قصة قصيرة جدا بعنوان: أيُّ الذاكرتين هي ذاكرتي (!!)قالوا له: إن لم تُجْرَى لك العملية الجراحية اليوم فإنك ستموتُ غدا (!!)التزمَ الصمت لحظة وراح يُفَكِّر ثم سألهم: وماذا لو أجريتها اليوم (!!)أجابوه: ستعيش، ولكنك ستفقد الذاكرة طول حياتك حتى تموت (!!)
سألهم: وبأيِّ الذاكرتين سألقى الله، هل بذاكرتي التي فقدتُها، أم بذاكرتي التي ستمنحني إياها العملية (!!)
لم يتلقَ أيَّ إجابة (!!)
سألهم مجددا: أنا الآن أخطئ واعترف بخطئي، أعصي وأستغفر، أسيءُ وأتوب، فهل ستضمن لي العملية ذاكرةً هويتُها التوبة والاستغفار والاعتراف بالخطإ (!!)
لم يتلقَ أيَّ إجابة (!!)
عاد ليسألهم: ماذا لو ارتكبتُ ذنبا بذاكرتي الجديدة إن لم تكن مجبولة على الاستغفار والاعتراف بالخطإ، هل سيعتبره الله ذنبا مزوَّرا وغير حقيقي مادامت ذاكرتي مزورة وغير حقيقية (!!)
لم يتلقَ أيَّ إجابة (!!)
صمت لحظة انتابته خلالها الحيرة والريبة ثم سألهم: أيُّ الذاكرتين هي هويتي الحقيقية، ومن هو "أنا"، أم أن هويتي ستكون بذاكرتين، وأنايَ سيصبح "أَنَيَيْن"، وفي هذه الحالة هل أنا إنسانٌ أم إنسانان، هل أنا مُكَلَّفٌ أم مُكَلَّفان، هل أنا مخلوقٌ بشريٌّ أم مخلوقان، وهل سأحاسبُ عند الله حسابا واحدا أم حسابين، ولو حوسبت مرة واحدة فهل هذا يعني أن الذاكرة التي لم تُحاسَب مرفوعٌ عنها القلم، وإن حوسِبْتُ حسابين، فهل عدلٌ من الرحمن أن أُحاسَبَ عن سيرتين وعن صحيفتين وعن ذاكرتين وعن هويتين (!!)
لم يُجِبْه أحد (!!)
شَرَدَ في المجهول، ثم قرَّر بعد أن عاد من شروده ألا يُجري العملية (!!)
وعندما سألوه عن السبب قال: أُفَضِّلُ أن أموتَ غدا بذاكرة هويتها الإقرار بالذنب، من أن أموتَ بعد ألف عام بذاكرة لا أضمن أن يكون الإقرار بالذنب مُكَوِّنا من مُكَوِّنات هويتها.. أُفَضِّل أن ألقى الله بـ "أنا" واحدة يقينية من أن ألقاه بشبهة "أَنَيَيْن" (!!)
وفي اليوم التالي مات وهو يستغفر، حتى من الذنوب التي كانت ذاكرته تشتبه في أنه قد يكون ارتكبها (!!)