الأبوة المسمومة .. جدلية الستر والفضيحة العنوان
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا واقعة في مشكلة ولا أدري إن كان ما تصرفت به صحيحا أم أن نار جهنم تنتظرني، أرجو منكم التكرم ببعض الوقت لقراءة رسالتي وإن أمكن الرد وإخراجي من حيرتي.
منذ أن بلغت من العمر 14 عاما بدأ أبي يتحرش بي، بحيث يضع يده على صدري ويتحسس جسمي، وكان يقول لي: لا تسمحي لأحد غيري أن يمد يده عليك، أنا فقط لأني أبوك.
وتقدمت في العمر وكبر حجم صدري وأصبحت أدرك هذه الأمور والغريزة، وزادت محاولات أبي ولكني كنت أتهرب كثيرا منه، وكان أبي يحاول أن يستغل عدم وجود أمي في البيت ليقوم بمثل هذه الأعمال، أو عندما أذهب إلى النوم فكان يجلس بجانبي ويدخل يده دون أن يراه أحد.
كنت كثيرًا أحاول الهرب والتملص، ولكن كان يبقيني وبقوة، وكنت أقاومه وبكل شراسة وأضربه ضربات قوية بعض الأحيان في ظهره أو بطنه، ولكن دون فائدة، فقوته الجسدية تفوقني كثيرا، خاصة عندما يطرحني أرضا ويجلس فوق بطني.
كنت كثيرة البكاء وانطوائية وأحاول أن أبتعد عن الجميع وكنت أحاول قدر الإمكان أن أبدو بمظهر غير جميل، وملابس غير مرتبة حتى يبتعد عني.. الأمر الذي أدى إلى تعميق كره الرجال لدي.
واستمر الموضوع حتى أنهيت المرحلة الثانوية، والتحقت بالجامعة لدراسة هندسة الحاسوب، ولا يزال الموضوع مستمرا، وكنت أحاول الهرب في هذه المرحلة بالدوام أطول فترة ممكنة في الجامعة، فكنت أذهب للدوام الساعة السابعة صباحا وأعود بعد انتهاء الدوام الساعة الخامسة مساء، وبذلك تجنبت الكثير من الخلوة.
وفي هذا الوقت كبرت أختي التي تصغرني بخمس سنين تقريبا، وكانت في غاية الجمال، أي أنني لا أذكر بجانبها، كما أنها كانت متفوقة في دراستها المدرسية وكانت محبوبة من قبل معلماتها.
الأمر الذي أدى بأبي إلى الانشغال بها بدلا مني، ولجمالها تقدم العديد من الناس لخطبتها وعندما وجدت نفسها بين يدي أبي فضلت الزواج على هذا، ولكن وللأسف كان زواجها سيئ؛ لأن الشخص الذي تزوجت منه يكبرها 15 سنة، وذو عقلية رجعية، ووقعت بين الاثنين، الأمر الذي أدى بها إلى الهروب.
كانيوم خميس حيث كنت في البيت لأن يوم الخميس لا يوجد فيه دوام لي في الجامعة، وأبي كان في العمل وأمي لا أتذكر أين ذهبت، وعاد الجميع من المدرسة إلا أختي.
وبدأنا بالسؤال عليها وكان خالي له متجر فسألناه عنها وقال إنها مرت عليه صباحا وهي ذاهبة إلى المدرسة وأعطته رسالة ولم يفتحها، وعندما فتحناها كانت كاتبة فيها بأنها ذهبت ولن تعود.
وبدأنا بسؤال صديقاتها في المدرسة هل يعرفون شيئا عن مكان وجودها إلا أننا لم نجد أي باب يدلنا على مكان وجودها، وبدأنا بالتفتيش في المدينة التي نسكن في قرية مجاورة لها ولم نجدها، ومن ثم خرجنا خارج المدينة إلى المدن المجاورة ولكن دون فائدة إلى أن جاءنا اتصال من رجل محترم، يعمل في المسجد الذي لجأت له حيث أخذها إلى بيته وسمع قصتها، واتصل بنا وذهب أخي لإحضارها.
وعندما عادت إلى البيت سألتها على انفراد عن السبب الحقيقي لخروجها من البيت؛ فبكت وقالت لي إن أبي حاول أن يمد يده عليها، ولكني قلت لها ألا تقول لأحد وإن شاء الله يصير خيرا، وأنا سأحكي الموضوع. ولكن عندما فكرت لم أجد أحدا أتحدث معه ويسمعني ويتفهم ما سأقول؛ لذلك تراجعت عن الموضوع وبقي الموضوع سرا عندي حتى اليوم.
وبعد أن تزوجت أختي حاولت بعض النسوة الإساءة لها بأعمال السحر، وغاب عقلها في وقت من الأوقات وكانت تغني وترقص وحدها دون وجود أحد، وكنت عندما أقترب منها حاملة المصحف تهرب مني، وكنا نحشرها في غرفة ونجلس عندها ونقرأ عليها القرآن بصوت عال واستمررنا هكذا إلى أن شفيت من السحر.
وبعد أن شفيت مما كانت فيه عزت هذا المرض إلى حالتها النفسية، وأبي وقالت لزوجها، وبعد سماع إخوتي بهذا الخصوص خاصة أخي الكبير جن جنونه وحاول أن يقتلها لولا أني تعرضت له ومنعته من هذا العمل وقلت له إنها ليست بوعيها.
وذهبت إلى الأردن مع زوجها ونسيت مشكلتها تقريبا وعادت الأمور إلى مجاريها سنين.
وبعد ذلك أكملت دراستي الجامعية، وهربا من هذا الموضوع ذهبت للعمل في مدينة أخرى، وكنت أعود إلى البيت في نهاية الأسبوع، وعلى الرغم من ذلك كان أبي مستمرا وكنت في كل مرة أبكي أكثر من التي قبلها. ومع ذلك تعمقت محاولات أبي أكثر من الأول فكان يحاول الوصول إلى الفرج، وكان يستغل فترة الليل حيث كنت أعود يوم الخميس منهكة من التعب والسفر وكنت أنام مبكراً وكان يستغل نوم أمي أيضا مبكرا ويأتي بجانبي ويحاول أن يضايقني، لدرجة أني كنت أقوم من الفراش وأذهب إلى النوم في مكان آخر، أو أضطر أن أبقى مستيقظة وبعيدة عنه حتى يذهب هو للنوم.
وآخرمرة حاول أن يغتصبني، بدأت بالبكاء بصوت عال.. الأمر الذي أبعده عني خوفا من أن تفيق أمي أو إخوتي ويعلموا بالموضوع.
واستمر الحال إلى أن وفقني الله بزوج صالح على خلق ودين والحمد لله وأنا سعيدة جدا في حياتي معه. بالرغم من هذا كنت أخاف من أن يخلو بي أبي.
وبعد سنة من زواجي، تزوج أخي الثاني، ومنذ ما يقارب الشهر وإذا بزوجته تقول له إن أبي عمل حركات غير صحيحة معها، ولكن أبي أنكر هذا وقال إنه فقط سلم عليها سلام أب لابنته.
وعندما قال لي أخي لم أعرف ماذا أقول له سوى بأن يتكتم على الموضوع ويحاول أن ينساه وأن يمنع زوجته من السلام على أبي.
لا أدري ماذا أفعل فالكل معتمد عليّ أمي وإخوتي جميعا، والآن عند أمي بنتين في البيت وأخاف أن يتكرر الموضوع، خاصة أن واحدة منهن بدأت تنضج ويبرز صدرها.
أنا في حيرة دائمة، أريد شخصا يساعدني، لكن لم أستطع إخبار أحد بهذا لا أخي الكبير ولا غيره ولا حتى زوجي، لأن المظهر العام لأبي هو ممتاز فهو يصلي ويصوم وذهب إلى العمرة ثلاث مرات، وجميع الناس يحبونه ويحترمونه جدا ولا أحد يصدق عليه شيئا؛ لدرجة أن خالاتي يحسدون أمي على أبي وأخلاقه وتعامله.
كما أن أبي ليس عاطلا( لا أدري ماذا أقول) فإنه قام على تربيتنا أحسن تربية والجميع يحمدون أخلاقنا.
بالله عليكم أفيدوني، ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف؟
هل أنا مخطئة؟ أنا لا أريد ذلك، وأتمنى من الله ألا ينعكس خطئي إن كنت مخطئة على زوجي وعلى ابني
أيضاأريد نهاية لهذا الموضوع؛ لأني أريد أن نبقى بتلك الصورة في أعين الجميع.
بالله عليكم أفيدوني، وساعدوني في أسرع وقت ممكن.
المشكلة
د.عمرو أبو خليل, د.محمد المهدي اسم الخبير
الحل
يقول د. محمد المهدي، مستشار صفحة مشاكل وحلول للشباب:
الأخت الفاضلة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد سكتم طويلا على خطأ كان جديرا بالتصحيح، وفضلتم جميعا الإبقاء على الشكل الخارجي مع انهيار أشياء في غاية الأهمية والخطورة، فوالدك لديه سلوك مضطرب قد يكون مرضا نفسيا أو على الأقل اضطراب في الشخصية، وهو في حاجة إلى وقفة أسرية وفي حاجة إلى علاج في نفس الوقت.
ولنبدأ بالوقفة الأسرية، فمن المعروف أن حالات الاعتداء الجنسي على المحارم يتوقف معظمها بمجرد مواجهة الشخص من أحد أفراد الأسرة (غير الضحية)، وكانت أمك هي الشخصية التي يجب أن تعرف هذا الأمر، خاصة أنه لم يتوقف عليك بل امتد لأختك، وآذاها في حياتها الشخصية وحياتها الزوجية وأصابها باضطراب نفسي، أرجعتموه أنتم إلى السحر وهي ليست في حاجة إلى سحر؛ لكي تضطرب حالتها فما يفعله بها أبوها أكثر ضررا من أي سحر.
ولست أدري لماذا تكون الأمور أمامنا شديدة الوضوح، ونذهب نحن لنلقيها على أسباب شديدة الغموض كالسحر؟ وهذا يعطل تصحيح الأوضاع واتخاذ القرارات في الوقت المناسب وبالشكل المناسب.
أتصور لو أنك صارحت والدتك مبكرا ستكون هناك بعض المشكلات، ولكنها ستكون أقل بكثير من المآسي التي حدثت، وكان بإمكانها أن تساعدك وتساعد أختك كثيرا وربما توقف هو، كما ذكرت لمجرد علمه بأن الأمر قد افتضح، وأن هناك عينا أو عيونا تراقبه.
ولوافترضنا أن هذا لم يحدث على مستوى الأم فلا مانع من طرحه على مستوى أحد العقلاء في العائلة لكي يشكل حاجزا أقوى أمام شذوذ الأب واضطرابه، وقد يضغط عليه لقبول العلاج النفسي المتخصص.
وهنا يدخل المعالج للسيطرة على الموقف بشكل علمي منضبط، وكل هذا لا يعنى الفضيحة أو هتك ستر الأسرة كما تصورت، وإنما يعني التدخل للسيطرة على السرطان قبل أن يستفحل وينتشر كما حدث لكم.
ما زال الأمر يستوجب المواجهة العاقلة الحازمة، وأقترح عليك وقد وصلت إلى هذه المرحلة العمرية والتعليمية أن تواجهي أباك أولا، وتقترحي عليه العلاج على يد متخصص وتعديه في هذه الحالة أنك سوف تساعدينه وتستري سوأته، فإذا قبل وتعاون في العلاج فهذا يكفي.
أما إذا رفض أو أنكر فعليك بإخبار والدتك لتزيد جبهة الرفض لشذوذه، وإذا لم تنجح والدتك بمساعدتك فلا مانع من الاستعانة بأحد الأقارب الحكماء مع الحرص على أن يظل هذا الأمر في هذه الدائرة الضيقة التي تحاول السيطرة على هذا الأمر دون فضيحة تؤثر على وضع الأسرة في المجتمع.
وإذا لم يكن في الأسرة هذه الشخصية الحكيمة فيمكن اللجوء لأحد علماء الدين الثقات ليكون عضدا لكما في المواجهة.
واعلمي أن المواجهة في حد ذاتها هي بداية العلاج لوالدك، وأن بقاء الأمر طي الكتمان يساعد على استمرار اضطرابه وشذوذه وانتقاله –كما حدث– منك لأختك أو أخواتك ثم لزوجة أخيك.. وهكذا بلا نهاية.
وعلى الرغم من صعوبة قرار المواجهة فإنه مقارنة بقرار الاستمرار أقل خسارة عليكم جميعا، خاصة إذا تمت المواجهة بطريقة حازمة وحكيمة تضع في الاعتبار أننا نواجه جزءا سرطانيا مسموما في شخصية الأب، وعلينا اجتثاثه دون أن نقتل الأب أو نفضح الأسرة.
ومن ناحيته يقول د-عمرو أبو خليل، مستشار صفحة مشاكل وحلول:
هل يمكن أن تصل السلبية والعجز بالإنسان إلى درجة التستر على مجرم أثيم حتى ولو كان الأب.. وهو ليس بالأب فالأبوة ليست صلة بيولوجية.. فالأب الحقيقي هو الذي يحمي ويحتوي ويعطي كل الحب والعاطفة.
فإذا ما كان هو الخطر فمن الحامي؟ وإذا تحول الحب والحنان إلى شهوة حيوانية نحو أقرب الناس والذين حرمت كل الشرائع فضلا عن الفطرة الإنسانية الاقتراب منهن.. فإن هذا الأب لا يصبح أبا.
لا أدري عن أي تربية تتحدثين.. تربية الطعام والشراب والملبس، إنه حتى وهو يفعل ذلك يفعله من أجل شهوته.. فهو يربي هؤلاء البنات حتى إذا كبرن اعتدى عليهن حتى لو صلى وصام واعتمر.
إن هذه الازدواجية التي يعيشها والصورة الكاذبة التي يرسمها أمام الناس تدل على إجرام متأصل في نفسه لا يردعه إلا المواجهة.. لقد كنت أنت الضحية الأولى، وسكوتك أدى إلى وقوع الضحية الثانية، التي وصلت إلى الجنون من شدة ما تعرضت له.
وعندما تحدثت الأخت الثانية وأعلنت ما حدث.. كنت أنت من أعلنت أنها تتحدث من غير وعي ولا أدري لذلك أي سبب أو معنى، خاصة أن المجرم سار في غيه ولم يتوقف عن جريمته الشنيعة، فلو كان الأمر حادثا قديما أو عارضا لقلنا لك حق.. الستر أولى، ولكنه مستمر ويغريه سكوتك، بل تبرعك بالدفاع عنه.
أنت الآن تحولت من ضحية إلى مشاركة في الجريمة، خاصة أن زوجة الأخ قد شكت وأيضا جاءت الفرصة؛ لتوقفي هذا الوحش الأثيم عند حده ولكنك أيضا لم تفعلي.. وها أنت تنتظرين أن يرتكب جريمته الجديدة مع أخواتك.. وهذا منتهى الجرم منك.
ابدئي بأخيك الذي تعرضت زوجته للتحرش وأخبريه أن زوجته محقة في كلامها، وأنه قد حدث معك ما هو أشنع من ذلك، وأن أختك الثانية فعلا قد انهارت نفسيا بسبب جريمة الأب وأن ما قالته كان حقيقة ولم يكن مرضا.
ثم انطلقا معا إلى الأخ الأكبر وأطلعاه على حقيقة الوضع بوضوح وصراحة وخوفك على أخواتك، ثم واجهوا الأب بكل قوة وحسم مع اتخاذ إجراءات لإبعاده تماما عن بناته وإخبار الأم لحماية بناتها ومراقبة هذا المجرم.
هذه ليست فضيحة.. هذه إجراءات داخل نطاق الأسرة لحماية البنات.. كفى ما حدث لأختك من انهيار عقلي.. حرام أن تتركي أخواتك.. هو من فضح نفسه.. هو من أذى نفسه.. إن أقل عقوبة أن يحتقر من أولاده وزوجته ما بقي من عمره حتى ولو وصل الأمر إلى عزله في عيشة مستقلة بعيدًا عن هؤلاء البنات مع إلزامه بالصرف عليهن.
عليك بالمواجهة الحاسمة الحازمة، وإلا فأنت الشريكة في الجريمة ولن يسامحك الله وستلقي أشد العقاب؛ لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
منقول طبعا