بسم الله الرحمن الرحيم
التفكر وانبثاق الفجر في القلب
في هذه اللحظات الجليلة المهيبة .. بعد صلاة الصبح ومع فجر الضوء يشق عباب الليل البهيم ، يعدنا ربنا سبحانه وتعالى أن يفتح بصيرتنا لينبثق فيها شيء من نوره الجميل الواسع الإشراق ، إن جلسنا معه لحظة تفكر وتأمل ، هي لحظة تزور فيها ربك زيارة خاصة وتجلس معه جلسة خاصة تتأمل وتتدبر أسمائه الحسنى فتجده يلهمك المعاني ويعرفك بنفسه ..
في هذه الجلسة انتهجت سبيلاً سهلاً أرشدنا إليه سبحانه وتعالى من خلال أول سورة نزلت على قلب حبيبنا المتفكر في أسماء ربه .. الذي انتهج نهج جده إبراهيم في التفكر والتدبر .. الذي عرف ربه بعمق من خلال البحث السماوي عن الخالق .. رأى القمر ، قال هذا ربي .. فلما أفل قال لا أحب الآفلين ..
ولما رأى الشمس بازغة على الكون كله ، قال هذا ربي ...
ثم دخل شعاعُ المعرفة في كون قلبه بعد استبانة الصدق في حب معرفة الله ، فعرف ربه الذي لا يُرى بهذه العين الضحلة الأفق ..
عرفه ورآه بالأفق الأعلى أفق البصيرة ..
الآن .. الآن .. عرفتك أيها الخالق العظيم البصير .. خالق كل شيء .. أينما توجهنا نبحث عن أصغر الأشياء تكويناً وخلقاً ، نحتاج إلى تكبيرها ملايين المرات لنراها بالمجاهر الإلكترونية .. ومع ذلك البحث المتناهي في الصغر فإننا لا نقع إلا بين يديك ..
ومهما توسعنا في سعة المخلوقات والكون حتى نصل إلى اللانهاية .. نجدك بعدها محيطاً بها وبكل شيء .. لا يغيب عن بصرك مخلوق حي ولا ميت .. متحرك أو جامد ...
بسم الله الرحمن الرحيم
اقرأ باسم ربك الذي خلق
خلق الإنسان من علق ..
كما علمنا أن نبدأ التفكير وأي شيء من خلال منظور الأسماء ، بدأ هو سبحانه ببسم الله الرحمن الرحيم ..
ابتدأ باسمه الرحمن ، وهو اسم الذات الخاص به .. لا يمكن أن يتصف به غيره .. ولا يسمى به غيره .. والرحمة وما أدراك ما الرحمة ... الرحمة التي تزرعها في الرحم وطلب التفكر فيها من داخل الرحمة في الرحم ..
إنه خلق الإنسان في الرحم ..
من أين تأتيك القسوة أيها الإنسان وقد نشأت في تربة الرحمة والرحم ..
الخلق والتربية متلازمتان من أسماء الله .. يخلق من العدم ثم يربي ويدوم على التربية وباسمه الرحمن الرحيم .. داخل الرحم ..
في الظلمة .. بل في ظلمات ثلاث ..
في صلب الرجل.. يتخلق نصفك الأول .. وفي حشى المرأة يتخلق نصفك الثاني ... ثم يجمع الخلقين في ظلمة ثالثة .. في أرض متينة .. في قرار مكين .. موفور الغذاء والماء والهواء لا تحتاج فيها إلى رزاق غيره ..
في ظلمة تتكون فيها كل خلية لا تراها الأعين .. وتساق بعد تخصصها إلى مكانها المناسب في الظلام... بل في ظلمات ثلاث بعضها فوق بعض داخل الرحم مشيمة وجدار رحمي وجوف بطني ....
سبحانك أيها البصير .. ما هذا البصر الذي لا يمكن أن يكون لمخلوق .. يرى الدقائق الصغيرة أصغر مما نراها بملايين ملايين المرات .. لا تخرج عن أمره ذرة ..
يدخل العصب البصري من العين ليصل إلى الدماغ عبر فتحة صغيرة بقدر قطره لا زيادة ولا نقصاً .. في الظلمات الثلاث ...
هل يمكن لأي صحيح بصر مهما بلغت دقته أن يدخل خيطاً في سم الخياط في ظلمة دامسة حالكة ؟...
سبحانك يا بصير سبحانك يا من ليس عليك ظلمة .. يا بصير السموات والأرض ومبصرها ، متعنا بأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعلها الوراثَ منا ..
عرفتك الآن بصيراً وحكيماً وخبيراً ..
سبحانك ربي زدني علماً ومعرفة بك أزداد بها محبة وقرباً من جنابك العظيم ..
هكذا علمتنا ..
هكذا بلغنا رسولك .. نحن نشهد ..
نِعْمَ السبيل ، ونعمت السنة .. ونعم خُلُق القرآن ..
الله ... الله .... الله ...