غزة مقبرة الدولة الفلسطينية! (1-4)
مراجعة سريعة لتاريخنا الحديث بموضوعية وحيادية وتجرد من تأثير الأيديولوجيا والحزب نتأكد أن مشكلة الأمة لم تكن يوماً في وعيها الجمعي ولا في مقاتليها ثواراً أو جيوشاً، ولكن في قادتها وسياسييها، ومفكريها ومثقفيها، وأحزابها المتعصبة العنصرية، وفقدانهم الوعي والحس السياسي! تزامناً مع ذكرى الانطلاقات فصائلنا الثورية والجهادية، صاحبة الفتوحات وصانعة الانتصارات العظيمة! وتزامناً مع الذكرى الـ16 لإعلان شارون عن خطة فك الارتباط مع غزة من طرف واحد بتاريخ 18/12/2002، تلك الخطة التي قرأها قادة الفصائل ومستشاريهم ومحلليهم السياسيين سواء المفاوض منهم أو المقاوم قراءة خاطئة كلٌ حسب هواه، وبعد سنوات عجاف لا حصر لها شارفنا على انتهاء معارك التحرير، وكثر الحديث عن إقامة دولتنا الفلسطينية العتيدة في غزة هاشم! تزامناً مع ذلك وغيره سنُذكر قادة المرحلة بفشلهم وعدم أهليتهم للقيادة، ونقول لأهل الرأي في شعبنا عليكم التحرك تحركاً فعلياً للتغيير تلك القيادات المفروض علينا بالإكراه وقوة السلاح والارتهان للخارج!مصطفى إنشاصيبعد هزيمة حزيران/يونيو 1967 رفعت بعض الأنظمة شعار (أعرف عدوك)، وبعد مرور نصف قرن على ذلك الشعار مازلنا نجهل عدونا، ونكابر أننا بجهلنا بعدونا وتاريخنا المعاصر وتجاربه واغترارنا بذلك الجهل انتهينا إلى ما يسمى صفقة القرن التي هي ليست تخطيط إدارة ترامب، ولكن إن نجحت ستكون تتويجاً لنجاح مخططات العدو الصهيو – غربي طوال عقود مضت لتصفية القضية! عام 1956 حدث العدوان الثلاثي على مصر واُحتلت غزة أيضاً، وبعد شهور أرغمت كل من روسيا وأمريكا دول العدوان على الانسحاب من سيناء، وبقيت غزة محتلة ولم يشملها قرار الانسحاب ولم يبالي بمصيرها أحد، وكأنها مشكلة داخلية خاصة بكيان العدو الصهيوني وليست قضية جزء من شعب هُجر وشُرد من أرضه، وبعد مقاومة شهور أخرى من أهلنا في غزة اضطر العدو الصهيوني للانسحاب منها! وفي حزيران/يونيو 1967 وحلول الهزيمة احتلال العدو الصهيوني خمسة أضعاف فلسطين من أراضي الأقطار العربية المجاورة، ومن ضمنها الضفة الغربية وقطاع غزة، وأول ما يلفت انتباه أي باحث واعٍ؛ أن العدو بدأ من أول يوم احتلاله للضفة الغربية تنفيذ مخططات تهويد واغتصاب الأرض فيها مبتدءاً من القدس، بسن القوانين والتشريعات التي تمكنه من ضمهما للأرض المحتلة عام 1948 رسمياً وفرض ذلك أمر واقع على العالم، وعملياً تغيير الوقائع على الأرض ومحو وطمس معالمها الدينية والتاريخية والآثارية والجغرافية والسكانية و...، وبقيت غزة على حالها، لسببين: الأول: المقاومة التي اشتعلت فيها ضد الاحتلال، وكانت مقاومة عسكرية وجماهيرية سلمية، وبلغ الأمر بالمقاومة العسكرية أن فرضت على العدو معادلة سيطرته على غزة نهاراً وسيطرة المقاومة عليها ليلاً! الثاني: أن غزة ليست ضمن لا الحدود الدينية ولا التاريخية لدولته، لأنه لا يوجد فيها ذكريات لأنبياء بني إسرائيل حسب روايات التوراة، وفي الوقت نفسه كان العدو الصهيوني يبحث عن أي دولة أو جهة تتولى إدارتها بعد خروجه منها ولم يجد، وقد عرضها على مصر وعلى الأردن وعلى الأمم المتحدة ورفضوها! بعد عام 1970 وخروج الثورة من الأردن وضعف المقاومة فيها، بدأ بإقامة مغتصبات فيها بشكل محدود بهدف فرض الهدوء عليها إلى أن يجد مَنْ يقبل بها، وقد تمنى كثير من قادته في يقظتهم وأحلامهم التخلص من عبئ احتلالها فقد كانت تشكل كابوساً مزعجاً لهم! لم يدرك قادتنا ومفكريهم الثوريين والانهزاميين على السواء وهم يتعرفون على عدوهم عقيدته وفكره ومخططاته و... الفارق بين غزة والضفة، وأهمية الضفة الدينية والتاريخية والاستراتيجية في مخططاته، من خلال تركيزه على تهويد وضم القدس خاصة وأراضي الضفة الغربية واغتصاب الأرض والعمل على محو وطمس طابعها العربي والإسلامي وتهويد كل معالمها قصراً، ورفض كل الحلول أن الضفة الغربية والقدس خاصة مستثنيتا من أي حل أو تسوية، وأن الحديث عن أي تسوية المقصود به غزة فقط، وما يتبقَ من الضفة بعد تنفيذ مخططاته فيها! بعد انطلاق الانتفاضة الأولى نهاية عام 1987 ازداد عبئ غزة على كيان العدو الصهيوني وأصبح عليه أن يتخلص منها بأي شكل، وتسارعت بعض الأحداث الدراماتيكية العربية والدولية وانتهت بتوقيع اتفاق أوسلو وكانت صيغته الأولية (غزة أولاً)! ولكن الراحل ياسر عرفات أدرك نية العدو فأصر على العلاقة بين غزة والضفة كوحدة سياسية وقانونية في القانون الدولي كأرض محتلة، وكذلك كانتا معاً حلمه منذ عام 1967 لإقامة الدولة الفلسطينية في حدودها الدنيا فيهما، لذلك رفض (غزة أولاً) وأصر على أن يُعطى معها جزء من الضفة فتم تعديل الاتفاق إلى (غزة أريحا أولاً)، ولم يدرك أن الجميع سيخذله وسينتهي إلى غزة أولاً وأخيراً! أما انتفاضة الأقصى التي جاءت رد فعل على فشل مفاوضات الحل النهائي في كامب ديفيد عام 2000، واكتشف الراحل عرفات الخديعة الكبرى التي وقع فيها بعد فوات الأوان وحقيقة نوايا العدو الصهيوني، انتهز زيارة شارون في أيلول/سبتمبر 2000 للمسجد الأقصى وانتفاض الشارع الفلسطيني رفضاً لتلك الزيارة وأعطى الضوء الأخضر لتنظيم فتح والفصائل الأخرى بإشعال انتفاضة الأقصى، محاولاً الضغط على العدو الصهيوني لتحسين وضعه التفاوضي والاعتراف به شريك بعد أن أعلن أيهود بارك أنه لا يوجد شريك فلسطيني للتفاوض معه، بمعنى أنه يجب التخلص من عرفات، وأعلن وزير الخارجية شلومو بن عامي أنه بدأ الآن الصراع على الأرض، أي الإسراع في اغتصاب وتهويد أكبر قدر ممكن من الأرض قبل فرض أي تسوية! وتداعت الأحداث وتصاعدت الانتفاضة وأثخنت في العدو وفشلت كل الخطط العسكرية والسياسية للقضاء عليها أو وقفها، ودون الخوض في تفاصيل تلك الأحداث، سنذكر بحدثين لهما دلالة على أن غزة، وغزة فقط من الأرض الفلسطينية هي الدولة، ولكن أبى القادة ومازالوا فهم ذلك، ومنهم مَنْ فهم ولكن طموحه الشخصي والحزبي غلبه وجعل منه أداة بيد الممول والمضيف ولم يدرك أنه يصفي بيديه قضية الأمة! الحدث الأول: عندما علت بعض الأصوات الفلسطينية تطالب بوقف انتفاضة الأقصى والمقاومة خوفاً من عملية سور واقي ثانية لاحتلال قطاع غزة، السور الواقي الأولى كانت في شهر آذار/مارس 2002 على جنين، وافقت السلطة على خطة المراوغة التي طرحها رئيس حزب العمل آنذاك بنيامين بن أليعازر وهي (غزة أولا)، بعد أن تم تعديلها أيضاً وأضيف لها هذه المرة (غزة بيت لحم أولاً). إلا أن شارون كان يُعد لمرحلة جديدة مختلفة كلية عن مرحلة أوسلو وما قبل انتفاضة الأقصى يرفض فيها كل الحلول السياسية السابقة، فبعد أن اختزل الخطة في (غزة أولاً) وشطب بيت لحم منها أعلن موتها إلى جانب الاتفاقيات السابقة، فأعلن: أن اتفاق (غزة بيت لحم أولا) الذي أبرم بين بنيامين بن اليعازر وزير الحرب الصهيوني وعبد الرزاق اليحي وزير الداخلية الفلسطيني في 18/8/2002 حبرا على ورق .. "أن أوسلو لم تعد قائمة، وكامب ديفيد الولايات المتحدة لم تعد قائمة ولا طابا مصر، لن نعود إلى هذه المواقع" .. "أن (إسرائيل) تعتبر أن اتفاقات أوسلو التي أبرمت في العام 1993 مع الفلسطينيين والترتيبات التي تم التوصل إليها في كامب ديفيد وطابا العام 2000 لم تعد قائمة! وبلغ به الأمر أن أعلن بمناسبة عيد الغفران في منتصف شهر أيلول 2002، أن الضفة وغزة أراض (إسرائيلية): إن "الحقوق في أرض (إسرائيل) مقتصرة على اليهود" في إشارة إلى (إسرائيل) والأراضي التي احتلتها عام 1967". واعتباره غزة ليست أراضي فلسطينية ولكنها (إسرائيلية) لم يكن عبثاً، وسيتبين لنا أنه بعد فك ارتباطه مع غزة من طرف واحد سيعلن للعالم: أنه تنازل على جزء عزيز من أرض (إسرائيل التاريخية) لجيرانه الفلسطينيين حتى يقيموا عليها دولة ويعيش الشعبان معاً في سلام! في الحلقة القادمة سنتحدث عن خطته للقضاء على الانتفاضة والمقاومة وتصفية القضية نهائياً أو ركنها على الرف في الأمم المتحدة لعقود قادمة، خطة فك الارتباط التي طرحها بتاريخ 18/12/2003 في مؤتمر هرتزيليا! التاريخ 16/12/2009أعرف عدوك