لايزال فن الاداء - غناء ومسرحاً- بعيداً عن ذائقتنا المحلية، فهو من الانواع الفنية التي تصعب ترجمتها مع المحافظة على روحها الاصلية، ولذلك فإن مادتها الاساسية (الغناء) ظلت تؤدى بأصولها الغربية حتى عندما تعالج موضوعاً عربياً او يشارك فيها مغنون عرب....
وفي اوبرا زنوبيا ( قدمت على مسرح دار الاسد ما بين 6-8 الجاري) نستطيع ان نتلمس امراً واحداً هاماً وهو اصوات المغنين السوريين الذين لا تتاح لنا دائماً فرصة الكشف عن امكانياتهم الخاصة والاستثنائية وبشكل خاص نعمى عمران وشادي علي اللذين لعبا في مساحات صوتية واسعة متحكمين في خامة صوتية نادرة واداء يعرف تماماً كيف يوقّع حضوره ويعلن عن تميزه...
وباستثناء ذلك فإننا لا نستطيع الحديث عن اهمية ما، او مداخلة ثقافية او طرح، بل حتى عن صيغة عرض اوبرالي فمن الواضح ان القائمين على المشروع لايمتلكون ابجديات التعامل مع الخشبة ومع مفهوم العرض، ولا يجيدون نهج الرؤيا بحيث يحيلون المادة التي يتعاملون معها الى قضية ذات بعد ثقافي / فكري .
من الواضح ان العرض لم يكن في خدمة زنوبيا ، وإنما كانت زنوبيا في خدمة العرض ، فقد اعتمدت تلك الشخصية التاريخية كأداة، وسيلة، وذريعة لمشروع عمل توقف عند مشارف الرغبة في تقديم الغناء الاوبرالي، وليس عرضاً حامله الاساسي شخصية اشكالية عاشت في حقبة تاريخية هامة ومعقدة وساهمت في صناعة الحدث السياسي فيها....
غابت عن العرض فكرة المعالجة الفنية والدرامية التي جاءت اقل من الشكل المتحفي القديم للعرض الاوبرالي حتى ان ابسط وسائل الربط (الراوي ) بدا جسداً مقحماً وغريباً عن النوع المقدم، وعلى الرغم من الملابس التاريخية، والاداء التمثيلي الا ان المادة الاولية التي أوكلت للراوي جعلت منه اقرب الـى المذيع ، المعلق ، قارىء البروشور... في حين كان من الممكن استثمار هذه الشخصية (الراوي) للتعويض عما افتقدته الحالة العامة للعرض من الشرط الدرامي ، فشرعية وجود العرض الاوبرالي تأتي من كونه يحمل قضية تعالج من خلال الصراع الذي يترجم بحوار مغنى لا بالغناء المجرد، الحرّ غير المرتبط بموضوعه كما حصل في العرض...
سُبِقَت « أوبرا زنوبيا» بنوع من الاعلان الضخم والمخادع حيث هيأ مشاهده لرؤية اوبرا لم تقدم منذ قرون ( الشريط الاخباري مثلاً) مما ينبىء بعمل كبير، وكأن تقديم ما لم يقدم منذ قرون ميزة بحد ذاتها مهما كانت النتائج التي يصل اليها هذا العمل مخيبة للتوقعات...
بالتأكيد لم يحرك زنوبيا ساكناً في الحياة الثقافية القائمة، وكان من الواضح انه صنع على عجل ودون تخطيط مسبق وهو ما تعترف به- دون قصد- الجهة المنتجة حينما تدون في بروشور العمل انه جاء بعد ورشة اقامتها عازفة الشيمبالو «انجليكا موتس» لطلاب الموسيقا وبعدها جاءت فكرة تقديم عمل (ما) وبذلك يكون هذا الحدث الموسيقي - كما وصفه البروشور «ذا» صدى عالمي ...
اوبرا زنوبيا خدعة جديدة ورطتنا بها مثقفة اوروبية، تبحث عن حالة عمل لا حالة ابداع، ووجدت في واحدة من رموزنا التاريخية (زنوبيا) ذريعة لتنفيذ مشروعها، مع كرم في الضيافة بلا حدود....
عبد القادر المنلا