 = متفاعيلن [ وهي في الحقيقة = (2) 2 2 2 ] وأنها إذ تنتقل إلى 2 2 1 3 تصبح مستفعلتن [ وهي في الحقيقة 2 2 (2) 2 ] . واعتبار هاتين الصورتين المتكافئتين خببيا على أنهما تفعيلتين ينبني عليه وصف الخبب بالحمار. والشي ذاته ينطبق على اعتبار 2 1 3 = 2 (2) 2 في حشو الخبب مستعلن ، 2 2 2 مستفعل ْ
فعِلن في البسيط تفعيلة لأنها من فاعلن ...... فعلن في الخبب فاصلة كفاصلة الكامل والوافر وتختلف
عنهما بأن سببها الثاني خببي يأتي ثقيلا أو خفيفا لأنه لا وتد بعده. مجموعة أسباب لا تشكل بحرا بل
هي إيقاع مستقل عن إيقاع البحور.
إن هذا الذي قلتُ أساس من أسس العروض الرقمي لك ولأستاذي د. خلوف فضل في توعيتي عليه.
كم عانيت للتحرر من حدود التفاعيل ونظارتها في طريق الوصول لشمولية الرقمي.
يرعاك ربي.
ينبغي التفريق بين التفاعيل ودورها في كل من العروض وعلم العروض ، فهي أداة رائعة لنقل الصفة الصوتية للوزن في العروض، ولكنها في علم العروض عائق في وجه إدراك النظريات والقواعد الشاملة الضابضة.